الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب السلم
قال الأزهري: السَّلَم والسَّلَف واحد، يقال: سَلَمَ وأَسْلَمَ، وسَلَفَ وأَسْلَفَ بمعنى واحد، هذا قول جميع أهل اللغة (1)، كما في "المطلع"(2).
وتعريفه: عَقْدٌ على موصوفٍ بذمة مؤجل بثمن مقبوض بمجلس عقد (3).
وهو جائز بالإجماع، وسنده من الكتاب قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282].
روى سعيد بإِسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أَحله الله تعالى في كتابه، وأذن به، ثم تلا هذه الآية (4).
(1) انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: 217).
(2)
انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 245).
(3)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
(4)
رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 138)، وفي "الأم"(3/ 93 - 94)، وعبد الرزاق في "المصنف"(14064)، والحاكم في "المستدرك"(3130)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 18)، وغيرهم، ورواه البخاري في "صحيحه"(4/ 434 - "فتح الباري") معلقًا.
وذكر المصنف -رحمه الله تعالى- في هذا الباب حديثًا واحدًا، وهو ما ذكره:
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَدِمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ في الثِّمَارِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَقَالَ:"مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيءٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعلُومٍ، وَوَزْنٍ مَغلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعلُومٍ"(1).
* * *
(عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ) المشرفةَ أولَ قدومِه الشريفِ مهاجرًا (وهم)؛ يعني: أهل المدينة (يُسْلِفون في الثمار السنتينِ والثلاثَ) سنينَ، ولفظ مسلم: السنةَ والسنتين (2)، وفي
(1) * في تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2124)، كتاب: السلم، باب: السلم في كيل معلوم، و (2125 - 2126)، باب: السلم في وزن معلوم، و (2135)، باب: السلم إلى أجل معلوم، ومسلم (1604/ 127 - 128)، كتاب: المساقاة، باب: السلم، وأبو داود (3463)، كتاب: الإجارة، باب: في السلف، والنسائي (4616)، كتاب: البيوع، باب: السلف في الثمار، والترمذي (1311)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في السلف في الطعام والتمر، وابن ماجه (2280)، كتاب: التجارات، باب: السلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 124)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (6/ 48)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 305)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 514) و"شرح مسلم" للنووي (11/ 41)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 155)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1143)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 429)، و"عمدة القاري" للعيني (12/ 61)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (4/ 116)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 49)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 342).
(2)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1604/ 127).
لفظ عند البخاري من حديث أبي المنهال، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، والناس يسلفون في الثمر العامَ والعامين، أو قال: عامينِ أو ثلاثةً، شك إسماعيلُ بنُ عُلية (1).
والحاصل: أنهم كانوا منهم من يسلف إلى عام، ومنهم من يسلف إلى عامين، ومنهم من يسلف إلى ثلاثة أعوام، فلا مانع من الكثرة والقلة، حيث كان إلى أمد معلوم له وقعٌ في الثمن عادة، كشهر ونحوه (2).
(فقال) صلى الله عليه وسلم: (من أسلف في شيء) بما يصحُّ السلفُ فيه بحيث يكون مما تنضبط صفاته؛ لأن مالا يمكن ضبطُ صفاته يختلف كثيرًا، فيفضي إلى المنازعة والمشاقة المطلوبِ شرطًا عدمُها (3)، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:(فليسلِفْ في كيل)؛ أي: إذا كان المُسْلَم فيه مكيلًا، فليكن بكيل (معلوم، و) إذا كان المُسْلَم فيه موزونًا، فليكن بـ (وزن معلوم)، وكذا إذا كان المسلَم فيه مذروعًا، فبذراع معلوم، وأن يكون المكيال والرطل والذراع المقدَّرُ به متعارَفًا عند العامة، وهذا مُفادٌ من قوله صلى الله عليه وسلم:"في كيل معلوم"، فلا يصح لو شرط بصنجة أو مكيال أو ذراع لا عرف له (4).
قال ابن المنذر: أجمع كلُّ من يحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم في الطعام لا يجوز بغير مكيال لا يعرف، أو صنجةٍ لا يُعرف عيارُها، ولا في ثوب بذراع فلان أو رطله (5)، حيث كان غير معروف؛ لأنه غرر
(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2124).
(2)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 292).
(3)
انظر: "المبدع" لابن مفلح (4/ 178)، و"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (3/ 297).
(4)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 291).
(5)
انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص: 94).
لا يحتاج إليه العقد، فإن عين فردًا ما له عرف، كمكيال فلان أو رطله، وهما معروفان عند العامة، صح العقد دون التعيين (1).
وعلم من الحديث: أنه لا يصح السلم في مكيل وزنًا، ولا في موزون كيلًا.
وقد نص الإمام أحمد على ذلك؛ لأنه مبيع تشترط له معرفة قدره، فلم يجز بغير ما هومقدر له في الأصل، كما لو أسلم في المذروع وزنًا، فإنه يصح بغير خلاف (2)، وأما في السلم في المكيل وزنًا، والموزون كيلًا، ففيه رواية عن الإمام أحمد، وهو مذهب الثلاثة (3).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إلى أجل معلوم) يعني: اعتبار كون السلم لا يصح أن يكون حالًّا، كانص عليه الإمام أحمد، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، وقال الشافعي: يصح.
ولنا: أن الشارع قد أمر بالأجل، والأمر للوجوب، ولأن السلم رخصة جاز للرفق، ولا يحصل الرفق إلا بالأجل، فإذا انتفى الأجل، انتفى الرفق، فلا يصح، كالكتابة، والحلول يخرجه عن اسمه ومعناه، بخلاف بيوع الأعيان، فإنها لم تثبت على خلاف الأصل (4).
ثم اختلف القائلون باعتبار الأجل، فمذهب الإمام أحمد: اعتبارُ كون الأجل وقع في الثمن عادة؛ لأنه إنما اعتبر لتحقق الرفق، ولا يحصل بمدة لا وَقْعَ لها في الثمن.
(1) انظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (3/ 305 - 306).
(2)
المرجع السابق، (3/ 305).
(3)
انظر: "المغني" لابن قدامة (4/ 192).
(4)
انظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (3/ 156).
والأجل الذي له وقعٌ عادةً كشهر.
وفي "الكافي": كنصفه (1)، وقال مالك باعتبار كون الأجل وقع عادة كمذهبنا، وقدر ذلك بنصف شهر.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن يكون الأجل أقل من ثلاثة أيام، ويصح إلى ثلاثة فصاعدًا (2).
تنبيهات:
الأول: اتفق الأئمة على صحة السلَم بشروط ستة: أن يكون في جنس معلوم، ونوع معلوم، وصفة معلومة، ومقدار معلوم، وأجل معلوم، ومعرفة بمقدار رأس المال.
وزاد أبو حنيفة شرطًا سابعًا، وهو: تسمية المكان ليؤديه فيه إذا كان له حمل ومؤنة، وهذا لازم عند الباقين، وليس بشرط، بعد اتفاقهم على أن يكون الثمن منقودًا، فإن تفرقا قبل قبض رأس مال السلم في المجلس، بطل عند أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد.
وقال مالك: يصح، وإن تأخر رأس مال السلم يومين أو ثلاثة أو أكثر ما لم يكن شرطًا (3).
الثاني: اختلف الأئمة فيما إذا أسلمه للحصاد والجذاذ ونحوهما، فقال مالك بجوازه، ولم يجزه الثلاثة (4).
الثالث: من الشروط المعتبرة عند علمائنا: غلبةُ وجود مسلَم فيه في
(1) انظر: "الكافي" لابن قدامة (2/ 112).
(2)
انظر: "المغني" لابن قدامة (4/ 195).
(3)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (1/ 363).
(4)
المرجع السابق، (1/ 364).
محله، يعني: عند حلوله؛ لأَنه وقت وجوب تسليمه، وإن عدم وقت عقد، كسَلَم في رُطَب وعنب في الشتاء إلى أَمَدٍ معلوم من الصيف، بخلاف عكسه؛ لأنه لا يمكن تسليمه غالبًا عند وجوبه، أشبه بيع الآبق، بل أولى (1)، وهذا مذهب مالك، والشافعي أيضًا.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز السلم إلَّا أن يكون المسلَم فيه موجودًا من حين العقد إلى حين المحل (2).
قلت: وفي "مسند الإمام أحمد"، و"صحيح البخاري" عن عبد الرحمن بن أبزى، وعبد الله بن أبي أوفى، قالا: كنا نصيب الغنائم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم في الحنطة والشعير والزيت إلى أجل مسمى، قيل: أكان لهم زرع أو لم يكن؟ قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك (3).
وفي رواية: كنا نسلف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر في الحنطة والشعير والزيت والتمر، وما نراه عندهم. رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4).
(1) انظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (3/ 310).
(2)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (1/ 364).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 380)، والبخاري (2128)، كتاب: السلم، باب: السلم إلى من ليس عنده أصل.
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 354)، وأبو داود (3464)، كتاب: الإجارة، باب: في السلف، والنسائي (4614)، كتاب: البيوع، باب: السلم في الطعام، وابن ماجه (2282)، كتاب: التجارات، باب: السلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم.