المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يجوز قتله من الحيوان وهو محرم - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٤

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحج

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المحرم من الثياب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الفدية

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يجوز قتله من الحيوان وهو محرم

- ‌باب دخول مكة المشرفة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التمتع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحج إلى العمرة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما نهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب السلم

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌باب ما يجوز قتله من الحيوان وهو محرم

‌باب ما يجوز قتله من الحيوان وهو محرم

وذكر فيه حديثًا واحدًا، وهو ما ذكره:

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالفَأْرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ"(1)

وَلِمُسْلِمٍ: "تُقْتَلُ خَمْسٌ فَوَاسِقُ فِي الحِلِّ وَالحَرَمِ"(2).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (1732)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد، باب: ما يقتل المحرم من الدواب، واللفظ له، و (3136)، كتاب: بدء الخلق، باب: خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، ومسلم (1198/ 68 - 71)، كتاب: الحج، باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، والنسائي (2829)، كتاب: الحج، باب: قتل الحية، و (2888)، باب: قتل الفأرة في الحرم، و (2891)، باب: قتل الغراب في الحرم، والترمذي (837)، كتاب: الحج، باب: ما يقتل المحرم من الدواب.

(2)

رواه مسلم (1198/ 67)، كتاب: الحج، باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، بلفظ:"خمس فواسق يقتلن"، والنسائي (2881)، كتاب: الحج، باب: ما يقتل في الحرم من الدواب، و (2882)، باب: قتل الحية في الحرم، و (2887)، باب: قتل العقرب، و (2890)، باب: قتل الحدأة في الحرم، وابن ماجه (3087)، كتاب: المناسك، باب: ما يقتل المحرم. =

ص: 202

(عن) أم المؤمنين (عائشةَ) الصّدِّيقةِ (رضي الله عنها، وعن أبيها-: (أنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: خمسٌ من الدَّوَابِّ).

قال ابن دقيق العيد: المشهورُ في الرّواية: خمسٌ -بالتّنوين- (1)"فواسِقُ".

قال: ويجوز: "خمسُ فواسقَ" -بالإضافة من غير تنوين- (2).

قلت: عنى حديثَ: "خمسُ فواسقَ"، وهو بهذا اللفظ في "الصّحيحين" حديث ابن عمر (3)، وعائشة (4)، وحفصةَ (5) رضي الله عنهم.

= * مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (2/ 184)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (4/ 150)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (4/ 62)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 204)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 284)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 113)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 32)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 982)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 206)، و"طرح التثريب" للعراقي (5/ 55)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 36)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 182)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 302)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 194)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 95).

(1)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 32).

(2)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(3)

رواه البخاري (1730)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد، باب: ما يقتل المحرم من الدواب، ومسلم (1199)، كتاب: الحج، باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، بلفظ:"خمس من الدواب".

(4)

كما تقدم تخريجه قريبًا.

(5)

رواه البخاري (1731)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد، باب: ما يقتل المحرم من الدواب، ومسلم (1200)، كتاب: الحج، باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، بلفظ:"خمس من الدواب".

ص: 203

وأمّا الرّواية الأولى التي ذكرها المصنّف رحمه الله، فليس لفظُها مما يحتمل ما ذكره ابن دقيق العيد كما لا يخفى، واللَّه أعلم.

والدّوابُّ: جمع دابَّة، وأصلُها: دابِبَة، فأُدغمت إحدى الباءين في الأخرى، وهو اسم لكلّ حيوانٍ، لأنّه يدبُّ على وجه الأرض، والهاء: للمبالغة، ثمّ نقله العرفُ العامُّ إلى ذاتِ القوائم الأربع؛ من الخيلِ والبغالِ والحمير، ويسمَّى هذا: منقولًا عرفيًا (1).

(كلُّهن فاسقٌ يُقْتَلْنَ) -بضم أوّله وفتح ثالثه وسكون رابعه، من غير هاء-.

وفي لفظٍ: "يقتلهن"(2)؛ أي: المرءُ (في الحرم) المكي.

وقوله: "فاسق"، قال القسطلاني: صفة لكل مذكَّر، و"يقتلن": فيه ضميرٌ راجع إلى معنى كُلّ، وهو جمع، وهو تأكيد "خمس"، قاله في "التنقيح"(3).

قال: وتعقّبه في "المصابيح": بأنّ الصّوابَ أن يقال: خمسٌ مبتدأ، وسوّغ الابتداءُ به مع كونه نكرةً وصفُه، و"من الدّواب" في محل رفع على أنّه صفة لخمس.

وقولُه: "كلهنّ فاسق" جملة اسمية في محل رفع أيضًا على أنّه صفة أُخرى لخمس.

(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 301)، نقلًا عن "عمدة القاري" للعيني (10/ 178).

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 302).

(3)

انظر: "التنقيح" للزركشي (2/ 294).

ص: 204

وقوله: "يقتلن" جملة فعليّة في محل رفع على أنها خبر المبتدأ الذي هو خمس.

وأمّا جعلُ "كلُّهنَّ" تأكيدًا لخمس، فمما يأباه البصريون، وجعلُ "فاسقٌ" صفة لـ"كلُّ" خطأٌ ظاهر.

والضمير في "يقتلن" عائد على "خمس"، لا على "كل"؛ إذ هو خبرُه، ولو جُعل خبرَ "كل"، امتنع الإتيان بضمير الجمع؛ لأنّه لا يعود عليها الضّمير من خبرها إلّا مفردًا مذكّرًا على لفظها، على ما صرّح به ابن هشام في "المغني"، (1) انتهى.

وعبر بقوله: "فاسق" بالإفراد.

وفي مسلم كما يأتي "فواسق" بالجمع، وذلك أنّ "كلّ" اسمٌ موضوع لاستغراق أفراد المنكَّر؛ نحو:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء: 35].

والمعرف المجموع؛ نحو: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ} [مريم: 95].

وأجزاء المفرد المعرف؛ نحو: كُلُّ زيدٍ حسنٌ، فإذا قلت: أكلتُ كلَّ رغيفٍ لزيدٍ، كانت لعموم الأفراد، فإن أضفتَ الرّغيفَ لزيد، كانت لعموم أجزاء فرد (2).

وسمّى المذكورات في هذا الحديث فواسقَ؛ لخروجها من حكمِ غيرها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع (3).

(1) انظر: "مغني اللبيب" لابن هشام (ص: 263).

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 302).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 37).

ص: 205

وأصلُ الفسقِ في كلام العرب: الخروجُ، وسمّي الرّجلُ الفاسقُ فاسقًا؛ لخروجه عن أمر اللَّه تعالى (1).

قال في "حياة الحيوان": أصلُ الفسق: الخروجُ عن الاستقامة، والجَوْرُ، وبه سمّي العاصي فاسقًا.

وإنّما سمّيت هذه الحيوانات فواسقَ على الاستعارة؛ لخبثهنّ.

وقيل: لخروجهنّ عن الحرمة في الحلّ والحرم؛ أي: لا حرمةَ لهنَّ بحالٍ.

وقيل: إنّ الفأرة إنّما سمّيت فُوَيْسِقةَ؛ لأنّها عمدَتْ إلى حبال سفينةِ نوح عليه السلام، فقطعتها (2).

وروى الطحاوي في "أحكام القرآن" بإسناده عن يزيد بن أبي نعيم: أنّه سأل أبا سعيدٍ الخدريَّ رضي الله عنه: لمَ سُميت الفأرةُ الفُوَيْسقة؟ قال: استيقظَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة، وقد أخذتْ فأرة فتيلةً لتحرقَ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم البيتَ، فقام إليها، وقتلَها، وأحلّ قتلها للحلالِ والمحرمِ (3).

(الغرابُ): -بضم الغين المعجمة وفتح الرّاء فألف فموحدّة-، سمّي بذلك؛ لسواده، ومنه قوله تعالى:{وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27]، وهما لفظتان بمعنى واحد.

وفي حديمث رشد [ين] بن سعد: أنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ اللَّه يُبغض الشّيخَ الغِرْبيبَ".

(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 302).

(2)

انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 653).

(3)

رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 166 - 167)، وابن عبد البر في "التمهيد"(12/ 175).

ص: 206

فسّره رشد [ين]: بالذي يَخْضِبُ بالسّواد (1).

وفي "النّهاية": أراد: الذي لا يشيب. وقيل: الذي يسوّد شعرَه، انتهى (2).

وجمعه: غِربانٌ، وأَغْرِبَةٌ، وغَرابِيبُ، وغُرْبٌ (3).

وقد جمعها ابنُ مالك في قوله: [من البسيط]

بالغُرُبِ اجمع غِرْبانًا [ثم] أَغْرِبَةً

وَأَغْرُب وَغَرَابِيبٌ وَغِرْبَانُ (4)

ومن فسقِ الغرابِ وخروجِه عن حدّ الاستقامة، وأذاه: أنه ينقر ظهر البعير، وينزع عينه، ويختلس.

وزاد في رواية سعيد بن المسيّب عن عائشة: "الأبقع"(5)، وهو الذي في ظهره وبطنه بياضٌ (6).

وقيل: إنّه سمّي غرابًا؛ لأنّه نأَى واغتربَ لمّا فقدَه نوح عليه السلام ليستخبرَ أمرَ الطُّوفان (7).

(1) رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(3/ 156)، والديلمي في "مسند الفردوس"(560)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 352).

(3)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 153)، (مادة: غرب).

(4)

انظر: "العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 984)، وفي الأصل:"و" بدل "ثم"، والصواب ما أثبت.

(5)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1198/ 67).

(6)

انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (4/ 158)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 114).

(7)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 302).

ص: 207

والعربُ تتشاءم به، ولذلك اشتقوا من اسمه: الغُرْبَة، والاغترابَ، والغريب (1).

وغُراب البَيْنِ: [هو] الأبقع.

قال الجوهري: هو الذي فيه سوادٌ وبياض (2).

وقال صاحب "المجالسة": سمّي غرابَ البين؛ لأنّه بانَ عن نوح عليه السلام لمّا وجهه لينظر الماءَ، فذهبَ ولم يرجعْ، فلذلك العربُ تشاءموا به (3).

وذكر ابنُ قتيبة: أنّه سمّي فاسقًا -فيما أرى-؛ لتخلُّفه حينَ أرسلَه نوحٌ عليه السلام ليأتيَهُ بخبر الأرض، فترك أمرَه، ووقع على جيفةٍ (4).

تنبيه:

المراد بالغراب في الحديث: الغرابُ الأبقعُ الفاسقُ الحرامُ الأكل، وأمّا غُرابُ الزَّرْعِ، فأكلُه حلال؛ كالزّاغ، فلا يحلُّ قتلُهما في الحرم، ولا للمحرم (5).

وفي "سنن ابن ماجه"، والبيهقى من حديث عائشة رضي الله عنها:"الغُرابُ فاسق"(6).

(1) انظر: "الحيوان" للجاحظ (3/ 437).

(2)

انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 2084)، (مادة: بين).

(3)

انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 626).

(4)

انظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (1/ 326 - 327). وانظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 626).

(5)

انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 631).

(6)

رواه ابن ماجه (3249)، كتاب: الصيد، باب: الغراب، والبيهقي في "السنن =

ص: 208

وفي "سنن ابن ماجه" أيضًا: قيل لابن عمر رضي الله عنهما: أيؤكلُ الغراب؟ قال: ومن يقول بعدَ قولِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنّه فاسق؟ (1)

(والحِدَأَةُ): -بكسر الحاء وفتح الدّال المهملتين-.

وفي القسطلاني: أنّ في فرع اليونينية -بسكون الدّال-، انتهى (2).

وفي "المطالع": الحِدأة لا يُقال إلا بكسر الحاء.

وقد جاء: الحِداءُ، وهو جمعُ حِدَأَة، أو مُذَكَّرُها.

وجاء: الحُدَيَّا؛ على وزن الثُّرَيَّا، والحُمَيَّا (3).

قال في "حياة الحيوان": هي أخسُّ الطَّير، وكنيتهُ: أبو الخطّاف، وأبو الطيّب، وجمعها: حَدَأٌ -بفتح الحاء-، [و] حِدْآن.

قال الجوهري: مثلُ عِنَبَة وعِنَب (4).

قال الخطّابي: أرادَ بفسق الحدأة: تحريمَ أكلها (5)، انتهى (6).

أو لأنّها تؤذي النّاس بخَطْف طعامهم، ففي كتاب "المجالسة" للدّينوري عن عثمان بن عفّان رضي الله عنه، قال: كان سعدُ بنُ أبي وقّاص رضي الله عنه بين يديه لحمٌ، فجاءت حِدَأة فأخذته، فدعا

= الكبرى" (9/ 316)، وكذا الإمام أحمد في "المسند" (6/ 209).

(1)

رواه ابن ماجه (3248)، كتاب: الصيد، باب: الغراب.

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 303).

(3)

وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 184).

(4)

انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 43)، (مادة: حدأ)، ووقع عنده:"مثل: قصبة وقصب".

(5)

انظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 603).

(6)

انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (1/ 266).

ص: 209

عليها سعد، فاعترض عظمٌ في حلقِها، فوقعت ميتةً (1).

(والعقربُ): واحدُ العقارب، وهي مؤنّث، والأنثى عقربةٌ، وعقرباءُ -ممدودةٌ غير مصروفةٍ-، ولها ثمانيةُ أرجُل، وعيناها في ظهرِها.

ومن عجائب أمرِها أنّها لا تضربُ الميتَ ولا النّائم حتّى يتحركَ شيءٌ من بدنِه، فعندَ ذلك تضربه، تلدغ، وتؤلم إيلامًا شديدًا، وربَّما لسعت الأفعى فتموت.

ومنه قول الشّاعر: [من الطويل]

تَمُوتُ الأَفَاعِي مِنْ سُمُومِ العَقَارِبِ

وتأوي إلى الخنافس، وتسالمها، ومن شأنها أنّها إذا لدغت الإنسانَ، فَرَّتْ فرارَ مسيءٍ يخشى العقابَ.

وفي ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لدغت النّبيَّ صلى الله عليه وسلم عقرب وهو في الصّلاة، فلمّا فرغَ، قالَ:"لعنَ اللَّهُ العقربَ، ما تَدَعُ مُصَلِّيًا ولا غَيْرَهُ، اقْتُلُوها في الحِلِّ والحَرَمِ"(2).

والعقاربُ القاتلة تكون في موضعين؛ بشهرزور، وبعسكر مكرم، تلسع فتقتل، وربّما تناثر لحمُ من لَسَعَتْه، أو بعضُ لحمه، واسترخى، حتّى إنّه لا يدنو منه أحدٌ إلّا وهو يمسك أنفه مخافةَ إعدائه.

ومن عجيب أمرها: أنّها مع صغرها تقتلُ الفيلَ والبعيرَ بلسعتها.

وبنَصيبين عقاربُ قتّالةٌ، يقال: إنّ أصلَها من شَهْرَزور، وإنّ بعضَ

(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(20/ 350).

(2)

رواه ابن ماجه (1246)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في قتل الحية والعقرب في الصلاة.

ص: 210

الملوك حاصرَ نصيبينَ، فأتى بالعقاربِ من شهرزور، وجعلها في كيزانِ المنجنيق.

وذكر الجاحظ: أنّه كان في دار نصرِ بنِ حجّاجٍ السّلميِّ عقاربُ إذا لسعَتْ قتلتْ، فدبَّ ضيف لهم على بعضِ أهل الدّار، فضرب العقربُ في مذاكيره، فقال نصر يعرّض به:[من المتقارب]

وَدَارٍ إِذَا نَامَ سُكَّانُهَا

أَقَامَ الْحَدُودَ بِهَا الْعَقْرَبُ

إِذَا غَفَلَ النَّاسُ عَنْ ذَنْبِهِمْ

فَإِنَّ عَقَارِبَهَا تَضْرِبُ

قال: فدخل إلى الدّار، فقال: هذه عقاربُ تُسقى من أسودَ سالخ، ونظر إلى موضع في الدّار، فقال: احفروا، فوجدوا أسودين ذكرًا وأنثى (1).

(والفَأرةُ) -بهمزة ساكنة-، والمراد: فأرةُ البيت، وهي الفُوَيْسِقة.

وكنية الفأرة: أُمُّ خرابٍ؛ لأنّه ليس في الحيوان أفسدُ من الفأر، ما يُبقي على خطيرٍ ولا جليلٍ إلّا أهلكه وأتلَفَه.

ولا يخفى ما بينَ الهرّ والفأر من العداوة، وسببُ ذلك: ما رواه ابنُ أبي حاتم عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن أبيه: أنّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: لمّا حملَ نوح في السّفينةِ مِنْ كُلٍّ زوجينِ اثنينِ، قالَ أصحابُه: كيفَ نطمئنُّ أو تطمئنُّ المواشي، ومعنا: الأسدُ، فسلَّطَ اللَّه عليه الحُمَّى، فكانَتْ أَوَّلَ حُمَّى نزلَتْ في الأرض، فهو لا يزالُ محمومًا، ثمّ تَشَكَّوا الفأرةَ، فقالوا: الفويسقة تفسدُ علينا طعامَنا ومتاعَنا، فأوحى اللَّهُ إلى الأسدِ، فعطسَ، فخرجتِ الهرَّةُ

(1) انظر: "الحيوان" للجاحظ (4/ 217 - 218). وانظر فيما ذكره الشارح رحمه الله عن العقرب: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 584) وما بعدها.

ص: 211

منه، فتخبّأتِ الفأرةُ منها (1). وهذا حديثٌ مرسلٌ.

وفي "سنن أبي داود": وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما، قال: جاءت فأرة، فأخذَتْ تجرُّ الفَتيلة، فجاءت بها، فألقَتْها بينَ يَدَيْ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم على الخُمْرَةِ التي كانَ قاعِدًا عليها، فأحرقَتْ منها قدرَ موضِع درهمٍ (2).

الخمرةُ: السّجادةُ الّتي يسجد عليها المصَلِّي، سمّيت بذلك؛ لأنّها تُخَمَّر الوجهَ؛ أي: تغطّيه.

ورواه الحاكم عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: جاءت فأرةٌ، فأخذت تجرُّ الفتيلةَ، فذهبت الجاريةُ تزجُرُها، فقال النّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"دَعيها"، فجاءت بها، فألقتها بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الخُمْرَة التي كان قاعدًا عليها، فأحرقَتْ منها موضعَ درهم، فقال صلى الله عليه وسلم:"إذا نِمْتُمْ، فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ؛ فإنَّ الشّيطانَ يدلُّ مثلَ هذهِ على هذا، فتحْرِقُكم"، ثمّ قال: صحيحُ الإسناد (3).

وفي "صحيح مسلم"، وغيره: أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم أمر بإطفاء النّار عند النّوم (4).

وعلّل ذلك أَنَّ الفويسقة تُضرم على أهل البيتِ بيتَهم (5).

(1) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(6/ 2031).

(2)

رواه أبو داود (5247)، كتاب: الأدب، باب: في إطفاء النار بالليل.

(3)

رواه الحاكم في "المستدرك"(7766).

(4)

رواه مسلم (2012)، كتاب: الأشربة، باب: الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وإغلاق الأبواب، وذكر اسم اللَّه عليها، وإطفاء السراج والنار عند النوم، عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه.

(5)

انظر ما نقله الشارح رحمه الله هنا: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 653).

ص: 212

(والكلبُ العَقُور): الجارحُ المعروفُ.

وفي "النّهاية": المرادُ به كلُّ سَبُعٍ يَعْقِر؛ [أي]: (1) يجرح ويقتل ويفترس؛ كالأسد والنمر والذئب، سمّاها كلبًا؛ لاشتراكها في السَّبُعيّة. والعقورُ من أبنية المبالغة (2).

وقال السرقسطي في "غريبه": الكلبُ العقور يقال لكل عاقر، حتّى اللصّ المقاتل، كذا قال (3).

قال علماؤنا: يحرمُ اقتناءُ الكلبِ الأسودِ البهيم، وهو ما لا لونَ فيه غيرُ السّواد، ولا يخرجه عن كونه بهيمًا بياض ما بين عينيه، جزم به في "المغني"(4)، واختاره المجد (5).

وفي "الغاية"(6): يخرجُه ذلك عن كونه أسودَ بهيمًا؛ خلافًا "للإقناع"(7)، انتهى.

وذكر جماعةٌ الأمرَ بقتله، فدلَّ على وجوبه، ذكره الشّيخ الموفّق.

وذكر الأكثر: إباحةَ قتله.

قال في "الفروع": ويؤخذ من كلام أبي الخطّاب وغيره: أنّ العقورَ مثلُ الأسود البهيم، إلّا في قطع الصّلاة.

(1) في الأصل: "أو"، والصواب ما أثبت.

(2)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 275).

(3)

نقله العيني في "عمدة القاري"(10/ 181 - 182)، وعنه نقله القسطلاني في "إرشاد الساري"(3/ 303)، وعنه نقل الشارح رحمه الله.

(4)

انظر: "المغني" لابن قدامة (4/ 173).

(5)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (6/ 293).

(6)

انظر: "غاية المنتهى" للشيخ مرعي الحنبلي (6/ 349).

(7)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 330).

ص: 213

قال: وهو مُتَّجه، وأولى؛ لقتلِه في الحرم.

قال سيدنا الشّيخُ عبدُ القادر في "الغُنية": يحرم تركُه، قولًا واحدًا، ويجب قتلُه؛ ليدفع شرّه عن النّاس.

ودعوى نسخ القتل مطلقًا إلّا المؤذي؛ كقول الشّافعيّة، دعوى بلا برهان.

ويقابله قتلُ الكَلِب، كما قال مالك، انتهى (1).

مراد سيدنا الشّيخ عبد القادر -روّح اللَّه روحه-: أنّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ بقتل الكلاب، كما في "صحيح مسلم" من حديث عبد اللَّه بن مغفل رضي الله عنه، ثمّ قال صلى الله عليه وسلم:"ما بالهم وبال الكلب؟ "، ثمّ رخّص في كلبِ الصّيد، وكلبِ الغنم (2)، فحمل الشّافعيّةُ الأمر بقتِلها على الكَلْب الكَلِب، والكلبِ العقور، وما عدا ما لا ضررَ فيه من الكلاب لا يجوز قتله، وقالوا: الأمر بقتل الكلاب منسوخٌ (3).

واقتصر الرّافعيُّ على الكراهة، وتبعه في "الروضة"، وزاد: أنّها كراهة تنزيه (4).

قال الدّميري: لكن قال الشّافعي في "الأم" في باب: الخلاف في ثمن الكلب: واقتلِ الكلابَ التي لا نفعَ فيها حيثُ وجدتَها (5) وهذا هو الرّاجح

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (6/ 293).

(2)

رواه مسلم (280)، كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب.

(3)

انظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي (7/ 285).

(4)

انظر: "روضة الطالبين" للنووي (3/ 147).

(5)

انظر: "الأم" للإمام الشافعي (3/ 12).

ص: 214

في "المهمّات"، فلا يجوز اقتناءُ الكلب الذي لا منفعَة فيه، وذلك لما في اقتنائها من مفاسد التّرويع والعقر للمار (1).

وفي "القسطلاني": اختلف كلامُ النّووي، فقال في البيع من "شرح المهذّب": لا خلاف بين أصحابنا في أنّه محترم لا يجوز قتلُه، وقال في التيّمم والغصب: إنَّه غير محترم، وقال في الحج: يكره قتله كراهيةَ تنزيه (2)، وتقدّم كلام الرّافعي، و"الرّوضة".

وعند الإمام مالك: يجوز قتلُ كل كلب حتَّى كلب صيد.

(و) في رواية (لمسلم) في "صحيحه": (تُقتل) -بضم التّاء المثنّاة فوق وسكون القاف، مبنيًا للمجهول- (خمسٌ فواسقُ)؛ أي: يقتلهن الحلال والمحرم (في الحِلِّ والحَرَمِ).

المشهور في الرّواية: تنوينُ "خمس"، ويجوز بالإضافة من غير تنوين.

وبينَ التّنوين والإضافة في هذا فرقٌ دقيق في المعنى، كما قال ابن دقيق العيد، وذلك أنّ الإضافة تقتضي الحكمَ على خمسٍ من الفواسق بالقتل، وربما أشعرَ التّخصيصُ بخلاف الحكم في غيرها بطريق المفهوم.

وأمّا مع التّنوين، فإنّه يقتضي وصفَ الخمس بالفسق من جهة المعنى، وقد يُشعر بأنّ الحكم المرتَّبَ على ذلك، وهو القتلُ، معلَّلٌ بما جُعل وصفًا، وهو الفسق، فيقتضي ذلك التّعميمَ لكلّ فاسقٍ من الدّوابِّ، وهو ضدُّ ما اقتضاه الأوّلُ من المفهوم، وهو التّخصيص (3)، وهذا مقتضى كلام علمائنا.

(1) انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 770).

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 303).

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 32 - 33).

ص: 215

قال في "الفروع": يُستحبُّ قتلُ كل مؤذٍ من حيوان وطير، جزم به في "المستوعب"، وغيره، وهو مراد من أباحه.

نقل حنبل؛ يعني: عن الإمام أحمد رضي الله عنه: يقتل المحرِمُ الكلبَ العقورَ، والذئبَ، والسّبعَ، وكلَّ ما عداه من السّباع.

ونقل أبو الحارث: يقتل السّبع، عدا عليه، أو لم يَعْدُ؛ وفاقًا لمالك، والشّافعي.

وقال الإمام أبو حنيفة: يقتل ما في الخبر، والذئب، وإلا، فعليه الجزاء.

وعن أبي حنيفة: العقورُ وغيرُ العقور، والمستأنس والمستوحش منهما سواءٌ؛ لأنّ المعتبر في ذلك الجنس، وكذا الفأرة الأهلية والوحشيّة سواءٌ.

قال أصحابه: ولا شيء في بَعوضٍ وبراغيثَ وقُرادٍ؛ لأنّها ليست بصيدٍ، ولا متولّدَةٍ من البدن، ومؤذيةٌ بطبعها، وكذا النَّمل المؤذي، وإلّا لم يحلّ قتله، لكن لا جزاء؛ للعلة الأولى.

ولنا: أنّ اللَّه علّق تحريم صيد البّر بالإحرام، وأراد به المصيد؛ لقوله تعالى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} [المائدة: 95]، وقوله:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96]، ولأنه أضاف الصّيد إلى البّر، وليس المحرّم صيدًا حقيقةً؛ (1) ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:"الضَّبُعُ صَيْدٌ، وفيه كَبْشٌ مُسِنٌّ" رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وذكره ابن السّكن في "صحاحه" من حديث جابر (2).

وعن عبد الرّحمن بنِ أبي عمَّارٍ، قال: سألت جابرَ بنَ عبد اللَّه

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 323).

(2)

رواه الحاكم في "المستدرك"(1663).

ص: 216

-رضي الله عنهما عن الضَّبع: أصيدٌ هي؟ قال: نعم، قلت: أتؤكل؟ قال: نعم، قلت: أقاله رسول اللَّه؟ قال: نعم. أخرجه الترمذي وغيره، وقال: حسنٌ صحيح (1)، وقال: سألت البخاري عنه، فقال: إنّه حديث صحيح.

وفي النسائي، وابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها:"خمسٌ يقتلهنّ المحرُم"، فذكر فيهنّ الحيةَ (2).

وللدارقطني: "يقتل المحرمُ الذئبَ"(3).

وفي "مسلم" عن إحدى نسوة النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنّه كان يأمر بقتل الكلب العقور، وفيه: والحيّة (4).

ولمسلم من حديث ابن مسعود: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ بقتل حَيَّةٍ بمنًى (5).

قلت: وهو أيضًا في "البخاري"، ولفظه: عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه، قال: بينما نحن مع النّبي صلى الله عليه وسلم في غارٍ بمنًى، إذ نزل عليه:{وَالْمُرْسَلَاتِ} ، وإنّه ليتلوها، وإنّي لأتلقّاها من فيه، وإنّ فاه لرطب بها، إذ وثبتْ علينا حيّة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اقتلوها"، فابتدرناها، فذهبت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَما وُقِيتمُ شَرَّها"(6).

(1) رواه الترمذىِ (1791)، كتاب: الأطعمة، باب: ما جاء في أكل الضبع.

(2)

تقدم تخريجه عند النسائي برقم (2829)، وابن ماجه برقم (3087)، واللفظ للنسائي، ولفظ ابن ماجه:"خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم. .".

(3)

رواه الدارقطني في "سننه"(2/ 232)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(4)

رواه مسلم (1200/ 74)، كتاب: الحج، باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(5)

رواه مسلم (2235)، كتاب: السلام، باب: قتل الحيات وغيرها.

(6)

رواه البخاري (1723)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد، باب: ما يقتل المحرم من الدواب.

ص: 217

قال أبو عبد اللَّه البخاري: إنّما أردنا بهذا أنّ منًى من الحرم، وأنّهم لم يروا بقتل الحيّة بأسًا (1).

قال في "الفروع" بعد ذكر الخمس الفواسق: فنصّ من كل جنس على أدناه تنبيهًا، والتّنبيهُ مقدَّم على المفهوم إن كان؛ فإنّ اختلاف الألفاظ يدلّ على عدم القصد، والمخالف لا يقول بالمفهوم، والأسدُ كلبٌ كما في دعائه صلى الله عليه وسلم على عُتبةَ بنِ أبي لهب، (2) ولأنّ ما لا يُضْمَنُ بقيمته ولا مثلِه، لا يضمن بشيء؛ كالحشرات؛ فإنّ عندهم لا يجاوز بقيمته شاة؛ لأنه محاربٌ مؤذ، قلنا: فلهذا لا جزاء فيه.

وعند زفر: تجبُ قيمتُه بالغةً ما بلغتْ، وهو أقيسُ على أصلهم (3).

والحاصل: أنّ المعتمدَ عدمُ اختصاص المذكورات بإباحة القتل في الحرم والإحرام، بل كل مؤذٍ فحكمه كذلك، والعددُ لا مفهوم له عند الأكثر.

والتّنبيهُ بما ذكر يدلّ على جواز قتل البازي، والصقر، والشاهين، والعقاب، والفهد، والباشق، والذّباب، والبقّ، والبعوض، والبرغوث والنَّسر.

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 41).

(2)

رواه الحاكم في "المستدرك"(3984)، عن أبي نوفل بن أبي عقرب، عن أبيه قال: كان ابن أبي لهب يسب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم سلط عليه كلبك"، فخرج في قافلة يريد الشام، فنزل منزلًا فقال: إني أخاف دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا له: كلا، فحطوا متاعهم حوله، وقعدوا يحرسونه، فجاء الأسد فانتزعه فذهب به. قال الحاكم: صحيح الإسناد. وحسنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(4/ 39).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 324).

ص: 218

فقد نقل أبو داود عن الإمام أحمد: يَقتل كلَّ ما يؤذيه، انتهى (1).

ويقتلُ الوَزَغَ؛ لما في "الصّحيحين"، والنّسائي، وابن ماجه، عن أم شريك: أنّها استأمرتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في قتل الوَزَغِ، فأمرها بذلك (2).

وفي "الصحيحين" أيضًا: أنّه صلى الله عليه وسلم: أمرَ بقتل الوزغِ، وسمّاه فويسقًا، وكان ينفخ النّار على إبراهيم.

وكذلك رواه الإمام أحمد في "مسنده"(3).

وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة: أن النّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً في أَوَّلِ ضَرْبَةٍ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، ومَنْ قتلَهُا في الثانيةِ، فلهُ كَذا وكَذا حَسَنَةً، لدُونِ الأَوَّلِى، [وإن قتلها في الضربة الثالثة، فله كذا وكذا حسنة، لدون الثانية] "(4).

وفيه أيضًا: "من قتلَها في الضَّربةِ الأولى، فله مِئَةُ حسنةٍ، ومَنْ قتلَهُا في

(1) انظر: "مسائل الإمام أحمد - رواية أبي داود"(ص: 176). وانظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 324 - 325).

(2)

رواه البخاري (3180)، كتاب: الأنبياء، باب: قول اللَّه تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]، ومسلم (2237)، كتاب: السلام، باب: استحباب قتل الوزغ، والنسائي (2885)، كتاب: الحج، باب: قتل الوزغ، وابن ماجه (3228)، كتاب: الصيد، باب: قتل الوزغ.

(3)

رواه مسلم (2238)، كتاب: السلام، باب: استحباب قتل الوزغ، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 176)، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بلفظ:"أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقتل الوزغ، وسماه فويسقًا". أما قوله: "وكان ينفخ النار على إبراهيم" فهو من حديث أم شريك السالف ذكره. ولم يروه البخاري من حديث سعد رضي الله عنه، وإنما رواه من حديث عائشة رضي الله عنها (3130) وفيه: وزعم سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله.

(4)

رواه مسلم (2240/ 146)، كتاب: السلام، باب: استحباب قتل الوزغ.

ص: 219

الضَّربةِ الثانيةِ، فلهُ دونَ ذلكَ، وفي الثالثةِ دونَ ذلكَ" (1).

وفي الطبراني عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقْتُلُوا الوَزَغ وَلَوْ في جَوْفِ الكَعْبَةِ"(2).

وفي "مسند الإمام أحمد"، "وسنن ابن ماجه": عن عائشة رضي الله عنها: أنّه كان في بيتها رمحٌ موضوع، فقيل لها: ما تصنعين بهذا؟ فقالت: نقتلُ به الوزغَ؛ فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنّ إبراهيم عليه السلام لمّا أُلقي في النّار، لم يكن في الأرض دابّةٌ إلّا أطفأتْ عنه النارَ، غير الوزغِ؛ فإنّها كانت تنفخُ عليه، فأمر صلى الله عليه وسلم بقتلها (3).

والوزغ -بالتحريك- معروفة، وهي وسام أبرص جنس، فسام أبرص [هو] كبارُه (4).

واتّفق العلماء على أنّ الوزغ من الحشرات المؤذية.

وقال ابن دقيق العيد: من عَلَّلَ بالأذى يقول: إنّما خُصَّتْ هذه الأشياءُ بالذّكر؛ ليتنبّه بها على ما في معناها، وأنواعُ الأذى مختلفةٌ فيها، فيكونُ ذكرُ كلِّ نوعٍ منها منبهًا على جواز قتل ما فيه ذلك النّوع، فنبّه بالحية والعقرب على ما يُشاركهما في الأذى باللسع؛ كالبرغوث مثلًا.

ونبّه بالفأرة على ما أذاه بالنّقب والقرض؛ كابن عِرْس.

(1) رواه مسلم (2240/ 147)، كتاب: السلام، باب: استحباب قتل الوزغ.

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(11495)، وفي "المعجم الأوسط"(6301).

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 83)، وابن ماجه (3231)، كتاب: الصيد، باب: قتل الوزغ.

(4)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (14/ 236).

ص: 220

ونبّه بالغراب والحِدأَة على ما أذاه بالاختطاف؛ كالصقر والبازي.

ونبّه بالكلب العقور على كل عادٍ بالعقر والافتراس بطبعه؛ كالأسد والفهد والنّمر (1).

والحاصل: أنّه لا تأثيرَ لحرمٍ ولا إحرامٍ في تحريم حيوان إنسيٍّ؛ كبهيمة الأنعام، ولا في محرّم الأكل غيرِ المتولّد بين مأكولٍ وغيره، فإنّه يفدى، وإن حرم أكله، تغليبًا لجانب الحظر.

فيستحب قتلُ الفواسقِ، وقتلُ كلِّ ما كان طبعُه الأذى، وإن لم يوجد منه أذًى.

نعم، يحرم على محرِم لا على حلال، ولو في الحرمِ قتلُ قملٍ وصِئْبانه (2) من رأسه وبدنه، ولو بزئبق ونحوه، وكذا رميه، ولا جزاء فيه، واللَّه تعالى الموفق (3).

* * *

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 34).

(2)

الصئبان: واحدها صُؤَابة، وهي بيضة القمل والبرغوث. انظر:"القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 133).

(3)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 582 - 583).

ص: 221