الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب حرمة مكة
قال ابن الجوزي: قال الزجّاج: مَكَّةُ لا ينصرف؛ لأنّها مؤنّثة، وهي معرّفة، يصلح أن يكون اشتقاقها كاشتقاق بَكَّةَ؛ لأن الميم تبدَل. يقال: ضَرْبةُ لازِمٍ، ولازِبٍ، ويصلح أن يكون من قولهم: امتكَّ الفصيلُ ما في ضرع النّاقة: إذا مصَّ مصًّا شديدًا حتّى لا يُبقي فيه شيئًا، فسُميت بذلك؛ لشدّة ازدحام النّاس فيها (1).
وقال ابن فارس: تمكَّكْتُ العَظْمَ: إذا أخرجتُ مُخَّهُ، والتَّمَكُّكُ: الاستقصاء (2).
وفي الحديث: "لا تُمَكِّكُوا على غُرَمائِكُم"(3)؛ أي: لا تُلحُّوا عليهم.
وفي تسميتها بهذا الاسم أربعةُ أقوال:
أحدها: أنّها مثابة يؤمُّها النّاسُ من كل فَجٍّ، فكأنّها التي تجذبهم، من قول العرب: مَكَّ الفصيلُ ما في ضَرْع النّاقة.
الثاني: أنها من قولهم: مككتُ الرّجلَ: إذا رددت نخوته، فكأنّها تَمُكُّ من ظَلَمَ فيها؛ أي: تهلكه، وأنشدوا:[من الرجز]
(1) انظر: "مثير العزم الساكن" لابن الجوزي (ص: 130).
(2)
انظر "مجمل اللغة" لابن فارس (3/ 816)،) (مادة: مكَّ).
(3)
كذا ذكره أبو عبيد في "غريب الحديث"(3/ 122)، وتبعه ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث"(4/ 349). ولم أقف عليه في كتب الحديث المشهورة، واللَّه أعلم.
يا مَكَّةُ الفَاجِرَ مُكِّي مَكَّا
…
وَلا تَمُكَي مَذْحِجًا وَعَكَّا (1)
الثالث: أنّها سُميت بذلك؛ لجهد أهلها.
الرّابع: لقلة الماء فيها -يعني: بحسب ما كان-.
وقد اتّفق العلماء أنّ مكّة اسمٌ لجميع البلدة.
وأما بَكَّة -بالباء-، فقيل اسمٌ لبقعة الكعبة، وقيل: هو ما حول البيت، ومكةُ ما دون ذلك، وقيل: بكةُ: المسجدُ والبيتُ، ومكةُ: اسم للحرم كلّه، قاله الزهري (2).
وقيل: بكّة هي مكّة، كما قاله الضّحاك (3).
واشتقاق بكّة: من البَكِّ، وهو الدّفعُ، يقال: بكّ النّاسُ بعضُهم بعضًا: أي دفع، وسمّيت بذلك؛ لأنّها تبكُّ أعناقَ الجبابرة؛ أي: تَدُقُّها، فما قصدَها جبّارٌ إلّا وفضحه اللَّه، قاله ابن الزّبير (4).
وقيل: لأنّها تضع من نخوة المتكبرين (5).
والمراد من حرمتها: تحريمها، على ما يأتي.
وذكر الحافظ -روح اللَّه روحه- في هذا الباب حديثين.
* * *
(1) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (9/ 468)، (مادة: مكك)، و"أساس البلاغة" للزمخشري (ص: 601)، و"أخبار مكة" للفاكهي (2/ 282)، و"معجم البلدان" لياقوت (5/ 182)، و"لسان العرب" لابن منظور (10/ 491)، (مادة: مكك).
(2)
رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(4/ 10).
(3)
رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(4/ 10).
(4)
انظر: "أخبار مكة" للأزرقي (1/ 89).
(5)
انظر: "مثير العزم الساكن" لابن الجوزي (ص: 130 - 131).