الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
عَنْ عُروَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ وَأَنَا جَالِسٌ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِير العَنَقَ، فإذَا وَجَدَ فَجْوَةً، نَصَّ (1).
العَنَقُ: انْبِسَاطُ السَّيْرِ، والنَّصُّ: فَوْقَ ذَلِكَ.
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1583)، كتاب: الحج، باب: السير إذا دفع من عرفة، و (2837)، كتاب: الجهاد والسير، باب: السرعة في السير، و (4151)، كتاب: المغازي، باب: حجة الوداع، ومسلم (1286/ 283)، كتاب: الحج، باب: الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، وأبو داود (1923)، كتاب: المناسك، باب: الدفع من عرفة، والنسائي (3023)، كتاب: الحج، باب: كيف السير من عرفة، وابن ماجه (3017)، كتاب: المناسك، باب: الدفع من عرفة.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 203)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (4/ 296)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 362)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 392)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 34)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 76)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1055)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 220)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 518)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 6)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 201)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 140).
(عن عُرْوَةَ بنِ الزبيرِ) بنِ العوَّام: هو أبو عبد الله، القرشيُّ، الأسديُّ، سمع أباه وأمَّه أسماءَ بنتَ أبي بكر الصديقِ، وخالتهَ عائشةَ أُمَّ المؤمنين رضي الله عنهم، وسمع العبادلَةَ، وغيرَهم من كبار الصحابة رضي الله عنهم، وروى عنه: ابنُه هشام، والزهري، وعمرُ بنُ عبد العزيز، وغيرهم.
ولد سنة اثنتين وعشرين، ومات سنة أربع وتسعين، قاله الجمهور.
وقال البخاري: سنة تسع وسبعين.
وهو من كبار التابعين، وأحدُ الفقهاء السبعة من أهل المدينة.
قال ابن شهاب: كان عروةُ بحرًا لا تكدِّره الدلاء (1).
وأما أبوه الزبير: فهو -بضم الزاي- ابنُ العَوَّامِ بنِ خُويلدِ بنِ أسدِ بنِ عبدِ العُزَّى بنِ قُصَيٍّ، القرشيُّ، الأسديُّ، أمه صفيةُ بنتُ عبد المطلب عمةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلمت وهاجرت إلى المدينة، وقد أسلم الزبير قديمًا، وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل: سنة عشر، وقيل: وهو ابن ثمان سنين،
(1) رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في "المعرفة والتاريخ"(1/ 255)، وابن عبد البر في "التمهيد"(8/ 6)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(40/ 251).
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 178)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (7/ 31)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (6/ 395)، و"الثقات" لابن حبان (5/ 194)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (2/ 176)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (40/ 237)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (2/ 85)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 305)، و"تهذيب الكمال" للمزي (20/ 11)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 421)، و"تذكرة الحفاظ" له أيضًا (1/ 62)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (7/ 163).
وقيل: اثنتي عشرة سنة، وكان إسلامه بعد إسلام الصديق بقليل، قيل: كان رابعًا أو خامسًا.
وهو أحدُ العشرة المشهودِ لهم بالجنة، هاجر رضي الله عنه للحبشة، ثم للمدينة، وهو أولُ من سلَّ سيفًا في سبيل الله، شهدَ المشاهدَ كلَّها، وشهدَ اليرموكَ وفَتْحَ مصر.
وقال النّبي صلى الله عليه وسلم في حقه: "لِكُلِّ نِبَيٍّ حَوَارِيُّ، وحَوارِيَّ الزُّبَيْرُ"(1).
وكنيته: أبو عبد الله، وكان رضي الله عنه يوم الجمل قد ترك القتال وانصرف، فلحقه جماعة منهم: ابن جرموز، فقتله بوادي السباع بناحية البصرة، وقبره هناك مشهور، وذلك في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين، وكان عمره يومئذٍ سبعًا وستين سنة، وقيل: ستًا وستين -رضوان الله عليه- (2).
(قال) عروة بن الزبير -رحمه الله تعالى، ورضي عن آبائه-:(سُئِل) -بضم السين المهملة مبنيًا لما لم يسم فاعله- (أسامة) -بالرفع نائب الفاعل-، وهو أسامة -بضم الهمزة- (بنُ زيد) بنِ حارثةَ حِبُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وابنُ حِبِّهِ، يُكنى: أبا محمد، وحارثة -بالحاء المهملة والثاء المثلثة-، القضاعيُّ، الأسلميُّ؛ لأنه من ولد أَسْلُم -بضم اللام- بنِ الحافِ -بالحاء المهملة وكسر الفاء- بنِ قضاعةَ -بضم القاف والضاد المعجمة-.
(1) رواه البخاري (6833)، كتاب التمني، باب: بعث النبي صلى الله عليه وسلم الزبير طليعة وحده، ومسلم (2415)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(2)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3/ 100)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (1/ 41)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (2/ 553).
وأم أسامةَ: هي أمُّ أَيْمَنَ بَرَكَةُ، حاضنةُ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكانت حبشيةً مولاةً لأبيه عبدِ الله بنِ عبدِ المطلبِ، فهو مولى النّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وابنُ مولاته، وابنُ مولاه أيضًا؛ لأن زيدًا مولى النّبي صلى الله عليه وسلم.
وأيمنُ الذي كُنيت به أُمُّ أسامةَ هو أيمنُ بنُ عبيدِ بنِ عمرِو بنِ بلالٍ، الأنصاريُّ الخزرجيُّ، استشهد يوم حنين، وهو أخو أسامةَ لأمه.
وكان أسامة رضي الله عنه أفطسَ أسودَ كالليل.
قال ابنُ سعدٍ: وكان زيدٌ أبيضَ أشقرَ، فلهذا كانت الجاهلية تقدَحُ في نسب أسامة، فلما دخل القائف، ورأى أقدامَهما بارزةً، قال: إن هذهِ الأقدامَ بعضُها من بعض، ففرح النّبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك، (1) وسُرَّ بقول مُجَزِّز: إن هذه الأقدامَ بعضُها من بعض.
وكان يقال له: الحِبُّ بنُ الحِبِّ.
والحِبُّ -بكسر الحاء-: المحبوبُ.
وفي "الصّحيحين": أنه صلى الله عليه وسلم قال في حقِّ زيدِ بنِ حارثةَ والدِ أسامة: "وايمُ اللهِ! إنْ كانَ لَخليقًا بالإمارةِ، وإنْ كانَ لَمِنْ أَحَبِّ الناسِ إليَّ، وإنَّ هذا -يعني: أسامةَ- لَمِنْ أَحَبِّ الناسِ إليَّ بَعْدَهُ"(2).
(1) رواه البخاري (3525)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم (1459)، كتاب: الرضاع، باب: العمل بإلحاق القائف الولد، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
رواه البخاري (3524)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم (2426)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد رضي الله عنهما، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وفي الترمذي: عن ابن عمر: أن عمر رضي الله عنهما فرض لأسامةَ بنِ زيدٍ ثلاثةَ آلافٍ وخمس مئة، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف، فقال عبد الله لأبيه: لِمَ فَضَّلْتَ أسامةَ عليَّ، فوالله! ما سبقني إلى مشهد؟ فقال عمرُ: لأن زيدًا كانَ أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيكَ، وكان أسامة أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فآثرتُ حِبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على حِبَّي (1).
ويروى أنه فرض لأسامة خمسة آلاف، ولابنه ثلاثة آلاف.
والأحاديثُ في نحو ذلك كثيرة.
وقد استعمله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة، وقُبض النّبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشرين سنة.
توفي رضي الله عنه بوادي القرى بعد قتلِ عثمان، وقيل: مات في آخر أيام معاوية.
وصحح ابن عبدِ البر: أنه مات سنة أربع وخمسين.
واعتزل الفتنة رضي الله عنه.
روي له عن النّبي صلى الله عليه وسلم مئةٌ وثمانية وعشرون حديثًا، كما قاله ابن حزم.
اتفق "الصحيحان" منها على خمسةَ عشر، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بحديثين.
ودفن في البقيع من المدينة المنورة، ويأتي لذكره تتمة في ترجمة والده زيد رضي الله عنه بعد -إن شاء الله تعالى- (2).
(1) رواه الترمذي (3813)، كتاب: المناقب، باب: مناقب زيد بن حارثة رضي الله عنه، وقال: حسن غريب.
(2)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (4/ 61)، و"التاريخ الكبير" =
قال عروةُ: سُئل أسامةُ (وأنا جالس) معه، أو عنده، والواو للحال:(كيفَ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يسير) في حجة الوداع (حينَ دفعَ؟)؛ أي: انصرف من عرفة إلى المزدلفة، وسُمي دفعًا، لازدحامهم إذا انصرفوا، فيدفع بعضهم بعضًا (1).
(قال) أسامة رضي الله عنه: (كان) صلى الله عليه وسلم (يسيرُ العَنَقَ) العَنَقَ -بفتح العين والنون- منصوبٌ على المصدرية انتصابَ القَهْقَرى في قولهم: رجعَ القهقرى، أو التقدير: يسير السير العنق، وهو السيرُ بينَ الإبطاء والإسراع، (2) يقال: أَعْنَقَ يُعْنِقُ إِعناقًا -بكسر الهمزة-، فهو مُعْنِق، والاسمُ: العَنَق -بالتحريك- (3)، (فإذا وَجَدَ) صلى الله عليه وسلم (فَجوةً) -بفتح الفاء وسكون الجيم-؛ أي: متسعًا.
وفي البخاري: قال أبو عبد الله -يعني: نفسه-: فجوة: متسع، يريد: المكان الخالي عن المارة، والجمعُ فَجَوات، وفِجاء -بكسر الفاء والمد-، وكذلك رَكوة -بفتح الراء-، ورِكاء -بكسرها مع المد- (4).
= للبخاري (2/ 20)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (2/ 283)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 2)، و"المستدرك" للحاكم (3/ 688)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (1/ 75)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (8/ 46)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (1/ 521)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (1/ 194)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 125)، و"تهذيب الكمال" للمزي (2/ 338)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 496)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (1/ 39).
(1)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 201).
(2)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 310).
(4)
انظر: "صحيح البخاري"(2/ 600)، عقب حديث (1583) المتقدم تخريجه.
(نَصَّ) -بفتح النون والصاد المهملة المشددة-، أي: سار سيرًا شديدًا، يبلُغ به الغايةَ.
قال الحافظ المصنف -رحمه الله تعالى-: (العَنَقُ) -بفتح العين والنون-: (انبساطُ السيرِ)، وهو اتساعه، ومنه: بسط له من الدنيا ما بسط؛ أي: وسع (1)، (والنصُّ: فوقَ ذلك)، فهما ضربان من السير، والنصُّ أرفعُهُما (2)، فإن في "النهاية": النَّص: التحريك حتى يستقصي أقصى سير الناقة، وأصلُ النصِّ: أقصى المشي وغايتُه، ثم سُمي به ضرب من السير سريع، انتهى (3).
وفي الحديث دليل على أنه عند الازدحام كان يستعمل السير الأخف، وعند وجود الفجوة -وهو المكان المنفسح- يستعمل السيرَ الأشدَّ، وذلك باقتصاد، كما جاء في الحديث الآخر:"عَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ"(4) كما قاله ابن دقيق العيد (5).
وهذا الحديث وما بعده ليس مما يتعلق بفسخ الحج إلى العمرة، فكأَن الترجمة باب: فسخ الحج إلى العمرة وغيره، على عادته، فسقطت لفظة "غيره" من بعض النساخ، والله أعلم.
(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 101).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 76).
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 63)، وعنده:"حتى يَستخرجَ" بدل "حتى يستقصي".
(4)
رواه البخاري (866)، كتاب: الجمعة، باب: المشي إلى الجمعة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 76).