الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: الفِطْرِ والنَّحْرِ، وعن الصَّمَّاءِ، وأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وعَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ والعَصْرِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِتَمَامِهِ (1)، وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ الصَّوْمَ فَقَطْ (2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه مسلم (827/ 140 - 141)، كتاب: الصيام، باب: النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، مقتصرًا على ذكر النهي عن صيام يوم الفطر والأضحى فقط.
قلت: ولم أر التنبيه على قول المصنف: "أخرجه مسلم بتمامه"، مع اقتصار مسلم على ذكر الصوم فقط، عند الشارح رحمه الله، أو عند غيره من شراح "العمدة". نعم، نبه الزركشي في "النكت" (ص: 188) على قول المصنف: "وأخرج البخاري الصوم فقط"، وترك التنبيه على رواية مسلم.
(2)
رواه البخاري (1890)، كتاب: الصوم، باب: صوم يوم الفطر، بتمامه. قلت: واستغرب الزركشي في "النكت"(ص: 188) قول المصنف رحمه الله: "أخرجه مسلم بتمامه، وأخرج البخاري الصوم فقط"، فقال: قد أخرجه البخاري بتمامه في هذا الباب من "صحيحه"، وترجم عليه:"باب: صوم يوم الفطر"، ثم قال عقيبه:"باب الصوم يوم النحر" وذكره أيضًا، لكن بدون "الصماء" و"الاحتباء"، وكأن المصنف لم ينظر هذا، وإنما نظر في باب ستر العورة، فإنه ذكر طرقًا منه دون الصوم والصلاة، انتهى. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلت: إلا أنه يستدرك على استدراك الزركشي رحمه الله قوله الأخير: "وإنما نظر -يعني: المصنف- في باب ستر العورة، فإنه ذكر طرفًا منه دون الصوم والصلاة".
قلت: هو كذلك، إلا أنه لا يأتي مع قول المصنف رحمه الله:"وأخرج البخاري الصوم فقط"؛ لأن الزركشي قصد الرواية التي فيها ذكر اشتمال الصماء والاحتباء دون الصوم والصلاة، والمصنف رحمه الله قصد الرواية التي فيهما الصوم فقط.
قلت: والذي يظهر لي: أن عبارة المصنف رحمه الله فيها قلب واضح؛ كأنه أراد أن يقول: أخرجه البخاري بتمامه، وأخرج مسلم الصوم فقط، فلعل ذلك كان سبق قلم، أو سهوًا منه رحمه الله، والعصمة للَّه وحده.
والحديث رواه البخاري أيضًا (360)، كتاب: الصلاة في الثياب، باب: ما يستر من العورة، و (5484)، كتاب: اللباس، باب: الاحتباء في ثوب واحد، و (5927)، كتاب: الاستئذان، باب: الجلوس كيفما تيسر، وأبو داود (2417)، كتاب: الصوم، باب: في صوم العيدين، والنسائي (5340)؛ كتاب: الزينة، باب: النهي عن اشتمال الصماء، والترمذي (1758)، كتاب: اللباس، باب: ما جاء في النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في الثوب الواحد، وابن ماجه (3559)، كتاب: اللباس، باب: ما نهي عنه من اللباس.
قلت: ورواية البخاري التي ذكرها المصنف رحمه الله هي أتم الروايات من بين أصحاب الكتب الستة، وكذا رواية أبي داود.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"عارضة الأحوذي" لابن العربي (7/ 261)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 199)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 244)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 908)، و"فتح الباري" لابن رجب (2/ 180)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 188)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 477، 4/ 240)، و"عمدة القاري" للعيني (4/ 75)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 417).
(عن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه، قال: نهى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم) نهيَ تحريم (عن صوم يومينِ: الفطرِ و) يومِ (النحرِ).
قال في "الفروع": يحرم صوم يومَي العيدين إجماعًا؛ للنهي المتفق عليه، ولا يصح فرضًا؛ وفاقًا لأبي حنيفة، والشافعي، ولا نفلًا؛ وفاقًا لمالك، والشافعي.
وقيل: يصح فرضًا، نقله مهنا في قضاء رمضان؛ لأنه إنما نهى عنه؛ لأن الناس أضيافُ اللَّه، وقد دعاهم، فالصومُ تركُ إجابة الداعي، ومثل هذا لا يمنع الصحة، ولم يصح النفل؛ لأن الغرض به الثواب، فنافته المعصية.
ومذهب أبي حنيفة وصاحبيه: لا يصح صومُ العيدين عن واجب في الذمة، ويصحُّ عن نذره المعين، والتطوع به، مع التحريم، ولا يلزم بالشروع، ولا يقضي عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف: يلزم، ويقضي، وعند محمد: كقولهما.
وذكر عندنا في "الواضح" رواية: أنه يصح عن نذره المعين.
وجهُ انعقادهِ: أن النهيَ لا يرجع إلى ذات المنهي عنه.
ووجهُ عدمِ الانعقاد: النهيُ المقتضي الفساد.
وفي "مسلم" من حديث أبي سعيد: لا يصلح الصيام في يومين (1)، "والبخاري": لا صوم في يومين (2).
والنهيُ دليلُ التصور حِسًّا؛ كما في عقود الربا، ونكاح المحارم، وهو متحقق هنا؛ فإنَّ من أمسكَ فيه مع النية عامدًا إجماعًا، وبأنه لو نذر صوم يوم عيد بعينه، فقضاه في يوم عيدٍ آخر، لم يصح، ولا نُسلِّم أن النهي لم
(1) تقدم تخريجه برقم (827/ 140).
(2)
رواه البخاري (1139)، كتاب: التطوع، باب: مسجد بيت المقدس.
يرجع إلى عين المنهي عنه؛ لأن النص إضافة إلى صوم هذا اليوم كإضافته النهي إلى الصلاة من حائض ومحدِثٍ (1).
قال الإمام النووي: أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال، سواء صامهما عن نذر، أو تطوع، أو كفارة، أو غير ذلك، ولو نذر صومهما متعمدًا لعينهما؛ فعند الشافعي والجمهور: لا ينعقد نذرُه، ولا يلزمه قضاؤهما.
وقال أَبو حنيفة: ينعقد، ويلزمه قضاؤهما، قال: وإن صامهما، أجزأه، وخالف الناسَ كلَّهم في ذلك، انتهى (2).
قلت: دعوى مخالفته للناس كلِّهم مجردة، وهي غير ناهضة، فمعتمد مذهبنا: أن من نذر صوم يوم العيد ونحوه، لا يجوز الوفاء به، ويقضي الصوم، ويُكَفِّر، فإن وفى به، أثم، ولا كفارة.
قال في "الفروع": وإن نذر صومَ يوم عيد، قضاه؛ وفاقًا لأبي حنيفة، نصره القاضي وأصحابه، وعنه: لا؛ وفاقًا لمالك، والشافعي، وعليهما: يكفِّر، على الأصح من المذهب؛ خلافًا للثلاثة.
قال ابن شهاب: ينعقد، ولا يصومه، ويقضي، وصح منه القربة، ولغا منه تعيينه؛ لكونه معصية، واللَّه أعلم (3).
(و) نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (عن الصَّمَّاءِ) -بفتح الصاد المهملة وتشديد الميم والمد-، قال الفقهاء: أن يَشتمل بثوب واحد ليس عليه غيرُه، ثم يرفعه من أحد جانبيه، فيضعه على منكبـ[ـيـ]ـه، فالنهي عنه لكونه يؤدِّي
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 94 - 95).
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (8/ 15).
(3)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (6/ 360).
إلى انكشاف العورة، قاله غير واحد من أهل اللغة.
وقال الأصمعي: هو أن يشتمل بالثوب الواحد يسترُ به جميعَ جسده؛ بحيث لا يتركُ فرجةً يُخرج منها يده، وهذا مطابق للفظ الصماء (1).
وحكمة النهي لأحد وجهين:
أحدهما: أنه إذا تخلل به، لا يتمكن من الاحتراز والاحتراس إن أصابه شيء، أو نابه مؤذٍ، ولا يمكنه أن يتقيه بيديه؛ لإدخاله إياهما تحت الثوب الذي اشتمل به.
أو: أنه يخاف منه أن يدفع إلى حالة سادَّة لمتنفسه، فيهلك فيها حتمًا إذا لم يكن فيه فرجة (2).
(و) نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (أن يحتبيَ الرجلُ في ثوبٍ واحد).
زاد الإسماعيلي: لا يواري فرجَه بشيء.
قال في "الفتح": الاحتباء: أن يقعد على أليتيه، وينصب ساقيه، ويلفَّ عليه ثوبًا، ويقال له: الحبوة، وكانت من شأن العرب (3).
قال في "الفروع": "ولما نهى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الصمَّاء، لم يقيده بالصلاة، وقرنه بالاحتباء، فظاهر ذلك لا يختص بالصلاة، قال: ويجوز
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 246). وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 46)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 54)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 477)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 417).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 246).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 477)
الاحتباء، وعن الإمام أحمد: يكره، وعنه: المنع، ويحرم مع كشف عورته، انتهى (1).
(و) نهى صلى الله عليه وسلم (عن الصلاة بعد الصبح)، (و) بعدَ (العصر)، وتقدم الكلام على هذه الأحكام في محالها من الصلاة.
(أخرجه) أي: حديثَ أبي سعيد هذا- الإمامُ (مسلم) بنُ الحجاج في "صحيحه"(بتمامه) على هذا النسق، (وأخرج) الإمام محمد بن إسماعيل (البخاريُّ) في "صحيحه" منه (الصوم فقط) من غير ذكر الصماء والاحتباء وما بعدهما (2)، واللَّه أعلم.
* * *
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 300 - 301).
(2)
قلت: قد ذهل الشارح رحمه الله عن تخريج المصنف رحمه الله، وقد بيَّنا في صدر الحديث سهو المصنف، أو سبق قلمه فيما قاله، فانظره في موضعه.