الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: نهى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ تُتَلَقَّى الرُّكبَانُ، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمسَارًا (1).
* * *
(عن) حبر الأمة وأبي الأئمة (عبدِ الله بنِ عباس رضي الله عنهما،
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2055)، كتاب: البيوع، باب: هل يبيع حاضر لباد بغير أجر؟ وهل يعينه أو ينصحه؟ و (2055)، باب: النهي عن تلقي الركبان، و (2154)، كتاب: الإجارة، باب: أجر السمسرة، ومسلم (1521)، كتاب: البيوع، باب: تحريم بيع الحاضر للبادي، وأبو داود (3439)، كتاب الإجارة، باب: في النهي أن يبيع حاضر لباد، والنسائي (4500)، كتاب: البيوع، باب: التلقي، وابن ماجه (2177)، كتاب: التجارات، باب: النهي أن يبيع حاضر لباد.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 110)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 367)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 164)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 129)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1115)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 370)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 282)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (4/ 71)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 21)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 264).
قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) نهيَ تحريم -كما تقدم- (أن تُتَلَقَّى) -بضم التاء الأولى مبنيًا لما لم يسم فاعله- (الركبانُ) -بالرفع- نائبُ فاعل، وتقدم في حديث أبي هريرة -ثاني أحاديث الباب-. (و) نهى صلى الله عليه وسلم (أن يبيعَ حاضر) بالبلد عارفٌ بالسعر (لبادٍ)؛ أي: قادم على بلد من غير أهلها-، سواء كان من أهل البادية، أو من أهل القرى؛ لأن العلة واحدة.
(قال) طاوس: (فقلت لابن عباس) رضي الله عنهما: (ما قوله) صلى الله عليه وسلم: (حاضر لباد)؟ (قال) ابن عباس- رضي الله عنهما: (لا يكونُ) الحاضرُ (له)؛ أي: للبادي (سمسارًا).
قال في "القاموس": السمسار -بالكسر-: المتوسط بين البائع والمشتري، والجمع: سماسرة، والسمسار -أيضًا-: مالكُ الشيء وقَيِّمُه، والسفير بين المحبين، وسمسار الأرض: العالم بها، وهي بهاء، والمصدر: السمسرة، انتهى (1).
والمراد هنا: الأول.
قال في "المنتهى وشرحه": كان حضر بادٍ -أي: قدم على بلد إنسانٌ من غير أهلها-، لبيع سلعة بسعر يومها، أَو جهل السعرَ، وقصده -أي: قصدَ القادمَ- لبيع سلعته حاضرٌ بالبلد عارفٌ بالسعر، وكان بالناس إلى السلعة التي حضر القادم بها ليبيعها حاجةٌ، حرمت مباشرة الحاضرِ القاصدِ القادمَ لبيع سلعته للبيع له -أي: للقادم بالسلعة-، وبطل البيع على الأصح، سواء رضي أهل البلد بذلك، أو لا، وفي الأصح: فإن فقد شيء مما ذكر، بأن قدم لا لبيع سلعته، أو لبيعها، ولكن لا يجهل السعر، أو جهله، ولكن لم يقصده الحاضرُ العارف بالسعر، أو قصده، وكان غيرَ عارف بالسعر، أو
(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 526)، (مادة: سمر).
كان كذلك، ولكن لم يكن بالناس حاجةٌ إلى السلعة، صح البيع، كشراء الحاضر للبادي، كان وجدت هذه الشروط كلها، بطل البيع على الأصح، نص عليه الإمام أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد، وكذا في مذهب مالك على إحدى الروايتين عنه، وقال مالك في رواية أخرى: يفسخ العقد عقوبةً، وروي عنه: لا يفسخ، وكرهه أبو حنيفة، والشافعي، مع صحته عندهما، ولا يخفى قوة القول ببطلانه، لظاهر الحديث (1).
وفي حديث ابن عمر- رضي الله عنهما: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد. رواه البخاري، والنسائي (2).
وفي حديث جابر رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبيع حاضر لباد، دعوا الناس يرزقُ الله بعضُهم من بعض" رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3).
وفي حديث أنس رضي الله عنه: نُهينا أن يبيع حاضر لباد، وإن كان أخاه لأبيه وأمه. متفق عليه (4).
(1) انظر: "منتهى الإرادات مع شرحه" للفتوحي والبهوتي (3/ 160).
(2)
رواه البخاري (2051)، كتاب: البيوع، باب: من كره أن يبيع حاضر لباد بأجر، والنسائي (4497)، كتاب: البيوع، باب: بيع الحاضر للبادي.
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 307)، ومسلم (1522)، كتاب: البيوع، باب: تحريم بيع الحاضر للبادي، وأبو داود (3442)، كتاب: الإجارة، باب: في النهي أن يبيع حاضر لباد، والنسائي (4495)، كتاب: البيوع، باب: بيع الحاضر للبادي، والترمذي (1223)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء: لا يبيع حاضر لباد، وابن ماجه (2176)، كتاب: التجارات، باب: النهي أن يبيع حاضر لباد.
(4)
روى البخاري (2053)، كتاب: البيوع، باب: لا يبيع حاضر لباد بالسمسرة، ومسلم (1523/ 21)، كتاب: البيوع، باب: تحريم بيع الحاضر للبادي، =
ولأبي داود والنسائي: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد، وإن كان أباه أو أخاه (1).
فهذه الأحاديث -مع تنوع مخارجها واتحاد معانيها- تدل دلالة ظاهرة على ما ذهب إليه الإمام أحمد؛ لأن النهي فيها وارد على نفس البيع، فلا جرم قلنا ببطلانه حيث وجدت فيه الشروط التي ذكرناها.
قال علماؤنا وغيرهم: والمعنى في ذلك: أن البادي إذا تُرك يبيع سلعته، ربما باعها برخص، وهو الغالب، فتحصل التوسعةُ على الناس، بخلاف ما إذا تولى الحاضر، فإنه لا يبيع إلا بسعر البلد، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله:"دعوا الناس يرزق اللهُ بعضَهم من بعض"(2).
قال في "الفروع": وإن أشار حاضر على باد، ولم يباشر له بيعًا، لم يكره، خلافًا لما لك. قال: ويتوجه: إن استشاره، وهو جاهل بالسعر، لزم بيانه، لوجوب النصح، كان لم يستشره، ففي وجوب إعلامه -إن اعتقد جهلَه به- نظرٌ، بناء على أنه هل يتوقف وجوب النصح على استنصاحه؟ ويتوجه: وجوبه. وكلام الأصحاب لا يخالف هذا، انتهى (3).
= واللفظ له، لكنه قال:"وإن كان أخاه وأباه".
(1)
رواه أبو داود (3440)، كتاب: الإجارة، باب: في النهي أن يبيع حاضر لباد، والنسائي (4492)، كتاب: البيوع، باب: بيع الحاضر للبادي، لكن بلفظ الشيخين سواء.
ورواه بلفظ: "وإن كان أخاه لأبيه وأمه": ابن أبي شيبة في "المصنف"(20905).
(2)
تقدم تخريجه قريبًا. وانظر: "المغني" لابن قدامة (4/ 150)، و"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (3/ 160).
(3)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (4/ 35).