المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٤

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحج

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المحرم من الثياب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الفدية

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يجوز قتله من الحيوان وهو محرم

- ‌باب دخول مكة المشرفة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التمتع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحج إلى العمرة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما نهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب السلم

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ

‌الحديث الثاني

عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَّرَقَا"، أَوْ قَالَ:"حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا، وَبَيَّنَا، بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإنْ كتَمَا وَكَذَبَا، مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا"(1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (1973)، كتاب: البيوع، باب: إذا بيَّن البيعان ولم يكتما ونصحا، و (1976)، باب: ما يمحق الكذب والكتمان في البيع، و (2002)، باب: كم يجوز الخيار، و (2004)، باب: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، و (2008)، باب: إذا كان البائع بالخيار هل يجوز البيع، ومسلم (1532)، كتاب: البيوع، باب: الصدق في البيع والبيان، وأبو داود (3459)، كتاب: الإجارة، باب: في خيار المتبايعين، والنسائي (4457)، كتاب: البيوع، باب: ما يجب على التجار من التوقية في مبايعتهم، و (4464)، باب: وجوب الخيار للمتبايعين قبل افتراقهما، والترمذي (1246)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"المفهم" للقرطبي (4/ 384)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 176)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1089)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 329)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 194)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (4/ 24)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 289). وانظر: مصادر الشرح السابقة.

ص: 471

(عن) أبي خالد (حَكيم) -بفتح الحاء المهملة وكسر الكاف- (بن حِزام) -بكسر الحاء المهملة وبالزاي- ابنِ خُويلد بنِ أسدِ بنِ عبدِ العُزَّى بن قُصَيٍّ، القرشيِّ، الأسديِّ، المكيِّ، وهو ابن أخ خديجةَ بنتِ خويلدٍ أمِّ المؤمنين رضي الله عنهما.

ولد حكيم بن حزام (رضي الله عنه) في جوف الكعبة، ولا يُعرفُ أحدٌ وُلِدَ فيها غيرُهُ، وما قيل: إنَّ عليًّا وُلِدَ بها أيضًا، فضعيف (1).

وكان ميلادُ حكيم قبل الفيل بثلاث عشرةَ سنةً، وهو من أشراف قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام، وهو من مُسلمة الفتح، هو وبنوه: عبد الله، وخالد، ويحيى، وهشام، وكلهم صحابة، وكان حكيم عاقلًا سريًا فاضلًا نقيًا، حَسُنَ إسلامه بعد أن كانَ من المؤلفة قلوبُهم، أعتق في الجاهلية مئة رقبة، وحمل على مئة بعير، وكان مع المشركين يوم بدر، فنجا من القتل، فكان إذا حلف بعد أن أسلم، قال: لا والذي نجاني يوم بدر (2)!

قال ابن الجوزي في "منتخب المنتخب": وأعتق مئة رقبة في الإسلام أيضًا، وكذا ذكر أبو نعيم في "الحلية"، ومات بالمدينة في داره سنة أربع وخمسين، وقيل: ثمان وخمسين، وله مئة وعشرون سنة، ستون في الجاهلية، وستون في الإسلام.

روى عنه: عروةُ بنُ الزبير، وسعيدُ بنُ المسيَّب، وموسى بنُ طلحة.

وقال حكيم للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أرأيت أشياءَ كنتُ أفعلها في

(1) وممن نصَّ على ضعفه: ابن الجوزي في "مثير العزم الساكن"(ص: 293).

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(3071)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(15/ 128).

ص: 472

الجاهلية أتحنَّثُ بها، أَلي فيها أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أسلمْتَ على ما أسلفت من خير"(1).

ومناقبه كثيرة، وكان قد عَمِيَ قبل موته.

رُوِيَ له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعون حديثًا، اتفقا منها على أربعة (2).

* فائدة: من كان عمره مثل حكيم بن حزام في الجاهلية والإسلام سُمِّيَ مُخَضْرَمًا، وقد شاركه في ذلك حسانُ بنُ ثابت، ونوفلُ بنُ معاوية، وحُويطبُ بنُ عبدِ العزى، وحِمْيَرُ بنُ عوفِ بنِ عبدِ عوفٍ، وسعيدُ بنُ يربوع، والنابغةُ الجعديُّ، وأميةُ بنُ ربيعةَ، وأوسُ بنُ معنٍ السَّعديُّ، واللجلاجُ، والربيعُ بنُ صبيح الفزاريُّ، ولكنه عاش وكبر وذلك على الخلاف ستون في الإسلام، يعني: من حين ظهوره واشتهاره، لا من ابتداء إسلامه (3)، والله أعلم.

قال حكيم: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البَيِّعَانِ) إطلاقُ البائع على المشتري

(1) رواه مسلم (123)، كتاب: الإيمان، باب: بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده.

(2)

وانظر ترجمته في: "الثقات" لابن حبان (3/ 70)، و"الآحاد والمثاني" لابن أبي عاصم (1/ 419)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (3/ 202)، و"المستدرك" للحاكم (3/ 549)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (1/ 362)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (15/ 93)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (2/ 58)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 169)، و"تهذيب الكمال" للمزي (7/ 170)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (3/ 44)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (2/ 112)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (2/ 384).

(3)

انظر: "جزء من عاش مئة وعشرين سنة من الصحابة" لابن منده، و"جزء فيه أهل المئة" للذهبي.

ص: 473

إما على سبيل التغليب، أو أن كلًا منهما بايع (بالخيار) -بكسر الخاء المعجمة-، والمراد به: خيار المجلس (ما لم يتفرَّقا)، وفي رواية النسائي:"يفترقا" -بتقديم الفاء (1) -، ونقل ثعلب عن المفضل بن سلمة: افترقا بالكلام، وتفرقا بالأبدان، وردَّه ابن العربي، لقوله تعالى:{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: 4]، فإنه ظاهر في التفرق بالكلام، إلا أنه بالاعتقاد، وأجيب بأنه من لازمه في الغالب؛ لأنه من خالف آخر عقيدته، كان مستدعيًا لمفارقته إياه ببدنه، ولا يخفى ضعف هذا الجواب.

والحق حملُ كلام المفضل على الاستعمال بالحقيقة، وإنما استعمل أحدهما في موضع الآخر اتساعًا (2).

وإذا تفرقا، لزم البيع، والمراد: التفرق بالأبدان -كما تقدم-.

وهل له حدٌّ ينتهي إليه؟ المشهور الراجح من مذاهب العلماء في ذلك: أنه موكول إلى العرف، فكل ما عُدَّ في العرف تفرقًا، حُكم به، وما لا، فلا (3)، (أو قال صلى الله عليه وسلم: حَتّى يتفرقا) من مجلس العقد الذي عقدا به البيع، (فإن صدقا وبيَّنا)؛ أي: صدق البائع في إخبار الشاري مثلًا، وبيَّن العَيبَ إن كان في السلعة، وصدق المشتري في قدر الثمن مثلًا، وبيَّن العيب إن كان في الثمن، ويحتمل أن يكون الصدق والبيان بمعنى واحد، وذكر أحدهما تأكيدًا للآخر (4) (بُورك لهما في بيعهما)؛ أي: بارك الله لكل واحد منهما في صفقته، فالبائع يُبارك له في الثمن، والمشتري يبارك له في السلعة.

(1) كما تقدم تخريجه عنه قريبًا.

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 327).

(3)

المرجع السابق: (4/ 329).

(4)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

ص: 474

والبركة: هي الزيادةُ والنماءُ والكثرةُ والاتساعُ (1)؛ أي: تحصل البركة لكل واحد من المتبايعين، والنماء والزيادة بما آل إليه، وقبضه مع الصدق والبيان (وإن كتما)؛ أي: كتم كل واحد منهما ما في الذي دفعه لصاحبه من عيب، (وكَذَبا)؛ أي: كذب كل واحد منهما في قدر الثمن والمثمَّن الذي في الإخبار بذلك، (مُحقتْ بركةُ بيعِهما) المحق: النقص والمحو والإبطال (2)، وفي الحديث:"الحَلِفُ مَنْفَقَة للسلعةِ، مَمْحَقَة للبركةِ"(3)، وفي الحديث:"ما محقَ الإسلامَ شيءٌ ما محقَ الشحُّ"(4)، فيحتمل أن يكون معنى هذا الحديث على ظاهره، وأن شؤم التدليس والكذب وقع في ذلك العقد لمحق بركته، وإن كان الصادق مأجورًا والكاذب مأزورًا، ويحتمل أن يكون ذلك مختصًا بمن وقع منه التدليس والعيب دون الآخر، ورجَّحه ابن أبي جمرة.

وفي الحديث: فضلُ الصدق، والحت عليه، وذمُّ الكذب، والحثُّ على اجتنابه، وأنه سبب لذهاب البركة، وأن عمل الآخرة يحصِّل خير الدنيا والآخرة بملازمة الصدق واتباعه (5).

(1) انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 71).

(2)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 303).

(3)

رواه البخاري (1981)، كتاب: البيوع، باب:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276]، ومسلم (1606)، كتاب: المساقاة، باب: النهي عن الحلف في البيع، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

رواه أبو يعلى في "مسنده"(3488)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(5/ 202)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(3/ 175)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(5)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 329).

ص: 475

تنبيهات:

* الأول: اختلف الفقهاء رضي الله عنهم في مضمون ما دلَّ عليه حديث ابن عمر، وحديث حكيم بن حزام، من ثبوت خيار المجلس في البيع، فقال إمامنا الإمام أحمد، والإمام الشافعي، وفقهاء أصحاب الحديث بمضمونه، فأثبتوه في عقود المعاوضات اللازمة التي لا يقصد فيها العوض، كالنكاح والخلع والكتابة.

ونفاه الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك رضي الله عنهم أجمعين -.

وهذان الحديثان يدلان على إثبات خيار المجلس دلالة ظاهرة.

وفي بعض ألفاظ حديث ابن عمر كما في "الصحيحين": "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر"، وربما قال:"أو يكون بيع الخيار"(1).

وفي لفظ: "كلُّ بيعين لا بيعَ بينهما حتى يتفرقا، إلا بيع الخيار" متفق عليه أيضًا (2).

وفي لفظ: "المتبايعان كلُّ واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا، إلا بيعَ الخيار"(3).

وفي لفظ: "إذا تبايع المتبايعان بالبيع، فكل واحد منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا، أو يكون بيعهما عن خيار، فإذا كان بيعهما عن خيار، فقد وجب البيع".

(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2003).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2007)، ومسلم برقم (1531/ 46).

(3)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2005)، ومسلم برقم (1531/ 43).

ص: 476

قال نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا بايع رجلًا، فأراد أَلَّا يقيله، قام فمشى هنية، ثم رجع، متفق على ذلك أيضًا (1).

وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "البيع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحلُّ له أن يفارقه خشية أن يستقيله"، ورواه الدارقطني أيضًا (2).

وفي لفظ: "حتى يتفرقا من مكانهما"(3).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بعتُ أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه مالًا بالوادي بمال له بخيبر، فلما تبايعنا، رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته خشية أن يرادَّني البيع، وكانت السنَّة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا رواه البخاري (4).

فهذه الأحاديث تدل دلالة ظاهرة على ثبوت خيار المجلس في البيع، ووافق ابن حبيب من أصحاب مالك من أثبته، والذين نفوه اختلفوا في وجه العذر عن الأحاديث الدالة عليه، فقيل: لكونه حديثًا خالفه راويه -وهو

(1) تقدم تخريجه، وهذا لفظ مسلم برقم (1531/ 45).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 183)، وأبو داود (3456)، كتاب: الإجارة، باب: في خيار المتبايعين، والنسائي (4483)، كتاب: البيوع، باب: وجوب الخيار للمتبايعين قبل افتراقهما بأبدانهما، والترمذي (1247)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا، وقال: حسن، والدارقطني في "سننه"(3/ 50).

(3)

تقدم تخريجه قريبًا من رواية الدارقطني.

(4)

رواه البخاري (2010)، كتاب: البيوع، باب: إذا اشترى شيئًا فوهب من ساعته قبل أن يتفرقا.

ص: 477

مالك-؛ فإنه رواه ولم يقل به، وكل ما كان كذلك لم يعمل به؛ لأن الراوي إذا خالف، فإما أن يكون مع علمه بالصحة فيكون فاسقًا، فلا تُقبل روايته، وإما أن يكون لا مع علمه بالصحة، وهو أعلم بعلل ما روى، فيتبع في ذلك.

والجواب: منع المقدمة الثانية، وهو أن الراوي إذا خالف ما رواه، لم يعمل بروايته، وقولهم: إن كان مع علمه بالصحة، كان فاسقًا، ممنوع، لجواز أن يعلم بالصحة، ويخالف لمعارضٍ راجح عنده، ولا يلزم تقليده فيه، وقولهم: إن كان لا معَ علمه بالصحة، وهو أعلم بروايته، فيتبع في ذلك، ممنوع أيضًا؛ لأنه إذا ثبت الحديث، وجب العمل به ظاهرًا، فلا يترك لمجرد الوهم والاحتمال.

وأيضًا: هذا الحديث مرويٌّ من عدة طرق، فإن تعذر الاستدلال به من جهة رواية مالك، لم يتعذر من جهة أخرى، وإنما ربما يستأنس لما زعموا عند التفرُّق، والواقع خلافه.

وقيل في العذر عن العمل بمضمون الأحاديث: إنها آحاد فيما تعمُّ به البلوى، وخبر الواحد في ذلك غير مقبول، فإن البياعات مما تكرر مرات لا تحصى، ومثل هذا تعمُّ البلوى بمعرفة حكمه، وما عمَّت به البلوى، يكون معلومًا عند الكافة عادة، فانفراد واحد به خلاف العادة.

والجواب عن ذلك: بمنع المقدمتين معًا:

أما الأولى: فالذي تعمُّ به البلوى: البيع دون الفسخ الذي دلَّ عليه الحديث، فإنَّ الظاهر من الإقدام على البيع الرغبةُ من المتعاقدين فيما صارا إليه، فالحاجة في معرفة حكم الفسخ لا تكون عامَّة.

وأما الثانية: فالمعوَّل عليه في الرواية عدالةُ الراوي، وجزمه بالرواية،

ص: 478

وقد وجد ذلك، وعدم نقل غيره لا يكون معارضًا، لجواز عدم سماعه للحكم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُبَلِّغ الأحكام للآحاد والجماعة، ولا يلزم تبليغ كل حكم لجميع المكلفين.

وعلى تقدير السماع، فمن الجائز أن يعرض مانع من النقل -أعني: نقل غير هذا الراوي-، فإنما يكون ما ذكر إذا اقتضت العادة أن لا يخفى الشيء عن أهل التواتر، وليست الأحكام الجزئية من هذا القبيل، وقد علمت أنَّ الحديث صحَّ عن ابن عمر، وحكيم بن حزام، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم.

وقيل في العذر: إنَّ هذا مخالف للقياس الجلي، وللأصول القياسية المقطوع بها، وما كان كذلك، لا يعمل به.

والجواب:

أولًا: عدمُ التسليم في مخالفة القياس الجلي والأصول القياسية.

وثانيًا: لا نسلم أن الحديث المخالف للأصول يُردـ، فإن الأصول تثبت بالنصوص، والنصوصُ ثابتة في الفروع المعينة، وغاية ما في الباب أن يكون الشرع أخرج بعض الجزئيات عن الكليات لمصلحة تخصها، أو تعبُّدًا، فيجب اتباعه.

وقيل في العذر: إنَّ هذا حديث معارض لإجماع أهل المدينة وعملهم، وما كان كذلك، يقدم عليه العمل، وقد قال مالك عقيب روايته: وليس لهذا عندنا حدٌّ معلوم، ولا أمر معمول به فيه، انتهى.

وإنما كان إجماع أهل المدينة مقدمًا على مثل هذا، لما اختصوا به من سكناهم في مهبط الوحي، ووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، ومعرفتهم بالناسخ والمنسوخ، فمخالفتهم لبعض الأخبار تقتضي علمهم بما أوجب

ص: 479

ترك العمل به من ناسخ، أو دليل راجح، ولا تهمة تلحقهم، فتعيَّنَ اتباعُهم، وكان ذلك أرجح من خبر الآحاد المخالف لعملهم.

والجواب:

أولًا: منعُ كونِ ذلك من إجماع أهل المدينة، فإن الإمام مالكًا لم يصرِّح بأنَّ المسألة من إجماع أهل المدينة، وأيضًا هذا الإجماع إما أن يراد به إجماع سابق، أو لاحق، والأول باطل؛ لأن ابن عمر رأس المفتين بالمدينة في وقته، وقد كان يرى خيار المجلس، وكذا نافع من التابعين، وكذا اللاحق، فإن ابن أبي ذئب من أقران مالك ومعاصريه، وقد أغلظ على مالك لما بلغه مخالفته للحديث.

وثانيًا: منعُ كونِ إجماع أهل المدينة وعملهم مقدمًا على خبر الواحد مطلقًا، فإن الحق الذي لا شك فيه أن عملهم وإجماعهم لا يكون حجة فيما طريقه الاجتهاد والنظر؛ لأن الدليل العاصم للأمة من الخطأ في الاجتهاد لا يتناول بعضهم، ولا مستند للعصمة سواه (1).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المسألة المالكية بعد أن فصل إجماع أهل المدينة ونوَّعه إلى أربعة أنواع، فقال:

المرتبة الرابعة: العمل المتأخر من أهل المدينة هل هو حجة شرعية يجب اتباعه أم لا؟

فالذي عليه أئمة الناس: أنه ليس بحجة شرعية، هذا مذهب الشافعي، وأحمد، وأبي حنيفة، وغيرهم، وهو قول المحققين من أصحاب مالك؛

(1) انظر ما أورده الشارح رحمه الله في وجوه العذر عن العمل بالحديث، والجواب عنها:"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 102 - 106).

ص: 480

كما ذكر ذلك القاضي عبد الوهاب (1) في كتابه "الملخص في أصول الفقه" وغيره، وذكر أنَّ هذا ليس إجماعًا ولا حجةً عند المحققين من أصحاب مالك، وإنما يجعله حجةً بعضُ أهل المغرب من أصحابه، وليس هؤلاء من أئمة النظر والدليل، وإنما هم أهل التقليد، انتهى كلام القاضي عبد الوهاب.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولم أرَ في كلام مالك ما يوجب جعلَ هذا حجة، وهو في "الموطأ" إنما ذكر الأمر المجمع عليه عندهم، فهو يحكي مذهبهم، وتارةً يقول: الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا، يشير إلى الإجماع القديم، وأطال الكلام في ذلك، وحاصله عدمُ اعتبار كونه حجة، والله أعلم.

وقيل في العذر: ما في بعض الروايات: "ولا يحل له أن يفارقه خشيةَ أن يستقيله"(2)، فاستدلوا بهذه الزيادة على عدم ثبوت خيار المجلس؛ لأنه لولا أن العقد لازم، لما احتاج إلى الاستقالة، ولا طلب الفرار من الاستقالة.

والجواب: بأن المراد من الاستقالة: فسخُ البيع بحكم الخيار، ولا يخفى ما في هذا العذر من الغرر، والله أعلم.

(1) هو الإمام الفقيه القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصير، المعروف بابن طوق التغلبي، البغدادي المالكي، كان فقيهًا أديبًا شاعرًا، صنف في مذهبه كتاب:"التلقين"، وهو مع صغر حجمه من خيار الكتب، وأكثرها فائدة، وغير ذلك من التصانيف، توفي سنة (422 هـ). انظر:"وفيات الأعيان" لابن خلكان (3/ 219).

(2)

تقدم تخريجه.

ص: 481

وقيل في العذر: بحمل المتبايعين على المتساومين.

قلت: ويعلم رَدُّ هذا من جوهر الحديث، ومن فعلِ ابن عمر مع عثمان كما ذكرناه أولًا. وقيل غير ذلك، وكلها واهية ساقطة مصادمة للنص، فلا التفات إليها، ولا تعويل عليها (1)، والله الموفق.

* الثاني: اختلف فيما قبضُه شرطٌ لصحته، كصرف وسَلَم، وبيعِ مال الربا بجنسه.

فقال أبو حنيفة، ومالك: ليس بثابت في ذلك، ولا في عقد من العقود، وأثبته الإمام الشافعي، وهو معتمد الروايتين عن الإمام أحمد (2).

* الثالث: اتفق الأئمة على جواز خيار الشرط وصحته للمتعاقدين معًا، ولأحدهما بانفراده إذا شرطه، ثم اختلفوا في مدته، فقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز أكثر من ثلاثة أيام، وقال مالك: يجوز بقدر الحاجة، وقال الإمام أحمد: يجوز إلى مدة معلومة وإن طالت.

قال العلامة الشيخ مرعي في "غايته": ويتجه لا، كألف سنة، ومئة سنة، لإفضائه للمنع من التصرف المنافي للعقد (3).

ولابد أن يشترطاه، أو أحدهما في العقد، أو في زمن الخيار، لا بعد لزومه، فلو كان المبيع لا يبقى إلى مضي المدة، كطعام رطب، بيع، وحُفظ ثمنه، وإن شرط الخيارَ بائعٌ ليربح فيما أقرضه، حَرُمَ نصًا، ولم يصح البيع، ويثبت فيما ثبت فيه خيار مجلس، لا فيما قبضه شرطًا لصحته،

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 107)، وقد أورد الإمام ابن دقيق عشرة وجوه ممن اعتذر عن العمل بالحديث.

(2)

انظر "الفروع" لابن مفلح (4/ 61).

(3)

انظر: "غاية المنتهى" للشيخ مرعي (3/ 89).

ص: 482

كصرف وسلم، ولو قبض (1)، والله أعلم.

وأما بقية أقسام الخيار، كخيار غبن، وتدليس، وعيب، وتخيير بثمن، واختلاف المتبايعين، أو لخلف في صفة، ولفقد شرط، فمحل تفصيلها كتب الفقه، إذ لم يُشر الحديث الذي شرحناه لغير ما ذكرنا.

* الرابع: لو تلف المبيع في مدَّة الخيار، فمعتمد مذهبنا: أنه يبطل الخيار بتلف المبيع، ولو قبل قبضه؛ خلافًا "للمنتهى"(2)، أو احتاج لحق توفية، كما لو أتلفه مشترٍ.

وقال الإمام مالك، والشافعي: إذا تلفت السلعة المبيعة بالخيار في مدة الخيار، فضمانها من بائعها دون مشتريها، إذا كانت في يده، أو لم تكن في يد واحد منهما، وإن قبضها المبتاع، ثم تلفت في يده، وكانت مما يغاب عنه، فضمانها منه، إلا أن تقوم له بينة على تلفها، فيسقط عنه ضمانها، وإن كانت مما لا يغاب عنه، فضمانها على كل حال من بائعها.

وقال الإمام أبو حنيفة: إذا تلف المبيع في مدة الخيار إن كان قبل القبض، انتقض المبيع، سواء كان الخيار لهما، أو لأحدهما، وصار كأن لم ينعقد، فأما إن كان تلفه في يد المشتري، وكان له الخيار، فقد تمَّ البيع، ولزم، وإن كان الخيار للبائع، انتقض البيع، ولزم المشتري قيمة المبيع، لا الثمنُ المسمَّى في العقد (3)، والله أعلم.

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 200).

(2)

انظر: "منتهى الإرادات" للفتوحي (2/ 304).

(3)

وانظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي (2/ 73)، و"مواهب الجليل" للحطاب (4/ 296).

ص: 483