المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الأول عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدَ اللهِ رضي الله عنهما، قَالَ: - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٤

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحج

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المحرم من الثياب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الفدية

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يجوز قتله من الحيوان وهو محرم

- ‌باب دخول مكة المشرفة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التمتع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحج إلى العمرة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما نهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب السلم

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الأول عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدَ اللهِ رضي الله عنهما، قَالَ:

‌الحديث الأول

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدَ اللهِ رضي الله عنهما، قَالَ: أَهَلَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَاُبهُ بالحَجَّ، وَليْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَلْحَةَ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بمَا أَهَلَّ بهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَيطُوفُوا ثُمَّ يُقَصرُوا وَيَحِلُّوا، إلا مَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدْيُ، فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إِلى مِنَى، وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ؟! فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"لَو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الهَدْيَ، لأَحْلَلْتُ"، وَأَنَّ عائِشَةَ حَاضَتْ، فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّها لَمْ تَطُفْ بِالبَيْتِ، فَلَمَّا طَهُرَتْ، طَافَتْ بِالبَيْتِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! تَنْطَلِقُونَ بعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ؟! فَأَمَرَ عَبْدَ الرِّحمنِ بْنَ أَبي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ (1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (1568)، كتاب: الحج، باب: تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، واللفظ له، و (1693)، كتاب: العمرة، باب: عمرة التنعيم، و (2371)، كتاب: الشركة، باب: الاشتراك في الهدي والبدن، و (6803)، كتاب: التمني، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت"، و (6933)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: نهي النبي صلى الله عليه وسلم على التحريم إلا ما تعرف إباحته، ومسلم (1216)، كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام، وأبو داود (1789)، كتاب: المناسك، =

ص: 357

(عن) أبي عبدِ الله (جابرِ بنِ عبدِ الله) الأنصاريِّ (رضي الله عنهما، قال: أَهَلَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم)؛ أي: أحرم هو (وأصحابُه) رضي الله عنهم (بالحجِّ)، تمسَّكَ بظاهره من قال: إنه صلى الله عليه وسلم حجَّ مفرِدًا، والصحيح أنَّه كان قارنًا، والذين قالوا: إنه حج مفرِدًا: عائشةُ، وابن عمر، وجابر رضي الله عنهم، لكن في حديث عائشةَ وابنِ عمر: أنَّه تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، وهو أصح من حديثهما: أنَّه أفردَ الحجّ، وما صحَّ من ذلك، فمعناه: إفرادُ أعمالِ الحجّ.

وفي الحديث المار المتفق عليه: أنَّه أمر أزواجه أن يحللْنَ عام حجة الوداع، قالت حفصة: فما يمنعُكَ أن تحلَّ؟ قال: "إني لَبَّدْتُ رَأْسي، وَقَلَّدْتُ هَدْيي، فلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ"(1).

وفي حديث عائشة، وابن عمر: فطاف بالصفا والمروة، ثمّ لم يحللْ من شيء حَرُمَ منه حتّى قضى حجَّه، ونحر هديه يومَ النحر، وأفاضَ فطاف بالبيت، ثمّ حل من كل شيء.

= باب: في إفراد الحج، والنسائي (2805)، كتاب: الحج، باب: إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي، وابن ماجه (2980)، كتاب: المناسك، باب: فسخ الحج.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (2/ 162)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 246)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 320)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 163)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 70)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1044)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 218)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 608)، و"عمدة القاري" للعيني (9/ 293)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 191).

(1)

تقدم تخريجه.

ص: 358

(وليس مع أحد منهم هدي غير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وطلحةَ) بنِ عُبيد الله بنِ عثمانَ بنِ عمرِو بنِ كعبِ بنِ سعدِ بنِ تيمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كعبِ بنِ لُؤَيٍّ، القرشيِّ، التيميِّ، يكنى: أبا محمد، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحةَ الجود، وطلحةَ الخير، وطلحةَ الفياض.

وأمه الصعبةُ بنتُ عبدِ الله الحضرميِّ، أسلمت وهاجرت، وهي أخت العلاءِ بنِ الحضرميِّ.

قدم طلحة رضي الله عنه بعد خروج النَّبي صلى الله عليه وسلم من بدر، فلم يشهدها، فسأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سهمَه وأجرَه، فقال:"لكَ سهمُك، ولكَ أجرُك"(1)، وشهد أُحدًا وما بعدها، وأبلى بأحد بلاء حسنًا، وقى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، واتقى عنه بيده حتّى شَلَّتْ أصابعُهُ، وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكرَ أُحُدًا يقول: ذلك يومٌ كلُّه كانَ لطلحة.

وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، والثمانية الذين سبقوا للإسلام، والخمسةِ الذين أسلموا على يد الصدِّيق، والستة أصحاب الشورى الذين تُوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.

قتل يوم الجمعة لعشرٍ خَلَوْنَ من جُمادى الأولى سنة ست وثلاثين يومَ الجمل، وهو ابنُ أربعٍ وستين سنة، وقيل: ثمان وخمسين، وقبرُه بالبصرة مشهور يُزار ويُتبرك به.

روى عنه بنوه: موسى، وعيسى، ويحيى، وعامر بنو طلحة، وخلائقُ غيرهم.

(1) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(225)، والحاكم في "المستدرك"(5585)، عن ابن شهاب، مرسلًا.

ص: 359

روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وثلاثون حديثًا، اتفقا منها على حديثين، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بثلاثة (1).

(وقدم عليٌّ) -رضوان الله عليه- (من اليمن)، ومعه الهديُ.

وفي رواية: وقدم عليٌّ من سِعايته (2) -بكسر السين المهملة-؛ أي: من عمله في السعي في الصدقات، لكن قال بعضهم: إنما بعثه أميرًا، إذ لا يجوز استعمالُ بني هاشم على الصدقات، وأُجيب بأنَّ سِعايته لا تتعين للصدقة، فإن مطلق الولاية يسمى سعاية، سَلَّمنا، لكن يجوز أن يكون ولاه الصدقاتِ محتسبًا، أو بعمالةٍ من غير الصدقة (3).

وفي "البخاري ": ومعه هديٌ (4) -كما قدمنا-، وهي جملة حالية.

وفي رواية أنس رضي الله عنه في "الصحيحين"، وغيرهما، قال: قدم عليٌّ رضي الله عنه على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من اليمن، فقال عليه السلام:"بِما أَهْلَلْتَ"(5)؛ أي: أحرمت -بإثبات ألف "ما" الاستفهامية، مع دخول الجار عليها، وهو قليل-، ولأبي ذر:"بِمَ" بحذفها على الكثير الشائع،

(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3/ 214)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (4/ 344)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (1/ 87)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (2/ 764)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (25/ 54)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (3/ 84)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 239)، و"تهذيب الكمال" للمزي (13/ 412)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (1/ 23)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (3/ 529).

(2)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1216/ 141).

(3)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 191).

(4)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1568).

(5)

سيأتي تخريجه قريبًا.

ص: 360

نحو: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} [النازعات: 43]، {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1].

(فقال) عليٌّ رضي الله عنه: (أهللتُ بما أهلَّ به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم)، ولم يذكر في هذا الحديث جوابَ النَّبي صلى الله عليه وسلم حينَ قال له ذلك.

وفي رواية أنس: فقال -أي النَّبي صلى الله عليه وسلم: "لولا أن مَعي الهديَ، لأَحْلَلْتُ -أي: من الإحرامِ-، وتمتعْتُ"؛ لأن صاحب الهدي لا يتحلل حتّى ينحرَ هديه.

زاد محمد بن بكر عن ابن جريج: قال: "فامكثْ حَرامًا كما أَنْتَ"(1)، وهذا غيرُ ما أجاب به أبا موسى؛ فإنَّه قال له كما في "الصحيحين":"بما أهللت؟ "، قال: بإهلال النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"هل سُقْتَ الهديَ؟ "، قال: لا، قال:"فَطُفْ بالبيتِ وبالصَّفا والمروة، ثمّ أَحِلَّ" الحديث، وإنما أجابه بذلك؛ لأنه ليس معه هديٌ، فهو من المأمورين بفسخ الحجّ إلى العمرة، بخلاف عليٍّ رضي الله عنه، فإن معه هديًا.

وفي الحديث صحةُ الإحرام المعلَّق على ما أحرمَ به فلانٌ، وينعقدُ، ويصيرُ محرِمًا بما أحرم به فلان إن علمَه (2).

فإن كان فلان أحرمَ مطلقًا، فللثاني صرفُه لما شاء، ولا يتعين صرفُه إلى ما يصرفه الأول، ولو جهل إحرام الأول؟ فكمن أحرم بنسكٍ ونسيه.

فإن كان قبلَ الطواف، جعله عمرةً استحبابًا، ويجوز صرفُه إلى غيرها.

وإن شكَّ هل أحرم الأول، فكمن لم يحرم، فيكون إحرامُه مطلقًا

(1) رواه البخاري (1483)، كتاب: الحج، باب: من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم (1250)، كتاب: الحج، باب: إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، وهذا لفظ البخاري.

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 191).

ص: 361

يصرفه إلى ما شاء، فإن صرفه قبلَ طوافه، وقع طوافُه عمَّا صرفه إليه، وإن طاف قبلَ صرفِه، لم يعتدَّ بطوافه، وإن كان إحرامُ الأول فاسدًا، فينعقد إحرامه، ويأتي بحجة صحيحة (1).

وقال الشّافعي: إذا أحرم بما أحرم به فلان، انعقد إحرامه، وصار محرمًا بما أحرمَ به فلانٌ، وإن لم يعلم بإحرامه، وإن أحرم مطلقًا، فإن نوى نفسَ الإحرام، ولم يعين نسكًا، صحَّ اتفاقًا، ويجعله ما شاء، نص عليه الإمام أحمد، وفاقًا لأبي حنيفة، ومالكٍ (2).

قلت: وهو مذهب الشّافعي أيضًا.

قال الحافظ ابن حجر: أجاز الشّافعيُّ الإهلال بالنية المبهَمَة، ثمّ له أن ينقلَها إلى ما شاء من حج أو عمرة، انتهى (3).

قال في "الفروع": ولا يجزئه -يعني: من نوى الإحرامَ مطلقًا- العملُ قبل النية، كابتداء الإحرام.

وقال الحنفية: فإن طاف شوطًا، كان للعمرة؛ لأنه ركن فيه، فهو أهم، وكذا لو أُحصر، أو جامع، لا؛ لأنه أقل، ولو وقف بعرفة، كان للحج، كذا قالوا، انتهى (4).

(فأمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه) ممن ليس معه هديٌ (أن يجعلوها)؛ أي: الحجةَ التي أهلّوا بها (عمرةً)، وهو معنى فسخِ الحجّ إلى العمرة.

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 564).

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 246).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 416). وانظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 191).

(4)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 246).

ص: 362

(فيطوفوا): هو من عطف المفصَّل على المجمَل، مثل: توضَّأَ وغسلَ وجهَه، والمراد بالطواف هنا: ما هو أعم من الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، قال تعالى-:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، أو اقتصر على الطواف بالبيت، لاستلزامه السعيَ بعده، والتقدير: فيطوفوا ويسعوا، فحذف اكتفاء، على أنَّه قد جاء في رواية التصريحُ بهما، (1)(ثمّ يُقَصِّروا)، وهو هنا أفضلُ من الحلق، ليوفروا الشعر ليحلق عند التحلل من الحجّ.

(ويَحِلوا) -بفتح أوله وكسر الحاء المهملة-؛ أي: يصيروا حلالًا، (إلّا من كان معه الهديُ) استثناء من قوله: فأمرَ أصحابه، (فقالوا)؛ أي: المأمورون بالفسخ.

وفي لفظ: "قالوا" -بإسقاط الفاء-: (ننطلقُ)؛ أي: أننطلقُ؟ فحذف همزة الاستفهام التعجبي (2)(إلى مِنَى) -بالقصر-: الموضعُ المعروف، وهو مذكر، وقد يصرف.

وقال صاحب "المطالع": سمي بذلك، لما يُمنى فيه من الدماء، وقيل: لأن آدم تمنى فيه الجنة (3).

وقال ابن فارس: سمي بذلك من قولك: منى الله الشيءَ: إذا قدره، فقدر الله أن جعلَه مَشْعرًا من المشاعر (4).

ويأتي بقية الكلام عليه في الحديث السادس -إن شاء الله تعالى-.

(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 191).

(2)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(3)

وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 393 - 394).

(4)

انظر: "مجمل اللغة" لابن فارس (3/ 817)، (مادة: منى).

ص: 363

(وذَكَرُ أَحَدِنا يَقْطُرُ) منيًّا، هو من باب المبالغة؛ أي يفضي بنا إلى مجامعة النساء، ثمّ نحرم بالحج عقبَ ذلك، فنخرج وذكرُ أحدِنا، لقربه من الجماع، يقطر منيًا، وحالةُ الحجّ تنافي الترفُّهَ، وتناسبُ الشعث، فكيف يكون ذلك؟! (1).

(فبلغ ذلك) ليس في اليونينية لفظةُ "ذلك"؛ أي: بلغ قولُهم (النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم) بنصب "النَّبي" على المفعولية، (2) وفي رواية: فما ندري، أشيء بلغه من السماء، أم شيء من قبل النّاس؟ (3)(فقال) صلى الله عليه وسلم، زاد مسلم:"قد علمتُم أَنِّي أتقاكُم لله عز وجل، وأَصْدَقُكمْ وأبَرُّكُمْ (4) ""لو استقبلْتُ من أَمْرِي ما استدْبَرْتُ"، يجوز أن تكون "ما" موصولة؛ أي: الذي، أو نكرة موصوفة؛ أي: شيئًا، وأيًا ما كان، فالعائدُ محذوف؛ أي: استدبرته (5)؛ أي: لو كنتُ الآنَ مستقبلًا زمنَ الأمر الذي استدبرته؛ أي: خَلَّفته ومضيتُ عنه خلفي، لفواتي إياه، ومُضيي عنه، (ما أهديت)؛ أي: ما سقتُ الهديَ، (ولولا أن معي الهديَ، لأحللت) من إحرامي؛ لأن وجوده مانع من فسخ الحجّ إلى العمرة والتحلل منها.

والأمرُ الذي استدبره صلى الله عليه وسلم هو ما حصل لأصحابه من مشقة انفرادهم عنه بالفسخ، حتّى إنهم توقفوا وتردَّدوا وراجعوه.

أو المعنى: لو أن الذي رأيت في الآخر، وأمرتُكم به من الفسخ عَنَّ لي في أول الأمر، ما سقتُ الهديَ؛ لأن سوقه يمنع من فسخ الحجّ إلى

(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 191).

(2)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(3)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1216/ 142).

(4)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1216/ 141).

(5)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 191).

ص: 364

العمرة، والتحلل منها؛ لأنه لا يُنحر إلّا بعد بلوغه محلَّه يومَ النحر (1).

وهذا الحديث دلَّ على أن التَّمتُّع أفضلُ الأنساك الثلاثة، وبه احتجَّ الإمامُ أحمد رضي الله عنه.

قال إسحاق بنُ إبراهيم: كان اختيارُ أبي عبد الله رضي الله عنه الدخولَ بعمرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو استقبلْتُ من أمري ما استدبَرْتُ، ما سُقْتَ الهَدْيَ، ولأحْلَلْتُ مَعَكُمْ"، قال: وسمعتهُ يقول: العمرةُ كانتْ آخرَ الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن في "الصحيحين" وغيرهما من طرق: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أمرَ أصحابه لما طافوا وسعَوْا أن يجعلوها عُمرةً، إلّا من ساقَ هديًا، وثبتَ على إحرامه، لسوقه الهديَ، وتأسَّف بقوله:"لو استقبلْتُ من أمري ما استدبرتُ" الحديث، ولا يقرُّهم إلّا إلى الأفضل، ولا يتأسَّفُ إلّا عليه (2).

فإن قيل: إنما أراد صلى الله عليه وسلم تطييبَ قلوب أصحابه؛ لأنه كان يشقُّ عليهم أن يحلُّوا وهو محرِم، ولم يعجبْهم أن يذهبوا بأنفسِهم ويتركوا الاقتداءَ به، فقال لهم ذلك، لئلا يجدوا في أنفسهم، وليعلموا أن الأفضلَ في حقهم ما دعاهم إليه، فالتأسُّف إنما هو لأجل تأليفِ قلوبهم، ليفعلوا ما أُمروا به مع الانشراح (3).

فالجواب: هذا عدولٌ عن الظاهر، مع العلم بتمام نصح النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يأمر أُمَّته إلّا بخير ما أمر به، ثمّ إنكم حيث سلمتم أنَّه الأفضلُ في حقهم،

(1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 222).

(3)

انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 162)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 10).

ص: 365

ثبتَ أنَّه الأفضلُ في حقِّ مَنْ بعدَهم، إلّا أنَّه فقدوا خصوصيتهم بذلك، والثابتُ خلافه.

قال الإمام أحمد في رواية ابنيه: نختار المتعةَ؛ لأنه آخر ما أَمر به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وهو يعمل لكل واحد منهما على حدة (1).

وقال أبو داود: سمعته يقول: نرى التمتعَ أفضل.

قال: وسمعته يقول لرجل يريدُ أن يحج عن أمه: تمتَّعْ أَحَبُّ إليَّ (2).

فإن قيل: لم يأمرهم بالفسخ لفضل التَّمتُّع، بل لاعتقادهم عدمَ جواز العمرة في أشهر الحجّ، فإن الجاهلية كانت تعتبر العمرة في أشهر الحجّ من أفجرِ الفجور، فأمرهم بذلك، حسمًا لمادة ما كان مركوزًا في نفوسهم.

فالجواب: إن ذلك مردود؛ لأن أصحابه لم يكونوا يعتقدون ذلك، وهم لا يرون رأيَ الجاهلية وما كانت عليه شيئًا، ثمّ لو كان الأمر كما زعمتم، لم يخص به من لم يسق الهدي؛ لأنهم سواء في الاعتقاد، ثمّ لو كان، لم يتأسف لاعتقاده جوازها فيها، وجعل العلة فيه سوقَ الهدي، مع أن التَّمتُّع في الكتاب دون غيره.

قال عِمرانُ بنُ حُصين رضي الله عنه: نزلت آيةُ المتعة في كتاب الله، وأمرَنا بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ لم تنزل آيةٌ تنسخ آيةَ متعةِ الحجّ، ولم ينهَ النَّبي صلى الله عليه وسلم حتّى مات (3).

والمتمتِّع يأتي بأفعال الحجّ والعمرة كاملة على وجه اليسر، وصحَّ

(1) تقدم ذكره وتخريجه.

(2)

تقدم ذكره وتخريجه.

(3)

تقدم تخريجه.

ص: 366

عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه ما خُيِّرَ بينَ أمرين إلّا اختارَ أيسرَهما، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إن هذا الدين يُسرٌ"(1)، وقوله صلى الله عليه وسلم:"بُعِثْتُ بالحنيفية السَّمْحَةِ"(2).

وقال الإمام أحمد رضي الله عنه في رواية أبي طالب: إذا دخل بعمرة، يكون قد جمع الله له حجةً وعمرةً ودمًا (3).

تنبيهات:

* الأول: اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في جواز فسخ الحجّ إلى العمرة، فذهب إمامنا إلى أنَّه مستحبٌّ للمفرِدِ والقارِن أن يفسخا نيتهما بالحج.

زاد الشيخُ الموفق: إذا طافا وسعيا، فنويا بإحرامهما ذلك عمرة مفردة، فإذا فرغا من عملهما، وحَلَّا منها، أحرما بالحج ليصيرا متمتِّعين.

وفي "الانتصار"، و"عيون المسائل": لو ادعى مُدَّعٍ وجوبَ الفسخ، لم يبعدْ.

قال في "الفروع": واختار ابنُ حزم وجوبَه، وقال: هو قولُ ابن عبّاس، وعطاء، ومجاهد، وإسحاق.

وفي "مسلم": عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: أن من طاف، حَلَّ، وقالَ: سنةُ نبيكم صلى الله عليه وسلم (4).

قال ابن عبّاس: إنما رُوي التخيير أول الأمرِ بالحل، والتخييرُ كان

(1) تقدم تخريجه.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 223).

(4)

رواه مسلم (1244)، كتاب: الحج، باب: تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام.

ص: 367

أولًا، ثمّ حتمه عليهم آخرًا لما امتنعوا، فعلَّةُ الحتمِ زالت (1).

ففي "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها، قالت: نزلنا بِسَرِف، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ لم يَكُنْ معه هَدْي، فأحبَّ أن يجعلَها عُمرةً، فليفعلْ، ومن كانَ معه هَدْيٌ، فلا"(2).

وفيهما أيضًا عنها: حتّى إذا دَنَوْنا من مكّة، أمرَ من لم يكن معه هديٌ إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة أن يحل (3).

وفيهما: عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قدم لأربع مَضَيْنَ من ذي الحجة، فصلى الصبحَ بالبطحاء، وقال لما صلَّى الصبح:"مَنْ شاءَ منكم أن يجعلَها عُمْرَةً، فَلْيَجْعَلْها"(4).

وفي "مسلم": أن ابنَ جريج قال لعطاء: من أين يقول ذلك؟ -يعني: ابن عبّاس-، قال: من قول الله: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33]، قلت: فإن ذلك بعدَ الُمَعَّرفِ، فقال: كان ابن عبّاس يقول: هو بعد المعرَّفِ وقبلَه (5).

قال الحافظ ابن رجب في "كتابه" على قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] ما نصه: والناس في الفسخ على ثلاثة أقوال:

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 242، 244).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

رواه مسلم (1240)، كتاب: الحج، باب: جواز العمرة في أشهر الحج. ولم أقف عليه عند البخاري، والله أعلم.

(5)

رواه مسلم (1245)، كتاب: الحج، باب: تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام، وكذا البخاري (4135)، كتاب: المغازي، باب: حجة الوداع.

ص: 368

منهم مَنْ يوجِبُه، كابن عبّاس رضي الله عنهما، ومن وافقه من أهل الظاهر، والشيعة، وغيرهم.

ومنهم مَنْ يحرِّمه، ككثير من الفقهاء.

ومنهم مَنْ يُبيحه، بل يستحبُّه، وهو قولُ الحسن، ومجاهد، وعبيد الله بن الحسن، والإمام أحمد، وطائفة من أهل الحديث، وغيرهم.

قال الحافظ ابن رجب: وهو الصواب، فمن أوجبه، قال: إن النَّبي صلى الله عليه وسلم ثبتَ عنه، بل تواتر: أنَّه أمر أصحابه كلَّهم في حجة الوداع أن يفسخوا، إلّا مَنْ كان معه هَدْيٌ، فلما رأى منهم توقُّفًا، غضبَ، واشتدَّ غضبُه، وأعاد عليهم الأمرَ، وهذا يقتضي الوجوب.

وقال الشيخ تقي الدين: يجبُ على من اعتقدَ عدمَ مساغه، يعني: يكون في حقه واجبًا، لقمع ما في نفسه، لثبوت السنة.

ولذا قال بعض علماء المذهب: نحن نشُهد الله أنا لو أحرمنا بحجٍّ، لرأينا فرضًا فسخَه إلى عمرة، تفاديًا من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).

قال الإمام أحمد في رواية خطاب بن بشر: رواه عشرةٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أخبار صحاح.

وقال في رواية إبراهيم الحربي: فيه ثمانيةَ عشرَ حديثًا صحاحٌ جيادٌ.

وقال سلمة بن شبيب للإمام أحمد رضي الله عنه: كلُّ أمرك عندي حسن، إلّا خلةً واحدة، قال: وما هي؟ قال: تقول بفسخ الحجّ إلى العمرة، فقال: يا سلمة! كنت أرى لك عقلا، عندي في ذلك أحدَ عشرَ

(1) قاله الإمام ابن القيم في "زاد المعاد"(2/ 182).

ص: 369

حديثًا صحاحًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتركها لقولك؟! انتهى (1).

قالى في "الإنصاف": فسخُ القارِنِ والمفرِدِ حَجَّهما إلى العمرة مستحَبٌّ بشرطه، نص عليه الإمام أحمد، وعليه الأصحاب قاطبة، قال: وهو من مفردات المذهب، لكن المصنف -يعني: الإمام الموفق- ذكرَ الفسخَ بعدَ الطواف والسعي، وقطع به الخرقي، وقال به الزركشي، وقال: هذا ظاهر الأحاديث.

وعن ابن عقيل: الطوافُ بنية العمرة هو الفسخُ، وبه حصلَ رفضُ الإحرام لا غير، قال: فهذا تحقيقُ فسخِ الحجّ وما ينفسخ به (2).

وقال الموفق في "الكافي": يُسن لهما إذا لمْ يكن معهما هدي أن يفسخا نيتهما بالحج، وينويا عمرة مفردة، ويحلا من إحرامهما بطواف وسعي وتقصير، ليصيرا متمتعين (3).

وقال أبو حنيفة، ومالكٌ، والشافعي، وجماهيرُ العلماء من السلف والخلف: بمنع جواز فسخ الحجّ إلى العمرة، وحملوا الأحاديث الواردةَ الثابتةَ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم بأمر أصحابِه صلى الله عليه وسلم أن يفسخوا حجَّهم إلى عمرة يتحللوا منها بعدَ الطواف والسعي والتقصير، ما لم يكنْ ساقَ أحدُهم الهديَ، فإنَّه يثبتُ على إحرامه، على أنَّه مختصٌّ بهم تلكَ السنةَ، لا يجوزُ بعدَها، ليخالفوا ما كانت عليه الجاهليةُ من تحريم العمرةِ في أشهرِ الحجّ (4).

وفي "مسلم" من حديث أبي ذر: كانتِ المتعةُ في الحجّ لأصحابِ

(1) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (2/ 183).

(2)

انظر: "الإنصاف" للمرداوي (3/ 446).

(3)

انظر: "الكافي" لابن قدامة (1/ 396).

(4)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 478).

ص: 370

محمدٍ صلى الله عليه وسلم خاصَّةً -يعني: فسخَ الحجّ إلى العمرة (1) -.

وعند النسائي: عن الحارث بن بلال، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله! فسخُ الحجّ لنا خاصةً، أم للناس عامةً؟ فقال:"بلْ لنا خاصَّةً"(2).

قالوا: فسببُ الأمر بالفسخ ما كان إلّا لتقرير مشروعية العمرة في أشهر الحجّ، ما لم يكن مانع من سوقِ الهدي، وذلك أنَّه كان مستعظَمًا عندَهم، حتّى كانوا يعدونها في أشهر الحجّ من أفجرِ الفجور، فكسرَ سَوْرَةَ ما استحكَمَ في نفوسهم من الجاهلية من المكاره بحملِهم على فعلِه بأنفسهم.

* الثاني: اعتقد كثير من العلماء -كما ذكرنا-: أن فسخ الحجّ إلى العمرة مختص بالصحابة الكرام في ذلك العام، واستدلوا بحديث أبي ذر، وحديث بلالِ بن الحارث، وهذا شيء لا ينهض به دليل.

قال الإمام أحمد رضي الله عنه: ليس يصحٌّ حديثٌ في أن الفسخ كان لهم خاصة.

وقال في رواية الأثرم عن قول أبي ذر: من يقول هذا، والمتعة في كتاب الله، وأجمع النّاس عليها؟!

وقال: لا يثبت حديثُ بلال، ولا يُعرف الحارثُ، ولم يروه إلّا الدَّراورديُّ.

وقال الدارقطني: تفرَّدَ به ربيعةُ، وتفرَّدَ به الدراورديُّ عنه، ولم أجد من

(1) رواه مسلم (1224)، كتاب: الحج، باب: جواز التمتع.

(2)

رواه النسائي (2808)، كتاب: المناسك، باب: إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي.

ص: 371

وَثَّق أبا عيسى سوى ابنِ حِبان، ولا يخفى تساهلُه (1).

وقال الحافظ ابن رجب: قال الإمام أحمد: روى هذا الحديثَ الحارثُ بنُ بلالِ بنِ الحارثِ، يعني: أنَّه مجهول، قال: وحديثُ أبي ذر رواه مرقع الأسدي، فمن مرقع الأسدي؟ شاعر من أهل الكوفة لم يلق أبا ذر (2).

وقال في رواية خطاب بن بشر: الذي جاء أنَّه كان لهم خاصةً، ليس بصحيح.

وقال في رواية ابن مشيش، وذكر حديثَ أبي ذر، فقال: رواه يحيى عن المرقع، قال: لا أدري من المرقع، قلت له: أليس هو المرقع بن صيفي؟ قال: لا، ليس هذا المرقع بن صيفي.

وقد ثبت في "الصحيحين": أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالفسخ، وأطاعوا، فقال له سُراقةُ بنُ مالك رضي الله عنه: مُتْعَتُنا هذه لعامِنا هذا، أم للأبد؟ قال:"للأبد"(3)، وقوله: متعتُنا هذه، إشارةٌ إلى المتعة التي فعلوها، وهي متعةُ فسخ الحجّ إلى العمرة.

ولفظ البخاري من حديث ابن عبّاس، وجابر رضي الله عنهم: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرهم بالإحلال، فتوقفوا، فقال:"واللهِ لأنا أَبَرُّ وأَتْقَى لله مِنْهُمْ، ولو أَنِّي استقبلْتُ من أمري ما استَدْبَرْتُ، ما أهديتُ، ولولا أن مَعِي الهديَ لأحللتُ"، فقام سراقةُ بنُ جُعْشُم، فقال: يا رسول الله! هي لنا أو للأبد؟ فقال: "بل للأبد"(4).

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 227 - 228).

(2)

وانظر: "المغني" لابن قدامة (3/ 201).

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

تقدم تخريجه.

ص: 372

وقد روي من حديث طاوس: أن عليًا رضي الله عنه سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الفسخ: لمدتِنا هذه، أم للأبد؟ رواه ابنُ بطةَ مرسلًا من وجه، ومسنَدًا من آخر (1).

وقد قيل: إن الفسخ كان على الذين أمرهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم واجبًا، فإنَّه في أثناء الطريق خَيَّرَهم بين أن يفسخوا، أو يجعلوها عمرةً، وبين أَلَّا يفسخوا، فلما قدم مكّة، ألزمهم به؛ لئلا تفوتَ المصلحةُ بتركه، فإن الفسخ حصل لهم به أفضلُ أنواع النسك، وحصلت به العمرةُ لمن كان مفرِدًا، ولأنهم استعظموه، فلو لم يُلْزمهم به، لما فعلهَ منهم أحدٌ، فإن ثبت الحديثُ المرفوع في اختصاصهم به، فإنما كانوا مختصين بوجوبه ولزومه، لا بجوازه، فأما قولُ أبي ذر، فلو ثبت، لم يكن حجةً؛ لأنه من رأيه، وقول من قال: كان المقصود منه جوازَ بيان العمرة في أشهر الحجّ باطلٌ لوجوه (2):

أحدها: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قد اعتمر قبلَ ذلك ثلاثَ عُمَرٍ، واعتمرَ معه أصحابهُ، وكلُّها كانت في أشهر الحجّ.

الثاني: أن جواز العمرة في أشهر الحجّ قد بَيَّنه لهم عندَ الإحرام بقوله: "مَنْ شاءَ منكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلْيَفْعَلْ، ومَنْ شاءَ منكمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ، فَلْيَفْعَلْ"، وقد أهلَّ بعضُهم حينئذ بعمرة، وبعضُهم بحج وعمرة، كما قالت عائشة رضي الله عنها، والنبي صلى الله عليه وسلم كان قارِنًا أهلَّ بعمرةٍ وحجٍّ، كما قال ابن عمر، وأنس، وغيرهما.

(1) وانظر: "شرح العمدة" لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/ 508).

(2)

انظر هذه الوجوه مفصلة في: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (26/ 55) وما بعدها، و"زاد المعاد" لابن القيم (2/ 213) وما بعدها.

ص: 373

الثالث: أنَّه أمر بالفسخ من لم يسق الهديَ، ونهى مَنْ ساقَ الهديَ عنه، ولو كان الفسخ في الأصل محرمًا، وإنما أبيح لهم في ذلك العام، ليبين جواز الاعتمار في أشهر الحجّ، لاستوى مَنْ ساق الهدي ومن لم يَسُقه.

الرابع: أن جواز الاعتمار في أشهر الحجّ كان يحصل بمجرد قوله، وبفعل بعضهم، لا يحتاج إلى أمرِهم كلِّهم، والغضبِ على من لا يفعلُه، فلما ألزمَهم كلَّهم به، دلَّ على أن الفسخ هو المقصود.

وإذا قيل بجواز الفسخ أيضًا، كان بعلمِ مَنْ أمرهم به، وفعلِ بعضهم.

فالجواب: كان في الفسخ مقصدان:

* أحدهما: مشروعيته للأمة.

* والثاني: تحصيل أفضل أنواع الجمع بين الحجّ والعمرة في سفرة واحدة لأصحابه، وهذا لم يكن يحصل بدون إلزامهم به.

الخامس: أنَّه صلى الله عليه وسلم أمر بالفسخ كلَّ من لم يكن معه هديٌ، وقد كان فيهم مَنْ هو قارن قد أهلَّ بحج وعمرةٍ، وهو صلى الله عليه وسلم كان قارِنًا، وقد تأسَّف على فوات الفسخ، فلو كان المقصود بيانَ جواز الاعتمار في أشهر الحجّ، فاعتمارُهُ يظَهر للناس؛ لأنه يُهل بالعمرة والحجِّ جميعًا.

السادس: أن الفسخ لو قدر أنَّه شُرع لبيان مخالفة ما كان عليه المشركون، فإنَّه يصير شرعًا لأمته دائما، فإنَّ كل ما خالف فيه المشركين في أمر الحجّ، فهو إما واجب، كالوقوف بعرفة، والإفاضة منها بعد الغروب، وإما مستحبٌّ، كالإفاضة من جَمْعٍ قبل طلوع الشمس، ولهذا قال:"خالفَ هَدْيُنا هَدْيَ المشركينَ"(1).

(1) لم أقف عليه، والله أعلم.

ص: 374

ولما شرعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأمته الرَّمَلَ، وفعلَه، ليرى المشركون قوةَ المؤمنين وجَلَدَهم، فكأَن المقصودَ به نوع من أنواع الجهاد، ثمّ صار سنةً في الحجّ بعدَ ذهاب المشركين، فإنَّه صلى الله عليه وسلم رَمَلَ في حجة الوداع بعدَ الفتح، ورَمَلَ بعده الخلفاءُ الراشدون، ولهذا قال عمر: ففيمَ الرملان والكشفُ عن المناكب، وقد نفى الله الشركَ وأهلَه؟ ثمّ قال: لن ندعَ شيئًا فعلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).

وأما قولهم: إن الخلفاء الراشدين لم يفسخوا، ولم يأمروا النّاس بالفسخ.

فالجواب: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم إنما حجَّ بالناس حجةً واحدة، وقال لهم:"خُذُوا عَنِّي مَناسِكَكُمْ، فَلَعَلِّي لا أَلْقاكُمْ بعدَ عامي هَذا"(2)، فلهذا اختار لهم في تلك الحجة أفضلَ أنواع الجمع بين النسكين في سفرة واحدة، ليحصل لهم معه الحجُّ على أكمل الوجوه الممكنة، ويأخذوا مناسكهم عنه، وأما الخلفاء الراشدون، فكانت أيامُهم ممتدةً، فكانوا يأمرون النّاس بأفضلِ أنواع الحجّ والعمرةِ مطلقًا، وهو إفرادُ كلٍّ منهما بسفرة، والاعتمار في غير أشهُرِ الحجّ، فإنَّ ذلك أفضلُ أنواع الحجّ والعمرة مطلقًا، كما نص على ذلك الأئمة، وذكره بعضُهم اتفاقًا، وحينئذ فعمرُ وعثمانُ وغيرُهما اقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في أمر النّاس بأفضل أنواع النسك، وإلزامِهم لهم بذلك، لا لأنهم خالفوه في أمره بالتمتُّع كما يظن مَنْ لا يفهم حالهم.

(1) رواه أبو داود (1887)، كتاب: المناسك، باب: في الرمل، وابن ماجه (2952)، كتاب: المناسك، باب: الرمل حول البيت، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 45).

(2)

تقدم تخريجه.

ص: 375

والحاصل: أن السنة الصحيحة، والأخبار الصريحة مفصحةٌ ومصرِّحَةٌ بما ذهب إليه الإمام أحمد، ولا ينهض لمعارضته دليلٌ يعتمد عليه، ولولا الإطالةُ، لذكرنا أدلتهم وما فيها من القدح، والله تعالى أعلم.

* الثالث: في الحديث دليلٌ على جواز استعمال لفظة "لو" في بعض المواضع، وإن كان قد ورد فيها ما يقتضي خلافَ ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم:"فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ"(1)، وفي لفظ:"تفتحُ بابَ الشِّركِ"(2)، فالنهي عنها في استعمالها في التلهُّف على أمور الدنيا، إما طلبًا، كما يقال: لو فعلتُ كذا حصلَ كذا، وإما هَرَبًا، كقوله: لو كان كذا وكذا، لما وقع لي كذا وكذا، لما في ذلك من صورة عدم التوكُّل في نسبة الأفعال إلى القضاء والقدر، وأما إذا استُعملت في تمني القُرُبات، كما جاء في هذا الحديث، فلا كراهة في مثل هذا، والله أعلم (3).

قال جابر رضي الله عنه في حديثه: (وأن) -بفتح الهمزة- (عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها (حاضت) بسَرِف قبلَ دخولهم مكّة.

وفي "الصحيحين" من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهُرِ الحجّ وليالي الحج وحرم الحجّ، فنزلنا بِسَرف؛ أي: وهو اسم موضع على عشرة أميال من مكّة، به قبرُ أم المؤمنين ميمونةَ رضي الله عنها.

قالت عائشةُ رضي الله عنها: فخرجَ النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، فقال:

(1) رواه مسلم (2664)، كتاب: القدر، باب: في الأمر بالقوة، وترك العجز، والاستعانة بالله، وتفويض المقادير لله، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

لم أقف عليه.

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 72).

ص: 376

"منْ لم يكنْ منكمْ معه هديٌ، فَأَحَبَّ أن يجعلَها عُمرةً، فليفعلْ، ومَنْ كانَ مَعَهُ الهديُ، فلا"، قالت: فالآخذ بها والتاركُ لها من أصحابه، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجالٌ من أصحابه، فكانوا أهل قوة، وكان معهم الهديُ، فلم يقدروا على العمرة.

قالت: فدخلَ عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال:"ما يُبْكِيكِ يا هَنْتاهْ؟ " -أي: بفتح الهاء - وسكون الهاء الأخيرة-، كذا ضبط، وفي رواية: -بفتح النون وضمِّ الهاء الأخيرة-، والسكون فيها هو الأصل؛ لأنها للسكت؛ لأنهم شبهوها بالضمائر، وأثبتوها في الوصل، وضموها.

ويقال في التثنية: هَنْتَانِ، وفي الجمع: هَنَاتٌ، وهنواتُ، وفي المذكر: هَنٌ، وهَنان، وهَنونَ، ولكَ أن تلحقها الهاءَ لبيان الحركة، فتقول: يا هَنَهْ، وأن تُشبع الحركةَ فتصيرَ ألفًا، فتقول: يا هَناه (1).

قال الخليل: إذا دعوتَ امرأةً، فكنيتَ عن اسمها، قلت: يا هَنَهْ، فإذا وصلتَها بالألف والهاء، وقفتَ عندَها في النداء، فقلت: يا هَنْتاهْ، ولا يُقال إلّا في النداء (2).

قيل: ومعنى يا هنتاه: يا بلهاء، كأنها نُسبت إلى قلة المعرفة بمكائد النساء وشرورهن، أو المعنى: يا هذه (3).

قالت عائشة رضي الله عنها: سمعتُ قولَكَ لأصحابك، فمنعتَ العمرةَ، قال:"وما شَأْنُكُ؟ "، قالت: لا أُصلي، قال: "لا يَضيرُكَ، إنما

(1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 278 - 279).

(2)

انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 271).

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث"(5/ 279)، و"شرح مسلم" للنووي (17/ 107).

ص: 377

أنتِ امرأةٌ من بنات آدَمَ، كتبَ اللهُ عليكَ ما كَتَبَ عليهِنَّ، فكوني في حَجَّتِكِ، فعسى اللهُ أن يَرْزُقَكِيها" الحديث (1).

(فنسكت) عائشةُ رضي الله عنها (المناسِكَ) المتعلقة بالحج (كلَّها)، مع كونها حائضًا، (غيرَ أنها لم تَطُفْ) للعمرةِ، لمانعِ الحيض (بالبيتِ) العتيقِ، ولم تسعَ بين الصفا والمروة، وحذفه؛ لأن السعي لابدَّ أن يتقدمه طوافُ نسك، فيلزم من نفيِ الطوافِ نفيُ السعي (2).

وفي "الصحيحين" من حديث عائشة رضي الله عنها: فلما قدمْنا، فطَوَّفْنا بالبيت -تعني: النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه غيرَها-، فأمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لم يكن ساقَ الهدي أن يحلَّ، فحل من لم يكن ساقَ الهدي، ونساؤه لم يَسُقْنَ، فأحلَلْنَ، قالت عائشة رضي الله عنها: فحِضْتُ، فلم أطفْ بالبيت، (3) تعني: طوافَ العمرةِ، لمانع الحيض.

قال جابر رضي الله عنه: (فلما طَهُرَتْ) بعرفةَ، كما في "مسلم"(4).

وفي رواية له: صبيحةَ ليلةِ عرفةَ حين قدموا مِنَى (5)، وصحَّ أنها طهرت في مِنَى، وجُمع بأنها رأت الطهرَ بعرفةَ، ولم يتهيأ لها الاغتسالُ إلّا في منى.

وفي "الصحيحين" من حديثها: حتّى قدمنا منى، فطَهُرت (6) -بالطاء

(1) تقدم تخريجه، وهذا لفظ البخاري.

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 192).

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

رواه مسلم (1211/ 133)، كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام.

(5)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1211/ 123).

(6)

تقدم تخريجه.

ص: 378

المهملة وفتح الهاء وضمها-؛ أي: وذلك يوم السبت، وهو يوم النحر في حجة الوداع، وكان ابتداء حيضها يوم السبت أيضًا لثلاثٍ خَلَوْنَ من ذي الحجة، و (طافَتْ بالبيتِ) طوافَ الإفاضة يومَ النحر، وسعت بينَ الصفا والمروة، قالت -كما في "الصحيحين"-: ثمّ خرجتُ من منى، فأفضتُ بالبيت؛ أي: طفتُ به طواف الإفاضة، قالت: ثمّ خرجتُ معه في النفر الآخر حتّى نزل عليه السلام المُحَصَّب -بضم الميم وفتح الحاء والصاد المشددتين المهملتين، آخره موحدة-: موضع متسع بين مكّة ومنى، وسُمي به، لاجتماع الحصباء فيه بحمل السيلِ، لانهباطه، وهو الأبطحُ، والبطحاءُ، وخَيْفُ بني كنانة، وهو ما بين الجبلين إلى المقابر، وليست المقابرُ منه.

وفرق المحبُّ الطبري بين الأبطح والبطحاء من حيث التذكير والتأنيث، لا من حيث المكان، فقال: والأبطح: مكان مسيل واسع فيه دِقاق الحصى، فإذا أردت الوادي، قلت: الأبطح، وإذا أردت البقعة، قلت: البطحاء (1).

قال في حديث جابر: (قالت) عائشة: (يا رسولَ الله! أتنطلقون بعمرة) منفردةٍ عن حجة (وحجة) منفردة عن عمرة، تريد رضي الله عنها: العمرةَ التي فسخوا الحجَّ إليها، والحجَّ الذي أنشؤوه من مكّة (2)، (وأَنطلِقُ) أنا بالـ (ـحجِّ) من غير عمرةٍ منفردةٍ؟!

وفي "مسلم" عنها رضي الله عنها: أنَّه قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1) وانظر: "عمدة القاري" للعيني (4/ 271).

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 192).

ص: 379

"يَسَعُكِ طوافُكِ لِحَجِّكِ وعُمْرَتِكِ"، فأبت (1).

وفي "الصحيحين"، و"السنن": أنَّه قال: "يَسَعُكِ لِحَجِّكِ وعُمْرَتِكِ"؛ أي: يكفيك لحجك وعمرتك، قد حللتِ من حجِّك وعمرتك جميعًا.

قالت: يا رسول الله! إني أجدُ في نفسي أَنِّي لم أطفْ بالبيت حين

حججتُ، (فأمر) النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم (عبدَ الرحمن بنَ أبي بكرٍ) الصديقِ رضي الله عنهما (أن يخرجَ معها)؛ أي: مع أخته عائشة الصدِّيقة أم المؤمنين رضي الله عنها، فقال صلى الله عليه وسلم:"فاذهبْ بها يا عبدَ الرحمن، فَأَعْمِرْها من التَّنعيم".

تقدمت ترجمةُ عبدِ الرحمن في باب السواك.

وذلك؛ أي: أمرُه صلى الله عليه وسلم عبدَ الرحمن رضي الله عنه بالخروج مع عائشة رضي الله عنها (إلى التنعيم) ليلة الحَصبة (2) -بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين-؛ أي: ليلة المبيت بالمحصَّب.

والتنعيم: تفعيل -بفتح المثناة الفوقية وسكون النون وكسر العين المهملة-: موضع على ثلاثة أميال أو أربعة من مكّة، أقرب أطراف الحِلِّ إلى البيت، سُمي به؛ لأن على يمينه جبل نعيم، وعلى يساره جبل ناعم، والوادي اسمه نعمان، قاله في "القاموس"(3).

قلت: وهو غير نُعمان الأراك الذي بإزاء عرفة.

قال المحبُّ الطبريُّ في "تحصيل المرام": هو أمامَ أدنى الحل، وليس

(1) تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1211/ 132).

(2)

تقدم تخريجه، وهذا لفظ مسلم برقم (1213/ 136).

(3)

انظر: "القاموس المحيط"، للفيروزأبادي (ص: 1502)، (مادة: نعم).

ص: 380

بطرف الحل، ومن فسره بذلك، فقد تجوَّزَ، وأطلق اسمَ الشيء على ما قَرُبَ منه، انتهى (1).

وروى الأزرقي من طريق ابن جريج، قال: رأيت عطاءً يصف الموضعَ الذي اعتمرتْ منه عائشةُ، قال: فأشار إلى الموضع الذي ابتنى فيه محمدُ بنُ عليِّ بنِ شافعٍ المسجدَ الذي وراء الأكمة، وهو المسجد الخرب (2)، وهو أفضلُ مواقيت العُمرة بعد الجِعرانة عند الأربعة، إلّا أبا حنيفة.

قلت: بل هو أفضلُ مطلقًا عند علمائنا.

(فاعتمرَتْ) عائشة رضي الله عنها (بعدَ الحجّ).

وفي حديث عائشة في "الصحيحين": فدعا عبدَ الرحمن بنَ أبي بكرٍ الصدِّيقِ رضي الله عنهما، فقال:"اخرجْ بأختِكَ من الحرمِ"؛ أي: إلى أدنى الحِلِّ؛ لتجمع في النسك بين أرضِ الحلِّ والحرم، كما يجمعُ الحاجُّ بينهما، "فلتهلَّ بعمرة"؛ أي: مكان العمرة التي كانت تريد حصولها منفردة غيرَ مندرجة، فمنعها الحيضُ منها، "ثمّ افرغا من العُمرةِ"، وظاهرُ هذا: أن عبد الرحمن اعتمرَ مع أخته، "ثمّ ائتيا هاهنا"؛ أي: المحصب، "فإني أنتظركما حتّى تأتياني".

قالت عائشة: فخرجنا إلى التنعيم، فأحرَمْنا بالعمرة، حتّى إذا فرغْتُ؛ أي: منها، وفرغتُ من الطواف، ثمّ جئته بسحر، فقال:"هل فَرَغْتُم؟ "، فقلت: نعم، فأذن بالرحيل في أصحابه، فارتحل النّاس، فمر متوجهًا إلى المدينة (3).

(1) نقله عنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(3/ 607).

(2)

رواه الأزرقي في "أخبار مكة"(2/ 208 - 209).

(3)

تقدم تخريجه عندهما، وهذا لفظ البخاري.

ص: 381

تنبيهات:

الأول: دل هذا الحديث على امتناع الطواف من الحائض، واختلف فيه، فقيل: الامتناعُ لنفسه؛ لأن الطواف تعتبر له الطهارةُ كالصلاة.

قال في "الفروع": وتشترط الطهارةُ من حدث.

قال القاضي وغيرُهُ: الطوافُ كالصلاة في جميع الأحكام، إلّا في إباحة الكلام، وعنه -يعني الإمام أحمد رضي الله عنه: يصحُّ من معذورٍ، وكذا حائض، وهو ظاهر كلام القاضي وجماعة.

قال: واختاره شيخُنا -يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية-، وأنَّه لا دمَ لعذرٍ (1).

قلت: ووقفتُ له في ذلك على مصنفين جزم بصحة طواف الحائض للعذر، ولاسيما في هذه الأزمنة التي لا ينتظر أميرُ الحاج فيها مَنْ حاضت ولا غيرَها، ونصُّ كلامه -رحمه الله تعالى- في أحد المصنفين له:

مسألة: تقع في الحجّ في كل عام، ويُبتلى بها كثير من نساء العلماء والعوام، وهي: أن المرأة المحرِمَةَ تَحيض قبلَ طواف الركن، وهو طواف الإفاضة، ويرحل الركبُ قبل طوافِها، ولا يمكنها المقام.

قال: وفي سنة سبع وسبع مئة جرى ذلك لكثير من نساء الأعيان وغيرِهم، فمنهن من انقطع دمُها يومًا أو أكثرَ باستعمال دواءٍ لذلك، وظنت أن الدمَ لا يعود، فاغتسلت وطافت، ثمّ عاد الدم في أيام العادة، ومنهن من انقطع دمها يومًا أو أكثر بلا دواء، فاغتسلت وطافت، ثمّ عاد الدم في أيام العادة، ومنهن من طافت قبل انقطاع الدم والاغتسال، ومنهن من سافرت

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 371).

ص: 382

مع الركب قبل الطواف، وكانت قد طافت طوافَ القدوم، وسعت بعده.

فهؤلاء أربعةُ أصناف، فلما اشتدَّ الأمر بهنَّ، وخفن أن يحرم تزويجهن، ووطء المزوجة منهن، ويرجعن بلا حج، وقد أتين من البلاد البعيدة، وقاسين المشاقَّ الشديدة، وفارقن الأولاد والرحال، وخاطرن بالأنفس، وأنفقن الأموال، كثر منهنَّ السؤال، وقد قاربت عقولُهن الزوال، هل من مخرج عن هذا الحرج، وهل مع الشدة من فرج؟

قال: فسألت الله التوفيق والإرشاد، إلى ما فيه التيسيرُ على العباد، من مذاهب العلماء الأئمة، الذين جُعل اختلافُهم رحمةَ الأمة، فظهر لي الجواب، والله أعلمُ بالصواب: أنَّه يجوز تقليدُ كلِّ واحد من الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، ويجوز لكل أحدٍ أن يقلِّد واحدًا منهم في مسألة، ويقلد إمامًا آخر منهم في مسألة أخرى، ولا يتعين عليه تقليدُ واحدٍ بعينه في كل المسائل، إذا عرف هذا، فيصح حجُّ كلِّ واحدة من الأصناف المذكورة على قولٍ لبعض الأئمة.

أما الصنف الأول والثاني، فيصحُّ طوافُهن في مذهب الشّافعي على أحد القولين فيما إذا انقطعَ دمُ الحائض يومًا ويومًا، فإنَّ يومَ النقاء طهر على هذا القول، ويُعرف بقول التلفيق، وصححه من الشافعية أبو حامد، والمحامليُّ في كتبه، وسليم، والشيخ نصر المقدسي، والرّوياني، واختاره أبو إسحاق المروزي، وقطع به الدارمي.

وأما على مذهب أبي حنيفة، فيصحُّ طوافُهن؛ لأنه لا يُشترط عنده في الطواف طهارةُ الحدث ولا النجس، فيصحُّ عندَه طوافُ الحائض والجنب.

وأما على مذهب الإمام مالك، فيصح طوافُهن؛ لأن مذهبه أن النقاءَ في أيام التقطُع طهر.

ص: 383

وأما على مذهب الإمام أحمد، فيصحُّ طوافُهن؛ لأن مذهبه في النقاء كمذهبِ مالك.

قال رحمه الله: ومذهب الإمام أحمد في اشتراط طهارة الحدث والجنب كمذهب أبي حنيفة في إحدى الروايتين عنه.

قلت: إلّا أن معتمد مذهبه: اعتبارُ الطهارة من الحدث والخبث.

قال: وأما الصنف الثالث: فيصح طوافُهن على مذهب الإمام أبي حنيفة، وفي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، لكن يلزمها ذبحُ بَدَنة، وتأثَمُ بدخولها المسجدَ وهي حائض، فيقال لها: لا يَحِلُّ لكِ دخولُ المسجد وأنتِ حائض، لكن إن دخلتِ وطُفت، أثمتِ، وصح طوافُك، وأجزأك عن الفرض.

وأما الصنف الرابع، وهي التي سافرت من مكّة -شرَّفها الله تعالى- قبلَ الطواف، فقد نقل المصريون عن الإمام مالك: أن من طافَ طوافَ القدوم، وسعَى، ورجع إلى بلده قبلَ طواف الإفاضة جاهلا أَو ناسيًا، أجزأه عن طواف الإفاضة.

ونقل البغداديون عن مالك خلافه.

حكى الروايتين عن مذهب مالك القاضي أبو عبد الله محمدُ بنُ أحمدَ المالكيُّ في كتاب "المنهاج في مناسك الحاج"، قال: وهو كتاب جليل مشهور عند المالكية.

قال الشيخ -رحمه الله تعالى، ورضي عنه-: ويتخرَّج على رواية المصريين عن مالك سقوطُ طواف الإفاضة عن الحائض التي تعذَّرَ عليها الطوافُ والإفاضة، فإنَّ عذرَها أظهرُ من عذر الجاهل والناسي، فإن لم

ص: 384

يعمل بهذه الرواية، أو لم يصحَّ التخريجُ المذكور، وأرادت الخروج من محظور الإحرام، فعلى قياس أصول مذهب الشّافعي وغيره تصبر حتّى تجاوزَ مكّة بيوم أو يومين، بحيث لا يمكنها الرجوعُ إلى مكّة خوفًا على نفسها أو مالها، فتصير حينئذ كالمُحْصَر؛ لأنها لا تتيقن الإحصارَ لو رجعت إلى مكّة، وتيقُّنُ الإحصارِ كوجود الإحصار، كما أن تَيَقُّنَ الضربِ لو خالف الأمر كوجود الضرب في حصول الإكراه، حتى لو أمره بالطلاق سلطانٌ علم من عادته أن يعاقب إذا خولف، فطلق، لم يقع طلاقه، إذا تقرر هذا، وأرادت الخروج من الإحرام، فتتحلل كما يتحلل للحج، بأن تنوي الخروج من الحج حيث عجزت عن الرجوع، وتذبح هنالك شاة تجزىء في الأضحية، وتتصدق بها، وتقصِّر شعرَ رأسها، فتصير حلالًا، ويحل لها جميعُ ما حَرُمَ بالإحرام، لكن يبقى في ذمتها الحجُّ الواجب، انتهى.

ففي هذا اقتصر على حكي مذاهب الأئمة، وما يتخرج منها.

أما في الكتاب الثاني، فانتصر للقول بسقوط شرط الطهارة في الطواف للعذر انتصارًا لا مزيد عليه، وأن الطهارة كسائر الشروط، مثل الستارة وغيرها، وإذا تعذر الإتيانُ بالشرط، فلا تسقط العبادة، بل شرطُها هو الذي يسقط، فإن الأصول متفقةٌ: أنه متى دار الأمرُ بين الإخلال بوقتِ العبادةِ، والإخلالِ ببعضِ شروطها وأركانها، يعني: كان الإخلال بذلك أولى، كالصلاة، فإن المصلي لو أمكنه أن يصلي قبل الوقت بطهارة وستارة مستقبلَ القبلة مجتنبَ النجاسة، ولم يمكنه ذلك في الوقت، فإنه يفعلُه في الوقت على الوجه الممكن، ولا يفعله قبلَه بالكتاب والسنة والإجماع (1).

وقال في محل آخر: أصول الشريعة أن العبادات المشروعة إيجابًا أو

(1) انظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (26/ 232).

ص: 385

استحبابًا إذا عجزَ عن بعض ما يجب فيها، لم يسقط عنه المقدورُ لأجل العجز، بل قد قال النّبي صلى الله عليه وسلم:"إذا أمرتُكُمٍ بأمرٍ، فَأْتُوا منهُ ما استَطَعْتُمْ"(1)، وذلك مطابق لقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، ومعلوم أن الصلاة وغيرَها من العبادات التي هي أعظمُ من الطواف لا تسقطُ بالعجز عن بعض شروطها وأركانها، فكيف بالحج يسقط بالعجز عن بعض شروط الطواف أو أركانه؟ ومثل هذا القول أن يقال: يسقط عنها طواف الإفاضة، فإن هذا خلافُ الأصول، إذ الحج عبارة عن الوقوف والطواف، والطواف أفضلُ الركنين وأجلُّهما (2).

وقال في موضع آخر من الكتاب المذكور: غايةُ ما في الطهارة: أنها شرطٌ في الطواف، ومعلوم أن كونها شرطًا في الصلاة أوكدُ منها في الطواف، وكذا سائر الشروط، من الستارة، واجتناب النجاسة، هي في الصلاة أوكد، فإن غاية الطواف أن يشبه بالصلاة.

إلى أن قال: فالمصلي يصلي عريانًا، ومع الحدثِ والنجاسة في صورة المستحاضة وغيرها، وتصلي مع الجنابة أو حدث الحيض مع التيمم، وبدون التيمم عند الأكثرين إذا عجزت عن الماء والتراب، لكن الحائض لا تصلي؛ لأنها ليست محتاجةً إلى الصلاة مع الحيض، فإنها تسقط عنها إلى غير بدل (3).

والحاصل: أنه انتصر لصحة طواف الحائض، وأقام عليه أدلةً واضحة، فإنه لا دم عليها.

(1) تقدم تخريجه.

(2)

انظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (26/ 230).

(3)

المرجع السابق، (26/ 234 - 235).

ص: 386

ثم قال في آخر "مصنفه": هذا هو الذي يتوجه عندي في هذه المسألة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولضرورة الناس واحتياجهم إليها علمًا وعملًا تجشَّمْتُ الكلامَ فيها، فإني لم أجدْ فيها كلامًا لغيري، والاجتهادُ عندَ الضرورة مما أمر الله به، فإن يكنْ ما قلتُهُ صوابًا، فهو حكم الله تعالى ورسوله، والحمد لله تعالى، وإن يكن خطأ، فمني ومن الشيطان، والله تعالى ورسولُه بريئان من الخطأ، انتهى (1).

الثاني: حمل بعضُ الناس على ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: "اذهبْ بها -أي: عائشة رضي الله عنها-، فأعمرها من التنعيم".

فشرطَ الخروجَ إلى التنعيم بعينه، ولم يكتفِ بالخروج إلى مطلَقِ الحِلِّ، وليس الأمرُ كما زعم؛ لأن القصدَ الجمعُ بين الحلِّ والحَرَمِ في العمرة كما وقع ذلك في الحج، فإنه جمعَ فيه بين الحل والحرم، فإن عرفةَ من أركان الحج، وهو من الحل.

قال في "الفروع": ثم يُحْرِم بها -أي: العمرة- من أدنى الحِلِّ.

وفي "فصول ابن عقيل": الإفرادُ: أن يحرم بالحج في أشهُره، فإذا تحلل منه، أحرم بالعمرة من أدنى الحل (2).

وفي "الإقناع": مَنْ كان في الحرم من مكيٍّ وغيرِه، خرج إلى الحل، فأحرم من أدناه، ومن التنعيم أفضلُ، ثم من الجعرانة، ثم من الحديبية، ثم ما بعد، ومن كان خارجَ الحرم دونَ الميقات، فمن دُويرة أهله، ومن كان

(1) المرجع السابق، (26/ 241).

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 228 - 229).

ص: 387

في قرية، فمن الجانب الأقرب من البيت، ومن الأبعد أفضلُ (1).

الثالث: قد عُلم من النص عدمُ اعتبارِ الطهارة لسائر المناسك، سوى الطواف، من الوقوف، والسعي، ورمي الجمار، وغيرها؛ لأن عائشة رضي الله عنها فعلتْ جميعَ أفعال الحج وهي حائض، إلا الطوافَ، فدلَّ ذلك على عدم اشتراطِ الطهارة في بقية أعمال الحج.

وفي الحديث دلالة: على جواز الخلوة بالمحارم، ولا خلاف في ذلك (2)، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 34).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 74).

ص: 388