المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الأول عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ، فَقَالَتْ: - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٤

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحج

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المحرم من الثياب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الفدية

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يجوز قتله من الحيوان وهو محرم

- ‌باب دخول مكة المشرفة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التمتع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحج إلى العمرة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما نهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب السلم

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الأول عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ، فَقَالَتْ:

‌الحديث الأول

عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ، فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، في كُلِّ عَامٍ أُوْقِيَّةً، فَأَعِينِينِي، فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّها لَهُم، وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي، فَعَلْتُ، فَذَهبَتْ بَرِيرَةُ إلى أَهْلِها، فَقَالَتْ لَهم، فَأَبَوْا عَلَيْها، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِم، فَأَبَوْا إِلأَ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الوَلَاءُ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"خُذِيها، وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلَاءَ، فَإنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعتَقَ"، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ الله وأَثْنَى عَلَيهِ، ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعدُ: مَا بَالُ رجالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ في كِتَابِ اللهِ؟! مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَهُوَ بَاطِل، وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ، وَإنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعتَقَ"(1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (2060)، كتاب: البيوع، باب: إذا اشترط شروطًا في البيع لا تحل، واللفظ له، و (2421)، كتاب: العتق، باب: إثم من قذف مملوكه، و (2422)، باب: ما يجوز من شروط المكاتب، و (2568)، كتاب: الشروط، باب: الشروط في البيع، و (2579)، باب: الشروط في الولاء، ومسلم (1504/ 6 - 9)، كتاب: العتق، باب: إنما الولاء لمن أعتق، وأبو داود (2233)، كتاب: الطلاق، باب: في المملوكة تعتق وهي تحت حر أو عبد، و (2236)، باب: حتى متى يكون لها الخيار، و (3929 - 3930)، =

ص: 573

(عن) أم المؤمنين (عائشةَ) الصديقة (رضي الله عنها، قالت: جاءَتني بَرِيرةُ) -بفتح الباء الموحدة، وكسر الراء الأولى، وسكون المثناة تحت- مولاة عائشة رضي الله عنها منقول اسمها من البَرِير، كأمير: ثمر الأراك.

كانت بريرة رضي الله عنها مولاة لبعض بني هلال، فكاتبوها، ثم باعوها لعائشة رضي الله عنها كما في الحديث (1).

وجزم [المزي](2) في "التهذيب" بأنها كانت مولاة لعُتبةَ بن أبي لهب،

= كتاب: العتق، باب: في بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة، والنسائي (3451 - 3452)، كتاب: الطلاق، باب: خيار الأمة تعتق وزوجها مملوك، و (4655)، كتاب: البيوع، باب: بيع المكاتب، و (4656)، باب: المكاتب يباع قبل أن يقضي من كتابته شيئًا، والترمذي (1154)، كتاب: الرضاع، باب: ما جاء في المرأة تعتق ولها زوج، و (2124)، كتاب: الوصايا، باب: ما جاء في الرجل يتصدق أو يعتق عند الموت، وابن ماجه (2521)، كتاب: العتق، باب: المكاتب، كلهم من طريق عروة، عن عائشة رضي الله عنها، به. وللحديث عندهم طرق أخرى مختلفة، عن عائشة رضي الله عنها.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (3/ 256)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 63)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 101)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 105)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 318)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 139)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 160)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1146)، و"فتح الباري" لابن حجر (5/ 188)، و"عمدة القاري" للعيني (4/ 221)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (4/ 76)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 10)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 284).

(1)

قاله ابن عبد البر، كما في "الاستيعاب"(4/ 1795).

(2)

في الأصل: "المزني"، والصواب ما أثبت.

ص: 574

وقد روى حديثَ بريرة: عائشةُ، وابن عباس (1)، وابن عمر (2) رضي الله عنهم، وربما ترويه هي، كما أخرجه النسائي (3)، وليس لها في الكتب إلا هو، نعم ذكر السهيلي (4) عن عبد الملك بن مروان، قال: كنت أجالس بريرةَ قبل أن أليَ هذا الأمرَ، فتقول في: يا عبدَ الملك! إن فيك خصالًا خليقةً بهذا الأمر، فإن وليت هذا، فاتق الله في الدماء، فإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الرجل لَيَحالُ بينه وبين الجنة بعد أن ينظر إليها بِمحْجَم دمٍ أراقها من مسلم في غير حق"(5).

وهي أول مكاتَبَة في الإسلام، وأول مكاتَب في الإسلام: سلمانُ الفارسي - رضي لله عنه -، وقيل: أول من كوتب: عبدٌ لعمرَ بن الخطاب.

قال البرماوي: ولم أقف لبريرة على وفاةٍ، ولا عُمْرٍ، ولا نسب، إلا ما وقع في "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي: أنها بنت صفوان، ولعله وهم من الناسخ الذي كتب من خط الشيخ من حيث إن بعدها ترجمة بُسرة بنت صفوان، فانتقل نظره، أو نحو ذلك، انتهى (6).

(1) رواه البخاري (4979)، كتاب: الطلاق، باب: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة.

(2)

رواه البخاري (2048)، كتاب: البيوع، باب: البيع والشراء مع النساء.

(3)

رواه النسائي في "السنن الكبرى"(5017).

(4)

انظر: "الروض الأنف" للسهيلي (4/ 25).

(5)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(24/ 205)، وفي "مسند الشاميين"(1214).

(6)

وانظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 256)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 38)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1795)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (7/ 37)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 600)، و"تهذيب الكمال" للمزي (35/ 136)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 297)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 535)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (12/ 432).

ص: 575

(فقالت) بريرةُ لعائشةَ رضي الله عنها: (كاتبت أهلي)، والمكاتبة: مفاعلة، وهي لفظة وُضعت لعتقٍ على مال معلومٍ منجَّمٍ إلى أوقات معلومة، يحلُّ كلُّ نجم لوقته المعلوم، وأصلها من الكتْبَ، وهو الجمع، وسميت بذلك؛ لأنها تُجمع نجومًا (1)، وقيل: إنها مأخوذة من كتابة الخط، لما يصحب هذا العقدَ من الكتابة له فيما بين السيد وعبده غالبًا (2).

والمراد بأهلها: مواليها الذين كانوا يملكون رقها.

(على تسع أواق): جمع أُوقيَّة -بضم الهمزة وتشديد الياء المثناة تحت مشددًا-: أربعون درهمًا، كما في "القاموس"(3)، و"النهاية"(4)، وغيرهما، ووزنه: أُفعولة، والألف زائدة، وقد تكررت في الحديث مفردة ومجموعة، ويقال لنصف الأوقية: نَشٌّ، وهو اسم لعشرين درهمًا (5).

(في كل عام) أدفع لهم (أوقيةً)، إذ عليَّ في كل عام أوقية، (فأعينيني) بشيء أستعين به في فكاك رقبتي من الرق.

قالت عائشة رضي الله عنها: (فقلتُ) لها: (إنْ أحبَّ أهلُكِ أن أعدَّها)، أي: التسعَ أواق (لهم) يقبضونها في الحال، (ويكون وَلاؤُكِ) -بفتح الواو، ومد الهمزة-: حق ميراث المعتق من المعتق (6)، ومعناه: أنه

(1) قاله ابن أبي الفتح في "المطلع على أبواب المقنع"(ص: 316)، نقلًا عن الأزهري في "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" (ص: 429).

(2)

قاله ابن دقيق العيد، كما في "شرح عمدة الأحكام"(3/ 160 - 161).

(3)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1732)، (مادة: وقي).

(4)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1/ 80).

(5)

المرجع السابق، (5/ 216).

(6)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (5/ 167).

ص: 576

إذا أعتق عبدًا أو أمة، صار له عصبة في جميع أحكام التعصيب عند عدم العصبة من النسب، كالميراث، وولاية النكاح، والعقل، وغير ذلك (1)(لي) أنا لعتقي إياكِ دونهم، لكونهم أخذوا ثمنَك (فعلت)، وتكونين قد عتقت، بإعتاقي لك، واسترحت من الدأب في تحصيل ما ذكرتيه من المال.

(فذهبت بريرةُ إلى أهلها، فقالت لهم) كما قالت لها عائشة، من دفعها المالَ المطلوب لأهل بريرة، ويكون ولاء بريرة لها، (فأبوا)؛ أي: امتنعوا (عليها) -أي: على بريرة- من ذلك، (فجاءت) بريرةُ (من عندهم، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ) عندَ عائشةَ -جملة حالية-، (فقالت) بريرة لعائشة:(إني عرضتُ ذلك) -أي: الذي قالته عائشة رضي الله عنها، لها (عليها)؛ أي: مواليها، (فأبوا) من قبوله، والامتثالِ له، (إلا أن يكون لهم) عليَّ (الولاءُ) دونك! (فأخبرت عائشةُ رضي الله عنها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم)، وفي لفظٍ عند البخاري، ولمسلم معناه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليَّ بريرةُ وهي مكاتَبة، فقالت: اشتريني فأعتقيني. قالت: نعم، قالت: لا يبيعوني حتى يشترطوا وَلائي، قالت: لا حاجةَ في فيك، فسمع بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أو بلغَهُ، فقال:"ما شأن بريرة؟ " فذكرت عائشة ما قالت، (فقال) صلى الله عليه وسلم لعائشة:(خذيها)، وفي لفظ:"اشتريها فأعتقيها"(2)، (واشترطي لهم الولاء)، وفي لفظ: "وليشترطوا ما شاؤوا، (فإنما الولاء لمن أَعتقَ)(3).

(1) انظر: "كشاف القناع" للبهوتي (4/ 498).

(2)

رواه البخاري (2576)، كتاب: الشروط، باب: ما يجوز من شروط المكاتب، إذا رضي بالبيع على أن يعتق، من طريق عبد الواحد بن أيمن المكي، عن أبيه.

(3)

هو في لفظ الحديث المتقدم تخريجه آنفًا.

ص: 577

وفي لفظ عند البخاري، فقال، وذكر الحديث:"إن الولاء لمن أعطى الوَرِقَ، ووليَ النعمةَ"(1).

وفي بعض طرق الحديث عندهما: فذكرت -يعني: بريرة- ذلك لأهلها، فأبوا إلا أن يكون الولاءُ لهم، فأتتني، فذكرَتْ ذلك، قالت: فانتهرتُها، فقلت: لاها الله إذًا، قالت: فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألني، فأخبرته، فقال:"اشتريها وأَعتقيها، واشترطي لهم الولاء، فإن الولاء لمن أعتق"(2)(ففعلت عائشة) رضي الله عنها، يعني: اشترتها، وأعتقتها، واشترطت لموالي بريرة الولاء، كما قال لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ: قالت عائشة رضي الله عنها: ففعلتُ-بضمير المتكلم- (3).

وقد صرح الحديث بجواز بيع المكاتَب، وبه صرح علماؤنا، وكذا هبتُه، والوصيةُ به، وكذا ولدُه التابع له، ومن انتقل إليه يقوم مقام مكاتبه، يؤدي إليه ما بقي من كتابته، فإذا أدى إليه، عتق، وولاؤه لمن انتقل إليه، وإن عجز، عاد قِنًا، وإن لم يعلم مشتريه أنه مكاتب، فله الرد، وله الإمساك مع الأرش (4).

قال الوزير عون الدين بن هبيرة: قال الإمام أحمد: يجوز بيع المكاتب، ولا يكون البيع فسخًا لكتابته، بل يجريه للمشتري على ذلك، ويقوم فيه مقام السيد الأول (5).

(1) رواه البخاري (6379)، كتاب: الفرائض، باب: ما يرث النساء من الولاء، من طريق النخعي، عن الأسود، عن عائشة، به.

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري (2424)، ومسلم برقم (1504/ 8).

(3)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2060، 2579)، ومسلم برقم (1504/ 8).

(4)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (3/ 282 - 283).

(5)

انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 375).

ص: 578

قال في "المنتهى، وشرحه": ويصحُّ نقلُ الملك في المكاتَب، ذكرًا كان أو أنثى، على الأصحَّ (1).

واستُدلَّ بهذا الحديث: فأمرها صلى الله عليه وسلم بشرائها، ولو لم يجز، لم يأمرها بذلك، ولأن المكاتَبَ رقيق ما بقي عليه درهمٌ.

قال عون الدين بنُ هبيرةَ: وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ: لا يجوز، إلا أن مالكًا قال: يجوز بيع مال الكتابة، وهو الدين المؤجَّل بثمن حالٍّ، إن كان عينًا، فبِعِوَض، وإن كان عرضًا، فبِعَين.

وعن الشافعي قولان: الجديد منهما: أنه لا يجوز (2).

واعتذروا عن الحديث بما لا ينهض به الاعتذار، ولا يحسن تقديم الرأي على صحيح الأخبار.

وفي الحديث أيضًا: دليل على صحة بيع العبد بشرط العتق، فيصح أن يشترطه بائع على مشتر، ويجبر حينئذٍ مشترٍ على عتق مبيع اشتُرِطَ عليه إن أباه؛ لأنه مستحَقٌّ لله تعالى، لكونه قربة التزمَها المشتري، فأجبر عليه، كالنذر، فإن أصر ممتنعًا، أعتقه حاكم، كطلاقه على مؤل، هذا معتمد مذهب الإمام أحمد (3).

وقال الإمام مالك بجواز البيع، وصحة الشرط أيضًا.

وعن الشافعي قولان: أصحهما: صحة البيع، وصحة الشرط.

(1) انظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (5/ 66).

(2)

انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 375).

(3)

انظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (3/ 176).

ص: 579

وقال أبو حنيفة: البيع باطل فيما حكاه الكرخي، وروى حسن بن زياد جواز البيع.

وفيه أيضًا: إن اشتراط الولاء للبائع لا يفسد العقد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "واشترطي لهم الولاء"، ولا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعقد باطل، وعلم منه عدم صحة هذا الشرط.

وهو أيضًا يوافق القياس من وجه، وهو أن القياس يقتضي: أن الأثر مختص بمن صدر منه السبب، والولاء من آثار العتق، فيختص بمن صدر عنه العتق، وهو المشتري المعتق (1).

فإن قيل: المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "اشترطي لهم الولاء"؛ أي: عليهم، بدليل أمرها به، ولا يأمر عليه الصلاة والسلام بفاسد.

فالجواب: عدم صحة هذا التأويل لوجهين:

أحدهما: أن الولاء لها بإعتاقها، فلا حاجة إلى اشتراطه.

الثاني: أنهم أَبَوْا البيع، إلا أن يشترط لهم الولاء، فكيف يأمرها بما علم أنهم لا يقبلونه منها؟ وسياق الحديث ظاهر في إبطال هذا التأويل، فليس على مثله تعويل.

وأمَّا أمرها بذلك، فليس بأمر حقيقة، وإنما هو صورة الأمر بمعنى التسوية، كقوله تعالى:{فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} [الطور: 16]، والتقدير: اشترطي لهم الولاء أو لا تشترطي، ولهذا قال عقبه:"فإنما الولاء لمن أعتق"(2).

وعلى كل حال، ففي ظاهر الحديث إشكال، حتى زعم بعضُ الأئمة

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 163).

(2)

انظر: "المغني" لابن قدامة (4/ 158).

ص: 580

عدمَ ثبوت هذه اللفظة، كانقل عن يحيى بن أكثم، وعن الإمام الشافعي قريبٌ منه، وأنه قال: اشتراطه للولاء رواه هشام بن عروة، عن أبيه، وانفرد به دون غيره من رواة هذا الحديث، وغيرُه من رواته أثبتُ من هشام، ففي رواية مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: لما ذكرت عائشة امتناعَهم من بيع بَريرةَ إلا أن يكون الولاء لهم، فقال:"لا يمنعك ذلك، فإنما الولاءُ لمن أعتقَ"(1).

والتحقيق: إثباتُ هذه اللفظة، للثقة براويها، ومن التأويل والتخريج من ظاهر الإشكال أن يكون هذا الاشتراط بمعنى: ترك المخالفة لما شرطه البائعون، وعدم إظهار النزاع فيما دعوا إليه.

وقد يعبر عن التخلية والترك بصيغة تدل على الفعل، ألا ترى أنه قد أطلق لفظ الإذن من الله تعالى على التمكين من الفعل والتخلية بين العبد وبينه، وإن كان ظاهر اللفظ يقتضي الإباحة، والتجويز؟ وهذا موجود في كتاب الله تعالى على ما يذكره المفسرون، كما في قوله تعالى:{وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه} [البقرة: 102]، وليس المراد بالإذن هنا إباحة الله بالإضرار بالسحر، ولكنه لما خلى بينهم وبين ذلك الإضرار، أطلق عليه لفظ الإذن مجازًا.

ومنها: أن لفظة الاشتراط والشرط وما تصرف منهما يدل على الإعلام والإظهار، ومنه: أشراط الساعة، فيحمل قوله:"اشترطي" على معنى: اعلمي حكم الولاء وبيِّنيه، واعلمي أنه لمن أعتق.

ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم كان قد أخبرهم أن الولاء لمن أعتق، ثم أقدموا على

(1) رواه البخاري (2061)، كتاب: البيوع، باب: إذا اشترط شروطًا في البيع لا تحل، ومسلم (1054/ 5)، كتاب: العتق، باب: إنما الولاء لمن أعتق.

ص: 581

اشتراط ما يخالف هذا الحكم الذي علموه، فورد هذا اللفظ على سبيل الزجر والتوبيخ والتنكيل، لمخالفتهم الحكم الشرعي، فأبطلَ هذا الشرطَ، عقوبةً لمخالفتهم حكمَ الشرع (1)، والله الموفق.

(ثم) بعد شراء عائشة لبريرةَ وعتقِها لها (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيبًا، فحمد الله) سبحانه وتعالى، (وأثنى عليه) عودًا على بَدءٍ بما هو أهله، (ثم قال) بعد الحمد والثناء:(أما بعد: فما بالُ رجالٍ)، وفي لفظ:"أقوام"(2)، وهو استفهام إنكاري إبطالي؛ أي: ما حالهم وشأنهم؟ وهم أهل بريرة المتقدم ذكرهم، فنبه على تقبيح فعلهم بقوله:(يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله) تعالى، (ما كان من شرط ليس في كتاب الله) تعالى؛ أي: حكمه الذي يت عبد به عباده من كتاب أو سنة أو إجماع (3)، فإن الشريعة كلها في كتاب الله، إما بغير واسطة، كالمنصوصات في القرآن من الأحكام، وأما بواسطة، كالسنة والإجماع، وما يقاس على ذلك (4)، (فهو باطل، وإن كان) المشروطُ (مئةَ شرطٍ) مبالغة وتأكيدًا؛ لأن عموم "ما كان من شرط" دل على بطلان جميع الشروط، كان زادت على المئة.

(قضاءُ الله)؛ أي: حكمه (أحقُّ) بالاتباع، وأولى بالامتثال له من الشروط المخالفة لحكم الشرع؛ أي: هو الحق الذي يجب العمل به لا غيرُه.

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 164).

(2)

رواه البخاري (444)، كتاب: المساجد، باب: ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد، ومسلم (1504/ 8).

(3)

نقله المناوي في "فيض القدير"(2/ 173).

(4)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 168).

ص: 582

(وشرط الله أوثق)؛ أي: باتباع حدوده، والوقوف على ما شرعه من أَمر ونهي، بامتثال أوامره، والانكفاف عن زواجره؛ أي: هو الأوثق، وما سواه باطل.

(وإنما الولاء لمن أعتق) لا لغيره من مشترِط وغيره، فهو منفي شرعًا، وعليه الإجماع (1).

وفي هذا اللفظ دليل على جواز السجع لغير المتكلف (2)، والله أعلم.

(1) انظر: "فيض القدير" للمناوي (2/ 173).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 168).

ص: 583