الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أتى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ فَنَحَرَهَا، فَقَالَ: ابعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (1).
* * *
(عن زياد بن جُبير) -بضم الجيم وفتح الموحدة- بنِ حَيَّة -بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة تحت- الثقفيِّ، البصريِّ: تابعيّ جليل، يروي عن سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وغيرهما.
روى عنه: يونسُ بنُ عبيد، وأبو عون.
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1627)، كتاب: الحج، باب: نحر الإبل مقيدة، ومسلم (1320)، كتاب: الحج، باب: نحر البدن قيامًا مقيدة، وأبو داود (1768)، كتاب: المناسك، باب: كيف تنحر البدن.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 405)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 420)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 69)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 67)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1036)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 553)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 50)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 225)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 213).
أخرج له الجماعةُ غير النسائي، وفي "الكاشف" علّم له علامة الجماعة (1).
(قال) زياد بن جبير -رحمه الله تعالى-: (رأيت) عبدَ الله (بنَ عمرَ) بنِ الخطاب رضي الله عنهما (أتى على رجل) لم يُسَمَّ (قد أناخ بَدَنته)؛ أي: بَرَّكَها، (فنحرها).
ولفظ البخاري: ينحرها (2).
ولفظ مسلم كما رأيته في هذا المحل من "صحيحه"، وفي "الجمع بين الصحيحين": عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّه أتى على رجل وهو ينحر بدنته باركةً، (فقال)؛ أي: ابن عمر رضي الله عنهما: (ابْعَثْها)؛ أي: أَثِرْها حال كونها (قيامًا) مصدر بمعنى: قائمةً؛ أي: معقولة اليسرى، رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم (3).
وانتصابه على الحال، قال التوربشتي: لا يصح أن يجعل العامل في "قيامًا" ابعثْها؛ لأن البعث إنما يكون قبل القيام، واجتماع الأمرين في حالة واحدة غيرُ ممكن، انتهى.
(1) وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (3/ 347)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (3/ 526)، و"الثقات" لابن حبان (4/ 253)، و"تهذيب الكمال" للمزي (9/ 441)، و"الكاشف"(1/ 409)، و"سير أعلام النبلاء" كلاهما للذهبي (4/ 515)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (3/ 308).
(2)
كما تقدم تخريجه قريبًا.
قلت: واللفظ الذي ذكره المصنف رحمه الله ليس من رواية البخاري ومسلم، فرواية البخاري:"ينحرها"، ورواية مسلم:"ينحر بدنته باركة".
(3)
وتقدم تخريجه.
وأجاب الطيبي باحتمال أن تكون حالًا مقدرة، فيجوز تأخيره عن العامل، كما في التنزيل:{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا} [الصافات: 112]، أي: ابعثها مقدّرًا قيامُها، ثمّ انحرْها، وقيل: معنى ابعثها: أقمها، فعلى هذا انتصاب "قيامًا" على المصدرية (مقيدةً) بالنصب على الحال، من الأحوال المترادفة أو المتداخلة (1).
(سنةَ): منصوب بعامل مضمر على أنَّه مفعول به، والتقدير: فاعلًا بها، أو مقتفيًا، أو متبعًا سنة (محمد صلى الله عليه وسلم).
ويجوز الرفع بتقدير: هو سنة محمد.
وقول الصحابي: من السنَّةِ كذا مرفوع عند الشيخين، لاحتجاجهما بهذا الحديث في "صحيحيهما"(2).
قال في "الفروع": يُستحب ذبح غيرِ الإبل، ونحرُها -أي: الإبل- قائمةً معقولةَ اليدِ اليسرى، ونقل حنبل عن الإمام أحمد: كيف شاء، باركة وقائمة، في الوهدة بين أصل العنق والصدر، ويسمي ويكبر.
قال الإمام أحمد: حين يحرك يده بالذبح، ويقول: اللهمَّ هذا منك ولكَ، ولا بأس بقوله: اللهم تقبلْ من فلان، نصَّ عليه.
ونقل بعضهم: يقول: اللهم تقبلْ مني كما تقبلتَ من إبراهيم خليلِكَ.
قال: وقاله شيخنا -يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية-، وأنَّه إذا ذبح، قال:"وَجَّهْت وجهي" إلى قوله: "وأنا من المسلمين"، انتهى (3).
(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 225).
(2)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
(3)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 400).
وفي "سنن أبي داود" عن عبد الرحمن بن سابط: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البُدْنَ معقولةَ اليسرى قائمةً على ما بقي من قوائِمها، رواه أبو داود (1)، وهو مرسل، ويشير إلى معناه قوله تعالى:{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36]؛ أي: سقطت، وهو يشعر بأنها كانت قائمة (2).
وفي "الصحيح": قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: صوافَّ؛ أي: قيامًا.
وفي "مستدرك الحاكم" من وجه آخر: عن ابن عبّاس رضي الله عنهما -في قوله: {صَوَافِنَ} بكسر الفاء بعدها نون-، أي: قيامًا على ثلاثة قوائمَ معقولة، (3) وهي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه، وهي جمع صافنة، وهي التي رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب (4).
تنبيه:
معتمد مذهب الحنابلة: والأضحية من الإبل تنحر قائمةً على ثلاثٍ من قوائمها معقولةَ اليد اليسرى.
وقال الحنفية: تُنحر باركةً وقائمة (5).
واتفق الأربعةُ على أن السنةَ نحرُ الإبل، وذبحُ ما عداها.
(1) رواه أبو داود (1767)، كتاب: المناسك، باب: كيف تنحر البدن؟
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 67).
(3)
رواه الحاكم في "المستدرك"(7571).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 554).
(5)
انظر: "المغني" لابن قدامة (3/ 221).
فإن ذُبح ما يُنحر، أو نُحر ما يُذبح، فقال أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد: يُباح، إلّا أن أبا حنيفة مع الإباحة كرهه.
وقال الإمام مالك: إن نحر شاة، أو ذبح بعيرًا من غير ضرورة، لم يؤكل لحمُها، وحمله على الكراهة من أصحابه عبدُ العزيز بن أبي سلمة (1)، والله تعالى الموفق.
(1) المرجع السابق، (9/ 318).