الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَمَرَني رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بدْنِهِ، وَأنْ أَتَصَدَّقَ بلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا، وَأَجِلَّتِهَا، وَأَلا أُعْطِيَ الجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِندِنَا (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1621)، كتاب: الحج، باب: الجلال للبدن، و (1629)، باب: لا يعطى الجزار من الهدي شيئًا، و (1630)، باب: يتصدق بجلود الهدي، و (1631)، باب: يتصدق بجلال البدن، و (2177)، كتاب: الوكالة، باب: وكالة الشريك في القسمة وغيرها، ومسلم (1317/ 348)، واللفظ له، و (1317/ 349)، كتاب: الحج، باب: في الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها، وأبو داود (1769)، كتاب: المناسك، باب: كيف تنحر البدن، وابن ماجه (3157)، كتاب: الأضاحي، باب: جلود الأضاحي.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 158)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 398)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 413)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 64)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 65)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1034)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 556)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 52)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 226)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 220).
(عن) أميرِ المؤمنين أبي الحسنينِ (عليِّ بنِ أبي طالبٍ) الأنزعِ البطينِ (رضي الله عنه، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقومَ على بُدْنِه)، وكانت مئة.
وفي حديث جابر الطويل عند مسلم: أنَّه صلى الله عليه وسلم نحر منها ثلاثًا وستين بدنةً، ثمّ أعطى عليًا فنحر ما غَبَرَ، وأشركه في هديه (1)، (وأن أتصدقَ) على المساكين (بلحمها).
وفي رواية عن علي عند البخاري: أهدى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مئةَ بدنةٍ، فأمرني بلحومها، فقسمتها (2)؛ أي: على المساكين، وربما أشعرَ بالتصدق بجميع لحمها.
قال ابن دقيق العيد: ولا شك أنَّه أفضلُ مطلقًا، انتهى (3).
قلت: بل يُستحب أن يأكل من هَدْيه التطوُّعِ، ويهديَ، ويتصدقَ أثلاثًا؛ كالأضحية.
وفي "صحيح مسلم" من حديث جابر في وَصْفِهِ حجَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثمّ انصرفَ إلى المَنْحَر، فنحر صلى الله عليه وسلم ثلاثًا وستين بدنةً بيده، ثمّ أعطى عليًا، فنحر ما غبرَ، وأشركه في هديه، ثمّ أمر من كل بدنة بِبَضْعَةٍ، فجُعلت في قِدْرٍ، فطُبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها، رواه الإمام أحمد في "المسند"(4).
(1) تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1631).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 65 - 66).
(4)
تقدم تخريجه عند مسلم. ورواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 320).
وروى نحوه الترمذيُّ وابن ماجه (1).
(و) أن أتصدق بـ (جلودها)؛ أي: البُدْنِ المهداةِ، (وأجلتها): جمع جِلال -بالكسر-، وجلال جمع جُلّ -بالضم-، وهو ما تُجلل به الدابة.
وفي "القاموس": الجُلُّ -بالضم وبالفتح-: ما تلبسه الدابةُ لتُصان به، انتهى (2).
زاد ابن خزيمة في رواية: على المساكين (3).
(و) أمرني صلى الله عليه وسلم (أَلَّا أُعطي الجزارَ)، وهو الذي ينحر الجزائرَ والجُزُرَ، والجزور: البعير، أو خاصٌّ بالناقة المجزورة، وما يذبح من الشاء، ويقال للجزار: جِزِّير؛ كسِكِّيت (4)، (منها)؛ أي: البُدْنِ المهداة (شيئًا) في أجرة جِزارتها -بكسر الجيم-: اسمٌ للفعل، يعني: على عمل الجزار، نعم يجوز إعطاؤه منها صدقة إذا كان فقيرًا، واستوفى أجرته كاملة، وكذلك إعطاؤه منها هديةً، ولو غنيًا (5).
قال علماؤنا: وله أن ينتفع بجلدها وجُلِّها، أو يتصدَّق بهما، ويحرُمُ
(1) رواه الترمذي (815)، كتاب: الحج، باب: ما جاء كم حج النبي صلى الله عليه وسلم، وابن ماجه (3074)، كتاب: المناسك، باب: حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذا أبو داود (1905)، كتاب: المناسك، باب: صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1264)، (مادة: جلل).
(3)
رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(2920)، إلا أنه قال:"للمساكين". ووقع في رواية مسلم (1317/ 349): "في المساكين".
(4)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 465)، (مادة: جزر).
(5)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 227).
بيعُهما وبيعُ شيء منها، ولو كانت تطوعًا؛ لأنها تعينت بالذبح، وكذا الأضحية (1).
وكذا قال النووي في "شرح مسلم": إن مذهبهم عدمُ جواز بيع جلد الهدي والأضحية، أو أيِّ شيء من أجزائهما، سواء كان تطوعًا، أو واجبًا، قال: لكن إن كان تطوعًا، فله الانتفاعُ بالجلد وغيرهِ باللبسِ وغيره (2)، فقصر الجوازَ على التطوع.
والمعتمد عندنا: التطوعُ والواجبُ في جواز الانتفاع بنحو جلد سواء (3).
(و) قال علي رضي الله عنه: (قال) النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: (نحن نعطيه)؛ أي: الجزار أجرتَه (من عندنا)، لا من الهدي، وهذه انفرد بها مسلم عن البخاري.
قال الحافظ عبدُ الحقِّ الإشبيلي في "الجمع بين الصحيحين": لم يقل البخاري: "نحن نعطيه من عندنا"، وقد عزاه في "منتقى الأحكام" بالزيادة للصحيحين (4)، وكأنه اعتبار لأصل الحديث، والله أعلم.
تنبيهان:
الأول: صرّح هذا الحديث بجواز الاستنابة في القيام على الهدي وذبحهِ والتصدقِ به، نعم، الأَفضلُ تولِّيه ذلك بنفسه، لكن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فعل كُلا من المباشرة للذبح، والاستنابة فيه (5).
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 406).
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (9/ 65).
(3)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 406).
(4)
انظر: "المنتقى" للمجد ابن تيمية (2/ 226)، حديث رقم (2135).
(5)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 65).
ومعتمد المذهب: ولو كان النائب كتابيًا، والمسلمُ أولى.
الثاني: اختلف العلماء رضي الله عنهم فيما يؤكل منه، وما لا يؤكل من الهدي ودم التّمتّع والقران والدماء الواجبة:
فقال أبو حنيفة، وأحمد -على معتمد مذهبه-: يأكل من دم التّمتّع والقِرانِ، وهديِ التطوعِ إذا بلغ محلَّه.
وقال مالك: يأكل من الهدي كلِّه، إلّا من جزاء الصيد، وفدية الأذى، والنذر، ونذر المساكين، وهو في التطوع إذا عطب قبل أن يبلغ محله.
وقال الشّافعي: لا يأكل إلّا من التطوع.
وفي رواية عن الإمام أحمد: لا يأكل من النذر، ولا من جزاء الصيد، ويأكل مما سوى ذلك.
قال في "الفروع": ولا يأكل من واجب، إلّا هدي متعة وقِران، نص عليه، اختاره الأكثر، وظاهر كلام الخرقي: لا من قران.
وقال الآجري: ولا من متعة.
وقدم في "الروضة": وعنه: يأكل، إلّا من نذر، وجزاء صيد، وزاد ابن أبي موسى: وكفارة، واختار أبو بكر، والقاضي، والشيخ -يعني: الموفق-: جوازَ الأكل من أضحية النذر؛ كالأضحية على رواية، وجزم بها على الأصح (1).
قلت: وهذا المذهب، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 406 - 407).