الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُهِلُّ أَهْلُ المَدِينةِ؛ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنْ الجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ".
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مُهَلُّ أَهْلُ اليَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (133)، كتاب: العلم، باب: ذكر العلم والفتيا في المسجد، و (1450)، كتاب: الحج، باب: فرض مواقيت الحج والعمرة، و (1453)، باب: ميقات أهل المدينة، و (1455)، باب: مهل أهل نجد، و (6912)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم، ومسلم (1182/ 13 - 15)، كتاب: الحج، باب: مواقيت الحج والعمرة، وأبو داود (1737)، كتاب: المناسك، باب: في المواقيت، والنسائي (2651)، كتاب: المناسك، باب: ميقات أهل المدينة، و (2652)، باب: ميقات أهل الشام، و (2655)، باب: ميقات أهل نجد، والترمذي (831)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في مواقيت الإحرام لأهل الآفاق، وابن ماجه (2914)، كتاب: المناسك، باب: مواقيت أهل الآفاق.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"الاستذكار" لابن عبد البر (4/ 35)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (4/ 49)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 171)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 81)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 8)، =
(عن) أبي عبدِ الرحمنِ (عبدِ اللَّه بنِ) أميرِ المؤمنين (عمرَ) الفاروقِ (رضي الله عنهما: أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قالَ: يَهلُّ أهلُ المدينة) النبويةِ، ومَنْ سلكَ طريقَهم في سفره (من ذي الحليفة).
قال في "المطالع": هي من مياه جشم، بينهم وبين خفاجة العقلين (1).
(و) يُهِلُّ (أهلُ الشام) حيثُ لم يأتوا على المدينة.
وأما الآن، فميقاتهم ذو الحليفة؛ لأنهم يأتون المدينةَ النبويةَ، فعليهم أن يُهلوا من ميقاته، وأما في الزمن السابق، فكانوا لا يجتازون على المدينة، [فكانوا](2) يهلون (من الجحفة) كما هو الآن ميقات أهل مصر والمغرب، إلا أنهم إنما يهلون من رابغ؛ لكونها محاذيةً لها، أو قبيلها بيسير.
(و) يهل (أهلُ نجد) الحجاز أو اليمن، ومَنْ سلك طريقهم في السفر (مِنْ قَرْنٍ).
(قال) أبو عبد الرحمن (عبدُ اللَّه) بن عمر رضي الله عنهما: (وبلغني: أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال)، وفي رواية ابنه عنه: زعموا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال، ولم أسمعه (3):(مُهَلُّ) -بضم الميم وفتح الهاء-؛ أي: موضعُ إهلال (أهلِ اليمنِ) تهامة دونَ نجد، و (مَنْ) مرَّ بطريقهم (يَلَمْلَمُ) -
= و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 944)، و"طرح التثريب" للعراقي (5/ 2)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 383)، و"عمدة القاري" للعيني (2/ 217)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 151)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 21).
(1)
وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 221).
(2)
في الأصل: "فكان".
(3)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1182/ 14).
بالرفع- خبر المبتدأ الذي هو "مُهل" كذا في النسخ.
والذي رأيته في هذا الحديث في "البخاري"، "ومسلم"، و"الجمع بينهما" للحافظ عبد الحق:"ويهل أهلُ اليمن" -بالياء-. هذا حديث مالك عن نافع عن ابن عمر (1).
وأما حديث ابن شهاب، عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه، فلفظه:"مهل أهل المدينة"، هذا وما بعده، إلى أن قال: زعموا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال، ولم أسمعه:"ومُهَلُّ أهلِ اليمنِ يلملمُ"(2)
قال ابن الأثير في "النهاية": المُهَلُّ -بضم الميم-: موضعُ الإهلال، وهو الميقات الذي يُحرِمون منه، ويقع على الزمانِ والمصدرِ، ومنه: إهلالُ الهلال، والاستهلال؛ أي: رفع الصوت بالتكبير عند رؤيته، انتهى مختصرًا (3).
قال ابن عبد البر: اتفقوا على أن ابن عمر لم يسمع من النبيِّ صلى الله عليه وسلم قوله: "ويهل أهل اليمن من يلملم"، ولا خلاف بين العلماء أن مرسَل الصحابي صحيحٌ حجةٌ (4).
نعم، خالف في ذلك الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، فذهب إلى أنه ليس بحجة.
وقد ورد ميقاتُ اليمن مرفوعًا من غير إرسال من حديث ابن عباس في
(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1453)، ومسلم برقم (1182/ 13)، من طريق الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 330).
(2)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1455)، ومسلم (1182/ 14).
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 270).
(4)
انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (4/ 36).
"الصحيحين" -كما قدمنا قبل هذا-، ومن حديث جابر في "مسلم"، إلا أنه قال: أحسبُه رفعَه (1)، ومن حديث عائشة عند النسائي (2)، ومن حديث الحارث بن عمرو عند أبي داود، والنسائي (3).
تنبيه:
لم يذكر الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- في المواقيت ذاتَ عِرْق، مع أنه ميقاتٌ لأهل العراقِ وخراسانَ والشرقِ، وكأنه لكونه لم يثبت بالنصّ عند قوم.
وقد قدم في "الفروع": أنه ثبتَ بالنص، قال: وعندَ بعض العلماء، واختاره بعض الشافعية، وقاله الشافعي في "الأم"(4)، وأومأَ إليه الإمام أحمد: أن ذاتَ عرقٍ إنما ثبت بالاجتهاد من أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه (5).
قال الإمام الحافظ ابن الجوزي في "مثير العزم الساكن": الخامس: ذاتُ عِرْق، وهو ميقات أهل العراق وخراسان والمشرق (6).
وفي "أفراد البخاري" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لما فُتح هذان المصران -يعني: البصرة والكوفة-، أتوا عمرَ بنَ الخطاب،
(1) رواه مسلم (1183/ 18)، كتاب: الحج، باب: مواقيت الحج والعمرة.
(2)
تقدم تخريجه عند النسائي برقم (2653).
(3)
رواه أبو داود (1742)، كتاب: المناسك، باب: في المواقيت، ولم أره عند النسائي في "سننه الكبرى" أو "المجتبى" من حديث الحارث بن عمرو رضي الله عنه. وانظر:"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 100 - 101).
(4)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (2/ 137).
(5)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 203).
(6)
انظر: "مثير العزم الساكن" لابن الجوزي (ص: 76).
فقالوا: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حدَّ لأهل نجدٍ قرنًا، وإنه جَوْر عن طريقنا، وهو -بفتح الجيم وسكون الواو ثم راء-، أي: مائل عنها، فإذا أردنا أن نأتي قرنًا، شقَّ علينا، قال:"فانظروا حَذْوَها مِنْ طريقِكم"، فحد لهم ذاتَ عرق (1)، وهو الجبلُ الصغير، وقيل: العرق من الأرض السبخة تنبت الطرفاء، وبينها وبين مكة اثنان وأربعون ميلًا (2)، فكان تحديده لهم باجتهاده.
ويؤيده روايةُ الشافعيِّ من طريق أبي الشعثاء، قال: لم يوقِّتْ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأهلِ المشرق شيئًا، فاتخذ بحيالِ قرن ذاتُ عرق، انتهى (3).
قال ابن الجوزي: هذا يدل على أن عمر هو الذي حدَّ ذاتَ عرقٍ، وإنما حدَّها لهم؛ لأنها حَذْوُ قرنٍ، أي: مُحاذِيَتُها.
قال: فإن قيل: روى أبو داود، والنسائي من حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأهل العراقِ ذاتَ عرقٍ (4).
فالجواب: أنه إسناد ضعيف.
وقد روي عن أبي داود: أنه قال: الصحيحُ أن عمرَ وَقَّتَ لأهل العراق بعدَ أن فُتحت، ويدل على صحة هذا ما روى البخاري، ومسلم من حديث ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنه ذكر المواقيت الأربعة، ولم يذكر ذات عرق، انتهى (5).
(1) رواه البخاري (1458)، كتاب: الحج، باب: ذات عرق لأهل العراق.
(2)
انظر: "معجم البلدان" لياقوت الحموي (4/ 107).
(3)
رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 115)، وفي "الأم" (2/ 138). وانظر:"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 102).
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
انظر: "مثير العزم الساكن" لابن الجوزي (ص: 76).
قال في "الفروع": والظاهر أنه خفي النص؛ يعني: على سيدنا عمر رضي الله عنه، فوافقه، فإنه موفق للصواب، انتهى (1).
قال ابن عبد البر: ذاتُ عرقٍ ميقاتُهم؛ أي: أهل العراق بإجماع (2).
وفي "صحيح مسلم" عن أبي الزبير: أنه سمع جابرَ بنَ عبدِ اللَّه رضي الله عنهما يسأل عن المُهَلِّ، فقال: سمعتُ -أحسبهُ رفعَ الحديث إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث، وفيه:"ومُهَلُّ أهلِ العراقِ ذاتُ عِرْقٍ"(3)، لكن قال النووي في "شرح مسلم": إنه غير ثابت؛ لعدم جزمه برفعه (4)، وأجيب بأن قوله: أحسبه، مبناه: أظنه، والظنُّ في باب الرواية ينزل منزلةَ اليقين، وليس ذلك قادحًا في رفعه.
وأيضًا، فلو لم يصرح برفعه لا يقينًا ولا ظنًا، فهو منزل منزلةَ المرفوع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي، وإنما يؤخذ توقيفًا من الشارع، ولاسيما وقد ضمه جابر رضي الله عنه إلى المواقيت المنصوص عليها يقينًا باتفاق.
وقد أخرجه الإمام أحمد من رواية ابن لهيعة (5)، وابن ماجه من رواية إبراهيم بن يزيد (6)، كلاهما عن أبي الزبير، فلم يشكا في رفعه.
وقد صحح النووي حديثَ عائشة الذي رواه أبو داود، والنسائي (7).
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 253).
(2)
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (15/ 143).
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (8/ 81).
(5)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 336).
(6)
رواه ابن ماجه (2915)، كتاب: المناسك، باب: مواقيت أهل الآفاق.
(7)
تقدم تخريجه، وانظر:"المجموع شرح المهذب" للنووي (7/ 169).
نعم، كان ينكر الإمامُ أحمدُ على أفلحَ بنِ حميدٍ هذا الحديث (1).
وقال ابنُ عدي: قد حدَّثَ عنه ثقاتُ الناس، وهو عندي صالح، وأحاديثهُ مستقيمة كلُّها (2)، وصححه الذهبي، قال العراقي: إن إسناده جيد (3).
وروى الإمام أحمد، والدارقطني من حديث الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: وَقَّتَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث، وفيه: وقال: لأهل العراق ذات عرق (4).
فهذه الأحاديث بمجموعها لا تقصر عن درجة الاحتجاج به (5).
وأما ما أخرجه أبو داود، والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأهل المشرقِ العقيقَ (6)، فقد تفرَّدَ به يزيدُ بن أبي زياد، وهو ضعيف باتفاق المحدثين.
وكذا حديث الطبراني في "الكبير" عن أنس رضي الله عنه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأهل المدائن العقيقَ، ولأهل البصرة ذاتَ عرق، الحديث (7)، وفيه أبو ظلال هلالُ بنُ يزيد، وثقه ابنُ حبان، وضعفه الجمهور.
(1) قاله ابن صاعد، كما ذكر الذهبي في "ميزان الاعتدال"(1/ 440).
(2)
انظر: "الكامل في الضعفاء" لابن عدي (1/ 417).
(3)
انظر: "طرح التثريب" للعراقي (5/ 12 - 13). وانظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 102).
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 181)، والدارقطني في "سننه"(2/ 236).
(5)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 102).
(6)
رواه أبو داود (1740)، كتاب: المناسك، باب: في المواقيت، والترمذي (832)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في مواقيت الإحرام لأهل الآفاق.
(7)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(721)، وكذا الطحاوي في "شرح معاني =
والعقيق: وادٍ فوقَ ذاتِ عرق، بينه وبين مكة [مرحلتان](1)، فمن أحرم منه، فقد أحرم قبل أن يصل إلى ذات عرق، فعلى تقدير ثبوته، يكون ميقاتَ جواز واستحباب، وميقاتُ ذات عرقٍ لزوم وإيجاب، واللَّه الموفق للصواب (2).
* * *
= الآثار" (2/ 119)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (7/ 117 - 118).
(1)
في الأصل: "مرحلتين"، والصواب ما أثبت.
(2)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 102 - 103).