المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الأول عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٤

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحج

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المحرم من الثياب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الفدية

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يجوز قتله من الحيوان وهو محرم

- ‌باب دخول مكة المشرفة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التمتع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحج إلى العمرة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما نهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب السلم

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الأول عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ

‌الحديث الأول

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَلْبَسُ القُمُصَ، وَلَا العَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا البَرَانِسَ وَلَا الخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلَا يَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ"(1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (134)، كتاب: العلم، باب: من أجاب السائل بأكثر مما سأله، و (359)، كتاب: الصلاة في الثياب، باب: الصلاة في القميص والسراويل والتبان والقباء، و (1468)، كتاب: الحج، باب: ما لا يلبس المحرم من الثياب، و (1745)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد، باب: لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين، و (5458)، كتاب: اللباس، باب لبس القميص، و (5466)، باب: البرانس، و (5468)، باب: السراويل، و (5469)، باب: العمائم، و (5509)، باب: الثوب المزعفر، و (5514)، باب: النعال السبتية وغيرها، ومسلم (1177/ 1 - 3)، كتاب: الحج، باب: ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح، وأبو داود (1823 - 1824)، كتاب: المناسك، باب: ما يلبس المحرم، والنسائي (2666 - 2667)، كتاب: الحج، باب: النهي عن الثياب المصبوغة بالورس والزعفران في الإحرام، و (2669)، باب: النهي عن لبس القميص للمحرم، و (2670)، باب: النهي عن لبس السراويل في الإحرام، و (2674)، باب: النهي عن لبس البرانس في =

ص: 108

وللبخاريِّ: "وَلَا تَنْتَقِبُ المَرْأَةُ، وَلَا تَلْبَسُ القُفَّازَيْنِ"(1).

(عن عبدِ اللَّه بنِ عمرَ) بنِ الخطاب (رضي الله عنهما: أن رجلًا)، قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (2)، ولم يذكره البرماوي في "المبهمات"؛ لعدم وقوفه على تسميته.

(قال: يا رسول اللَّه! ما يلبسُ) الرجلُ (المحرم؟) قارِنًا، أو مفرِدًا، أو متمتِّعًا (من الثياب؟).

وعند البيهقي: أن ذلك وقع والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطب في مقدم مسجد المدينة (3).

= الإحرام، وابن ماجه (2929)، كتاب: المناسك، باب: ما يلبس المحرم من الثياب.

(1)

رواه البخاري (1741)، كتاب: الحج، باب: ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة، وأبو داود (1825 - 1826)، كتاب: المناسك، باب: ما يلبس المحرم، والنسائي (2673)، كتاب: الحج، باب: النهي عن أن تنتقب المرأة، و (2681)، باب: النهي عن أن تلبس المحرمة القفازين، والترمذي (833)، كتاب: الحج، باب: ما جاء فيما لا يجوز للمحرم لبسه.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (2/ 176)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (4/ 13)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (4/ 53)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 160)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 255)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 73)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 10)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 946)، و"طرح التثريب" للعراقي (5/ 40)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 401)، و"عمدة القاري" للعيني (4/ 74)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 108)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 190)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 66).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 401).

(3)

رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 49).

ص: 109

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري، ومسلم: أنه صلى الله عليه وسلم خطب بذلك في عرفات (1)، فيُحمل على التعدد (2).

(قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) مجيبًا له: (لا يلبس) القميص بالإفراد.

وفي لفظ البخاري: (القُمُص) -بضم القاف والميم (3) -: جمع قميص.

ويلبسُ -بالرفع- وهو الأشهر على الخبر عن حكم اللَّه؛ إذ هو جواب السؤال، أو خبر بمعنى النهي، و-بالجزم- على النهي، وكسرَ لالتقاء الساكنين.

فإن قيل: السؤالُ وقع عما يجوزُ لبسُه للمحرم، والجوابُ وقع عما لا يجوزُ، فما الحكمةُ فيه؟

أجيب: بأن الجواب بما لا يجوز لبسُه أَحْصَرُ وأَخْصَرُ مما يجوز، فذكرُه أولى؛ إذ هو قليل، ويفهم منه ما يباح، فتحصل المطابقة بين السؤال والجواب بالمفهوم.

وقيل: كان الأليقُ السؤالَ عن الذي لا يُباح؛ إذ الإباحةُ الأصلُ، ولذا أجابَ بذلك؛ تنبيهًا للسائل على الأليق.

ويسمى مثلُ ذلك: الأسلوبَ الحكيمَ؛ كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} الآية [البقرة: 189].

فإنهم سألوا عن حكمة اختلاف القمر؛ حيث قالوا: ما بالُ الهلالِ يبدو دقيقًا، ثم يزيدُ، ثم ينقص؟

(1) سيأتي تخريجه في حديث الباب الآتي.

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 109).

(3)

تقدم تخريجه برقم (1468) عنده.

ص: 110

فأجابهم: بأن الحكمةَ الظاهرةَ في ذلك أن تكونَ معالمَ للناس يُوَقِّتون [بها] أمورَهم، ومعالمَ للعبادات الموقتة تُعرف بها أوقاتُها، وخصوصًا الحجُّ، فبين فسادَ سؤالهم، وهو أنه كان ينبغي أن يسألوا عما ينفعهم في دينهم، ولا يسألوا عما لا حاجةَ لهم في السؤال عنه.

وكذا قوله: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} الآية [البقرة: 215].

سألوا عما ينفقونه، فأجابهم عن الجهات التي ينبغي أن تكون المنفعةُ فيها.

نعم، المطابقةُ واقعةٌ بين السؤال والجواب على إحدى الروايتين.

فقد رواه أبو عوانة من طريق ابن جريج، عن نافع بلفظ؛ ما يتركُ المحرمُ؟ وهي شاذة، والاختلاف فيها على ابن جريج، لا على نافع (1).

ورواه سالم عن أبيه عند الإمام أحمد، وابن خزيمة، وأبي عوانة في "صحيحيهما" بلفظ: أن رجلًا قال: ما يجتنبُ المحرمُ من الثياب؟ (2)

وأخرجه الإمام أحمد عن ابن عيينة عن الزهري، فقال مرةً: ما يترك؟ ومرة: ما يلبس؟ (3)

وأخرجه البخاري في أواخر الحج من طريق إبراهيم بن سعد، عن الزهري بلفظ نافع؛ يعني: ما يلبس المحرم؟ (4) فالاختلاف فيه على

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 402).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 34)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2601).

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 8).

(4)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1745).

ص: 111

الزهري يُشعر بأن بعضهم رواه بالمعنى، فاستقامت رواية نافع؛ لعدم الاختلاف عليه فيها.

واتجه البحث المتقدم فيها، كما في "الفتح"(1).

(ولا العمائمَ) جمعُ عِمامة، سميت بذلك؛ لأنها تعمُّ جميعَ الرأس بالتغطية (2).

(ولا) يلبسُ المحرمُ (السراويلاتِ) جمعُ سِرْوال، فارسيٌّ معرَّبٌ، والسراوين -بالنون- لغةٌ، والشِّروال -بالشين- لغةٌ (3).

(ولا البرانِسَ) جمعُ بُرْنسُ -بضم النون-.

قال في "القاموس": البرنسُ: قَلَنْسُوَةٌ طويلةٌ، أو كلُّ ثوب رأسُه منه، دُرَّاعةً كانَ أو جبةً، انتهى (4).

وفي "الفتح": البرانسُ: جمعُ بُرْنُس -بضم الموحدة والنون بينهما راء ساكنة وآخره مهملة- (5).

قال ابن دقيق العيد: قيل: إنها قلانسُ طِوالٌ كان يلبسُها الزهَّاد في الزمان الأول (6).

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 402). وقد نقل الشارح رحمه الله هنا كلام القسطلاني في "إرشاد الساري"(3/ 109).

(2)

انظر: "العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 946)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 109).

(3)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 109).

(4)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 685)، (مادة: برنس).

(5)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 272).

(6)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 10).

ص: 112

وفي "المطالع": البرنسُ: كلُّ ثوب رأسُه ملتزقٌ به، دُرَّاعَةً كان أو جُبَّةً (1).

(ولا) يلبس المحرمُ (الخِفاف) -بكسر الخاء المعجمة-: جمع خف.

فنبه بالقميص، والسراويل: على تحريم لبس المَخِيط المُحِيط بالبدن، وما يساويه من المنسوج، وبالعمائمِ والبرانس: على كلِّ ما يغطى به الرأس، مَخيطًا كانَ، أو غيرَه (2).

فيحرُم على الرجل سترُ رأسه، أو بعضِه؛ كالبياضِ الذي وراءَ الأذن، ولو بعصابة؛ لصداعٍ ونحوه، ولو بسيرٍ وطينٍ، من كلِّ ملاصقٍ معتاد أو لا؛ كخرقة، وقرطاس فيه دواءٌ أو غيرُه، أو لا دواءَ فيه؛ كما لو طلاه بحناء، أو غيره، ولو بنورة، لعذرٍ أو غيره (3).

وكذا لو استظلَّ بنحوِ هَوْدَجٍ؛ خلافًا للشافعية، والحنفية.

قال في "الفروع": وإن استظلَّ في محملٍ، أو ثوب، أو نحوه، نازلًا أو راكبًا، قاله القاضي وجماعة، حَرُمَ، ولزمته الفديةُ.

وفي رواية: اختاره أكثرُ الأصحاب؛ وفاقًا لمالك.

رُوي عن ابن عمر من طرق النهيُ عنه.

واحتج به الإمام أحمد، ولأنه قصده بما يقصد به التَّرَفُّهُ؛ كتغطيته، وعنه: لا فدية، وعنه: بلى إن طال، وعنه: يكره.

وقال الشيخ الموفق: هي الظاهرُ عنه.

(1) وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 85).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 10).

(3)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 109).

ص: 113

وعنه: يجوز؛ وفاقًا لأبي حنيفة، والشافعي؛ لأن أسامةَ أو بلالًا رفع ثوبه يسترُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم من الحرِّ حتى رمى جمرةَ العقبة. رواه مسلم (1).

وأجاب الإمام أحمد عنه: بأنه يسيرٌ لَا يُراد للاستدامةِ.

زاد بن عقيل: أو كان بعدَ [رمي] جمرة العقبة، أو به عذر، وفَدى، أو لم يعلم النبيُّ صلى الله عليه وسلم به.

ويجوز الاستظلالُ بخيمة، ونصبِ ثوبٍ، ونحوِهما؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ضُربت له قبة بنَمِرَةَ، فنزلها. رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه (2)، ولأنه لا يقصد به الترفُّه في البدن عادةً، بل جمع الرجال. ونظر فيه في "الفروع"(3).

ويجوز تغطيةُ الوجه في رواية اختارها الأكثرُ؛ وفاقًا للشافعي، فعله

عثمانُ رضي الله عنه، رواه مالك (4).

ورواه أبو بكر النجار عنه، وعن زيد، وابن الزبير، وأنه قاله ابن عباس، وسعدُ بن أبي وقاص، وجابرٌ، وعن ابن عمر روايتان، روى النهيَ عنه مالكٌ، (5) وعند الإمام أحمد: لا يجوز، نقلها الأكثر، فيكون كالرأس؛ وفاقًا لأبي حنيفة.

(1) رواه مسلم (1298)، كتاب: الحج، باب: استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا، عن أم الحصين رضي الله عنها.

(2)

رواه مسلم (1218)، كتاب: الحج، باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث جابر رضي الله عنه الطويل.

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 269 - 270).

(4)

رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 327).

(5)

رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 327).

ص: 114

وقال الإمام مالك: لا يفعله، فإن فعله، فلا فدية.

وقال بعض أصحابه: فيه روايتان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرِمِ الذي وَقَصَتْه راحلتُه: "لا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ"(1)، وفي لفظ:"لا تُغَطُّوا رأسَه"(2) انفرد بهما مسلم.

والذي في "الصحيحين": "ولا تخمروا رأسَهُ".

وروي في الخبر: "وخمروا وجهَهُ، ولا تخمِّروا رأسَهُ"(3).

قال في "الفروع": ولا تتجه صحته (4).

ومعتمد المذهب: يجوز للرجل المحرِمِ أن يغطي وجهَه، واللَّه الموفق.

ونبه في الحديث بالخفاف على كل ما يستر الرِّجْلَ مما يُلبس عليه من مَداس وجَوْرَبٍ (5)، ومثلُهما القُفَّازانِ لليدين.

وقال القاضي وغيره: ولو كانَ غيرَ معتاد؛ كجوربٍ في كف، وخف في رأس، فعليه الفديةُ، انتهى (6).

(1) تقدم تخريجه عند البخاري ومسلم بلفظ: "تخمروا رأسه" بدل "تخمروا وجهه"، وسيأتي تنبيه ابن مفلح عليه.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 357)، وفي "الأم"(1/ 270)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 393)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 271 - 272).

(5)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 109).

(6)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 273).

ص: 115

(إلا أحدٌ لا يجدُ نعلين) -في موضع رفع- صفة لأحد، ويستفاد منه -كما قال ابن المنير- جوازُ استعمال "أَحَد" في الإثبات؛ خلافًا لمن خصَّه بضرورةِ الشعر؛ كقوله (1):[من البسيط]

وَقَد ظَهَرْتَ فَمَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ

إِلَّا عَلَى أَحَدٍ لا يَعْرِفُ القَمَرَا

قال: والذي يظهر لي بالاستقراء أن "أحدًا" لا يُستعمل في الإثبات، إلا أن تعقب النفيَ، وكان الإثباتُ حينئذ في سياق النفي.

ونظيرُ هذا زيادةُ الباء؛ فإنها لا تكون إلا في النفي، ثم رأيناها زيدت في الإثبات الذي هو في سياق النفي؛ كقوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [الأحقاف: 33]. انتهى (2).

والمستثنى منه محذوف، ذكره معمر في روايته عن الزهري عن سالم باللفظ:"وليحرمْ أحدُكم في إزارٍ ورداءٍ ونعلينٍ، فإن لم يجد نعلين، (فليلبس الخفين) (3). وفي لفظ: "خفين" (4) بلا تعريف، (وليقْطَعْهما)؛ أي: شرطَ أن يقطعهما (أسفلَ من الكعبينِ)، ولا فدية عليه إذن، فإنها لو وجبت، لبينها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وهذا موضعُ بيانها (5).

(1) هو ذو الرُّمَّة، كما في "ديوانه"(2/ 1163)، (ق 37/ 41).

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 109 - 110)، نقلًا عن الحافظ ابن حجر في "الفتح"(3/ 402).

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 34)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2601)، وغيرهما.

(4)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1468، 5466، 5514).

(5)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 110).

ص: 116

قال متأخرو علمائنا: وإن عدم نعلين، أو لم يمكن لبسُهما، لبسَ خُفين أو نحوهما من رَانٍ (1) وغيره بلا فدية، ويحرم قطعهما.

وعن الإمام أحمد: يقطعهما حتى يكونا أسفلَ من الكعبين. وجَوَّزه جمعٌ.

قال الإمام الموفق وغيره: الأولى خَلْعُهما؛ عملًا بالحديث الصحيح (2).

قال في "الفروع ": وإن عدم نعلين، لبس خفين بلا فدية. نقله الجماعة، ولا يقطع خفيه.

قال الإمام أحمد: هو فساد.

واحتج الموفق وغيره لهذه الرواية بالنهي عن إضاعة المال، وجوزه أبو الخطاب وغيرُهُ، وقاله القاضي، وابنُ عقيل، وأن فائدة التخصيص كراهته؛ أي: القطعِ لغير إحرام؛ لخبر ابن عباس الآتي.

وطاف عبد الرحمن بخفين، فقال له عمر: والخفان مع القباء؟! فقال: لبستُهما مع مَنْ هو خير منكَ؛ يعني: النبيَّ صلى الله عليه وسلم، رواه أبو حفص العكبري، ورواه أبو بكر النجاد (3).

وروي أيضًا عن عمر رضي الله عنه: الخفان نعلانِ لمن لا نعلَ له (4).

(1) الران: كالخف إلا أنه لا قدم له، وهو أطول من الخف. انظر:"القاموس المحيط" للفيروزأبادي (مادة: رين).

(2)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 572).

(3)

ورواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 192).

(4)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(15778).

ص: 117

ومن رواية الحارث عن علي (1)، وعن ابن عباس (2). وإن المسور بن مخرمة لبسهما وهو محرم، وقال: أمرتنا به عائشةُ رضي الله عنها وعنهم أجمعين- (3).

ويأتي الكلام عليه فيما بعده.

(ولا يَلْبَس) -بفتح أوله وثالثه- المحرم (من الثياب شيئًا مَسَّهُ زعفرانٌ).

وفي لفظ: "الزعفران" بالتعريف (4).

وعلى الرواية التي ذكرها المصنف، فهو بالتنوين كما قاله الزركشي؛ لأنه ليس فيه إلا الألف والنون فقط، وهو لا يمنع الصرف، فلو سميت به، امتنع، انتهى (5).

(أو وَرْسٌ) -بفتح الواو وسكون الراء بعدها سين مهملة-: نبتٌ أصفر مثل نبات السمسم، طيبُ الريح، يُصبغ به، بين الحمرة والصفرة، أشهر طيب في بلاد اليمن (6).

لكن قال ابن العربي: الورسُ -وإن لم يكن طيبًا-، فله رائحةٌ طيبة،

(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(15779).

(2)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(15780).

(3)

لم أقف على أثر المسور بن مخرمة هذا، وانظر:"الفروع" لابن مفلح (3/ 274).

(4)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (134، 359، 1468، 5466)، ومسلم برقم (1177/ 1).

(5)

انظر: "النكت على العمدة" للزركشي (ص: 197). وقد نقله الشارح رحمه الله عن "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 110).

(6)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 110).

ص: 118

فأراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن ينبه على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملاءمة الشم (1).

وهذا الحكم يشترك فيه النساء مع الرجال؛ بخلاف ما قبله؛ فإنه خاصٌّ بالرجال (2).

قال في "الإقناع": يحرم عليه بعدَ إحرامه لبسُ ما صُبغ بزعفرانٍ أو ورسٍ، أو غُمسَ في ماءِ وردٍ، أو بُخِّرَ بعودٍ ونحوه، والجلوسُ والنومُ عليه، فإن فَرَشَ فوقَ الطيب ثوبًا صفيقًا يمنع الرائحة والمباشرة غيرَ ثياب بدنه، فلا فدية بالنوم عليه (3).

(ولـ) ـلإمام (البخاري) زيادة على مسلم في هذا الحديث: (ولا تتنقبِ) بالجزم على النهي، والكسر لالتقاء الساكنين؛ أي: تَتَخَمَّر (المرأةُ) المحرمةُ؛ لأن إحرامها في وجهها، فيحرم عليها تغطيته ببرقُع أو نِقابٍ أو غيرِه؛ وفاقًا.

قال ابن المنذر: كراهيةُ البرقعِ ثابتة عن سعيد، وابن عمر، وابن عباس، وعائشة، ولا نعلم أحدًا خالفَ فيه.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: إحرامُ المرأة في وَجْهِها، وإحرامُ الرجلِ في رأسه. رواه الدارقطني بإسناد جيد (4).

وروي أيضًا عن ابن عمر مرفوعًا: "ليسَ على المرأةِ حرمٌ إلا في وجهها"(5).

(1) انظر: "عارضة الأحوذي" لابن العربي (4/ 54).

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 110).

(3)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 574).

(4)

رواه الدارقطني في "سننه"(2/ 294)، ورواه البيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 47)، موقوفا على ابن عمر رضي الله عنهما.

(5)

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(6122)، والبيهقي في "السنن الكبرى" =

ص: 119

وقال أبو الفرج في "الإيضاح": وكَفَّيْها.

وقال في "المبهج": وفي الكفين روايتان، ودليله روايةُ البخاري (1).

(ولا تَلْبَس) المرأةُ المحرمةُ (القفازين) تثنية قُفَّاز -بالضم والتشديد-: شيءٌ تلبسه نساءُ العرب في أيديهن يغطِّي الأصابعَ والكفَّ والساعدَ من البرد، ويكون فيه قطنٌ محشوٌّ (2)، ويُزَرَّرُ بأزرارٍ، فنبه بمنع المرأة من النقاب والقفازين على كل ما يُحيط بالعضو الخاصِّ إحاطةَ مثلِه في العادة (3).

والنقاب: هو الخِمار الذي تشدُّه المرأة على الأنف، أو تحتَ المحاجِر، وإن قرب من العين حتى لا تبدوَ جفونُها، فهو الوَصْوَاصُ -بفتح الواو وسكون الصاد المهملة الأولى-، فإن نزل إلى طرف الأنف، فهو اللِّفام -بكسر اللام وبالفاء-، فإن نزل إلى الفم، ولم يكن على الأرنبة منه شيء، فهو اللثام -بالمثلثة- (4).

نعم، للمرأة أن تُسدل على وجهها وهي محرمة للحاجة؛ وفاقًا لقول عائشة رضي الله عنها: كان الركبانُ يمرون بنا، ونحن مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم محرماتٌ، فإذا [حاذوا بنا](5)، سَدَلَتْ إحدانا جِلْبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا، كشفناه. رواه الإمام أحمد، وأبو داود،

= (5/ 47). وقال: والمحفوظ موقوف.

(1)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 332).

(2)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 90).

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 10).

(4)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 312).

(5)

في الأصل: "حاذونا" والصواب ما أثبت.

ص: 120

وابن ماجه، والدارقطني، (1) ورواه أيضًا عن أم سلمة (2).

قال الإمام أحمد: إنما لها أن تُسدل على وجهها من فوقُ، وليس لها أن ترفعَ الثوبَ من أسفل، ومعناه عن ابن عباس رواه الشافعي (3).

قال الإمام الموفق عن قول الإمام أحمد: كأنه يقول: إن النقاب من أسفل على وجهها.

وذكر القاضي: تُسدل، ولا تُصيب البشرةَ، فإن أصابتها فلم ترفعه مع القدرة، فدتْ؛ لاستدامة الستر.

قال الموفق: ليس هذا الشرط عن أحمد، ولا في الخبر، والظاهرُ خلافه؛ فإن المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، فلو كان شرطًا، لبين (4).

قال في "الفروع": وما قاله -يعني: الموفق- صحيح.

ولا يمكن أن المرأة تغطي جميع الرأس إلا بجزء من الوجه، ولا أن تكشف جميعَ الوجه إلا بجزء من الرأس، فسترُ الرأسِ كلِّه أَوْلى؛ لأنه آكدُ؛ لأنه عورة لا يختص بالإحرام.

وحكم المرأة كالرجل فيما يحرم إلا لبسُ المخيط، وتظليلٌ بنحو محمل، واللَّه أعلم (5).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 30)، وأبو داود (1833)، كتاب: المناسك، باب: في المحرمة تغطي وجهها، وابن ماجه (2935)، كتاب: المناسك، باب: المحرمة تسدل الثوب على وجهها، والدارقطني في "سننه"(2/ 295).

(2)

رواه الدارقطني في "سننه"(2/ 295).

(3)

انظر: "الأم" للإمام الشافعي (2/ 149).

(4)

انظر: "المغني" لابن قدامة (3/ 154).

(5)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 333).

ص: 121