الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: طَافَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1530)، كتاب: الحج، باب: استلام الركن بالمحجن، و (1534)، باب: من أشار إلى الركن إذا أتى عليه، و (1535)، باب: التكبير عند الركن، و (1551)، باب: المريض يطوف راكبًا، و (4987)، كتاب: الطلاق، باب: الإشارة في الطلاق والأمور، ومسلم (1272)، كتاب: الحج، باب: جواز الطواف على بعير وغيره، واستلام الحجر بمحجن ونحوه للراكب، وأبو داود (1877، 1881)، كتاب: المناسك، باب: الطواف الواجب، والنسائي (713)، كتاب: المساجد، باب: إدخال البعير إلى المسجد، و (2928)، كتاب: المناسك، باب: الطواف بالبيت على الراحلة، و (2954)، باب: استلام الركن بالمحجن، و (2955)، باب: الإشارة إلى الركن، والترمذي (865)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في الطواف راكبًا، وابن ماجه (2948)، كتاب: المناسك، باب: من استلم الركن بمحجنه.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 192)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 347)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 279)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 18)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 47)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1007)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 473)، و"عمدة القاري" للعيني (9/ 252)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 167)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 114).
المِحْجَنُ: عَصًا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ.
* * *
(عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما، قال: طافَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم).
الطّوافُ: مأخوذ من قولهم: طافَ به؛ أي: أَلَمَّ.
يقال: طافَ يطوفُ طَوْفًا وطوفانًا، وتطوَّفَ، واستطاف، كلُّه بمعنى (1).
(في حجةِ الوداعِ) متعلقّ بطاف، وإنّما سميّت حجة الوداع؛ لأنّه صلى الله عليه وسلم خطبَ النّاس وودَّعهم، فقالوا: هذه حجةُ الوداع (2).
(على بعيرٍ) متعلّق بطاف أيضًا.
وفيه: جوازُ الطَّوافِ راكبًا، (3) وعندَ الإمام أحمد -على معتمد مذهبه-: إنّما يجزىء الطّواف راكبًا لعذر، نقله الجماعة، وعنه: ولغيره، اختاره أبو بكر، وابن حامد.
وقال الإمام أحمد رضي الله عنه: إنّما طاف النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم راكبًا؛ ليراه الناس.
قال جماعة: فيجيء من هذا: أنّه لا بأسَ به للإمام الأعظم ليري الجهّال (4).
قال ابن دقيق العيد: إنّما طاف صلى الله عليه وسلم راكبًا؛ لتظهرَ أفعالُه؛ ليقتدَى بها، وهذا يؤخَذ منه أصلٌ كبير، وهو: أنّ الشيء قد يكون راجحًا بالنظر إلى محله من حيث هو هو، فإذا عارضه أمر آخر أَرجحُ منه، قُدّم على الأوّل من غير أن تزول تلك الفضيلة الأولى، حتّى إذا زال ذاك المعارضُ الرّاجحُ،
(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1077)، (مادة: طوف).
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (2/ 56).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 47).
(4)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 369).
عاد ترجيحُ الأوّل من حيث هو هو، انتهى (1).
(يستلم) صلى الله عليه وسلم (الرُّكْنَ)، والاستلام: افتعال من السِّلام -بكسر السّين المهملة-، وهي الحجارة، قاله ابن قتيبة (2).
فلمّا كان لمسًا للحجر، قيل له: استلام، أو من السَّلام -بفتحها-، وهو التحية، قاله الأزهري؛ (3) لأنّ ذلك الفعلَ سلامٌ على الحجر، وأهلُ اليمن يُسمُّون الرُّكنَ الأسودَ: المحيّا، أو هو اسئلام -مهموزًا-؛ من الملاءمة، وهي الاجتماع، أو استفعال من اللأْمة، وهي الدّرع؛ لأنّه إذا لمس الحجرَ، تحصّن بحصنٍ من العذاب، كما يتحصّن باللأْمة من الأعداء.
ويكون خفّف بنقل حركة الهمزة إلى اللَّام السّاكنة، ثمّ حُذفت الهمزة ساكنة، كما في "المصابيح"(4).
(بمحجن) قال الحافظ المصنّف رحمه الله: (المِحْجَن) -بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم- (عَصًا مَحْنِيَّةُ الرّأسِ).
وفي "المطالع": مفتوحةُ الرّأس كالمخطف؛ يعني: كان صلى الله عليه وسلم يرمي بالمحجن إلى الرُّكن الأسود حتّى يُصيبَه (5).
زاد مسلم من حديث أبي الطّفيل: ويُقَبِّلُ المحجنَ.
ولفظه عن أبي الطّفيل: رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، ويستلمُ
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 47 - 48).
(2)
انظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (1/ 221).
(3)
انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: 174).
(4)
وانظر: "عمدة القاري" للعيني (9/ 249).
(5)
وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 182).
الرُّكن بمحجن معه، ويقبّل المحجنَ (1).
وفي حديث جابرِ بنِ عبدِ اللَّه رضي الله عنهما، قال: طاف رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته، يستلمُ الحجرَ بمِحْجَنه؛ لأن يراه النّاس، وليشرفَ، ويسألوه، فإنّ النّاس غَشُوه. رواه مسلم، (2) وكذا البخاري، إلّا أنّه لم يقل: لأن يراه النّاس. . . إلخ (3).
قال في "الفروع": الطّائفُ يُحاذي الحجرَ الأسودَ أو بعضَه، وهو جهة المشرق بجميع بدنه، فيستلمه بيده اليمنى؛ يعني: يمسحه بها، ويقبّله من غير صوتٍ للقُبلة.
ونصّ الإمام أحمد رضي الله عنه: ويسجُدُ عليه.
وأن ابن عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم فعلاه.
وإن شَقَّ، قَبَّلَ يدَه، فإن شَق، استلمه بشىء، وقَبَّلَه، وهكذا مذهب الشّافعي رضي الله عنه (4).
وعند الحنفية: يضع يديه عليه، ويُقَبّلهما عندَ عدمِ إمكانِ التّقبيل، فإن لم يُمكنه، وضع عليه شيئًا؛ كعَصًا، فإن لم يتمكّن من ذلك، رفع يديه إلى أذنيه، وجعل باطنهما نحو الحَجَر مشيرًا إليه، كأنه واضعٌ يديه عليه، وظهورُهما نحوَ وجهه، ويُقَبِّلهما (5).
وعند المالكية: إن زوحم، لَمَسَهُ بيده، أو بِعُودٍ، ثمّ وضعَه على فيه من
(1) رواه مسلم (1275)، كتاب: الحج، باب: جواز الطواف على بعير وغيره.
(2)
رواه مسلم (1273)، كتاب: الحج، باب: جواز الطواف على بعير وغيره.
(3)
لم أره عند البخاري من حديث جابر رضي الله عنه بالسياق الذي ذكره أولًا.
(4)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 367).
(5)
انظر: "البحر الرائق" لابن نجيم (2/ 351).
غير تقبيل، فإن لم يصل، كَبَّرَ إذا حاذاه، ومضى، ولا يشير بيده (1).
ومذهبنا: إن لم يقدر على لمسِه بيده، أو بشيء، فإنّه يشير إليه بيده، أو بشيء، ويستقبل الحجرَ بوجهه، ولا يُقَبّل المشارَ به، ولا يزاحم فيؤذي أحدًا؛ (2) لما روى الإمام أحمد من حديث عمر رضي الله عنه: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: "إِنَّكَ رجلٌ قويٌّ، لا تُزاحِمْ على الحجرِ فتؤذيَ الضَّعيفَ، إِنْ وجدْتَ خلوةً، فاستلِمْهُ، وإلَّا، فاستقْبِلْهُ، وهَلِّلْ وكبِّرْ"(3).
* * *
(1) انظر: "مواهب الجليل" للحطاب (3/ 108). وانظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 167)، وعنه نقل الشارح رحمه الله.
(2)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 7).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 28)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 80).