المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثيِّ: أَنَّهُ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٤

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحج

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المحرم من الثياب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الفدية

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يجوز قتله من الحيوان وهو محرم

- ‌باب دخول مكة المشرفة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التمتع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحج إلى العمرة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما نهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب السلم

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثيِّ: أَنَّهُ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ

‌الحديث الثاني

عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثيِّ: أَنَّهُ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بالأَبْوَاءِ، أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّه عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَىَ مَا فِي وَجْهِهِ، قَالَ:"إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ علَيكَ إِلَّا أنَّا حُرُم"(1).

وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِم: رِجْلَ حِمَارٍ (2).

وَفِي لَفْظٍ: شِقَّ حِمَارِ (3).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (1729)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد، باب: إذا أهدى للمحرم حمارًا وحشيًا حيًا لم يقبل، و (2434)، كتاب: الهبة، باب: قبول هدية الصيد، و (2456)، باب: من لم يقبل الهدية لعلة، ومسلم (1193/ 50 - 52)، كتاب: الحج، باب: تحريم الصيد للمحرم، والنسائي (2819 - 2820)، كتاب: المناسك، باب: ما لا يجوز للمحرم أكله من الصيد، والترمذي (849)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في كراهية لحم الصيد للمحرم، وابن ماجه (3090)، كتاب: المناسك، باب: ما ينهى عنه المحرم من الصيد.

(2)

رواه مسلم (1194/ 54)، كتاب: الحج، باب: تحريم الصيد، والنسائي (2822)، كتاب: المناسك، باب: ما لا يجوز للمحرم أكله من الصيد، من رواية منصور، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن الصعب، به.

(3)

رواه مسلم (1194/ 54)، كتاب: الحج، باب: تحريم الصيد للمحرم، من رواية شعبة، عن حبيب.

ص: 457

وَفِي لَفْظٍ: عَجُزَ حِمَارٍ (1).

وَجْهُ هَذَا الحَدِيثِ: أَنَّه ظَنَّ أَنّهُ صِيدَ لِأَجْلِهِ، وَالمُحْرِمُ لا يَأْكُلُ ما صِيدَ لِأَجْلِهِ.

* * *

(عن الصَّعْبِ) -بفتح الصاد وسكون العين المهملتين ثم موحدة- (بنِ جَثَّامَةَ) -بفتح الجيم وتشديد المثلثة-، اسمه يزيد بن قيسِ بنِ عبدِ الله بنِ وهبِ بنِ يعمرَ بنِ عوفِ بنِ كعبِ بن عامرٍ (الليثيِّ)، من بني ليث بن مالك.

كان الصعب رضي الله عنه ينزل وَدَّانَ والأبواءَ من أرض الحجاز، حديثه في الحجازيين.

روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستةَ عشرَ حديثًا، اتفقا منها على هذا الحديث، وقد تفرق هذا الحديث في ثلاثة أحاديث.

روى عنه ابن عباس رضي الله عنهما.

قال ابن الأثير في "جامع الأصول": مات في خلافة الصديق رضي الله عنه.

(1) رواه مسلم (1194/ 45)، كتاب: الحج، باب: تحريم الصيد للمحرم، من رواية شعبة، عن الحكم.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"الاستذكار" لابن عبد البر (4/ 135)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 194)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 277)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 103)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 95)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1076)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 225)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 31)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 174)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 299)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 193)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 86).

ص: 458

كان الصعب حليفًا لقريش، وأمه أختُ أبي سفيان بن حرب، واسمها فاخِتَةُ، وقيل: زينب.

وقيل: إن الصعبَ إنما مات في آخر خلافة عمر، قاله ابن حِبان، ويقال: مات في خلافة عثمان (1).

(أنه)؛ أي: الصعب (أهدى للنّبيِّ صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًا)، وفي لفظ فيهما: لرسول الله (2). والأصل في أهدى أن يتعدى بإلى، وقد يتعدى باللام، ويكون بمعناه.

ولم تختلف الرواة عن مالك في قوله: حمارًا، وممن رواه عن الزهري كما رواه مالك: معمر، وابنُ جريج، وعبد الرحمن بن الحارث، وصالح بن كيسان، والليث بن سعد، وابن أبي ذؤيب، وشعيب بن أبي حمزة، ويونس، ومحمد بن عمرو بن علقمة، كلهم قال فيه: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار وحش كما قال مالك (3).

(وهو)؛ أي: والحال أنه صلى الله عليه وسلم (بالأبواء) -بفتح الهمزة وسكون الموحدة ممدودًا-: جبل من عمل الفُرْع -بضم الفاء وسكون الراء- بينه وبين

(1) وانظر ترجمته في "الثقات" لابن حبان (3/ 195)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (2/ 739)، و"أسد الغابة"(3/ 19)، و"جامع الأصول" كلاهما لابن الأثير (14/ 521 - قسم التراجم)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 237)، و"تهذيب الكمال" للمزي (13/ 166)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (3/ 426).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1729، 2434، 2456)، ومسلم برقم (1193/ 50).

(3)

وقد رواه مالك في "الموطأ"(1/ 353)، وانظر:"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 299).

ص: 459

الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا، سمي بذلك، لما فيه الوباء، قاله في "المطالع"، ولو كان كما قيل، لقيل: الأوباء، [أ] وهو مقلوب منه، والأقرب أنه سمي به، لتبوء السيول به -كما تقدم- (1).

(أو) وهو (بوَدَّانَ) -بفتح الواو وتشديد الدال المهملة آخره نون-: موضع بقرب الجحفة، أو قرية جامعة من ناحية الفرع، ووَدَّانُ أقرب إلى الجحفة من الأبواء، فإن من الأبواء إلى الجحفة للآتي من المدينة ما ذكرناه، ومن ودان إلى الجحفة ثمانية أميال (2).

والشكُّ من الراوي، لكن جزم ابن إسحاق، وصالحُ بنُ كيسانَ عن الزهري: بودان، وجزم معمر، وعبد الرحمن، ومحمد بن عمرو: بالأبواء (3)، (فَرَدَّه) صلى الله عليه وسلم (عليه)، ولم يقبله منه، وقد اتفقت الروايات كلُّها على أنه عليه السلام ردَّه عليه، إلا ما يأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-.

(فلما رأى) صلى الله عليه وسلم (ما في وجهه)؛ أي: وجه الصعب من الكراهة، لما حصل له من الكسر في ردِّ هديته، (قال) صلى الله عليه وسلم: تطييبًا لقلبه: (إنَّا) -بكسر الهمزة لوقوعها في الابتداء- (لم نردَّه) -بفتح الدال كما في اليونينية، وهو رواية المحدثين، وذكره ثعلب في "الفصيح"، لكن قال المحققون من النحاة: إنه غلط، والصواب ضمُّ الدال كآخر المضاعف من كل مضاعف مجزوم اتصل به ضمير المذكر، مراعاةً للواو التي توجبها ضمةُ الهاء بعدَها، لخفاء الهاء، فكأن ما قبلها وليَ الواو، ولا يكون ما قبلَ الواوِ إلا

(1) وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 57).

(2)

انظر: "معجم البلدان" لياقوت (5/ 365)، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 302).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 33).

ص: 460

مضمومًا، كما فتحوها مع هاء المؤنث، نحو: نردَّها، مراعاة للألف، ولم يحفظ سيبويهِ في نحوِ هذا إلا الضمَّ، كما أفاده السمين، وصرح جماعة منهم ابنُ الحاجب بأنه مذهبُ البصريين، وجوز الكسر أيضًا، وهو أضعفها، فصار فيها ثلاثة أوجه (1).

وفي لفظ: "لم نردُدْه" -بفك الإدغام- (2)(عليك) لعلَّةٍ من العلل (إلا أَنَّا حُرُم) -بفتح الهمزة وضم الحاء المهملة والراء-؛ أي: إلا لأنا محرمون، زاد في رواية صالح بن كيسان عند النسائي:"لا نأكل الصيد"(3)، وفي رواية شعبة عن ابن عباس:"لولا أنا محرمون، لقبلناه منك"(4).

وهذا يقتضي تحريم أكل المحرمِ لحمَ الصيد مطلقًا، سواء صِيدَ لأجله، أو بأمره، أولا، وهو مذهب نقل عن جماعة من السلف، منهم: علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، لكن الذي عليه أكثرُ علماء الصحابة والتابعين التفرقةُ بين ما صاده، أو صِيدَ لأجله من حَلال، وبين ما صاده حلالٌ لا لأجل المحرم، فأباحوا الأخيرَ -كما تقدم-، وكما يأتي في كلام المصنف تأويله (5).

قال الحافظ رحمه الله، ورضي عنه-:(وفي لفظ لمسلم): أهدى

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 96)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 33). وانظر:"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 300)، وعنه نقل الشارح رحمه الله.

(2)

كما في رواية الكشميهني، كما في "الفتح"(4/ 33).

(3)

تقدم تخريجه عند النسائي برقم (2820).

(4)

رواه مسلم (1194/ 53)، كتاب: الحج، باب: تحريم الصيد للمحرم.

(5)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 300 - 301).

ص: 461

الصعبُ بنُ جثامة للنّبيِّ صلى الله عليه وسلم (رِجْلَ حمارٍ)، ذكره من رواية منصور عن الحكم.

(وفي لفظ) لمسلم من رواية شعبة عن حبيب: أهدى؛ أي: الصعب (شِقَّ حمارِ) وحشٍ، فردَّه.

(وفي لفظ) لمسلم أيضًا من رواية شعبة عن الحكم: أهدى الصعبُ بنُ جثامة للنّبيِّ صلى الله عليه وسلم (عَجُزَ حمارِ) وحشٍ يقطرُ دمًا.

وأخرج مسلم أيضًا من حديث ابن عيينة عن الزهري، فقال: لَحْمَ حمارِ وحشٍ (1).

وفي لفظ: من لحمِ حمارِ وحش (2).

وهذه الروايات والطرق التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح، وأنه إنما أهدي بعض لحم صيد، لا كله كما قاله النووي (3)، ولا معارضة بين قوله: رجلَ حمار، وعجزه، وشقه، إذ يندفع بإرادة رجلٍ معها الفخذُ وبعض جانب الذبيحة، فوجب حملُ رواية: أهدى حمارا: على أنه من إطلاق اسم الكل على البعض، ويمتنع العكس، إذ إطلاق الرجل على كل الحيوان غير معهود؛ لأنه لا يطلق على زيد إصبع ونحوه؛ لأنه غير جائز، لما عرف من أن شرط إطلاق اسم البعض على الكل التلازم، كالرقبة على الإنسان، والرأس، فإنه لا إنسان بدونهما، بخلاف نحو الرجل والظفر.

(1) قلت: لفظ مسلم، "من لحم حمار وحش"، كما تقدم تخريجه برقم (1193/ 52). ورواه دون قوله:"من": الإمام أحمد في "المسند"(4/ 71)، وابن حبان في "صحيحه"(136)، وغيرهما.

(2)

انظر: التعليق السابق.

(3)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (8/ 104).

ص: 462

وأما إطلاق العين على [الرقيب](1)، فليس من حيث هو إنسان، بل من حيث هو رقيب، وهو من هذه الحيثية لا يتحقق بلا عين على ما عرف في التحقيقات، أو هو أحد معاني المشترك اللفظي، كما عدَّه الأكثر منها (2).

قال الحافظ المصنف -رحمه الله تعالى-: (وجه هذا الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم ظن أنه)؛ أي: حمارَ الوحش (صِيد) -بكسر الصاد المهملة مبنيًا لما لم يسمَّ فاعله-؛ أي: صاده الصعبُ بنُ جثامة (لأجله) صلى الله عليه وسلم، (والمحرم لا يأكل ما)؛ أي: صيدًا (صِيد لأجله) -كما قدمنا الكلام عليه-.

قال الشافعي: إن كان الصعب أهدى حمارًا حيًا، فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حي، وإن كان أهدى له لحمًا، فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيده.

ونقل الترمذي عن الشافعي: أنه ردَّه لظنه أنه صِيدَ من أجله، فتركه على وجه التنزه.

وقد روى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيدُ البرِّ لكم حلال وأنتم حُرُم ما لم تَصيدوه، أو يُصَدْ لكم"(3).

قال الإمام الشافعي: هذا أحسنُ حديث رُوي في هذا الباب، وأَقْيَسُ (4).

(1) في الأصل: "الرقبة"، والصواب ما أثبت.

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 299).

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 362)، وأبو داود (1851)، كتاب: المناسك، باب: لحم الصيد للمحرم، والنسائي (2827)، كتاب: الحج، باب: إذا أشار المحرم إلى الصيد فقتله الحلال، والترمذي (846)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في أكل الصيد للمحرم.

(4)

انظر: "سنن الترمذي"(3/ 203). وانظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 300).

ص: 463

تنبيه: وقد اتفقت الروايات كلها على أنه صلى الله عليه وسلم ردَّ حمارَ الوحش على الصعب بنِ جثامة، ولم يقبله منه، إلا ما رواه ابنُ وهبٍ، والبيهقيُّ من طريقه بإسناد حسنٍ من طريق عمرو بن أمية: أن الصعب أهدى للنّبي صلى الله عليه وسلم

عجزَ حمارِ وحش، وهو بالجحفة، فأكل منه، وأكل القوم.

قال البيهقي: إن كان هذا محفوظًا، فلعله ردَّ الحيَّ، وقبلَ اللحم (1).

قال الحافظ ابن حجر: وفي هذا الجمع نظر، قال:[إن] كانت الطرق كلها محفوظة، فلعله رده حيًا، لكونه صِيدَ لأجله، وردَّ اللحمَ تارةً بذلك، وقبله تارةً أخرى حيث علم أنه لم يُصد لأجله، ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على وقتْ آخرَ، وهو حالَ رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة، ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك في الجحفة (2).

وقال القرطبي في الجمع بين كونه أهدى حمارًا، أو بين كونه أهدى عجز حمار، أو رجل حمار -على ما مر-: يمكن أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحًا، ثم قطع منه عضوًا بحضرة النّبي صلى الله عليه وسلم، فقدمه له، فرده، فمن قال: أهدى حمارًا، أراد: بتمامه مذبوحًا لا حيًا، ومن قال: لحم حمار، أراد: ما قدمه للنّبي صلى الله عليه وسلم (3).

تتمة: الحمارُ الوحشي يسمَّى: الفَرَأ، ويقال: حمار وحش، وحمار وحشي، وهو العَيْر، وربما أطلق العير عليه وعلى الأهلي أيضًا، وحمارُ الوحش شديدُ الغيرة، ولذلك يحمي عانته الدهرَ كلَّه، ومن عجيب أمره:

(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 193).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 32).

(3)

انظر: "المفهم" للقرطبي (3/ 279 - 280). وانظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 300)، وعنه نقل الشارح رحمه الله هذا التنبيه.

ص: 464

أن الأنثى إذا ولدت ذكرًا، كَدَمَ الفحلُ خصيتيه، ولذلك تعمل الحيلة في الهرب منه حتى يسلم، وربما كسرت رجله كيلا يسعى، ولا تزال ترضعه حتى يكبر، فيسلم من أبيه.

ويقال: إن الحمار الوحشي يُعَمَّر أكثر من مئتي سنة.

وذكر ابن خلكان: أن حمارًا وحشيًا عاش أكثر من ثمان مئة سنة (1).

ولا خلاف في إباحة الحمر الوحشية، إلا ما رُوي عن مطرف: أنه قال: إذا أنس، واعتلف، صار كالأهلي، وأهلُ العلم على خلافه (2)، والله تعالى الموفق.

قال شارحه الشيخُ الهمامُ الفهامةُ الحاجُّ محمد السَّفَّارينيُّ: نجز الجزءُ الأول من "العمدة" لستٍّ خلت من شعبان سنة ألف ومئة وخمس وستين من الهجرة النبوية.

وقد كان الفراغ من كتابة هذا الجزء في اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان المعظم سنة سبع وستين ومئة وألف على يد كاتبه العبد الفقير الراجي العفوَ من ربه القدير حسن بن السيد هاشم بن السيد عثمان بن السيد سليمان بن السيد حسن الحنبلي الجعفري الحسني -عفا الله تعالى عنه بمنه وكرمه-، وقد نقلت هذه النسخة من مسودة المؤلف -فسح الله تعالى في مدته، ونفع المسلمين بعلومه-، آمين، اللهم آمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.

(1) ذكره ابن خلكان في "وفيات الأعيان"(6/ 354) في ترجمة يزيد بن زياد.

(2)

انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (1/ 293 - 294)، وعنه نقل الشارح رحمه الله هذه التتمة.

ص: 465