الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: رَأيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يقدمُ مَكَّةَ، إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ، أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ (1).
* * *
(عن) أبي عبدِ الرحمنِ (عبدِ اللَّه بنِ) أميرِ المؤمنين (عمر -رضي اللَّه
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1526)، كتاب: الحج، باب: استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف، ويرمل ثلاثًا، و (1527)، باب: الرمل في الحج والعمرة، و (1537 - 1538)، باب: من طاف بالبيت إذا قدم مكة، و (1562)، باب: ما جاء في السعي بين الصفا والمروة، ومسلم (1261/ 230 - 232)، كتاب: الحج، باب: استحباب الرمل في الطواف والعمرة، وفي الطواف الأول، والنسائي (2942)، كتاب: المناسك، باب: الخبب في الثلاثة من السبع، و (2943)، باب: الرمل في الحج والعمرة، وابن ماجه، (2950)، كتاب: المناسك، باب: الرمل حول البيت.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 340)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 374)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 8)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 46)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1005)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 471)، و"عمدة القاري" للعيني (9/ 249)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 165)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 205).
عنهما-، قال: رأيت رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكّةَ) المشرّفة (إذا استلمَ الرُّكنَ الأسودَ أوّلَ ما يطوفُ) ظرف مضاف إلى "ما" المصدرية.
(يَخُبُّ) -بفتح المثنّاة التحتيّة وضم الخاء المعجمة وتشديد الموّحدة-؛ من الخَبَبِ: ضربٌ من العدو، أي: يَرْمُلُ (1)(ثلاثةَ أشواطٍ).
ولفظ البخاري، ومسلم: ثلاثةَ أطوافٍ من السَّبْعِ (2).
وفي لفظ لمسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان صلى الله عليه وسلم إذا طافَ بالبيت الطّوافَ الأوّل، خَبَّ ثلاثًا، ومشى أربعًا (3).
وفي "الصحيحين" من حديث ابن عمر أيضًا، واللفظ لمسلم: كان صلى الله عليه وسلم إذا طافَ في الحجّ والعمرة أوّل ما يقدَمُ، فإنّه يسعى ثلاثةَ أطوافٍ بالبيت، ثمّ يمشي أربعًا، ثمّ يصلّي سجدتين، ثمّ يطوفُ بين الصَّفا والمروةِ (4).
ولفظ البخاري: سعى النَّبي صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أشواط، ومشى أربعةً في الحجّ والعمرةِ (5).
وفي مسلم، وكذا البخاري من حديث ابن عمر أيضًا: رملَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم من الحَجَر إلى الحَجَر ثلاثًا، ومشى أربعًا (6).
(1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 228)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 166).
(2)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1526)، ورواه مسلم (1227)، كتاب: الحج، باب: وجوب الدم على المتمتع.
(3)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1261/ 230). وكذا عند البخاري برقم (1562).
(4)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1261/ 231).
(5)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1527).
(6)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1562)، وعند مسلم برقم (1262/ 233).
وفي لفظ من حديث جابر رضي الله عنه، قال: رأيتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رملَ من الحَجَر الأسودِ حتَّى انتهى إليه ثلاثةَ أطواف، انفردَ به مسلمٌ (1).
تنبيهات:
الأوّل: الرّملُ في طواف القدوم في أوّل طوافِه بالبيت سنّةٌ في الأشواط الثّلاثة الأُوَل في حقّ الماشي، لا الرّاكبِ، ولا حاملِ معذورٍ، ولا نساء، ومحرم من مكّة، أو من قربها، ولا في غير الطّواف الأوّل، وهو أولى من الدّنو من البيت بدونه، وإن كان لا يتمكّن من الرّمل أيضًا، أو يختلط بالنّساء، فالدنوُّ أولى، ويطوف كيفَما أمكنه، فإذا وجد فُرْجَةً، رملَ فيها، وتأخيرُ الطّوافِ له ولادّنو، أو لأحدهما، أَوْلى (2).
وقد استقرَّتْ سُنته صلى الله عليه وسلم على استيعاب كلِّ طَوْفَة من الطَّوفات الثّلاث من الطَّواف الأول جميع البيت بالرّمل من الحَجَر إلى الحجر؛ لأنّه المتأخرُ من فعله صلى الله عليه وسلم (3).
وقد صرّح غيرُ واحد من الأئمة بنسخ عدم الرّمل فيما بين الرُّكنين؛ لثبوت رَمَلِه صلى الله عليه وسلم من الحَجَر إلى الحَجَر.
وذكر أنّه كان في الحج، فيكون متأخرًا، فيقدَّم على المتقدِّم.
قال ابن دقيق العيد: والأكثرُ على استحباب الرَّمَل في طواف القدوم في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم وبعدَه، وإن زالتِ العلّةُ التي ذكرها ابنُ عبّاس -رضي اللَّه
(1) رواه مسلم (1263)، كتاب: الحج، باب: استحباب الرمل في الطواف والعمرة.
(2)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 8 - 9).
(3)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 166).
عنهما-، فاستحبابُه في ذلك الوقت لتلك العلّة، وفيما بعدَ ذلك تأسِّيًا واقتداءً بما فعل في زمانه صلى الله عليه وسلم.
وفي ذلك من الحكمة: تذكُّرُ الوقائع الماضية للسَّلَف الكرام، وفي طَيِّ تذكُّرها مصالحُ دينيّةٌ، إذ تتبيّن في أشياءَ كثيرةٍ، منها: ما كانوا عليه من امتثال أمر اللَّه تعالى، والمبادرة إليه، وبذلِ الأنفس في ذلك.
وبهذه النكتة يظهرُ أَنّ كثيرًا من الأعمال الواقعةِ في الحج، ويقال فيها: إنّها تعبُّد، ليست كما قيل، ألا ترى أنّا إذا فعلناها، وتذكَّرنا أسبابَها، حصل لنا من ذلك تعظيمُ الأَوَّلين، وما كانوا عليه من احتمال المشاقِّ في امتثالِ أمر اللَّه تعالى، وكان هذا التّذكُّر باعثًا لنا على مثلِ ذلك، ومقرِّرًا في أنفسنا تعظيمَ الأوّلين؟ وذلك معنًى معقول، مثاله: السّعيُ بينَ الصّفا والمروة؛ فإنّا نتذكّر بفعله قصةَ هاجرَ مع ابنِها إسماعيل عليه السلام، وترك الخليل لهما في ذلك المكان الموحِش منفردَيْنِ منقطِعَي أسبابِ الحياةِ بالكليّة، مع ما أظهره اللَّه تعالى من الكرامة والآيةِ في إخراجِ الماء لهما، فيظهر لنا من ذلك مصالحُ عظيمة معقولة.
وكذلك رميُ الجِمار، إذا فعلناه، تذكّرنا أَنَّ سببه رميُ إبليسَ بالجِمار في هذه المواضع، عند إرادةِ الخليلِ ذبحَ ولده إسماعيلَ، فيحصل لنا من ذلك مصالحُ عظيمةُ النّفع في الدّين (1).
وفي "الصّحيحين": أنّ سيّدنا عمرَ رضي الله عنه، قال: فما لَنا والرَّمَلَ؟ إنّما كنّا راءَينا به المشركين، وقد أهلكهم اللَّه.
ثمّ قال -أي: بعد أن رجع عَمَّا همَّ به-: هو شيءٌ صنعه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلا نحبُّ أن نتركه، ثم رَمَلَ (2).
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 46).
(2)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1528) فقط دون مسلم.
الثّاني: يستحبُّ في طواف القدوم مع الرمل اضْطِباعٌ.
ففي حديث يَعْلى بنِ أميةَ رضي الله عنه: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم طاف مُضْطَبعًا، وعليه بُرْدَةٌ. رواه ابن ماجه، والتّرمذي، وصحَّحه، وأبو داود، وقال: ببردٍ له أخضرَ (1).
ورواه الإمام أحمد، ولفظُه: ولمّا قدمَ مكَّةَ، طاف بالبيت وهو مضطبعٌ ببرد له حَضْرَمِيٍّ (2).
وأخرج الإمام أحمد أيضًا، وأبو داود من حديث ابن عبّاس رضي الله عنه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابَه اعتمروا من جعرانة، فرملوا بالبيتِ، وجعلوا أرديتَهم تحتَ آباطِهم، ثم قذفوها على عَواتِقهم اليسرى (3).
قال في "الفروع": ثمّ يضطبع بردائِه في طوافه، نصّ عليه -يعني: الإمام أحمد-.
وفي "الترغيب": روايةٌ في رمله.
وقال الأثرم: يجعل وسطَه تحتَ كتفِه الأيمنِ، وطرفيه فوق الأيسر.
وقال: لا يسنُّ رملٌ ولا اضطباع لامرأةٍ، أو مُحْرِمٍ من مكَّة، أو حاملِ معذورٍ، نصّ عليه.
(1) رواه أبو داود (1883)، كتاب: المناسك، باب: الاضطباع في الطواف، والترمذي (859)، كتاب: الحج، باب: ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعًا، وابن ماجه (2954)، كتاب: المناسك، باب: الاضطباع.
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 223).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 306)، وأبو داود (1884)، كتاب: المناسك، باب: الاضطباع في الطواف.
ولا في غيره -يعني: غير الطّواف الأوّل- (1).
قال في "المطلع": قوله: هو أن يَضْطَبِعَ: وزنُه يَفْتَعِلُ؛ من الضَّبْع، وهو العَضُدُ؛ لأنّه لمّا وقعت تاءُ الافتعال بعدَ حرف الإطباق، وجبَ قلبُها طاء؛ لأنّ التّاء من حروف الهمس، والطّاء من حروف الاستعلاء، فأبدل من التّاء حرف استعلاء من مخرجها، وسمّي هذا اضطباعًا؛ لإبداء الضَّبْعَيْنِ (2).
وفي "النهاية": قولُه: "طافَ مضطبعًا وعليه بُرْدٌ أخضرُ": هو أن يأخذَ الإزارَ أو البُرْدَ، فيجعلَ وسطَه تحت إبطِه الأيمنِ، ويلقيَ طرفيه على كتفه الأيسرِ من جهتي صدرِه وظهرِه، وسمّي بذلك؛ لإبداء الضَّبْعَيْن، ويقال للإبط: الضَّبعْ؛ للمجاورة، انتهى (3).
الثّالث: قال ابن دقيق العيد: فيه -يعني: حديث ابن عمر رضي الله عنهما دليلٌ على الاستلام للرُّكن.
قال: وذكر بعضُ مصنّفي الشّافعية المتأخّرين: أنّ استلام الرُّكن يُستحب مع استلام الحجر أيضًا، قال: وله متمسَّكٌ بهذا الحديث، وإن كان يحتمل أن يكون معنى قوله: استلم الرُّكن: استلم الحجر؛ لأنّ الحجر بعضُ الرُّكن، كما إذا قال: استلم الرُّكن إنّما يريدُ بعضَه، انتهى (4).
قلت: قوله في الحديث: الرّكن الأسود يعني: إرادة الحجر كما لا يخفى، ويأتي الكلام عليه فيما يليه، واللَّه أعلم.
* * *
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 367، 369).
(2)
انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 63).
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 73).
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 46 - 47).