الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ، وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكنَيْنِ، وَلَم يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا، إِلَّا الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ (1).
* * *
(عن) أبي العبّاسِ حبرِ هذهِ الأمةِ (عبدِ اللَّه بنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما، قال: قدمَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم) هو (وأصحابهُ) مكّةَ في عُمرة القضيّة
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1525)، كتاب: الحج، باب: كيف كان بدء الرمل؟ و (4009)، كتاب: المغازي، باب: عمرة القضاء، ومسلم (1266/ 240 - 241)، كتاب: الحج، باب: استحباب الرمل في الطواف والعمرة، وأبو داود (1886)، كتاب: المناسك، باب: في الرمل، والنسائي (2945)، كتاب: الحج، باب: العلة التي من أجلها سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 342)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 376)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 12)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 44)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1001)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 470)، و"عمدة القاري" للعيني (9/ 248)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 165)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 205)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 111).
سنة سبع، (فقال المشركون) من قريش:(إنّه)؛ أي: النَّبي صلى الله عليه وسلم (يقدَم) -بفتح الدّال مضارع قَدِم بكسرها-؛ أي: يَرِدُ (عليكم)، (و) الحال أنّه (قد) -بالقاف- (وَهَنَتْهُم).
وفي لفظ: قد -بحذف حرف العطف، وفتح هاء وَهَنهم من غير فوقيّة-؛ أي: أضعفتهم، يعنون: الصّحابة رضي الله عنهم (1).
(حُمَّى يثربَ) -بفتح الموحدة غيرُ منصرف-: اسمُ المدينة النبويّة في الجاهليّة.
وفي رواية: يقدم عليكم وَفْدٌ -بالفاء، والرّفع- فاعل يقدم؛ أي: جماعة، وحينئذ يكون قولُه:"وَهَنَهم حُمَّى يثربَ" في موضع رفع صفة لوفد، وضمير "إنّه" ضمير الشّأن (2).
(فأمرهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يَرْمُلُوا) -بضم الميم مضارع رَمَل بفتحها-، والرَّمَلُ -بفتح الرّاء والميم-: هو سرعةُ المشي مع تقارُب الخطا دونَ العَدْوِ والوثوبِ، فيما قاله الشّافعي (3).
قال الجوهري: الرَّمَلُ -بالتّحريك-: الهرولة، رَمَلْتُ بينَ الصّفا والمروةِ رَمَلًا ورَمَلانًا (4).
(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 165).
(2)
المرجع السابق، الموضع نفسه. قال القاضي عياض في "مشارق الأنوار" (2/ 292): قوله: "يقدم عليكم وفد وهنتهم" هذا الصواب بالفاء، ورواه ابن السكن:"وقد" بفتح القاف، والأول أوجه.
(3)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (8/ 175)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 164).
(4)
انظر: "الصحاح" للجوهري (4/ 1713)، (مادة: رمل).
وذكر الحنفيّة: الرَّمَلُ هو: أن يَهُزَّ كتفيه في مشيهِ كالمتبخترِ بينَ الصّفين (1).
والذي جزم به علماؤنا: هو أن يسرعَ في المشي مع تقارُب الخطا؛ كما قال الشّافعي.
وإنّه أولى من الدُّنُوِّ إلى البيت.
قال في "الفروع"، وفي "الفصول": العدوُ في المسجد على مثل هذا الوجه -يعني: غير الرّمل- مكروهٌ جدًّا، كذا قال.
قال في "الفروع": يتوجّه: تركُ الأَوْلى، انتهى (2).
(الأشواطَ الثّلاثةَ) ليُرِيَ المشركين قوّتهم بهذا الفعل؛ لأنّه أفظعُ في تكذيبهم، وأبلغُ في نِكايتهم (3).
وكذا قالوا، كما في "مسلم": هؤلاء الذين زعمتم أنّ الحمّى [قد] وهنتهم، هؤلاء أجلدُ من كذا وكذا (4).
وفي رواية: ما يرضَوْنَ بالمشي، أَما إنّهم لينقُزون نقزَ الظّباء (5).
وكان صلى الله عليه وسلم يكايدهم بكلّ مُستطاع.
قوله: ينقزون: هو -بالقاف والزّاي-؛ أي: يَثِبون وَثْبًا (6).
(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 164).
(2)
انظر: "الفروع": لابن مفلح (3/ 368 - 369).
(3)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 165).
(4)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1266/ 240).
(5)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 305).
(6)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 104).
والأشواط: جمع شَوْط -بفتح الشّين المعجمة-، والمراد به هنا: الطَّوْفَةُ حولَ الكعبة -زادها اللَّه شرفًا- (1).
(و) أمرهم صلى الله عليه وسلم (أن يمشوا ما بينَ الرُّكنين) اليمانيين؛ حيث لا يراهم المشركون؛ لأنّهم كانوا ممّا يلي الحجر من قِبَلِ قُعيقعان، وهذا منسوخٌ بالحديث الذي يأتي بعده -إن شاء اللَّه تعالى- (2).
قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: (ولم يمنعْهم) صلى الله عليه وسلم (أن يرمُلوا)؛ أي: من أن يرملوا، فحذف الجار لعدم اللّبس.
وفي لفظ: ولم يمنعْه أن يأمرهم أن يرمُلوا (الأشواطَ كلَّها)؛ أي: بأن يرملوها؛ يعني: لم يمنعه صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بالرَّمل في الطّوفات كلّها (إلّا الإبقاءُ عليهم) -بكسر الهمزة وسكون الموحدة وبالقاف ممدودًا- مصدرُ أَبقى عليه: إذا رفقَ به، وهو مرفوع فاعل "لم يمنعه"، لكن الإبقاء لا يناسب أن يكون هو الذي منعَهم من ذلك؛ إذ الإبقاءُ معناه الرّفق؛ كما في "الصحاح"(3)، فلابدّ من تأويله بأداة ونحوها؛ أي: لم يمنعهم من الرّمل في الأربعةِ إلّا إرادتُه صلى الله عليه وسلم الإبقاءَ عليهم، فلم يأمرهم به، وهم لا يفعلون شيئًا إلّا بأمره.
وقول الزّركشي في "شرح البخاري"، وتبعه البدر العيني، (4) كالحافظ ابن حجر في "الفتح":(5) يجوز النّصبُ على أنّه مفعول لأجله، ويكون في
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 470).
(2)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 165).
(3)
انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2283)، (مادة: بقي).
(4)
انظر: "عمدة القاري" للعيني (17/ 266).
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (7/ 509).
"يمنعهم" ضميرٌ عائد إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم هو فاعله.
تعقّبه في "المصابيح": بأنّ تجويز النّصب مبني على أن يكون في لفظ حديث البخاري: لم يمنعهم، وليس كذلك، وإنّما فيه: لم يمنعْهُ، فرفعُ "الإبقاء" متعينٌ؛ لأنّه الفاعل.
وهذا الذي قاله الزّركشي وقع للقرطبي في "شرح مسلم"(1).
وفي الحديث: ولم يمنعهم، فجوّز فيه الوجهين، وهو ظاهر، لكن نقله إلى ما في البخاري غيرُ متأتٍّ، ذكره القسطلاني (2).
قلت: وسائر نسخ "العمدة" التي وقفنا عليها: ولم يمنعهم -بميم الجمع-.
ولم يذكره مسلم في كتاب الحج، ولا البخاري فيما رأيت، إنّما ذكرا: ولم يمنعه، واللَّه أعلم.
* * *
(1) انظر: "الفهم" للقرطبي (3/ 376).
(2)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 165).