الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ نَبِي اللهِ صلى الله عليه وسلم رأَى رَجُلًا يَسوقُ بَدَنَةَ، قَالَ:"اِرْكبْهَا"، قَالَ: إنَّهَا بَدَنةَ، قَالَ:"اِرْكبْهَا"، قال: فَرَأَيْتُهُ رَاكبَهَا يُسَايِرُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (1).
وَفِي لَفْظٍ: قَالَ فِي الثَانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَة: "اِرْكبْهَا، وَيْلَكَ، أَوْ وَيْحَكَ! "(2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1619)، كتاب: الحج، باب: تقليد النَّعل، واللفظ له، من طريق يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن أبي هريرة، به، متفردًا به عن سائر الستة.
(2)
رواه البخاري (1604)، كتاب: الحج، باب: ركوب البدن، و (2604)، كتاب: الوصايا، باب: هل ينتفع الواقف بوقفه، و (5808)، كتاب: الأدب، باب: ما جاء في قول الرجل: ويلك، ومسلم (1322/ 371)، كتاب: الحج، باب: جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها، وأبو داود (1760)، كتاب: المناسك، باب: في ركوب البدن، والنسائي (2799)، كتاب: الحج، باب: ركوب البدنة، وابن ماجه (3103)، كتاب: الحج، باب: ركوب البدن، من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به.
قلت: ولم تقع كلمة: "أو ويحك" في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وإنما وقعت من حديث أنس رضي الله عنه كما رواه البخاري (2603)، كتاب: الوصايا، باب: هل ينتفع الواقف بوقفه، والترمذي (911)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في ركوب البدنة. وقد فات الشارح رحمه الله ومن قبله ابن دقيق =
(عن أبي هريرة) عبدِ الرحمن بن صخرٍ (رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا).
قال الحافظ في "الفتح": لم أقف على تسميته (1)، ولم يتعرض له البرماوي في "المبهمات".
(يسوق بدنة)، زاد مسلم: مقلَّدَةً، (2) والبدنة تقع على الجمل، والناقة، والبقرة، وهي بالإبل أشبهُ، وكثر استعمالها فيما كان هديًا (3).
وفي "المطلع": قال كثير من أهل اللغة: البَدَنَةُ تطلَق على البعير والبقرة (4).
وقال الأزهري: تكون من الإبل والبقر والغنم (5).
= العيد، وابن العطار، وغيرهم التنبيه عليه.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 155)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (4/ 240)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (4/ 139)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 410)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 423)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 73)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 63)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1032)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 537)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 28)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 221)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 188).
(1)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 537).
(2)
رواه مسلم (1322/ 372)، كتاب: الحج، باب: جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها، من طريق معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، به.
(3)
انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: 185).
(4)
انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 175).
(5)
انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: 185).
وقال صاحب "المطالع" وغيرُه: البدنةُ والبُدْنُ هذا الاسم يختص بالإبل، لعظم أجسامِها (1).
وللمفسرين في قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ} [الحج: 36] ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها الإبل، وهو قول الجمهور.
الثاني: أنها الإبل والبقر، قاله جابر، وعطاء.
الثالث: أنها الإبل والبقر والغنم.
فالبدنة حيث أُطلقت في كتب الفقه، فالمراد بها: البعير، ذكرًا كان أو أنثى، فإن نذر بدنةً، وأطلقَ، فهل تجزئه البقرة؟ على روايتين عن الإمام أحمد رضي الله عنه، ذكرهما ابن عقيل (2).
قلت: معتمد المذهب: أنه إن نذر بدنةً، أجزأته بقرة إن أطلق، وإلا، لزمه ما نواه (3).
ويعتبر في البدنة في جزاء الصيد ونحوه: أن تكون قد دخلت في السنة السادسة، وأن تكون بصفة ما يجزىء في الأضحية (4).
(قال) له صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ: فقال -بزيادة الفاء- (5): (اركبْها)، لتخالفَ بذلك الجاهليةَ في ترك الانتفاع بالسائبة والوصيلة والحام، وأوجب بعضُهم ركوبَها لهذا المعنى، عملًا بظاهر الأمر، وحمله الجمهور على الإرشاد
(1) وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 80).
(2)
انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 176).
(3)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 347).
(4)
انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 176).
(5)
كذا في رواية أبي ذر، كما نقل القسطلاني في "إرشاد الساري"(3/ 221).
لمصلحة دنيوية، واستدلوا بأنه صلى الله عليه وسلم أهدى ولم يركبْ، ولم يأمرْ جميعَ النّاس بركوب الهدايا (1).
وجزم علماؤنا أن له الركوب لحاجة فقط بلا ضرر، ويضمن نقصَها إن نقصت.
قال في "الفروع": وله ركوبه -أي: الهدي- لحاجة، وعنه: مطلقًا، قطع به في "المستوعب"، (2) و"الترغيب" وغيرِهما بلا ضرر، ويضمن نقصه.
قال: وظاهر "الفصول" وغيره: إن ركبه بعد الضرورة ونقص، انتهى (3).
وجزم النووي في "الروضة" كأصلها في الضحايا، (4).
ونقل في "المجموع" عن القفال، والماوردي جوازَ الركوب مطلقًا، ونقل فيه عن أبي حامد، والبندنيجي وغيرهما: تقييدَه بالحاجة، (5) كمعتمد مذهبنا.
وفي "شرح مسلم" عن عروة بن الزبير، ومالك في رواية عنه، وكذا في رواية عن الإمام أحمد مرجوحة، وإسحاق بن راهويه: له ركوبُها من غير حاجة، بحيث لا يضرُّها (6).
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 63).
(2)
انظر: "المستوعب" للسَّامري (4/ 349).
(3)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 403).
(4)
انظر: "روضة الطالبين" للنووي (3/ 226).
(5)
انظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي (8/ 260).
(6)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (9/ 74). وانظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 213)، وعنه نقل الشارح رحمه الله.
ولنا على المعتمد: رواية جابر رضي الله عنه عند مسلم: "اركبها بالمعروف إذا أُلْجِئْتَ إليها حَتَّى تجدَ ظهرًا"، ورواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، (1) فإنَّه مقيد، والمقيد يقضي على المطلق، ولأنه شيء خرج عنه للهِ، فلا يرجع فيه، ولو أُبيح النفع لغير ضرورة، أُبيح استئجاره، ولا يجوز ذلك بالاتفاق (2).
وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّه صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسوق بدنةً، فقال:"اركبها"، (قال)، وفي لفظ: فقال الرجل: (إنها بدنة)؛ أي: هَدْيٌ، (قال)، وفي لفظ: فقال -بزيادة الفاء-: (اركبها). زاد في حديث أنس تكرير ذلك ثلاثًا (3).
(قال) أبو هريرة رضي الله عنه: (فـ) لقد (رأيتُه)؛ أي: ذلك الرجل (راكبَها)؛ أي: البدنة، يجوز أن يكون راكبها بدلًا من ضمير المفعول، ويجوز أن يكون حالًا، وإنما انتصب على الحال؛ لأن إضافته لفظية، فهو نكرة (4)(يساير النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم)، والنعلُ في عنقها.
(وفي لفظ: قال) النَّبي صلى الله عليه وسلم للرجل (في) المرة (الثانية، أو) المرة (الثالثة) من قوله صلى الله عليه وسلم له: "اركبها"، وقول الرجل: إنها بدنة: "اركبْها وَيْلَكَ" نصب
(1) رواه مسلم (1324)، كتاب: الحج، باب: جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 317)، وأبو داود (1761)، كتاب: المناسك، باب: في ركوب البدن، والنسائي (2802)، كتاب: الحج، باب: ركوب البدنة بالمعروف.
(2)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 213).
(3)
تقدم تخريجه عند البخاري والترمذي. ورواه مسلم (1323)، كتاب: الحج، باب: جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها.
(4)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 221).
أبدًا على الفعل المطلق بفعل من معناه محذوف وجوبًا؛ أي: ألزمه الله ويلًا، وهي كلمة تقال لمن وقع في الهلاك، أو لمن يستحقه، أو هي بمعنى الهلاك، أو المشقة من العذاب، أو الحزن، أو وادٍ في جهنم، أو بئر فيها، أو باب لها، فيحتمل إجراؤها على هذا المعنى، لتأخر المخاطب عن امتثال أمره صلى الله عليه وسلم (1).
وَالشَّكِّ في كونه قال له ذلك في الثانية أو الثالثة من الراوي.
قال القرطبي وغيره: قالها -أي: ويلك- تأديبًا للرجل لأجل مراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه، ويحتمل أَلَّا يُراد بها موضوعُها الأصلي، ويكون مما يجري على لسان العرب في المخاطبة من غير قصد لموضوعه، كما في: تربت يداك، ونحوِه.
وقيل: إن الرجل كان قد أشرف على الهلاك من الجهد.
وويل: كلمة تقال لمن أشرف على الهلاك، أو وقع في هلكة -كما مر-، فالمعنى: أشرفتَ على الهلاك فاركبْ (2)، فعلى هذا، فهي إخبار (3).
وفي حديث أنس رضي الله عنه عند الإمام أحمد، والنسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسوق بدنةً وقد جهدَه المشيُ، فقال:"اركبها"، قال: إنها بَدَنَةٌ، قال:"اركبها"، قال: إنها بدنة (4).
(1) المرجع السابق، (3/ 214).
(2)
انظر: "المفهم" للقرطبي (3/ 423).
(3)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 214).
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 106)، والنسائي (2801)، كتاب: الحج، باب: ركوب البدنة لمن جهده المشي.
(أو) قال صلى الله عليه وسلم بدل كلمة "ويلك": (وَيْحَكَ!)، وهي كلمة ترحُّم وتوجُّع، تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقُّها، أو قد تقال بمعنى المدح والتعجُّب، وهي منصوبة على المصدرية، وقد ترفع، وتضاف، ولا تضاف، يقال ويحَ زيدٍ، وويحًا له، وويح له، ومنه حديث علي -رضوان الله عليه-: ويح ابن أمّ عبّاس! (1) كأنه أعجب بقوله.
ومثل ويح: وَيْس، ومن ذلك قولُه صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر رضي الله عنه:"وَيْسَ ابنِ سُمَيَّة"، وفي لفظ:"يا وَيْسَ ابنِ سُمَيَّة"(2)، وهي كلمة تقال لمن يرحم ويرفق به، مثل ويح، وحكمهما واحد، وقد يراد بكلمة "ويل" التعجُّب أيضًا، كما في قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير:"وَيْلُ امِّهِ! مِسْعَرَ حَرْبٍ"(3)؛ تعجبًا من شجاعته وجرأته وإقدامه، ومنه حديث علي: وَيْلُ امِّهِ كيلًا بغير ثمن! لو أن له وعاءً (4)؛ أي: يكيل العلوم الجمة بلا عوض، إلّا أنَّه لا يصادف واعيًا.
وقيل: "وَيْ" كلمةٌ مفردة، و"لأمه" مفردة، وهي كلمة تفجُّع وتعجُّب، وحُذفت الهمزة من أمه تخفيفًا، وألقيت حركتها على اللام، وينصب ما بعدها على التمييز (5).
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 217).
(2)
رواهما مسلم (2915)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيتمنى أن يكون مكان الميت، من البلاء، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3)
رواه البخاري (2581)، كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط، عن المسور بن مخرمة، ومروان، في حديث طويل.
(4)
لم أقف عليه.
(5)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 234 - 235).
وفي رواية: فقال له صلى الله عليه وسلم في الثالثة أو الرابعة: "اركَبْها ويحَك، أَوْ وَيْلَكَ" رواها الترمذي، (1) وهو في "البخاري" في باب: هل ينتفع الواقف بوقفه؟ كذلك، (2) والله أعلم.
(1) تقدم تخريجه في أول شرح هذا الحديث، من حديث أنس رضي الله عنه.
(2)
تقدم تخريجه في أول شرح هذا الحديث، من حديث أنس رضي الله عنه.