المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الأول عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٤

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كتاب الحج

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المحرم من الثياب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الفدية

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يجوز قتله من الحيوان وهو محرم

- ‌باب دخول مكة المشرفة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التمتع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحج إلى العمرة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما نهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب السلم

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الأول عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ

‌الحديث الأول

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسوُلَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لِأَهلِ المَدِينَةِ: ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ: الجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنَ المَنَازِلَ، وَلِأَهْلِ اليَمَنِ: يَلَمْلمَ، هُنَّ لهَنُ وَلمِنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ والعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ (1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (1452)، كتاب: الحج، باب: مُهلّ أهل مكة للحج والعمرة، و (1454)، باب: مهل أهل الشام، و (1456)، باب: مهل من كان دون المواقيت، و (1457)، باب: مهل أهل اليمن، و (1748)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد، باب: دخول الحرم ومكة بغير إحرام، ومسلم (1181/ 11 - 12)، كتاب: الحج، باب: مواقيت الحج والعمرة، وأبو داود (1737)، كتاب: المناسك، باب: في المواقيت، والنسائي (2657 - 2658)، كتاب: المناسك، باب: من كان أهله دون الميقات.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (2/ 147)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 169)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 262)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 81)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 2)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 3)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 195)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 385)، و"عمدة القاري" للعيني (9/ 139)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 99)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 185)، =

ص: 84

(عن) أبي العباسِ (عيدِ اللَّه بنِ عباسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ)، أي: حدد المواضعَ الآتيةَ للإحرام، وجعلها ميقاتًا، وإن كان مأخوذًا من الوقت، إلا أنَّ (1) العرف يستعمله في مطلَق التحديد؛ اتساعًا، ويحتمل أن يريد به تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر.

وقد يكون بمعنى: أوجب، كقوله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (2)[النساء: 103].

ويؤيده روايةُ ابن عمر عند البخاري: أنه أتاه زيدُ بنُ جُبير في منزله، وله فُسطاط، فسأله: من أين يجوز أن أعتمر؟ قال: فرضها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (3)(لأهلِ المدينةِ) النبوية لسكانها ومَنْ سلكَ طريقَهم فمرَّ على ميقاتهم (4)(ذَا الحُلَيْفَةِ) -بضم الحاء المهملة وفتح اللام مصغرًا-: موضع عن المدينة ستة أميال، وقيل: سبعة، نقله في "المطلع"(5) عن القاضي عياض (6)، وغيرِه، وذكر الرافعي من الشافعية: أنه بينه وبين المدينة ميلٌ (7)، والذي في "القاموس": ستةُ أميال (8).

= و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 21).

(1)

في الأصل: "لأن"، والصواب ما أثبت.

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 99).

(3)

سيأتي تخريجه في الحديث الثاني من هذا الباب.

(4)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 99).

(5)

انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 164).

(6)

انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 221).

(7)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 98).

(8)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1036)، (مادة: حلف).

ص: 85

وفي "المهمات": الصوابُ المعروفُ بالمشاهدة: أنها على ثلاثة أميال، أو تزيد قليلًا، كذا قال (1).

والذي جزم به فقهاؤنا: أن بين ذي الحليفة والمدينة ستة أميال، وتعرف الآن بأبيار علي (2)؛ لأنهم يزعمون أن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب قاتلَ الجنَّ فيها، وهو كذبٌ لا أصلَ له (3)، وهو ماءٌ لبني جشم.

والحَلَفُ -محركةً-: نبت معروف، الواحدة حَلِفَة؛ كَفَرِحَةٍ وخَشبةٍ، وصَحْراةٍ، كما في "القاموس"(4)، وهي قرية خَرِبةٌ، وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب، قاله القسطلاني (5)، وقول من قال؛ كابن الصباغ في "الشامل"، والروياني في "البحر": إنه على ميل من المدينة وَهْم يردُّه الحسُّ (6).

(و) وَقَّتَ- صلى الله عليه وسلم (لأهل الشام)، زاد النسائي في حديث عائشة رضي الله عنها: ومصر (7)، زاد الشافعي في روايته: والمغرب (8)(الجُحْفَةَ) -بضم الجيم وإسكان الحاء المهملة وفتح الفاء-: قرية على ستة أميال من البحر،

(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 98).

(2)

انظر: "كشاف القناع" للبهوتي (2/ 400).

(3)

انظر: "الفتاوى المصرية الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 370).

(4)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1036)، (مادة: حلف).

(5)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 99).

(6)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(7)

رواه النسائي (2653)، كتاب: المناسك، باب: ميقات أهل مصر.

(8)

رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 114)، من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه.

ص: 86

وثمان مراحل من المدينة، ومن مكة خمس مراحل، أو ست، أو ثلاث، كذا في القسطلاني (1).

وفي "المطالع" لابن قرقول: الجُحْفَةُ: قريةٌ جامعة بمنير على طريق المدينة من مكة وهي مَهْيَعَة، وسميت الجحفةَ؛ لأن السيل اجتحفها وحمل أهلَها، وهي على ستة أميال من البحر، وثمان مراحل، وقيل: نحو سبعة مراحل من المدينة، وثلاث من مكة (2).

وفي "الإقناع": هي قرية كبيرة خربة بقرب رابغ (3) الذي يحرم منه الناس على يسار الذاهب إلى مكة، ومن أحْرم من رابغ، فقد أحرم قبل محاذاة الجحفة بيسير، بينها (4) وبين مكة ثلاث مراحل، وقيل: أكثر، انتهى (5).

قلت: والذي شاهدناه عيانًا أن ما بين رابغ والمدينة خمس مراحل، وما بين مكة ورابغ خمسة، نَعَمْ، مَراحلُ ما بين مكة ورابغ قصيرةٌ بالنسبة إلى الأولى، واللَّه أعلم.

قال ابن الكلبي: كان العماليق يسكنون يثرب، فوقع بينهم وبين عَبِيل -المهملة وكسر الموحدة-، وهم إخوة عاد، حربٌ، فأخرجوهم من يثرب، فنزلوا مَهْيَعَةَ، فجاء سيلٌ فاجتحفهم؛ أي: استأصلهم، فسميت

(1) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 98).

(2)

وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 168).

(3)

رابغ: واد عند الجحفة، يقطعه طريق الحاج، وله ذكر في المغازي وأيام العرب. انظر:"معجم البلدان" لياقوت (3/ 11).

(4)

في الأصل: "بينهما"، والصواب ما أثبت.

(5)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 551).

ص: 87

الجحفة (1)، وهي الآن خربة لا يصل إليها أحد؛ لوخمها، وإنما يحرم الناس الآن من رابغ؛ لكونها محاذية لها (2).

(و) وَقَّتَ (لأهلِ نجدٍ)؛ أي: ساكنيها، ومن سلك طريقَ سفرهم، فمرَّ على ميقاتهم.

ونجد -بفتح النون وسكون الجيم آخره دال مهملة-: ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق، قاله في "الصحاح"(3).

وقال في "المشارق": ما بين جرش إلى سواد الكوفة، وحَدُّه مما يلي الغرب الحجاز، وعن يسار الكعبة اليمن، قال: ونجدٌ كلُّها من عمل اليَمامة (4).

وقال في "النهاية": النجدُ: ما ارتفع من الأرض، وهو اسم خاص لما دون الحجاز مما يلي العراق (5).

وفي "القاموس": النجد: ما أشرفَ من الأرض، وما خالفَ الغَوْرَ -أي: تهامة-، وتُضم جيمُه، مذكر، أعلاه تهامة، واليمن، وأسفله العراق والشام، وأوله من جهة الحجاز ذاتُ عِرْق (6).

(قَرْنَ المنازل) -بسكون الراء بلا خلاف-، ويسمى: قرنَ الثعالب (7)،

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 385).

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 98).

(3)

انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 542)، (مادة: نجد).

(4)

انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 34).

(5)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 18).

(6)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 410)، (مادة: نجد).

(7)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 54).

ص: 88

سمي بذلك؛ لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب (1).

وحكى الروياني من الشافعية عن بعض قدماء علمائهم: أنهما موضعان: أحدُهما في هبوط، وهو الذي يقال له: قرن المنازل، والآخرُ في صعود، وهو الذي يقال له: قرن الثعالب، والمعروف أنه موضع واحد (2).

لكن في "أخبار مكة" للفاكهي: أن قرن الثعالب جبلٌ مشرف على أسفل منى، بينه وبين منى ألف وخمس مئة ذراع (3)، فظهر على هذا أن قرن الثعالب ليس من المواقيت (4).

قال في "المطلع": وقرن المنازل على يوم وليلة من مكة (5).

وقال النووي: على نحو مرحلتين من مكة (6).

وغُلِّط الجوهريُّ في تحريكه (7)، وفي نسبة أويس القرني إليه؛ لأنه منسوب إلى قَرَنِ بنِ ردمان بنِ ناجية بنِ مرادٍ أحدِ أجداده. انتهى (8).

وفي "القاموس": قرية عند الطائف، أو اسم الوادي كله.

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 385).

(2)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلانى (3/ 99)، نقلًا عن "فتح الباري" لابن حجر (3/ 385).

(3)

انظر: "أخبار مكة" للفاكهي (4/ 282).

(4)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 100).

(5)

انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 166).

(6)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (12/ 155).

(7)

انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2181)، (مادة: قرن).

(8)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1578 - 1579)، (مادة: قرن).

ص: 89

وثبت في مسلم نحوه (1)، لكن قال القابسي: من سَكَّن، أرادَ الجبلَ، ومن فتحَ، أراد الطريق الذي بقرب منه (2).

قال في "المطلع": قَرَن بفتح الراء: قبيلةٌ من اليمن، قال: وقد غلط غيره -يعني: الجوهريَّ- من العلماء مِمَّن ذكره بفتح الراء، وزعم أن أويسًا منه، إنما هو من قَرَن -بفتح الراء-: بطن من مراد، انتهى (3).

(و) وَقَّتَ صلى الله عليه وسلم (لأهل اليمن) إذا مروا بطريق تهامةَ، ومن سلكَ طريقَ سفرِهم، ومرَّ على ميقاتهم (4) (يلَمْلَمَ) -بفتح الياء واللامين وسكون الميم الأولى بين اللامين غير منصرف-: جبل من جبال تهامة، ويقال فيه: أَلملم -بهمزة بدل الياء- على مرحلتين من مكة (5).

قال في "المطلع"، و"المطالع": أَلملم، ويقال: يَلَمْلَم: من جبال تهامة، على ليلتين من مكة، والياء فيه بدل من الهمزة، وليست بمزيدة. وحكى اللغتين فيه الجوهريُّ (6) وغيره (7).

واليمن: كلُّ ما كان عن يمين الكعبة من بلاد الغور (8).

(1) رواه مسلم (2542)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أويس القرني رضي الله عنه.

(2)

حكاه القاضي عياض في "مشارق الأنوار"(2/ 199).

(3)

انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 166).

(4)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلانى (3/ 100).

(5)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(6)

انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 2033)، (مادة: لمم).

(7)

انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 166).

(8)

وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 306).

ص: 90

قال الجوهري: اليمنُ بلاد العرب (1).

وفي "القاموس": اليمن -محركة-: ما عن يمين القبلة من بلاد الغور، والنسبة إليها: يَمَنِيٌّ، [ويمانيٌّ]، ويَمانٍ (2) -مخففة-، والألف عوض عن ياء النسبة، فلا تجتمعان.

قال سيبويه: وبعضُهم يقول: يمانيٌّ -بالتشديد- (3).

قال أُميةُ بنُ خَلَف: [من الوافر]

يَمَانِيًّا يَظَلُّ يَشُدُّ كِيرًا

ويَنْفُخُ دَائِمًا لَهَبَ الشُّوَاظِ (4)

والمراد في هذا الحديث: أن "يلملم" ميقات أهل تهامة من أهل اليمن خاصة، أو ومَنْ مَرَّ في طريقهم نجد اليمن، فميقاتُ أهلها ميقاتُ نجد الحجاز، بدليل أن ميقاتَ أهل نجد قَرْن -كما تقدم-، فأُطلق اليمن، وأُريد بعضُه، وهو تهامةُ منه خاصة، (هُنَّ)؛ أي: المواقيت المذكورة (5)(لهنَّ) -بضمير المؤنثات-، وكان مقتضى الظاهر أن يقول: لهم -بضمير المذكرين-.

وأجاب عن ذلك ابنُ مالك: بأنه عدلَ إلى ضمير المؤنثات لقصدِ

(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2219)، (مادة: يمن). وانظر: "المطلع" لابن أبي الفتح (ص: 165).

(2)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1602)، (مادة: يمن).

(3)

انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 165).

(4)

انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2220)، و"لسان العرب" لابن منظور (13/ 464)، (مادة: يمن).

(5)

وقد جمعت في نظم لطيف ساقه العيني في "عمدة القاري"(9/ 140):

قرنٌ يلملمُ ذو الحليفة جحفةٌ

قل ذاتُ عرق كلُّها ميقاتُ

نجدٌ تهامةُ والمدينةُ مغربٌ

شرقٌ وهن إلى الهدى مِرقاةُ =

ص: 91

التشاكل، فكأنه يقول: ناب ضميرٌ عن ضمير بالقرينة لطلب التشاكل (1).

وأجاب غيره: بأن ذلك على حذف مضاف؛ أي: هؤلاء لأهلهن؛ أي: هذه المواقيت لأهلِ هذه البلدان، بدليل قوله في حديث آخر:"هن لهنَّ (ولمن أتى عليهنَّ) من غيرِ أهلهن"(2)، فصرح بالأهل ثانيًا (3).

ولأبي ذر من رواية البخاري: "هن لهم" بضمير المذكرين (4).

وأما لفظ هذا الحديث: (من غيرهن)؛ أي: من غير أهل البلاد المذكورة، فلو مر الشاميُّ على ذي الحُلَيفة كما يفعل الآن، لزمَهم الإحرامُ منها، وليس له مجاوزتُها؛ أي: الجحفةَ التي هي ميقاتُه، فإن أخر، أساء، ولزمه دمٌ عند الجمهور.

وأطلق الإمام النووي الاتفاق، ونفي الخلاف في شرحه "لمسلم والمهذب"(5) في هذه المسألة، فإن أراد نفي خلاف مذهبه، فمسلم، وإلا، فلا؛ لأن مذهبَ مالك له مجاوزةُ ذي (6) الحليفة إلى الجحفة إن كان من أهل الشام أو مصر، وإن كان الأفضل خلافه، وبه قال الحنفية، وابن المنذر من الشافعية (7).

(1) انظر: "شواهد التوضيح والتصحيح"(ص: 73).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1454)، وعند مسلم برقم (1181).

(3)

انظر: "النكت على العمدة" للزركشي (ص: 195)، وعنه نقل القسطلاني في "إرشاده"(3/ 100)، وعن الأخير نقل الشارح رحمه الله.

(4)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 100).

(5)

انظر: "شرح مسلم"(8/ 82)، و"المجموع شرح المهذب"، كلاهما للنووي (7/ 174).

(6)

في الأصل: "ذا"، والصواب ما أثبت.

(7)

انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 100).

ص: 92

قال العلامة ابن مفلح في "فروعه": وهن مواقيتُ لمن مرَّ عليها من غير أهلها؛ كالشامي يمرُّ بذي الحليفة يُحِرْم منها، نص عليه -يعني: الإمام أحمد-.

قال النووي: بلا خلاف (1)، كذا قال.

ومذهب عطاء، والمالكية، وأبي ثور: له أن يحرم من الجحفة، قال: يتوجه لنا مثلُه؛ فإن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: "هن لهن ولمن يمر عليهن من غير أهلهن"، (ممن أواد الحجَّ والعمرةَ، ومن كانَ دونَ ذلك، فمِنْ حيثُ أنشأَ، حتى أهلُ مكةَ من مكةَ) متفق عليه، يَعُمُّ مَنْ ميقاتهُ بينَ هذه المواقيت التي مرَّ بها، وكقوله:"لأهل الشام الجحفة" يعمُّ من يمرُّ بميقات آخر أولًا، والأصلُ عدم الوجوب. وعند داود: لا حجَّ له.

وعند الحنفية: يُحرم أهل المدينة ومَنْ مر بها من شاميٍّ وغيره من ذي الحليفة، ولهم أن يحرموا من الجُحْفَة، ولا شيء عليهم.

وعن أبي حنيفة: عليه دمٌ.

وللشافعي: أنبأنا ابنُ عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب: أن عائشة رضي الله عنها اعتمرت في سنة مرتين: مرةً من ذي الحليفة، ومرة من الجحفة (2).

وذكر بعض الحنفية ما ذكره ابنُ المنذر وغيرُه عن عائشة رضي الله عنها: كانت إذا أرادت الحج، أحرمت من ذي الحليفة، وإذا أرادت العمرةَ، من الجحفة.

(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (8/ 82).

(2)

رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 113)، وفي "الأم"(2/ 135).

ص: 93

قال: ولو لم تكن الجُحْفَةُ ميقاتًا لذلك، لما جاز تأخير إحرام العمرة؛ لأنه لا فرق للآفاقي (1).

قال في "الفروع": وصوابه: أَفَقي، قيل: بفتحتين، وقيل: بضمتين، نسبةً إلى المفرد، والآفاقُ الجمع، وأما إن مرَّ الشامي أو المدني من غير طريق ذي الحليفة، فميقاتُه الجحفة؛ للخبر، ومن عَرَّجَ عن الميقات، أحرمَ إذا علم أنه حاذى أقربَها منه، ويستحب له الاحتياط، فإن تساويا في القرب إليه، فمِنْ أبعدِهما عن مكة.

قال في "الفروع": قال في "الرعاية" -يعني: ابنَ حمدان من علمائنا-، والشافعيةُ: ومن لم يحاذِ ميقاتًا، أحرمَ عن مكة بقدر مرحلتين.

وذكر الحنفية مثلَه إن تعذر معرفةُ المحاذاة، وهذا متجه (2) (ممن)؛ أي: من ذكر أو أنثى (أراد)؛ أي: قصدَ الحجَّ والعمرةَ معًا؛ بأن يقرنَ بينهما، أو الواو بمعنى أو.

وفيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام لمن لم يرد حجًا ولا عمرة.

وفي عموم هذا المفهوم نظر، على أنه ورد التصريح بالمنع (3).

قال في "الفروع": إذا أراد حُرٌّ مسلم مكلَّفٌ نسكًا، أو مكةَ، نص عليه -يعني: الإمام أحمد-، أو الحرمَ، لزمه إحرامٌ من ميقاته؛ وفاقًا لأبي حنيفةَ، ومالك، إلا أن أبا حنيفة لا يجوِّزُ لمن منزلُه دونَ الميقات أو داخلَه من أُفُقي وغيره دخولَ الحرم ومكة إلا أن يريد نسكًا.

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 203 - 204).

(2)

المرجع السابق، (3/ 204).

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 6).

ص: 94

قال في "الفروع": ولا وجهَ للتفرقة.

وظاهر مذهب الشافعي: يجوز مطلقًا، إلا أن يريد نسكًا.

وعن الإمام أحمد مثلُه.

ذكرها القاضي، وجماعة، وصححها ابن عقيل (1).

قال صاحب "الفروع": وهي أظهر؛ للخبر؛ يعني: مفهوم هذا الحديث، قال: وينبني على عموم المفهوم، والأصل عدمُ الوجوب، ووجه الأول: ما روى حربٌ وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: لا يدخلُ إنسان مكةَ إلا محرِمًا، إلا الحمالين والحطابين وأصحابَ منافعها (2).

احتج به الإمام أحمد، قال: وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: يدخل بغير إحرام.

وعن ابن عباس مرفوعًا: "لا يدخلُ مكةَ أحدٌ إلا بإحرام، من أهلِها، أو غيرِهم"، ذكره في "الفروع"، وقال: فيه حجاج، ضعيف مدلِّس، ومحمدُ بنُ خالدِ بنِ عبدِ اللَّه، ضعفه الإمام أحمد، وابنُ معين، وابنُ عدي، وغيرُهم. وقال: لا أعرفه مسندًا إلا به من هذا الوجه.

واحتج القاضي، وابن العربي المالكي، وغيرُهما بتحريم اللَّه ورسوله لمكةَ، وذا في القتال.

قال في "الانتصار": ومعناه في الخلاف: الإحرامُ شرطُ إباحة دخوله، ولا توجيه لدخوله؛ لئلًا يقال: لا ينوبُ عنه إحرامٌ بحجة أو عمرة كما لم ينب عن منذوره (3).

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 207).

(2)

ورواه الفاكهي في "أخبار مكة"(1/ 413).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 207 - 208).

ص: 95

ومعتمد المذهب: لا يجوز لمن أرادَ دخولَ مكةَ أو الحرمَ أو نُسكًا تجاوزُ الميقات بغير إحرام إن كان حُرًّا مكلفًا إلا لقتال مباح، أو خوف، أو معالجة متكررة؛ كحطاب، وفَيْج (1)، وناقل الميرة، والصيد، واحتشاش، أو نحو ذلك، وتردُّد والمكي إلى قريته بالحل، ثم إن بدا له النسك، أو لمن يرد الحرم، أحرم من موضعه، ومن تجاوز الميقات بلا إحرام، لم يلزمه قضاءُ الإحرام (2)، ذكره القاضي في "المجرد"، وجزم به الموفق وغيره؛ وفاقًا لمالك، والشافعي؛ كتحية المسجد راتبة لا تقضى (3).

وحيث لزم الإحرام من الميقات لدخول مكة، لا لنسك، طاف، وسعى، وحلق أو قصر، وحلَّ (4).

ومَنْ كان منزلُه دون ذلك؛ أي: بين الميقات ومكة، (فَمِنْ)؛ أي: فميقاته (حيث أنشأ) الإحرامَ أو السفرَ من مكانه إلى مكة، فإن كان له منزلان، جاز أن يحرم من أقربهما إلى مكة، والأَوْلى: من الأبعد (5)، حتى إن ميقات أهل مكة المشرفة من مكة.

قال في "الفروع": وميقاتُ مَنْ حجَّ من مكة، مكيٌّ أولا، منها، وظاهره: لا ترجيح.

وأظهر قولي الشافعي: من باب داره، ويأتي المسجد محرمًا (6).

(1) الفيج: رسول السلطان كما في "كشاف القناع" للبهوتي (2/ 403).

(2)

انظر:" الإقناع" للحجاوي (1/ 455).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 208).

(4)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 554).

(5)

المرجع السابق، (1/ 552).

(6)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 205).

ص: 96

ومعتمد مذهب الإمام أحمد: له الإحرام من حيثُ شاء من مكة، ونصه: من المسجد.

وفي "الإيضاح"، و"المبهج": من تحت الميزاب، ويجوز من سائر الحرم، ومن الحِلِّ؛ كالعمرة، ولا دمَ عليهم.

وإن أراد مَنْ بمكة -من أهلها أو غيرِهم، وكذا مَنْ بالحرِم- العمرةَ، فيُحرم بها من الحلِّ، ومن التنعيم أفضلُ، وهو أدنى الحل إلى مكة، فإن أحرموا من مكة، أو من الحرم، انعقد، وفيه دم، ثم إن خرج إلى الحل قبل إتمامها، ولو بعد الطواف، أجزأته عمرتُه، وكذا إن لم يخرج، قدمه في "المغني"(1).

قال شيخ الإسلام، والزركشي: هو المشهور؛ إذ فواتُ الإحرام من الميقات لا يقتضي البطلان (2).

ولنا، وللشافعي قول: لا تجزيه؛ وفاقًا لمالك؛ لأنه نسك، فاعتبر فيه الجمعُ بين الحل والحرم، وحيث وجب عليه دم لمجاوزته الميقات بلا إحرام، لا يسقط بخروجه، والمراد: على الراجح؛ خلافًا للشافعي، وللحنفية الخلاف (3).

* * *

(1) انظر: "المغني" لابن قدامة (3/ 179).

(2)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 552 - 553).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 207).

ص: 97