الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الذَّهَبُ بالوَرِقِ رِبًا إلَّا هاءَ وَهاءَ، والبُرُّ بِالبُرِّ رِبًا إِلَّا هاءَ وهاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هاءَ وَهاءَ"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2027)، كتاب: البيوع، باب: ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، و (2062)، باب: بيع التمر بالتمر، و (2065)، باب: بيع الشعير بالشعير، ومسلم (1586)، كتاب: المساقاة، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا، وأبو داود (3348)، كتاب: البيوع، باب: في الصرف، والنسائي (4558)، كتاب: البيوع، باب: بيع التمر بالتمر متفاضلًا، والترمذي (1243)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في الصرف، وابن ماجه (2253)، كتاب: التجارات، باب: الصرف وما لا يجوز متفاضلًا يدًا بيد، و (2259 - 2260)، باب: صرف الذهب بالورق.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 67)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 361)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 266)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 470)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 12)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 180)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1163)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 245)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 348)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 251)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (4/ 56)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 300).
(عن) أمير المؤمنين (عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: الذهبُ) وهو التِّبْرُ، ويؤنث، واحدته بهاء كما في "القاموس"(1)، والجمع: أذهاب، وذُهوب، وذُهبان -بالضم-، كما في "النهاية"(2)، وأذهبه: طلاه به، كذهَّبه (3).
قال في "المطلع": للذهب أسماءٌ منها: النضر، والنضير، والنُّضار، والزِّبْرِجُ، والسيراء، والزخرف، والعسجد، والعقيان، والتبر غيرُ
مضروب، وبعضهم يقوله للفضة (4).
(بالوَرِقِ): مثلثة، وككَتِف، وجَبَل: الدراهمُ المضروبة، والجمع أوراق، ووراق، كالرقة، وجمعها ورقون.
والورَّاق: كثير الدراهم (5).
فمقصود الحديث: بيع الذهب بالفضة.
(رِبًا) محرمٌ من الكبائر، ولك في الذهب الرفعُ والنصب، أي: بيعوا الذهبَ، والأول أرشق؛ أي: الذهبُ يُباع، أو بيعُ الذهبِ، فحذف
(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 111)، (مادة: ذهب).
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (2/ 174).
(3)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 111)، (مادة، ذهب).
(4)
انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 9). قال ابن العطار في "العدة في شرح العمدة"(2/ 1163): وقد نظمها شيخنا، حجة العرب، أبو عبد الله بن مالك الجياني رحمه الله في بيتين، وهما:
نضرٌ نضيرٌ نُضارُ زبرجد
…
سيرا عسجدٌ عقيانُ الذَّهبُ
والتِّبْر ما لم يذن وأشركوا
…
ذهبًا وفضة في نسيك هكذا العربُ
(5)
انظر: "الصحاح" للجوهري (4/ 1564)، (مادة: ورق).
المضاف، للعلم به، وأُقيم المضافُ إليه مكانه، ومثله البُرُّ فيما يأتي (1).
ومن أسماء الفضة -أيضًا-: اللُّجين، والنسك، والغرب، ويطلقان على الذهب أيضًا.
(إلا هاءَ وهاءَ) -بالمد فيهما على الأفصح، وفتح الهمزة-.
وقيل: بكسرها.
وقيل: بالسكون.
وحكي: القصر بغير همز، وهو قليل، والمعنى: خُذْ وهاتِ.
وحكي: هاكِ -بزيادة كاف مكسورة-.
ويقال: هاءِ -بكسر الهمزة-، بمعنى: هاتِ، و-بفتحها-، بمعنى: خذْ.
قَال ابن الأثير: هاء وهاء: هو أن يقول كل واحد من المتبايعين هاء، فيعطيه ما في يده (2).
وقال ابن مالك: هاء اسم فعل، بمعنى: خذ، وحقه ألَّا يقع إلا بعد إلا، فيجب تقدير قول قبله يكون محكيًا به؛ أي: إلا مقولًا عنده من المتبايعين، هاء وهاء.
وقال الخليل: هاء: كلمة تستعمل عند المناولة، والمقصود من قول هاء وهاء: أن يقول كل واحد من المتعاقدين لصاحبه: هاء، فيتقابضان في المجلس.
واستدل به على اشتراط التقابض في الصرف في المجلس، والحلول؛
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 378).
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 236).
كما نص عليه علماؤنا -رحمهم الله تعالى-، والشافعية والحنفية (1).
قال في "الإقناع" في الصرف: والقبضُ في المجلس شرطٌ لصحته، فإن طال المجلس، أو تماشيا مصطحبين إلى منزل أحدهما، أو إلى الصراف، فتقابضا عنده، جاز (2).
ومقصوده بقوله: والقبض في المجلس شرط لصحته، أي: لبقاء الصحة، لا لصحة العقد، وإلا، لم يتقدم المشروط على الشرط، كما نبه عليه العلامة الشيخ منصور في "شرحه على الإقناع" و"المنتهى"(3).
وقال الإمام مالك: لا يجوز الصرف إلا عند الإيجاب بالكلام، فلو انتقلا من ذلك الموضع إلى آخر، لم يصح تقابضُهما، فمذهبه: عدمُ جواز تراخي القبض في الصرف، سواء كانا في المجلس، أو تفرقا، وحمل قول سيدنا عمر رضي الله عنه: لا تفارقه على الفور (4).
(والبُرُّ) -بضم الباء الموحدة، فراء مشددة-: من أسماء الحنطة، والجمع: أبرار (5).
يباع (بالبرِّ رِبًا) محرَّمٌ (إلا) أن يكون (هاء وهاء) يعني: حالًّا مقبوضًا في المجلس -كما تقدم في الصرف-، ولا بد من عدم التفاضل، حيث اتحد الجنس، كالبر بالبر.
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 378).
(2)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 258).
(3)
انظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (3/ 263)، و"كشاف القناع" له أيضًا (3/ 266).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 378).
(5)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 445)، (مادة: برر).
(والشعيرُ) يباع (بالشعيرِ) فهو (رِبًا) محرَّم (إلا) أن يكون (هاء وهاء)؛ أي: حالاًّ مقبوضًا قبل التفرق، بشرط التساوي، مع اتحاد الجنس.
والبر والشعير: صنفان عند الجمهور، وخالف في ذلك مالكٌ، والليثُ، والأوزاعيُّ، فقالوا: هما صنف واحد (1).
وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز بيع الربويِّ بجنسه وأحدُهما مؤجَّل، وعلى أنه لا يجوز التفاضل إذا بيع بجنسه حالاًّ، كالذهب بالذهب، وعلى أنه لا يجوز التفرق قبل التقابض إذا باعه بجنسه أو بغير جنسه بما يشاركه في علة الربا، كالذهب بالفضة، والحنطة بالشعير (2).
وقد اختلفوا في علة الربا، فقال أحمد وأبو حنيفة: العلة في الفضة والذهب: الوزن والجنس، فكل ما جمعه الجنس والوزن، فالتحريم ثابت فيه إذا باعه متفاضلًا، كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص، وما أشبهه، وفي غير ذلك العلةُ فيه الكيلُ والجنس، فكل ما جمعه الجنسُ والكيل، فالتحريم فيه ثابت إذا بيع متفاضلًا، كالحنطة والشعير والأرز والأشنان والكرسَنَّة، فكل مكيل وموزون لا يباع بجنسه إلا حالًّا مقبوضًا متساويًا، سواء كان مطعومًا، أو غير مطعوم.
وقال مالك والشافعي: العلة في الذهب والفضة: الثمنيَّةُ، فلا يجري الربا عندهما في الحديد والنحاس ونحوِهما.
وقال الشافعي: العلة في بقية الربويات: كونُها مطعومة، فيتعدَّى الربا منها إلى كل مطعوم.
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 379).
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (11/ 9).
وأما مالك، فقال: العلة فيها: كونها تدَّخر للقوت، وتصلح له، فعدَّاه إلى الزبيب؛ لأنه كالتمر، وإلى القطنية؛ لأنها في معنى البر والشعير، فمثل رمانة برمانتين، وسفرجلة بسفرجلتين، حرامٌ عند الشافعي، مباحٌ عند غيره (1).
تنبيهات:
الأول: اعلم أن الربا من حيث هو نوعان: ربا الفضل، وربا النسيئة.
فأما ربا الفضل: فيحرم في كل مكيل وموزون بيعَ بجنسه عند أبي حنيفة وأحمد رضي الله عنهما، وأما عند مالك والشافعي رضي الله عنهما، فكل مطعوم مُدَّخَر، وكذا غير مدخر عند الشافعي بيعَ بجنسه متفاضلًا (2).
قال علماؤنا: ولو كان يسيرًا لا يتأتى كيله، كتمرة بتمرة، أو بتمرتين، أو لا يتأتى وزنه، كما دون الأرزة من الذهب والفضة ونحوهما، لا فيما تخرجه الصناعة، كالمعمول من الصفر والحديد ونحوهما، كالخواتيم والسكاكين والإبر ونحوها.
وقال علماؤنا: والجهل بالتساوي حالَ العقد، كالعلم بالتفاضل، فلو باع بعضه ببعض جزافًا، أو كان من أحد الطرفين، حرم، ولم يصح (3).
وأما ربا النسيئة: فكل شيئين ليس أحدُهما نقدًا، علةُ ربا الفضل فيهما واحدة، كمكيل بمكيل، وموزون بموزون، فيشترط في مثل بيع حديد بنحاس، وبر بشعير -مثلًا- الحلولُ والقبضُ في المجلس، ويجوز التفاضلُ
(1) انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (1/ 331).
(2)
المرجع السابق، (1/ 332).
(3)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 245 - 247).
حيث اختلف النوعُ، وإن اختلفت العلةُ فيهما، كما لو باع مكيلًا بموزون، جاز التفرق قبل القبض، والنساء والتفاضل، وما كان ليس بمكيل ولا موزون، كثياب وحيوان وغيرِها، يجوز النساء فيه، سواء بيع بجنسه، أو بغير جنسه، متساويًا أو متفاضلًا (1).
الثاني: اقتصر بعض العلماء على كون ما يجري فيه الربا هو ما جاءت به الأحاديث، ولم يتعدَّ شيئًا من ذلك، فحصروا الربويات في ستة أشياء: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح، وهو ما في "مسند الإمام أحمد"، و"صحيح مسلم" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: "الذهبُ بالذهبِ، والفضةُ بالفضةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشعيرُ بالشعيرِ، والتمرُ بالتمرِ، والملحُ بالملحِ، مِثْلًا بمثلٍ، يدًا بيدٍ، فمن زاد أو استزادَ، فقد أربى، الآخذُ والمعطي فيه سواء"(2).
ومثله عن أبي هريرة (3)، وعبادة بن الصامت (4)، وغيرهما رضي الله عنهم.
قال أهل الظاهر: لا ربا في غير هذه الستة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: اتفق الناس على تحريم ربا الفضل في الأعيان الستة التي جاءت بها الأحاديث، وهي من أفراد مسلم، وفي آخر
(1) المرجع السابق (2/ 256 - 257).
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 49)، ومسلم (1584)، كتاب: المساقاة، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا.
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 232)، ومسلم (1588)، كتاب: المساقاة، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا.
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 314)، ومسلم (1587)، كتاب: المساقاة، باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا.
حديث عبادة: "فإذا اختلفت هذه الأصنافُ، فبيعوا كيفَ شئتم، إذا كان يدًا بيدٍ".
قال: وتنازعوا فيما سوى ذلك على أقوال: فطائفة لم تحرم ربا الفضل في غيرها، وهذا مأثور عن قَتادةَ، وهو قول أهل الظاهر، وابنِ عقيل من أئمة علماء مذهبنا، في آخر مصنفاته رجَّحَ هذا القولَ، مع كونه يقولُ بالقياس.
قال ابن عقيل: لأن علل القياس في مسألة الربا عللٌ ضعيفة، وإذا لم يظهر فيه علة، امتنع القياس.
قال ابن تيمية: وطائفةٌ حرمته في كل قليل موزون، كما يروى عن عمار بن ياسر رضي الله عنه، وبه أخذ الإمام أحمد في المشهور عنه، وهو قول أبي حنيفة وغيره.
وطائفةٌ حرَّمته في الطعام، وإن لم يكن مكيلًا، أو موزونًا، كقول الشافعي، وأحمد في مرجوح روايته.
وطائفة لم تحرمه إلا في المطعوم إذا كان مكيلًا أو موزونًا، وهذا قول سعيد بن المسيب، والشافعي في قول، وأحمد في رواية ثالثة اختارها الإمام الموفق، وهذا قريب من قول الإمام مالك: القوت، وما يصلح أن يدخر للقوت، ورجَّح هذا القولَ ابنُ تيمية -رحمه الله تعالى-.
قال ابن تيمية عن هذا القول: إنه أرجح الأقوال.
وقد حكى عن بعض المتأخرين أنه يحرم في جميع الأموال.
قال ابن تيمية: لكن هذا ما علمت به قائلًا من المتقدمين (1)، والله الموفق.
(1) وانظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (29/ 470) وما بعدها.