الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الغسل للمحرم
أي: جوازه، أو وجوبه.
أما إذا كان جنبًا، أو كانت حائضًا، فجَمْعٌ على جوازه، بمعنى: أنَّه يجب على المحرم كغيره، لاعتبار الطهارة للصلوات المكتوبة، وهي فرض، وكذا سائر الأغسال الواجبة، وأما إذا كان الغُسل للتبريد ونحوه، فاختلف فيه:
قال في "الفروع": وله -أي: المحرم- حكُّ رأسه وبدنه برفق، نص عليه الإمام أحمد، ما لم يقطع شعرًا، وقيل: غيرُ الجنب لا يخللهما بيده، ولا يحكهما بمشط أو ظفر.
قال: وله غسلُه في حمام وغيره بلا تسريح، روي عن عمر، وعلي، وابن عمر، وجابر، وغيرهم رضي الله عنهم، وفاقًا لأبي حنيفة، والشافعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل رأسه وهو محرمٌ، حرك رأسه بيديه (1)، كما يأتي.
وذكر الحافظ في هذا الباب حديثًا واحدًا، وهو:
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 262).
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ حُنَيْنٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، اخْتَلَفَا في الأَبْوَاءِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأْسَهُ، وقَالَ المِسْوَرُ: لا يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأْسَهُ، قَالَ: فَأَرْسَلَني ابنُ عَبَّاسٍ إلَى أَبِي أيوبَ الأَنْصَارِيِّ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ القَرْنَيْنِ، وَهُوَ يُسْتَرُ بثَوْبِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُنَيْنٍ، أَرْسَلَنيَ إلَيْكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، يَسْألكَ كَيْفَ كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِم؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ لِإنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ المَاءَ: اُصْبُبْ، فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأيتُهُ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ (1).
وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ المِسْوَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لَا أُمَارِيكَ أَبَدًا (2).
القَرْنَانِ: العَمُودَانِ اللَّذَانِ تُشَدُّ فِيهِمَا الخَشَبَةُ الَّتِي تُعَلَّقُ عَلَيْهَا البَكَرَةُ.
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1743)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد باب: الاغتسال للمحرم، ومسلم (1205/ 91)، كتاب: الحج، باب: جواز غسل المحرم بدنه ورأسه، وأبو داود (1840)، كتاب: المناسك، باب: المحرم يغتسل، والنسائي (2665)، كتاب: الحج، باب: غسل المحرم، وابن ماجه (2934)، كتاب: المناسك، باب: المحرم يغسل رأسه.
(2)
رواه مسلم (1205/ 92)، كتاب: الحج، باب: جواز غسل المحرم بدنه ورأسه.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 181)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (4/ 6)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 219)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 291)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 125)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 68)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1039)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 56)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 201)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 313)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 79).
(عن عبدِ الله بنِ حُنينٍ) -بضم الحاء المهملة وفتح النون، على التصغير- الهاشميِّ، مولى العباسِ بنِ عبدِ المطلبِ.
قال ابن سعد: ويقال: إنه مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقيل غيرُ ذلك.
سمع ابنَ عبّاس، وعليًا، والمِسْوَرَ، وأبا أيوبَ.
روى عنه: محمدُ بن المنكدر، وشريكُ بن عبد الله بن نمر، وأبو بكر بن حفص.
قال أسامة بن زيد الليثي: دخلت على عبد الله بن حنين لياليَ استُخلف يزيدُ بن عبد الملك، وكان موته قربَ ذلك، وكان قليل الحديث.
أخرج له الجماعة (1).
(أَنَّ عبدَ الله بنَ عبّاس) حبرَ الأمة رضي الله عنهما، (والمِسْوَرَ) -بكسر الميم وسكون السين المهملة-، فهو أبو عبد الرحمن (بنَ مَخْرَمَةَ) -بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء-، له ولأبيه مخرمةَ صحبةٌ، فإن مخرمةَ كان من مُسلمة الفتح من المؤلَّفة قلوبُهم، ثمّ حَسُنَ إسلامه، وشهد حُنينًا، وتُوفي بالمدينة، توفي سنة أربع وخمسين، وعمره مئة سنة وخمس عشرة سنة، وعمي في آخر عُمُرهِ (2).
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 286)، و"تهذيب الكمال" للمزي (14/ 439)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (5/ 169).
(2)
وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (8/ 15)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 1380)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (57/ 147)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (5/ 119)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 392)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 542)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (6/ 50).
وأما أبو عبد الرحمن المسورُ، فهو ابنُ مخرمةَ بنِ نوفل بنِ أُهيب -بضم الهمزة-، ويقال: وهيب بنِ عبدِ مناف بنِ زهرةَ بنِ كلابٍ، الزهريُّ، القرشيُّ، ابنُ أختِ عبدِ الرحمن بن عوف الشفاءِ بنتِ عوفٍ، لها هجرة، وهي -بكسر الشين المعجمة وبالفاء والمد-، فهو وأبوه وأمه من الصَّحابة رضي الله عنهم، ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين، وقدم به المدينة في ذي الحجة سنة ثمان، وهو أصغر من ابن الزبير بأربعة أشهر، وقُبض النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ ثمان سنين، وسمع منه، وحفظ عنه، وحَدَّث عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، وكان فقيهًا من أهل الفضل، ولم يزل بالمدينة إلى أن قُتل عثمان، فانتقل إلى مكّة، فلم يزل بها إلى أن مات معاويةُ، وكره بيعةَ يزيد، فلم يزل مقيمًا بمكة إلى أن بعث يزيدُ عسكَره، وحاصر مكّة، وبها ابنُ الزبير، فأصابَ المسورَ حجر من حجارة المنجنيق وهو يصلي بالحِجر، فقتله، وذلك في مستهلِّ ربيع الأول سنة أربع وستين، وعمره اثنتان، وقيل: ثلاث وستون سنة.
روى عنه: عروة بن الزبير، وعلي بن الحسين زينُ العابدين، وعبدُ الله بن حنين، وغيرهم (1).
(اختلفا) -يعني: ابنَ عبّاس، والمسورَ بن مخرمة رضي الله عنهم-،
(1) وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (7/ 410)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (8/ 297)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 394)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 1399)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (1/ 772)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (5/ 170)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 399)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (3/ 390)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (6/ 119).
وهم (في الأبواء) -بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة والمد-: موضع معينٌ بين مكّة والمدينة.
وفي "المطالع": الأبواء: قرية من عمل الفرع، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا.
قال بعضهم: سُميت بذلك، لما فيها من الوباء، ولو كان كما قال، لقيل: الأوباء، أو يكون مقلوبًا منه، وبه توفيت أمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحيحُ أنها سميت بذلك لتبوُّء السيول بها، قاله ثابت، انتهى (1).
وفي رواية ابن عيينة: أنهما اختلفا وهما بالعَرْج (2)، وهو -بفتح أوله وإسكان ثانيه-: قرية جامعة قريبة من الأبواء (3).
قال في "النهاية": من عمل الفرع على أيام من المدينة (4).
(فقال ابن عبّاس) رضي الله عنهما: (يغسل المحرمُ رأسَه)؛ أي: له ذلك بلا حرج عليه فيه، (وقال المسور) بنُ مخرمة رضي الله عنهما:(لا يغسلُ المحرِمُ رأسه)، وهذا الحديث دليل على جواز التناظر في مسائل الاجتهاد والاختلاف فيها إذا غلب على ظن المختلفين فيها حكم (5).
(قال) عبدُ الله بن حنين: (فأرسلني) عبدُ الله (بنُ عبّاس) رضي الله عنهما (إلى أبي أيوبَ) خالدِ بنِ زيدٍ (الأنصاريِّ) رضي الله عنه.
وفيه دليل على الرجوع إلى من يُظن به أن عنده علمًا فيما اختلف فيه.
(1) وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 57).
(2)
رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(2650).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 56).
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 204).
(5)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 68).
وفيه دليل على قَبول خبر الواحد، وأن العمل به سائغٌ شائعٌ بين الصَّحابة؛ لأن ابن عبّاس رضي الله عنهما أرسلَ ابنَ حُنين ليستعلم له علمَ المسألة، ومن ضرورة ذلك قبولُ خبره عن أبي أيوب فيما أُرسل فيه (1).
قال عبد الله بن حنين: (فوجدتُه)؛ أي: أبا أيوب، وفي الكلام طَيٌّ، تقديره: فأرسلني إليه، فذهبت إلى أبي أيوب، فوجدته (يغتسلُ) في حال إحرامِه، وهو واقف (بين القرنين)؛ أي: قرني البئر، وهما جانبا البناء الذي على رأس البئر، يُجعل عليهما خشبة تعلق بها البكرة (2).
(وهو) -يعني: أبا أيوب- (يُسْتَر) -بضم المثناة تحت على صيغة ما لم يسمّ فاعله-؛ أي: يستره مَنْ عنده (بثوب) من أعين الناظرين، وهذا من الاتفاقات الغريبة أن يرسل إليه ليستعلم عن الغسل، فيوجد متلبسًا بما يراد أن يستعلم عنه.
قال عبد الله بن حنين: (فسلمت عليه، فقال: من هذا؟)؛ أي: بعد أن ردَّ السلام.
فيه دليل على جواز السلام على المتطهر في حال طهارته؛ بخلاف من هو على الحدث.
وفيه جواز الكلام في أثناء الطهارة، وعلى التستر عند الغسل (3).
قال عبد الله بن حنين: فـ (قلت: أنا عبدُ الله بنُ حنين، أرسلني إليك) عبدُ الله (بنُ عبّاس) رضي الله عنهما (يسألك: كيفَ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يغسلُ رأسَه وهو محرِمٌ؟)، هذا يُشعر بأن ابن عبّاس رضي الله عنهما كان
(1) المرجع السابق، الموضع نفسه.
(2)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 313).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 68).
عنده علم بأصل الغسل؛ فإن السؤال عن كيفية الشيء إنما يكون بعد العلم بأصله.
وفيه دليل على أن غسل البدن كان عنده متقرر الجواز، إذ لم يسأل عنه، وإنما سأل عن كيفية غسل الرأس، ويحتمل اختصاص السؤال عن غسل الرأس، لكونه موضعَ الإشكال في المسألة، أو الحرص عليه، ويخشى بتحريكه باليد من نتف الشعر (1).
(فوضع أبو أيوب) الأنصاريُّ رضي الله عنه (يده على الثوب) الذي يُستر به، (فطأطأه)؛ أي: خفض الثوب، وأزاله من إزاء رأسه (2) (حتّى بدا لي) -بغير همز-؛ أي: ظهر لي (رأسه).
(ثمّ قال لإنسانٍ) لم يسم ذلك الإنسان (يصبُّ عليه الماءَ) ليغتسلَ به: (اصْبُبْ)(فصبَّ) الإنسان الماء (على رأسه) -أي: أبي أيوب-.
فيه دليل على جواز الاستعانة في الطهارة، وقد ورد في ذلك أحاديث صحيحة، وورد في تركها شيء لا يقابلها في الصحة (3).
(ثمّ حَرَّكَ) أبو أيوبَ (رأسَه بيديه) -بالتثنية- (فأقبل بهما وأدبر).
فيه جواز دَلْك شعر المحرم بيده إذا أمن تناثره.
(ثم قال) أبو أيوب رضي الله عنه: (هكذا رأيتُه صلى الله عليه وسلم يفعل).
فيه الجوابُ والبيانُ بالفعل، وهو أبلغُ من القول، وإنما عدلَ عبدُ الله بنُ حنين بالسؤال عن الكيفية عن السؤال عن الغسل، حيث لم يقل: هل كان يغسل رأسه؟ ليوافق اختلافهما؛ لأنه لما رآه يغتسل وهو محرم، فهمَ من
(1) المرجع السابق، (3/ 69).
(2)
انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 313).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 68).
ذلك الجوابَ، ثمّ أحبَّ أَلَّا يرجع إلّا بفائدة أخرى، فسأل عن الكيفية، قاله في "الفتح"، انتهى (1).
هذا إن كان ابن عبّاس لم يقل له: سلْ أبا أيوبَ عن كيفية غسل النَّبي صلى الله عليه وسلم رأسَه، بل الظاهر هذا، وأن ابن عبّاس كان عنده علمٌ بأصل الغسل -كما قدمنا-.
(وفي رواية) عن ابن عيينة في "صحيح مسلم": قال عبدُ الله بن حنين: فرجعتُ إليهما، فأخبرتهما، (فقال المسورُ) بنُ مخرمة (لـ) عبدِ الله (بنِ عبّاس) رضي الله عنهم:(لا أُماريك)؛ أي: لا أُجادلك بعدَها؛ أي: بعدَ هذه النوبة (أبدًا)؛ لشدة فهمِك، وجودة ذكائك، وغزارة علمك.
وفيه وجوبُ الإذعان للحق إذا ظهر، والخبر النبوي إذا ثبت واشتهر، وهي زبدة المناظرة، وثمرة المجادلة والمحاورة.
ومحلُّ الدليل من الحديث ظاهر، وهو جواز غسل المحرِمِ رأسَه وبدنه.
قال في "الفروع": بدنه كسره حديث أبي أيوب، واغتسل عمر رضي الله عنه، وقال: لا يزيدُ الماء الشعرَ إِلَّا شعثًا، في رواية مالك، والشافعي (2).
وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما، قال لي عمر ونحن محرمون بالجحفة: تعالَ أُباقيك أينا أطول نَفَسًا في الماء، رواه سعيد (3).
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 56). وانظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 313).
(2)
رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 323)، والإمام الشافعي في "مسنده" (ص: 117).
(3)
رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 117)، ومن طريقه: البيهقي في "السنن =
وكره مالك للمحرم غطسَه في الماء، وتغييب رأسه فيه (1).
قال في "الفروع": والكراهةُ تفتقر إلى دليل، وتوجَّه قوله: تركُه أولى، أو الجزم به؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يغسل رأسه إلّا من احتلام، رواه مالك (2).
وفي البخاري: قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: يدخل المحرم الحمام (3).
ولم ير ابن عمر وعائشة بالدخول بأسًا.
وفي "الفروع": أن ابن عبّاس دخل حمامًا في الجحفة، رواه الشّافعي، وقال ابن عبّاس: ما يعبأ الله بأوساخنا (4).
قال في "الفروع": ويحمل هذا وما سبق على الحاجة، أو أنَّه لا يكره، وإلا، فالجزم بأنه لا بأس به مع أنه مزيل للشعث والغبار، مع الجزم بالنهي عن النظر في المرآة لإزالة شعثٍ وغبار، فيه نظر ظاهر، مع أن الحجة:"انظروا إلى عبادي أَتَوني شُعْثًا غُبْرًا"(5)، وهي هنا، فيتوجه من عدم النهي
= الكبرى" (5/ 63).
(1)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 262).
(2)
رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 324).
(3)
ذكره البخاري في "صحيحه"(2/ 653)، معلقًا بصيغة الجزم.
(4)
رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 365)، ومن طريقه: البيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 63).
(5)
رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(2840)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(4068)، من حديث جابر رضي الله عنه. ورواه الإمام أحمد في "مسنده"(2/ 224)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. ورواه أيضًا (2/ 305)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
هنا، عدمُه هناك بطريق الأولى، لزوال الغسل من الشعث والغبار ما لا يزيل النظر في المرآة، واحتماله إزالة الشعر.
ومعتمد مذهبنا: له حكُّ بدنه أو رأسه برفق ما لم يقطعْ شعرًا، أو له غسلُه في حمام وغيره بلا تسريح، وغسلُه بسِدْرٍ وخَطْمِي ونحوهما.
قال في "الفروع"، وفاقًا للشافعي، قال: وذكر جماعة: يُكره، وجزم به في "المستوعب"، (1) والشيخ الموفق، وحكاه عن الثلاثة، لتعرضه لقطع الشعر، واحتج القاضي لمعتمد المذهب: بأن القصد منه النظافةُ وإزالةُ الوسخ، كالأشنان والماء، ولا نسلم أنَّه يستلذ رائحته، ثمّ يبطل بالفاكهة، وفيه رواية مرجوحة: أنَّه يحرم ذلك، ويفدي، وفاقًا لأبي حنيفة، ومالك، وقال أبو يوسف، ومحمد: عليه صدقة (2).
وذكر ابن دقيق العيد: أن على غاسل رأسه بالخطمي ونحوه الفديةَ عند أبي حنيفة، ومالك (3). والله تعالى أعلم.
قال الحافظ المصنف -رحمه الله تعالى-: (القَرْنان) في قول عبدِ الله بنِ حنين: فوجدته يغتسل بين القرنين، هما (العمودان اللذان تُشد فيهما الخشبةُ التي تُعلق عليها)؛ أي على تلك الخشبة المشدودة في العمودين (البَكَرَةُ) التي يستقي عليها -تفتح كافها وتسكن- كما في "المطالع"(4)، والله أعلم.
(1) انظر: "المستوعب" للسامري (4/ 95).
(2)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (3/ 262 - 263).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 69).
(4)
وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 179).