الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع في بعض وقائع الفرنج وما اتفق لهم بها وبمعاملاتها
«1»
اعلم أن الفرنج تارة كانوا يأتون إلى حلب نفسها وتارة يأتون إلى بعض معاملاتها.
فنذكر هنا طرفا، وفي المعاملات طرفا؛ وأما «1» من أتى إلى معاملاتها من المدن والمراكز «2» فسيأتي في معاملاتها. فتقول:
في السنة الخامسة «3» والأربعين بعد المائتين: أغارت الروم على حلب، وقتلوا وسبوا وعادوا إلى بلادهم «4» .
وفي سنة إحدى وتسعين ومائتين: بعث صاحب الروم جيشا مبلغه مائة ألف فوصلوا إلى الحدث فنهبوا، وسبوا، وأحرقوا «5» .
خاتمة: قال ابن الوردي:
وفي سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة: احترق حصن أفامية وكان بيد المغاربة وضعيف. فنازل الدقس في «6» في ثلاثين ألفا وحاصره سبعة أشهر وأشرف على أخذه فدفعه عنه صمصامة والي دمشق في جهة المغاربة فانفضوا «7» فقتل الدوقس وقتل من عسكره أربعة عشر ألفا، وأسر منهم خلق. وكسروا بعد أن ظهروا.
وفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة أخرج ملك الروم نقفور على أفامية وجمع قيام القتلى وصلى عليهم ودفنهم.
وفتح شيزر بالأمان لقلة رجالها.
وفي سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة: فيها ملك الروم سروج «1» وسبوا وغنموا، وخربوا المساجد. قاله المؤيد «2» .
قال ابن الوردي: قلت:
وتبع سيف الدولة الروم وبلغهم ذلك فولوا راجعين فسبى حينئيذ مرعش فقال المتنبي «3» :
فديناك من ربع وإن زدتنا كربا
…
فإنك كنت الشرق للشمس والغربا
ومنها:
سراياك تترى «4» والدمستق هارب
…
وأصحابه قتلى وأمواله نهبى
(23 ظ) ف
أتى مرعشا يستقرب البعد مقبلا
…
فأدبر «5» إذ أقبلت يستبعد القربا
ومنها:
(27 ظ) م
كفى عجبا أن يعجب الناس أنّه
…
بنى مرعشا تبا لآرائهم تبا
وما الفرق ما بين الأنام وبينه
…
إذا حذر المحذور واستصعب الصعبا
وفي سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة: غزا سيف الدولة الروم فجرت بينهم وقعة عظيمة، وانتصر سيف الدولة وغنم «6» .
قلت:
أسر سيف الدولة في هذه الوقعة قسطنطين- ولد الدمستق- وحمله الإبريق إلى بيت الماء. وكان أمرد، فخرج فوجده قائما يبكي، واعتل عنده فمات. فكتب إلى أبيه يخبره أنه لو كان هو المتولي تمريضه ما فعل ما فعله سيف الدولة.
وترهب الدمستق بعد الوقعة ولبس المسوح «1» .
قال في تاريخ الإسلام: في سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة في صفر وجه ملك الروم رسولا فقدم على سيف الدولة يسأله الهدنة فاحتفلوا لدخوله من إظهار الزينة والسلاح الكامل فاستعظم ذلك وقال: أظن أن هذا جيش الإسلام كله قد اجتمع. قال له سيف الدولة: بل هذا شيء يسير من جيوش بني حمدان ومعظم الجيش مع أخي ناصر الدولة.
وفيها:
جدّ سيف الدولة في بناء الحدث «2» وأن ملك الروم أنكر على الدمستق وقال متى خليته يبنيها يطلب قطعة كبيرة من أرض الروم فسار في جيوشه فلم يشعر سيف الدولة وهو نازل عليها إلا بقوم من الأرمن قد وافوه يطلبون الأمان فاستراب بهم
وقررهم فصدقوه بأن الدمستق قد أقبل وعظموا الأمر وأن بينه وبينه أميالا وكان كثير من الجند في الإقطاعات وليس عند سيف الدولة شك من أن جيش الروم يقصده ولا يتخطى ناحيته فعبأ أصحابه وطلعت جيوش الروم ورحل المسلمون فحمل سيف الدولة في غلمانه حملة قتل فيها بيده فارسا فولت الروم وأخذتهم السيوف فقتل خلق، وأسر نحو ثلاثمائة بطريق بيمند وابن أخت الدمستق وزوج ابنته لعبد. وأحد الأبطال المذكورين الذي كان قد أخذ الحدث وخربها. وكانت القتلى نحو أربعة آلاف. ولم يصب من المسلمين إلا دون العشرة. وجرح جماعة.
وفي سنة سبع وأربعين وثلاثمائة: كانت وقعة عظيمة بنواحي حلب بين الروم (18 ظ) ف وسيف الدولة فقتلوا معظم رجاله وغلمانه وأسروا أهله وهرب في عدد يسير.
وفي حوادث سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة: كانت غلبة الروم على عين زربة وتل موزة.
والخليج. وتل صوعا، وحمام نوفل. وأرقنينة، وما بين هذه المدن من القرى والرساتيق.
وقد قيل: بل كان في سنة تسع وأربعين.
وصار إلى بلد الروم وفي يد الطاغية من المسلمين والمسلمات مائة ألف وعشرون ألفا فيهم من أهل الأخطار والأشراف بشر كثير وذلك بعد قتلهم مالا يقع به إحصا [ء] .
وأدركهم البرد الشديد فتلف أكثر المسلمين من الخوف عليهم والأسف ما جل من الوصف، ولم يكترث بذلك من بيده الأمر والنهي، والحل والعقد، ولا ألفى لديهم أنفة الأحرار، ولا غير الأبرار. والله المستعان.
وأكثر شعرا [ء] الثغور
…
الرأى فيما حل بهم. فقال إبراهيم البجلي المصيصي كلمة طويلة أولها:
سئمت حياتي وهانت وفاتي
…
عليّ لأنّي فقيد اللذات
فقيد الشموس فقيد البدور
…
فقيد الحماة فقيد الكماة
أنوح على السادة الأفضلين
…
وجوه بني الثغر حتى الممات
وأندب كلّ فتى باسل
…
يروي من الروم صدر القناة
أفكر في عظم هذا المصاب
…
لقد جا [ء] نا الدهر بالقصمات
أرانا الأوداء والأقربين
…
تحكم فيهم أكفّ العداة
كرام بهم كان فك الفتاة
…
فصار بهم في محلّ العناة
ويعرض لي ذكرهم في الصلاة
…
فيقطع بيني وبين الصلاة
فلا كان في الدهر يوم رمت
…
تصاريفه جمعهم بالشتات
فذلك يوم رأينا به مصاب
…
الفتى وبكاء الفتاة
وقال فيها أيضا:
ولم أنس مصرعهم بالفلات
…
تحكم فيهم ضباع الفلاة
نجوم هوت فخبى نورها
…
وقد كنّ من قبله نيرات
لقد عزّ ناصر أهل الثغور
…
فليس نصير إليهم بآت
ففي النيل ليس لهم منجد
…
وليس لهم منجد في الفرات
كان لهم عند أهل الزمان
…
كرات.. «1» فلهم بالتراب
وقال إبراهيم البجيلي أيضا (29 ظ) م:
ترى الأيام تصريف عجيب
…
إذا حكمت فما بعدها قريب
وأحقر ما يرى فيها كبير
…
وأيسر ما يرى منها صعوب
مصائب لا تقوم لها الرواسي
…
لأهل الثغر وحدهم تصيب
إذا دهمتهم دهياء غول
…
أتت من بعدها أخرى شعوب
فما يخلون من عقبى مصاب
…
لهم من بعد عقباه عقيب
لفقد أحبة كانوا جميعا
…
رزئت بهم فعيشي ما يطيب
كرام ليس فيهم غير شهم
…
ولم يك فيهم إلا نجيب
لقد شملتهم ساعات نحس
…
وجهم جمعهم يوم قطوب
فكم عين تفيض دما عليهم
…
وكم كبد لنا بهم تذوب
محال ليس يبرأ قرح قلبي
…
وهل يبرأ وليس له طبيب
كان على بني الدنيا حراما
…
ونذرا إن دعوهم أن يجبيوا
كان بني الثغور لهم ذنوبا
…
إليهم ليس يعد لها ذنوب
خيول ما يجفلها لبود
…
وأعدا...... «1» تنوب
إذا قاموا لحرب أعقبتهم
…
حروب ثم يتبعها حروب
فكيف بقاء ثغرهم عليا
…
إذا كان المنادى لا يثوب
ملوك زماننا فابكوا ونوحوا
…
لثغركم فقد غلب الصليب
وفي سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة افتتح الروم حلب بسو [ء] تدبير سيف الدولة وما كان به من القلة. وكانت الوقعة بسفح بانقوسا «2» وأحرقوا جامعها وقتل في هذه الوقعة زها [ء] مائتي ألف. وقال بعض المؤرخين «3» : استولى على حلب دون قلعتها وكان قد سار إليها الدمستق- ملك الروم- ولم يعلم به سيف الدولة إلا عند وصوله. فلم يلحق سيف الدولة أن يجمع، وخرج فيمن معه وقابل الدمستق. فقتل غالب أصحابه. وانهزم سيف الدولة في نفر قليل «4» .
وظفر الدمستق بداره وكانت خارج مدينة حلب بمشهد فوجد الدمستق فيها ثلاثمائة بدرة «1» من الدراهم- وقال الذهبي ثلاثمائة وتسعين بدره، وكذلك في كلام ابن الجوزي «2» - وأخذ لسيف الدولة ألفا وأربعمائة بغل، ومن السلاح ما لا يحصى. وملكت الروم الحواضر، وحصروا المدينة، وثلموا السور وقاتلهم أهل حلب أشد قتال. فتأخر الروم إلى جبل جوشن. ثم وقع بين أهل حلب ورجال الشرطة فتنة بسبب ما كان وقع بالبلد فاجتمع بسبب ذلك الناس ولم يبق على الأسوار أحد فوجد الروم السور خاليا فهجموا البلد وفتحوا أبوابه وأطلقوا السيف في أهل حلب، وسبوا بضعة عشر ألف صبي وصبية. وغنموا ما لا يوصف من كثرته فلما لم يبق معهم ما يحمل الغنائم، أمر الدمستق فأحرقوا ما بقي.
وأقام الدمستق تسعة أيام. وارتحل عائدا إلى بلاده. ولم ينهب قرايا حلب. وأمرهم بالزراعة ليعود من قابل إلى حلب في زعمه «3» .
وفي سنة أربع وخمسين وثلاثمائة: أطاع أهل أنطاكية بعض المقدمين الذين حضروا من طرسوس. وسيأتي الكلام على قضية طرسوس هذه في فصل المصيصية وخالفوا سيف الدولة وكان اسم المقدم»
الذي أطاعوه رشيقا فسار إلى جهة حلب وقاتل عامل سيف الدولة قرعويه «5» . وكان سيف الدولة بميافارقين فأرسل سيف الدولة عسكرا مع خادمه بشاره.
فاجتمع قرعويه «6» العامل بحلب مع بشارة. وقاتلا رشيقا. فقتل رشيق وهرب أصحابه ودخلوا أنطاكية.
وفي بعض التواريخ في سنة أربع وخمسين بعد الثلاثمائة عاد نقفور إلى الشام فخرب قنسرين، وهدم قلعتها. وطمّ خندقها. وفتح حلب. واستعصت قلعتها.
وفي سنة خمس وخمسين وثلاثمائة: سار طاغية الروم بجيوشه إلى بلد الشام فعاث، وأفسد. وأقام به نحو خمسين يوما فبعث سيف الدولة يستنجد أخاه ناصر الدولة (20 و) ف يقول: «قد عسكر بالدرب ومنع رسولنا ابن المغربي أن يكتب بشيء، وقال: لا أجيب سيف الدولة إلا بباب أنطاكية. ليذهب من الشام فإنه لنا ويمضي إلى بلده، ويهادن عنه، وأن أهل أنطاكية راسلوا نقفور وبذلوا له الطاعة، وأن يحملوا إليه مالا. وأنه التمس منهم يد يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام، والكرسي. وأن يدخل بيعة أنطاكية ليصلي فيها ويصير إلى القدس.
وكان الذي جر خروجه وأحنقه إحراق بيعة القدس في هذا العام. وكان البترك كتب إلى كافور صاحب مصر يشكو قصور يده عن استيفاء حقوق البيعة. فكاتب «1» متولى القدس بالشدّ على يده فجاءه من الناس مالا يطيق رفعه، فقتلوا البترك. وحرقوا البيعة وأخذوا زينتها. فراسل كافور طاغية الروم بأن يرد البيعة إلى أفضل ما كانت. فقال: بل أنا أبنيها بالسيف.
وأما ناصر الدولة فكتب إلى أخيه إن أحب مسيره إليه سار؛ وإن أحب حفظ ديار بكر سار إليها وبث سراياه. وأصعد سيف الدولة الناس إلى قلعة حلب وشحنها وانحفل الناس.
وعظم الخطب. وأخليت نصيبين.
ثم نزل عظيم الروم على منبج وأحرق، وخرج إليه أهلها فأقرهم ولم يؤذهم. ثم سار إلى وادي بطياس «2» .
وسار سيف الدولة متأخرا إلى قنسرين ورجاله الأعراب قد ضيقوا الخناق على الروم في أربع ضياع بما حوت. فراسل سيف الدولة ملك الروم وبذل له مالا يعطيه إياه في ثلاثة أقساط فقال لا أجيبه إلا أن يعطيني نصف الشام فإن طريقي إلى ناحية الموصل على الشام فقال سيف الدولة والله لا أعطيه ولا حجرا واحدا. ثم جالت الروم بأعمال حلب. وتأخر سيف الدولة إلى ناحية شيزر وانكبت العربان في الروم غير مرة وكسبوا مالا يوصف.
ونزل عظيم الروم على أنطاكية يحاصرها ثمانية أيام ليلا ونهارا، وبذل الأمان لأهلها فأبوا. فقال: أنتم كلمتموني، ووعدتموني بالطاعة. فأجابوا: إنما كاتبنا الملك حيث كان سيف الدولة بأرمينية بعيدا عنا. وحدثنا أنه لا حاجة له في البلد. وكان السيف بين أظهرنا. فلما عاد سيف الدولة لم نؤثر على ضبط أدياننا وبلدنا شيئا فناجزهم «1» الحرب من جوانبها. فحاربوه أشد الحرب وكان عسكره معوزا من العلف.
ثم بعث نائب أنطاكية محمد بن موسى إلى قرغويه متولى نيابة حلب بتفاصيل الأمور (24 ظ) م وثبات الناس على القتال. وأنا قد قتلنا جملة من الروم. وأنا ليلي ونهاري في الحرب لا أستقر ساعة وأن اللعين قد ترجل عنا، ونزل الجسر.
ثم جاء الخبر بأن نائب أنطاكية محمد بن موسى أخذ الأموال التي في خزائن (20 ظ) ف أنطاكية معدة وخرج بها كأنه متوجه إلى سيف الدولة. فدخل بلد الروم فقيل كان عزم على تسليم أنطاكية للملك فلم يمكنه لاجتماع أهل البلد على ضبطه فخشى أن يتم خبره إلى سيف الدولة فيتلفه. فهرب بالأموال. انتهى
وفي سنة ست وخمسين وثلاثمائة: نزلت الروم على رعبان «1» . فسار عسكر حلب للكف عنها. فرحل ملك الروم.
ثم سار عسكر حلب فنزلوا على حصن سرحون «2» فافتتحوه بعد أيام بالسيف بعد حرب عظيم وأخذوا منه مالا يوصف وحصل من السبي خمسة آلاف آدمي ثم نازلوا حصن سين «3» الحمراء فافتتحوه. وسبوا نحو الألف وأسروا ثلاثمائة علج. وأسروا سرحون وهو الذي كان أسر أبا فراس بني حمدان.
وعدت الخراسانية مع لولو الحجراجي «4» من أنطاكية إلى ناحية المصيصة فالتقاهم ثلاثة آلاف فارس من الروم فنصر الله وقتلوا من الروم ألفا وأسروا خلقا وردوا بالغنائم إلى أنطاكية ثم عادوا وغزوا فأصيبوا. وسار نحو ألفي فارس من الترك إلى مصر لأن كافورا راسلهم.
ودخل الثغر محمد بن عيسى- رئيس الخراسانية- ومعه [ا] بن ساطر الطرسوسي فظفروا، وغنموا، وردوا بالمغانم، وتأخر في الشام محمد بن عيسى وابن شاكر في نحو ثمانمائة فارس فدهمتهم جموع الروم. فقال ابن عيسى ما استحل أن أوليهم الدبر بعد أن قربوا.
وسار ابن شاكر يكشفهم فإذا هم فيما يقال في ثلاثين ألفا. فرجع.
وقال: لا طاقة لك بها. فلم يقبل والتقاهم، وقاتلوا أشد قتال. وأنكوا في الروم نكاية عظيمة. واستشهد عامة المسلمين. وبقي محمد بن عيسى في مائة وخمسين فارسا. فقال له [ا] بن شاكر: لا تلقي بيدك إلى التهلكة. فقال له فقيه معه: إن وليت الدبر «1» لحقوك «2» ، وقتلوك، وأنت فار فقاتل حتى قتل أكثر أصحابه ثم أسر محمد بن عيسى، وابن شاكر.
ثم ورد الخبر بأن ابن عيسى اشترى نفسه بمائة ألف درهم وثمانية وعشرين علجا كانوا بأنطاكية، وبرطل فصوص فيروزج. وأنه بعد ذلك غزا العدو وظفر. انتهى.
وفي سنة سبع وخمسين وثلاثمائة: في ذي القعدة أقبل عظيم الروم نقفور «3» بجيوشه إلى الشام. فخرج من الدرب «4» ، ونازل أنطاكية: فلم يلتفتوا إليه. فهددهم وقال: أرحل، وأخرب الشام كله. وأعود إليكم من الساحل «5» .
ورحل في اليوم الثالث ونازل معرة مصرين فأخذها وغدر بهم. وأسر منهم أربعة آلاف ومائتي نسمة «6» .
ثم نزل على معرة النعمان فأحرق جامعها. وكان الناس قد هربوا في كل وجه إلى الحصون والبراري والجبال المنيعة «7» .
(21 و) ف ثم سار إلى كفر طاب، وشيزر «1» .
ثم إلى حماة، وحمص فخرج من تبقى بها فأمنهم ودخلها فصلى في البيعة. وأخذ (25 و) م منها رأس يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام. وأحرق الجامع «2» ثم سار إلى عرقة فافتتحها.
ثم سار إلى طرابلس فأخذ ربضها «3» . وأقام في الشام أكثر من شهر ورجع فأرضاه أهل أنطاكية بمال عظيم «4» . انتهى.
وفي سنة تسع وخمسين وثلاثمائة: ورد نقفور فاحتاط بأنطاكية. وملكها بالأمان فيما أحسب. وأخرجوا أهلها منها. وأطلقوا العجائز والشيوخ والأطفال وقال: امضوا حيث شئتم. وأخذوا الشباب والصبايا والغلمان سبيا، فكانوا أكثر من عشرين ألفا «5» .
وكان نقفور قد عتى، وتجبر، وقهر البلاد، وعظمت هيبته. وتزوج امرأة الملك الذي قتله على كره منها. وكان لها ولدان فأراد أن يخصيهما. ويهديهما للبيعة. ويستريح منهما لئلا يملكا. فعلمت زوجة الملك فأرسلت إلى الدمستق ليأتي إليها في زي النساء ومعه جماعة في زي النسا [ء] .؟ فجاءوا [و] باتوا عندها ليلة الميعاد. فقتلوه. وأجلس في الملك ولدها الأكبر «6» . انتهى.
وفي «7» بعض التواريخ بعد أخذ أنطاكية قصدوا حلب وقد تغلب عليها قرعويه غلام سيف الدولة بعد طرد ابن استاذه عنها. فتحصن قرعويه بالقلعة وملك الروم
بحلب. وحصروا القلعة. ثم اصطلحوا على مال يحمله قرعويه في كل سنة وكانت المصالحة يحمل المال المقرر على حلب وما معها من البلاد: وهي حماة وحمص وكفر طاب والمعرة وفامية وشيزر وما بين ذلك. ودفع أهل حلب الرهائن بالمال إلى الروم فرحلت الروم عن حلب وعاد المسلمون إليها «1» .
وفي سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة: هدم لؤلؤ الكبير- مدبر دولة أبي الفضائل سعيد بن سعد الدولة أبي المعالي شريف بن سيف الدولة- حصن كفروما. وحصن عار وحصن اروح، خشية أن يقفز فيها (28 ظ) م.
وفي سنة ست وعشرين وأربعمائة: وصلت الروم إلى ولاية حلب فقاتلهم صاحبها شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس «2» فهزمهم، وتبعهم إلى عزاز فقتل «3» ؛ واسم ملك الروم ارمانوس «4» .
والصحيح ما قاله ابن المهذب: أن خروج أرمانوس كان سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. وكانوا ستمائة ألف. وخرج في شهر تموز.
وفي ذلك يقول أبو الفتح الحسن بن أبي حصينة المعري «5» من قصيدة طويلة وأنشده إياها بظاهر قنسرين:
ديار الحي مقفرة بباب
…
كأن رسوم دفتها كتاب.
ومنها:
وذكرك كلّه ذكر جميل
…
وفعلك كلّه فعل عجاب.
وأرمانوس كان أشد بأسا
…
وحل به على يدك العذاب
أتاك يجرّ بحرا من حديد
…
له في كل ناحية عباب
(20 ظ) ف إذا سارت كتائبه بأرض
…
تزلزلت الأباطح والهضاب
فعاد وقد سلبت الملك عنه
…
كما سلبت عن الميت الثياب
فلا تسمع بطنطنة الأعادي
…
فإنهم إذا طلبوا ذباب
ولا ترفع لمن عاداك رأسا
…
فإن الليث ينبحه الكلاب
وفي «1» شبل الدولة لما هزم ملك الروم يقول الإمام أبو عامر الجرجاني من قصيدة:
لبسوا دروعا من ضباك تقيهم
…
كانت عليهم للحتوف شباك
نالت بك العرب الغنا من مالهم
…
وتقاسمت أتراكك الأتراك
لو لم يفر جعلت صفحة خدّه
…
نعلا وقوسي حاجبيه شراك
وقال إبراهيم بن الحسن البليغ من قصيدة يمدح بها نصرا منها:
نفدي الذي ردّ أرمانوس عن حلب
…
للخوف مهجته في قبضة الطرب
إذ قابل الثغر عذب الورد ذا شنب
…
فلم ينل قبله من ذلك الشنب
لله أيامه البيض الذي خضبت
…
أسيافه البيض فيها من دم سرب
أعلامه العز مكتوب بأجمعها
…
أعلام لاقية ما يلقى من العطب
والريح تخدمه في نشرها فإذا
…
رأى الكتابة قال الرأى في
…
«2»
وفي سنة إحدى وستين وأربعمائة: في المحرم وصل ملك الروم إلى بلد حلب في مائتي ألف. فخرج إليه محمود وواقعه وقعتين. وانهزم المسلمون. وفتح الروم حصن عم وارتاح. ومنبج. وبلغ ملك الروم أن الأفشين فتح عمورية فعاد إلى القسطنطينية.
وجاء الأفشين إلى أنطاكية.
إشارة:
في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة: أقبل ملك الروم «1» في ثلاثمائة ألف مقاتل. فالتقاه كمشتكين الملقب بالدانشمند «2» وهو أتابك الجيوش بدمشق الذي يقال له: أمين الدولة واقف الأمينية بدمشق وببصرى فهزم الفرنج. وقتل منهم خلقا كثيرا لم ينج منهم سوى ثلاثة آلاف أوأكثرهم جرحى وذلك في [ذي] القعدة من هذه السنة «3» ب
وفي «4» سنة ثمان وتسعين وأربعمائة: كانت وقعة بين الفرنج ورضوان «5» فانكسر رضوان وذلك أن تنكري صاحب أنطاكية نازل حصنا فجمع رضوان عسكرا ورجاله كثيرة من المطوعه. فوصلوا إلى تيزين فلما رأى تنكري «6» سوادهم راسل يطلب الصلح فامتنع رضوان فعملوا المصاف. فانهزمت الفرنج من غير قتال. ثم قالوا نعود ونحمل حملة صادقة ففعلوا فانحطمت المسلمون. وقتل شيء منهم كثير. ولم ينج من الأسر الخياله.
وافتتح الفرنج حصن ارتاح «1» وذلك في شعبان «2» . انتهى.
وفي سنة ثلاث عشرة وخمسمائة: قاتل ايلغازي بن ارتق «3» الفرنج بأرض حلب عند عفرين في نصف ربيع الآخر. فهزمهم. وقتل منهم كثيرا «4» . وممن قتل صاحب أنطاكية وفتح عقب الوقعة الأتارب وزردنا «5» . فقال بعض الشعرا [ء] فيه «6» .
(25 ظ) م
قل ما تشا [ء] فقولك المقبول
…
وعليك بعد الخالق التعويل
واستبشر «7» القرآن حين نصرته
…
وبكى لفقد رجاله الإنجيل
قال ابن الوردي: وهذا الشعر لا يعجبني فإن انجيل عيسى عليه الصلاة والسلام (22 و) ف لا يبكي لفقد الكفار المشركين. وما أحسن قول بعضهم في كسرة النصارى
ونصر المسلمين
يبكي من المنبر الصليب كما
…
يضحك للمصحف الأناجيل.
ويمكن تأويل البيت المذكور. ولكن ليس هذا موضعه والله أعلم.
وفي بعض التواريخ في هذه السنة سارت الفرنج إلى حلب ففتحوها عنوة وملكوها فسار إليهم صاحبها صاحب ماردين أي: الغازي في جيش كثيف فهزمهم عنها ولحقهم إلى جبل قد تحصنوا به فقتل منهم مقتلة عظيمة. ولم يفلت منهم إلا القليل. انتهى.
وفي سنة ثمان عشرة وخمسمائة: ذكر ابن العديم والمؤيد «1» أن الفرنج نزلوا حلب ومعهم دبيس بن صدقة «2» وسلطان شاه بن رضوان وحاصروها. وقلّت أرزاقهم واجتمع رأيهم على أن يسيّروا القاضي أبا غانم ابن جرادة.
والشريف زهره. وابن الجلي إلى حسام الدين بن تمرتاش إلى ماردين فأخرجوهم ليلا.
فوصلوا إلى ماردين وذكروا له ما حلّ بأهل حلب وما هم فيه من الحصار والصبر فقال:
خلوهم إذا أخذوا حلب عدت أخذتها.
فأعمل الجماعة الحيلة على أن يمضوا إلى آق سنقر السيوفي إلى الموصل فأمر بالتوكيل عليهم فأعملوا الحيلة وخرجوا وجاؤوا إلى الموصل فوجدوا آق سنقر مريضا قد أشفي. وهو يسقى مرقة الفروج المدقوق فأعلم مجيئهم فدخلوا عليه، وقالوا: أغث المسلمين. فقال: وكيف بالوصول إلى ذلك وأنا على ما ترون. فقالوا له: اجعل على نفسك إن خلصت أن تنصر الإسلام. فقال: أي والله. ثم رفع رأسه إلى السماء وأشهد الله عليه بذلك.
فما استتم ثلاثة أيام حتى أكل الفروج ونادى في العسكر الغزاة فبرز الناس وعملوا أشغالهم، وتوجه حتى أتى إلى حلب فلما قاربها رحل الفرنج ونزلوا على جبل جوشن وأبعدوا عن المدينة فلما وصل ساق وعسكر خلفهم مع أهل البلد فانهزموا بين يديه.