الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرقية القبلية:
وهو المكان الذي يقرأ فيه البخاري، الآن في العضادة الثانية الملاصقة لصحن الجامع الدعا [ء] مستجاب أ. ومشرف العابد كان يصلي هناك. ورأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام «1» يصلي هناك.
وأما سقف الجامع فكان جملونا كجامع دمشق. وكان بحائط المحراب وحائط الصحن قماري ومناظر وآثارها باقية إلى الآن. فلما احترق الجامع في أيام التتار كما سيأتي بنى ابن صقتر هذا القبو- ولابن صقر «2» ترجمة في تاريخ شيخنا- فغوش عليه كافل حلب وقال له: إنما بنيت اصطبلا فلما كانت دولة الظاهر جقمق وكافل حلب إذ ذاك قايتباي الحمزاوي «3» وملاك أمر حلب بيد زين الدين عمر سبط ابن السفاح اختلفت أقاويل المهندسين ورأسهم علي بن الدحال وكان ماهرا في صنعته وأراهم في أمر الحائط الذي فيه أبواب القبلية وهو نهاية في الجودة (31 و) م والترصيف، وجودة النحت. وثقل الآلة وحسن التركيب والترتيب، وكثرة ما فيه من الكوى طلبا للمكنة والخفة. وليس بحلب حائط مثله، بل ولا غيرها؛ إذ مال أوسطه وخرج عن الميزان ميلا فاحشا.
وكانوا قد زانوه وظهر لهم ذلك. وعلى رأس الباب المذكور نسره مبني بالحجارة الهرقلية، وعليه رفرف جدده قصروه- كافل حلب- كما أعانه عليه شيخنا المؤرخ. وظهر تشقق وانفساخ في القبو الملاصق للحائط وكان الناس في صلاة الجمعة والخطيب على المنبر انهار تراب من الشقوق ففزع الناس وخرجوا من القبلية؛ حتى أني كنت أصلي فيه فخيل لي أن الحائط قد سقط على الناس من شدة الفزع فحضر كافل حلب قاتباي الحمزاوي ومعه ابن السفاح ورؤساء «1» البلد والمهندسون والبناؤون ومنهم الحاج محمد شقير وكان عالما بصنعته وفيه ديانة فاضطربوا أيضا. واختلفت أقوالهم فبعضهم أشار بنقض الحائط. وقال أخاف إن وقع وقوع المنارة. وبعضهم أشار بحفر حفر في صحن الجامع ليكشف عن أساس الحائط وينظر في حاله وقال: إنما أتى الحائط من قبل أساسه. وبعضهم قال: إنما أتي من قبل الماء المجتمع في المصنع الذي بصحن الجامع. فحفروا الحفائر فوجدوا الحائط مبنيا على قناطر. فقال بعضهم: إن الذي بناه بناه على أساسه القديم ولم يصل بهم إلى الجبل. وقال بعضهم:
بل هذا طلب للمكنة. وأخذوا في نزح الماء من المصنع. وتفرق النائب والناس من غير طائل (28 و) ف.
قال لي ابن الدحال: بينا أنا في صحن الجامع إذا أنا بشخص يتكلم بين الناس ويقول: الرأي أن ينقض النسر الذي على الباب. وأن ينقض القبو المتقطع ويترك الحائط على حاله. ولم أعرف الرجل فتدبرت كلامه فوقع في قلبي أنه صواب. فأشرت بذلك. فأخذوا في نقض القبو الملاصق للحائط وكان الرأي أن ينقض قليلا قليلا. فزادوا في النقض فتقطع بقية القبو ولو علم الكافل ب، ذلك لقتل ابن الدحال.
وكانوا قد كاتبوا السلطان في أمره فأرسل ألف دينار إلى ابن السفاح ليصرفها في عمارة ذلك. فاتفق رأي العامل نجم الدين مع ابن السفاح وقطعا المستحقين خلا أرباب الخمس وشرعوا في عمارة ذلك. فلما خاف ابن السفاح من هيبة السلطنة فأصرف شيئا قليلا من مال السلطان في عمل «البواب» التي على الحائط المذكور. وأخذت حجارة النقض.
ووضع منها شيء في معبر الباب الغربي.
وتم باب القبلي بغير رفرف فشرع القاضي الحنفي [ا] بن الشحنة «1» في عمل رفرف عليه وركب في شهر شعبان سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. وثبت الحائط على حاله. ولم يزد بعد ذلك شيئا أ. انتهى (31 ظ) م.
وأما الشرقية: فبناها «2» بنو عماد الدين «3» . وكانوا أصحاب طرابلس قديما. وتقدم ما هو مكتوب على حائطها. وكان فيها آبار لخزن الغلات المتحصلة من رايع
كنيسة هيلانة؛ وهي الحلوية وشاهدت منها جبا في الحجازية إلى جانب البركة؛ وإنما سميت حجازية لأنها منزل لأهل الحجاز.
والقبور التي بها قبور جماعة ماتوا وقتلوا في محنة تمر. واثنان قتلا في فتنة تغرى ويرمش «1» ؛ نائبها. وهما: خش قدم «2» ؛ مملوك زين الدين ابن السفاح والحاج عبد الله المعري الصابوني؛ وكان شجاعا، فلما أراد المذكور نقب السور الذي عند باب الجنان نزل عبد الله المذكور من السور إليهم، وقاتلهم. وطردهم هو ومن معه. ومنعهم من ذلك، فقتل هناك. ثم صلي عليه في الجامع ودفن هنا.
وكان بالشمالية من غربي الباب الشمالي بيت خلا [ء] ؛ أحدثه الشيخ حمزة الجعفري، والسيد حمزة المذكور كان متكلما على الجامع وثبت نسبه. ومكتوب على باب الخلا [ء] أنه جدد في أيام السلطان الظاهر برقوق وكافل حلب إذ ذاك تغري بردي «3» بتولي السيد حمزة في سنة سبع وتسعين وسبعمائة.
وخيف على المأذنة منه فأبطلوه أ.
وعلى باب الحجازية حجر من الرخام الأبيض يقال إن عمر بن عبد العزيز جلس (28 ظ) ف عليه. ولا يجلس هناك مهموم بالغالب إلا انفرج همه ببركته.
وأما الفوارة التي في وسط الجامع والقبة التي عليها: فالفوارة بناها قرعويه كان فيها عمود طوله سبعة أشبار يخرج منه الماء والبركة المضلعة التي تحت القبة في غاية الحسن والكبر يقال أنه كان مذبحا لبعض الكنائس التي كانت بحلب.
وفي دور حافة هذا الجرن مكتوب «أمر بعمله قرعويه غلام سيف الدولة سنة 394» .
والماء ينصب من هذا الجرن إلى بركة متقطعة من الرخام الأصفر ثم يسيل إلى بركة من رخام أصفر قطعة واحدة. وهي من عجائب الدنيا.
والعمود أالذي في وسط الجامع رؤي النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عنده. وفي أعلاه صحن من الحديد. كان يوضع فيه البخور قديما. ويوضع فيه تارة زيت وحب قطن ليضيء على جميع الجامع.
وفي أرض الجامع حاصل للماء صنع قبل مجيء الماء الحلو من القناة إلى حلب وكان ابن الأيسر متوليا على الجامع فطرق عليه شخص الباب ودفع إليه ألف دينار. وقال: اصرف هذا في وجه من وجوه البر. ففكر «1» فوقع له أن يصرفه في عمارة مصنع لخزن الماء.
فشرع في ذلك. وفرغ المال فضاق صدره لذلك فجاءه أيضا ودفع
إليه ألف دينار فطعن عليه. وقالوا: ضيع مال الجامع. وسعوا به إلى صاحب. فطالبه بالحساب. فأجابه. فلم ير فيه درهما واحدا مما صرفه. على ذلك فسأله عن ذلك فأخبره بالقصة.
وفي تاريخ ابن العديم أن الذي فعل ذلك من أجداده وأقاربه. وابن الأيسر لم يكن من أقاربه فحصل في ذلك قولان «1» .
ومن الغريب أنه لما حضر موضع المصنع وجد فيه صورة من الحجر الأسود وهو موضوع على بلاط أسود ووجهه إلى جهة القبلة. فاستخرجوه من مكانه. فجرى (32 و) م بعد ذلك ما جرى من خراب الجامع إما بالزلزلة. وإما بالحريق.
وأما المئذنة: الموجودة الآن فهي من بناء أبي الحسن محمد بن يحيى بن الخشاب وأبو الحسن علي بن الخشاب له مدائح كثيرة في الخليفة المستضيء بالله. وله ترجمة في تاريخ ابن العديم. وتقدم الكلام على بنى الخشاب. وكان مدبر حلب إذ ذاك أخذ بعض حجارتها من بيت نار للمجوس كان داخل باب الجنان.
ثم رأيت في تاريخ المؤيد «2» ؛ قال: ثم دخلت سنة اثنين وثمانين وأربعمائة وفيها عمرت منارة جامع حلب. قام بعملها القاضي أبو الحسن بن الخشاب. وكان بحلب بيت نار قديم. ثم صار أتون حمام فأخذ ابن الخشاب المذكور حجارته وبنى بها المأذنة المذكورة. فسعى بعض حسدة ابن الخشاب به إلى آقسنقر وقال إن هذه (29 و) ف الحجارة لبيت المال فأحضره آقسنقر وحدثه في ذلك. فقال ابن الخشاب: يا مولانا إني عملت بهذه الحجارة معبدا للمسلمين. وكتبت عليه اسمك. فان رسمت غرمت لك ثمنها. فأجاب آقسنقر إلى اتمام ذلك من غير أن يأخذ منه شيئا «3» . انتهى.
وهذه المأذنة ليس في بلد الشام، بل ولا مصر أطول منها، بل ولا في غالب البلاد من فوق سطح الجامع. نعم من أرض الجامع يوجد أطول منها باعتبار علو حائط الجامع كمدرسة السلطان حسن فيما قيل. وفي دلهي بالهند جامع به مأذنة لم يعمل مثلها في الدنيا من حجر أحمر. ودرجها نحو ثلاثمائة وستين درجة. وليست مربعة؛ بل كثيرة الأضلاع.
عظيمة الارتفاع. واسعة من تحتها.
وفي تاريخ الإسلام قال: في سنة ثلاث وثمانين قال: وفيها عمرت منارة جامع حلب «1» انتهى.
ولا اختلاف بين القولين لأن هذه المنارة لا تفرغ في سنة واحدة. فابتدىء بعمارتها في سنة اثنين. وكملت في سنة ثلاث.
والذي سعى في ابن الخشاب في أمر المأذنة هو أبو نصر ابن النحاس «2» .
وفي تاريخ ابن أبي طيء: أسست العمارة في زمان سابق بن محمود بن صالح «3» . وكان الذي عمرها من سرمين. وبلغ بأساسها الماء. وعقد حجارتها بالكلاليب الحديد والرصاص وأتمها في أيام قسيم الدولة وطول هذه المنارة إلى الدرابزين «4»
بذارع اليد سبعة وتسعون ذراعا. وعدد مراقيها «5» مائة وأربع وستون درجة؛ قاله ابن شداد «6» .
ولما جاءت الزلزلة ليلة الاثنين ثامن عشر شوال سنة خمس وستين وخممائة حركت المنارة فدفعت هلالا كان على رأسها مقدار ستمائة قدم وتشققت «1» .
وأبو الحسن هو الذي أنشأ مسجد الجرن الأصفر وحمل إليه الجرن من مكان بعيد «2» ، وجده القاضي عيسى هو الناقل إلى حلب من حصن الكراد في أيام سيف الدولة ولأسلافه المكانة عند الملوك. ولم يتعلق أحد منهم بولاية من الملوك ونفوسهم تأبى ذلك «3» . وسيأتي تراجمهم.
ومن غرائب الاتفاق أن التتار قدموا مرة إلى حلب في سنة يأتي تعيينها في فصلهم. فاختبأ شخص من أهلها وضاق صدره من كثرة الخبأ ويئس من الحياة فصعد إلى المأذنة. وجعل يشير بمنديل معه ويقول: جاء النصر من عند الله ويقول: اقبضوهم بين البيوت مثل النسا [ء] ويكبر، ويرفع صوته. فظن التتار أن جيشا قدم إلى حلب. فاقلعوا عنها.
ولما مرض نور الدين الشهيد بلغ أخاه الخبر فقدم حلب طمعا فيها فحلف له جماعة من شيعتها وأعيانها وعوامها وسألوه أن يأذن لهم في أن يؤذنوا بحي على خير (32 ظ) م العمل على ما جرت به العادة من الشيعة. فأذن لهم في ذلك استمالة لقلوبهم، فمضوا إلى الجامع.
وأذنوا بذلك. ثم تماثل نور الدين وجلس في- طيارة القلعة. فلما (29 ظ) ف تيقن أخوه نصرة الدين براحته خرج من البلد هاربا من نور الدين. وأرسل نور الدين خلف القاضي أبي الفضائل بن أبي جرادة «4» . وقال له: امض إلى
الجامع وصل بالناس. فقال له: فالآذان؟ فقال: كيف رأيت. فمضى. وجلس في القبلية تحت المنبر. واستدعى المؤذنين. وأمرهم أن يؤذنوا [ا] لآذان المشهور المعهود.
فخاف المؤذنون وقالوا: لا نأمن على أنفسنا. فقال لهم: لا تخافوا لي أسوة بكم.
فصعدوا وأذنوا. فاجتمع تحت المنارة ما يزيد على متائة ألف ضارب بالسيف. فقام إليهم أبو الفضل فقال: يا حلبيين إن نور الدين في عافية. وهذا الذي تعملونه لا يليق وقرأ «1» آية: أَطِيعُوا اللَّهَ. وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «2»
. وقد أمر نور الدين الأذان المعهود. فمن كان منكم على وضو [ء] فليصل. ومن لم يكن على وضو [ء] فليتوضأ، ويأتي ويصل. فانفتل الناس، وتفرقوا يقولون: ايش نعمل بقاضينا. وسكنت الفتنة.
وأما درابزينها: فقد جدد قبل فتنة تمر في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة
وأما الرفرف: الذي هو الآن عليها «3» : فجدد في شهر المحرم سنة خمس وخمسين وثمانمائة.
وأما الكتابة التي عليها: فهي أسماء الأئمة الاثني عشر. ولذلك عصمت في محنة التتار وتيمور من الحريق والتخريب كما تقدم.
وبها «4» حية عظيمة رآها بعض الناس، وقال: أنها كقدر معزاة.
وأما القبة الرصاص والطبقة التي على الشمالية فجددها: أولا علم الدين الوزير وهو ابن الجابي؛ المتقدم ذكره في الحائط الغربي، ووقف عليها حصة حانوت داخل باب الجنان.
ثم جددها قراجا الدوادار «1» عند قصروه «2» وزخرفها من الداخل. وجعل لها قبة من رصاص وهي موجودة في سنة أربع وسبعين وثمانمائة.
ثم لما تشعث داربزينها جدد هذا الدرابزين الموجود في هذه السنة ثم زاد معلوم من يدعوا فيها قبل صلاة الجمعة كافل حلب بن بردبك «3» من الملح.
وأما الرخام المفروش في وسط صحنه: فالأصفر منه قطع من معدن بعادين خارج حلب من شمالها.
وبعادين، والعافية: من منتزهات حلب. وقد خرج إلى بعادين والعافية البليغ المعري «4» المذكور في وقائع الفرنج في نصر بن صالح مع أقوام من أهل حلب فتعب فأنشد:
يا فرجة ما مرّ بي مثلها
…
عدمت فيها العيشة الراضية.
(30 و) ف
زرت بعادين ولكنني
…
عدمت في العافية العافية.
انتهى.
وهذا المعدن لا يوجد إلا في حلب، ومنه ينقل إلى سائر البلاد كدمشق والقاهرة.
وأما الحجر الأسود فإنه قطع من الأرض الأحص»
، من معدن له هناك، وهو
غاية في حسن التركيب والجودة. والأشكال المختلفة. والشكل الذي (قدام) باب (33 و) م الجامع الشرقي إلى نحو القبلة هو صنعة مدينة النحاس. فإذا دخلت من باب من أبوابه لا يمكنك أن ترجع إليه في غير الطريق الذي دخلت منه.
وهذا الرخام الموجود في سنة أربع وسبعين وثمانمائة غير الذي تكلمنا عليه. غير الرخام القديم بل هو رابع ترخيم وضع فيه. لأن رخامه القديم نقل كما تقدم والمتجدد بعده غير ما مرة تكسر من التتار وهو باق تحت هذا الرخام أ.