الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم إنه يأمر من حضر بربط رجليه ويضربه عليها حتى يبكي.
[سعد الوراق وعيسى النصراني الفتى]
«1» :
وحدث الخالدي «2» عن أبي بكر أحمد بن محمد الصنوبري «3» قال: كان بالرها «4» وراق يقال له سعد. وكان في دكانه مجلس كل ذي أدب، وكان حسن الأدب والفهم، يعمل شعرا رقيقا، فما كنا نفارق دكانه، أنا وأبو بكر المعوج الشامي وغيرنا من الشعراء وشعراء الشام وديار مصر. وكان تاجر بالرها نصراني من كبار تجارها، له ابن اسمه عيسى، من أحسن الناس وجها، وأحلاهم قدا، وأظرفهم منطقا. وكان يجلس إلينا، ويكتب عنا من أشعارنا، وجميعنا نحبه، ونميل إليه. وهو حينئذ صبي في الكتّاب. فعشقه سعد الوراق عشقا مبرحا. وكان يعمل فيه الأشعار؛ فمن ذلك وقد جلس في دكانه:
اجعل فؤادي دواة والمداد دمي
…
وهاك فابري عظامي موضع القلم
وصير اللوح وجهي وامحه بيد
…
فإن ذلك برءا لي «5» من السقم
ترى المعلم لا يدري بمن كلفي
…
وأنت أشهر في الصبيان من علم
ثم شاع بعشق الغلام في الرها خبره.
فلما كبر وشارف الاحتلام أحب الرهبنة وخاطب أباه وأمه في ذلك. وألح عليهما حتى أجاباه، وأخرجاه إلى دير نبواحي الرقة وهو في نهاية حسنه فابتاعا له قلاية «1» ودفعا إلى رئيس الدير جملة من المال عنها. فأقام الغلام فيها.
وضاقت على سعد الوراق الدنيا بما رحبت وغلق دكانه وهجر إخوانه. ولزم الدير مع الغلام. وسعد في خلال ذلك يعمل فيه الأشعار. فأنكرت الرهبان إلمام سعد به. فنهوه عنه. وأحرموه أن يدخل قلايته. وتوعدوه بإخراجه من الدير إن أدخله إليه. فأجابهم إلى ما سألوه.
فلما رأى سعد امتناعه منه شقّ عليه وخضع للرهبان ورفق بهم فلم يجيبوه وقالوا في هذا إثم وعار ونخاف السلطان. وكان إذا وافى الدير أغلقوا الباب في وجهه، ومنعوه من دخوله. ولم يدعوا الغلام يكلمه. فاشتد وجده وزاد عشقه حتى صار إلى الجنون.
فخرق ثيابه. وانصرف إلى داره. فضرب «2» جميع ما فيها بالنار. ولزم صحراء الدير وهو عريان يهيم. ويعمل الأشعار.
قال أبو بكر الصنوبري ثم عبرت يوما أنا والمعوج الشامي من بستان بيتنا فيه فرأيناه جالسا في ظل الدير وهو عريان، وقد طال شعره، وتغيرت خلقته، فسلمنا عليه وعذلناه وعنفناه.
فقال دعاني من هذا الوسواس. أتريان ذلك الطائر الذي على هيكل الدير وأومأ بيده إلى طائر هناك. فقلنا نعم. فقال: وحقكما يا أخوتي أناشده منذ الغداة أن يسقط فأحمله رسالة إلى عيسى.
(2 ظ) م ثم التفت إلي وقال يا صنوبري/ معك لوح؟ قلت: نعم.
قال: اكتب:
بدينك يا حمامة دير زكى»
…
وبالإنجيل عندك بالصليبي
قفي وتحملي عني سلاما
…
إلى قمر إلى غصن رطيبي
حماه جماعة الرهبان عني
…
فقلبي ما يقر من النحيب «2»
وقالوا رأينا إلمام سعد
…
ولا والله ما أنا بالمريب «3»
وقولي سعدك المسكين يشكو «4»
…
لهيب جوى أحر من اللهيب
فصله بنظرة لكن من بعيد
…
إذا ما كنت تمنع من قريب
وإن أنا مت فاكتب حول قبري
…
محب مات من هجر الحبيب
رقيب واحد ينغص عيشي
…
فكيف بمن له مائتا «5» رقيب
ثم تركنا [هـ]«6» وقام بعد ذلك إلى باب الدير وهو مغلق دونه وانصرفنا عنه،