الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما زال كذلك زمانا فوجد في بعض الأيام ميتا إلى جانب الدير.
وكان أمير البلد العباس بن كيغلغ «1» فلما اتصل ذلك به وبأهل الرها خرجوا إلى الدير وقالوا ما قتله غير الرهبان. وقال لهم ابن كيغلغ لابد من ضرب رقبة الغلام وإحراقه بالنار.
ولا بد من تعزير «2» الرهبان بالسياط. وتصعب في ذلك. فافتدت النصارى نفوسهم وديرهم بمائة ألف درهم.
وكان الغلام بعد ذلك إذا دخل الرها لزيارة أهله صاح به الصبيان: يا قاتل سعد الوراق.
وشدوا عليه بالحجارة يرجمونه. وزاد الأمر بعد ذلك. حتى امتنع من دخول المدينة. ثم انتقل إلى دير سمعان «3» . وما أدري ما كان منه. انتهى.
[إسلام راهب] :
وذكر الشيزري أنه كان بعمورية «4» راهب يسمى عبد المسيح أسلم فسئل عن إسلامه فقال: كان عندنا شاب فهوى جارية نصرانية، تبيع الخبز، فكان لا يبرح ناظرا إليها، فلما علمت به سلطت عليه الصغار، يضربونه، ويصيحون عليه، فكانت تفعل به ذلك كل يوم.
فلما علمت صدقه دعته إلى نفسها حراما، فأبى فعرضت عليه التنصر، ويتزوجها فأبى، فسلطت عليه الصغار فاثخنوه قتلا.
قال عبد المسيح: فأدركته لما به وهو يقول: اللهم اجمع بيننا في الجنة، ومات، فلما كان من الليل رأت الجارية الشاب، قالت فانطلق بي وأدخلني الجنة، فلما أردت أن أدخلها منعت لأجل الكفر.
قالت: فأسلمت، ودخلت معه فرأيت شيئا عظيما ورأيت قصرا من الجوهر.
فقال: هذا لي ولك، وأنا لا أدخله إلا أنا وإياك، ولك خمس ليال تكونين «1» عندي.
فلما استيقظت «2» أسلمت، وجلست عند قبره، وماتت في الليلة الخامسة، فكان ذلك سبب إسلامي، انتهى.
خاتمة: وقد اختلف «3» أهل الأدب في العشق، هل هو اختياري أو اضطراري على قولين ولكلّ منهما وجه مليح وقدّ رجيح.
(3 و) قال/ الفضل بن عياض «4» : لو رزقني الله دعوة مجابة لدعوت الله أن يغفر للعشاق لأن حركاتهم اضطرارية لا اختيارية. والكلام في هذا طويل.
وتقدم أول الفصل الكلام على حديث سويد بن سعيد ونزيد هنا. قال ابن السراج «1» :
في كتابه: (مصارع العشاق) عن نفطويه «2» النحوي، قال: دخلت على محمد بن داود الأصفهاني «3» في مرضه الذي مات فيه فقلت: كيف نجدك؟
قال: حب من تعلم أورثني ما ترى؟
فقلت: أما منعك من الاستمتاع به مع القدرة عليه؟
فقال: الاستمتاع على وجهين: أحدهما النظر المباح، والثاني اللذة المحظورة. فأما النظر المباح فأورثني ما ترى. وأما اللذة المحظورة فإنه منعني ما حدثني به أبي. قال:
ثنا سويد بن سعيد «4» ؛ قال: ثنا علي بن مسهر «5» ؛ عن أبي يحيى القتات «6»
عن مجاهد «1» ، عن ابن عباس «2» ؛ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«من عشق، وكتم، وعفّ، وصبر غفر الله له وأدخله الجنة بمنّه وكرمه» «3» . ثم أنشد:
انظر إلى السحر يجري في لواحظه
…
وانظر إلى دعج في طرفه الساج
وانظر إلى شعرات فوق عارضه
…
كأنهن (نمال)«4» دب في عاج
وأنشد أيضا:
مالهم أنكروا سوادا بخديه
…
ولم ينكروا سواد العيون
إن يكن عيب خديه بدو الشعر
…
فعيب العيون شعر الجفون
فقلت له: نفيت القياس في الفقه وأثبته في الشعر؟
فقال: غلبة الهوى، وملكة النفوس دعوا إليه، ومات أبي «5» رحمه الله تعالى أ.
وقد اختلف الناس في قوله عليه السلام «6» : من عشق وكتم وعف
…
الحديث. فقال بعضهم: كتم عشقه عن الناس.
وقال الحضرمي «1» : أحب فكتم، ووصل، فعف وهجر فمات فهو شهيد.
وقال آخر: كتم اسم محبوبه.
وقال عثمان بن زكريا المؤدب «2» - أحد رواة الحديث- عن سويد: كتم محبوبه أنه يحبه.
وقال الشيخ العلامة الحافظ علاء الدين مغلطاي «3» في كتابه: (الواضح المبين «4» ) : هذا حديث إسناده صحيح. وإن كان جماعة من العلماء أعلوه بما ليس بعله. وقال في كتابه المذكور: إن هذا الحديث سنده كالشمس لا مرية في صحته ولا لبس.
ولهذا عدّ جماعة من الفقهاء ميت العشق من الشهداء. أخذ بهذا الحديث منهم الرفاعي «5» وغيره. فبعضهم اشترط الشروط المذكورة. وبعضهم أطلق كالنووي «6» .
انتهى ب.