الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قلعة حلب]
اعلم أن القلعة التي بحلب قيل أول من بناها ميخائيل وقيل سرقوس «1» (102 ظ) ف الذي بنى حلب. وهي على جبل مشرف على المدينة. وعليها سور. وبه أبراج وكان قديما عليها. بابان من حديد أحدهما دون الآخر؛ كذا قاله ابن الطيب «2» الذي نكبه المعتضد.
والآن عليها خمسة أبواب ثلاثة من حديد خالص واثنان مجددان وهذان البابان والبرج الذي عليهما جددهما دمرداش كافل حلب بعد فتنة تمر وأخرب أماكن بحلب ونقل أحجارها لعمارة هذا البرج فمن ذلك خان القواسين نقل أعمدته وجعل بين هذا البرج وبين البلد خلوا يوضع عليه سقالة من الخشب يمر عليها الصاعد للقلعة وعليه مشط من الحديد يرفع وينزل في عجلات وهو باب سادس خارج الأبواب بحيث إذ هجم أحد على باب القلعة أرخي هذا المشط وبقى من هجم داخل هذا المشط.
انتهى.
وقد تقدم أن الخليل صلى الله عليه وسلم كان قد وضع أثقاله بتل القلعة وكان يقيم بها ويبث الرعاة إلى تل الفرات والجبل الأسود ويجلس بعض الرعاة بما معهم عنده ويامر بحلب ما معه واتخاذ الأطعمة، ويفرقها على الضعفاء والمساكين وبها مقامات له صلى الله عليه وسلم «3» .
وقال الهروي: بقلعة حلب مقام إبراهيم وبه صندوق وبه قطعة من رأس يحيى ظهرت سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. وقال الصاحب: وفيه رأس يحيى موضوع في جرن من الرخام في خزانة. ووقع الحريق ليلة من الليالي في المقام المذكور فاحترق جميعه في سنة أربع وستمائة، ولم يحترق الجرن المذكور.
وفي تاريخ العظيمي «1» في سنة خمس وثلاثين وأربعمائة ظهر [ب] بعلبك رأس يحيى في حجر منقور فنقل إلى حمص. ثم إلى حلب. ودفن في هذا المقام المذكور في جرن من الرخام الأبيض. ووضع في خزانة إلى جانب المحراب وأغلقت ووضع عليها ستر يصونها.
وتقدم الكلام مستوفا في المزارات.
أما المقام الأعلى فهو الذي تقام فيه الجمعة، وكان به رأس يحيى عليه الصلاة والسلام أ.
وأما المقام الثاني فكان موضعه كنيسة للنصارى إلى أيام بني مرداس وكان فيه المذبح الذي قرب عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام. فغيرت بعد ذلك وجعلت مسجدا للمسلمين. وجدد عمارته نور الدين الشهيد ووقف عليه وقفا ورتب فيه مدرسا يدرس الفقه علي مذهب أبي حنيفة.
وقال ابن بطلان في القلعة مسجد وكنيستان وفي إحداهما المذبح.
وهذا المقام تقدم الكلام عليه في الزيارات ولما ملك كسرى حلب وبنى سور البلد بنى في القلعة مواضع. ولما جاء أبو عبيدة ب إلى حلب وأخذها ثم جاء إلى القلعة
فلما عاينها دامش أبو الهول قال: هي قلعة منيعة شامخة حصينة يعجز عن مثلها الرائد ويمتنع على الطالب والقاصد، لا ينفع أهلها محاصرة الرجال ولا يضيق (103 و) ف صدرهم من قتال. ثم احتال عليها أبو الهول وأخذها من يومنا- والقصة مطولة مذكورة في كتاب الواقدي «1» - وقد أخذها من البرج الكبير المطل على باب الأربعين هذا وصفه لها.
وقد وجدها مرممة الأسوار بسبب زلزلة كانت أصابتها قبل الفتوح فأخربت أسوار البلد وقلعتها. ولم يكن ترميما محكما فنقض بعض ذلك وبناه كسرى كما تقدم. فكيف لو رآها وهي مشيدة الأركان. محكمة الأسوار مشحونة بالرجال والأسلحة. وكذلك لبني أمية وبني العباس فيها آثار «2» .
ولما استولى نقفور ملك الروم على حلب في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة والهاشميون قد اعتصموا بها فحمتهم، ولم يكن لها حينئذ سور عامر لأنها كانت قد تهدمت فكانوا يتقون سهام العدو بالأكف والبرادع. وزحف نقفور عليها فألقى على ابن أخته حجرا فمات فلما رأى نقفور ذلك طلب الصلح فصالحه من كان فيها.
ومن حينئذ اهتم الملوك بعمارتها وتحصينها.
فبنى سيف الدولة منها مواضع لما بنى سور حلب وكانت الملوك لا تسكنها بل كانوا يسكنون قصورهم الذين بالبلد.
قال الذهبي: لما قتل ابن أخت الملك كان قد أسر من أعيان حلب ألفا ومائتين فضرب أعناقهم جميعهم.
ولما وليّ سعد الدولة بنى فيها. وسكنها وذلك لما تم ما بناه والده سيف الدولة من الأسوار.
وكذلك بنى فيها بنو مرداس دورا وجدّدوا سورها.
وكذلك من بعدهم من الملوك إلى أن وليها عماد الدين اقسنقر وولده عماد الدين زنكي فحصناها. ولهم بها آثار حسنة.
وبنى فيها طغدكين برجا من قبليها. ومخزنا للذخائر عليه اسمه.
وبنى فيها السلطان نور الدين أبنية كثيرة وعمل ميدانا، وخضره بالحشيش يسمى الميدان الأخضر./ قد اختصر الآن وتبدل بالجريد بعد الخيزران/ «1» .
وكذلك بنى فيها ولده الصالح باشورة «2» كانت قديمة فجددها وكتب عليها اسمه.
وفي وسطها برج كبير فوق طريق الماء الذي يدخل إلى الساتورة وعلى البرج اسم الصالح إسماعيل.
وكانت هذه الباشورة من موضع الباب الذي يلي البلد «3» . وتدور وسط التل إلى المنشار المتصل بباب الأربعين. وكان في الباشورة مساكن للأجناد أوقد خرب الظاهر
غازي هذه الباشورة. ووسع الخندق في عمقه. وبنى حائطه من جهة البلد؛ وتقدم في الفردوس «1» ما وجد في الخندق من الذهب لما حفر في سنة عشر وستمائة في رابع عشر رمضان. قال ابن شداد فوجد فيها تسعة عشر لبنة من ذهب وزنها سبعة وعشرون رطلا بالحلبي- الرطل: سبعمائة وعشرون ورفع بابها إلى مكانه (103 ظ) ف الآن وعمل لها هذا الجسر الممتد وحصنها. وبنى فيها مصنعا كبيرا للماء الحلو ومخازن للغلات وسفح تلها. وفي تاريخ الصاحب: سفح بعضها. وعزم على التتميم فاخترمته المنية، وبناه بالحجر الهرقلي. وكان الباب أولا قريبا من أرض البلد متصلا بالباشورة فوقع في سنة ستمائة وقتل تحته خلق كثير كما تقدم في الجامع وبنى على الباب برجين لم ير مثلهما قط، وعمل للقلعة خمس دركاوات بأزاج معقودة، وجعل لها ثلاثة أبواب حديد زاد واحد وجعل لكل باب اسفهلارا «2» ونقيبا، وبنى فيها أماكن يجلس بها
الجند وأركان الدولة، وكان معلقا بها آلات الحرب. وفتح في سور القلعة بابا يسمى باب الجبل، شرقي بابها وعمل له دركات لا تفتح إلا له إذا نزل دار العدل. وهذا الباب وما قبله انتهت عمارتهما في سنة إحدى عشرة وستمائة وقد سد هذا الباب. وعمل عليه برجان عظيمان. وأخبرني من أثق به أن الباب الذي أغلق هو الذي عليه البرج المطل على سوق الخيل أ.
واعلم أن هذه القلعة لم تزل في عمارة وزيادة إلى أن ملكها صلاح الدين يوسف وأعطاها لأخيه العادل فبنى بها برجا ودارا لولده فلك الدين وتعرف به.
وفي وسطها بئر قديمة ينزل إليها بمائة وخمسة وعشرين مرقاة قد هندمت تحت الأرض وخرقت خروقا وصيرت آزاجا ينفذ بعضها إلى بعض إلى ذلك الماء المالح.
قلت: وهذه الدار بيد بعض أمراء القلعة الآن. وهذه البئر موجودة بها. وذكر بعض القدماء أنه كان على هذا البئر دولاب حيلة يستعمل عند احتياج أهل القلعة إلى الماء وليس عندهم من الدولاب ما يستعملوه في الساتورة المعهودة. وبنى فيها الظاهر ساتورة محكمة بديع إلى العين يميز بها سائر منازلها. وبنى ممشا من شمالي القلعة إلى باب الأربعين وهو طريق بآزاج معقودة لا تسلك إلا في الضرورة وكأنه باب سر. وزاد في حفر الخندق وأجرى فيه الماء الكثير. وأخرق في شفير الخندق مما يلي البلدي مغاير أعدها لسكنى الأسارى يكون في [كل] مغارة خمسين بيتا وأكثر.
وبنى فيها دارا تعرف بدار العز. وكان في موضعها دار للعادل نور الدين تسمى دار الذهب. ودار تعرف بدار العواميد، ودار الملك رضوان؛ وفيها يقول (94 و) م
الرشيد عبد الرحمن بن النابلسي «1» في سنة تسع وثمانين وخمسمائة وأنشده أياها ممتدحا له:
دار حكت دارين في طيب ولا
…
عطر بساحتها ولا عطار
رفعت سماء عمادها فكأنها
…
قطب على فلك السعود تدار (104 و) ف
وزهت رياض نفوسها ببنفسج
…
غض وورد يافع وبهار
وضحت محاسنها ففي غسق الدجى
…
يلقى لصبح جبينها أسفار
ومنها:
فتقرعين الشمس أن يضحى لها
…
بفنائها مستوطن وقرار
تربت يد وفت بها خيلا لها
…
في غير معترك الورى احضار
وفوارسا شبت لظى حرب وما
…
دعيت نزال ولم تشن مغار
صور ترى ليث العرين تجاهه
…
منها ولا يخشى سطاه صوار
ومنها:
وموسدين على أسرة ملكهم
…
سكرا ولا خمر ولا خمار
هذا يعانق عوده طربا وذا
…
دأبا يقبل ثغره المزمار
وهي طويلة جدا فإنه خرج من هذا إلى ذكر البركة والفوارة والرخام ثم إلى مدح الملك الظاهر فاقتصرت منها على ما يعلم منه حسن هذه الدار.
انتهى.
وبنى حولها بيوتا وحجرا وحمامات وبستانا كبيرا في صدر ايوانها فيه أنواع الأزهار
وأصناف الأشجار، وبنى على بابها أزجا يسلك فيه إلى الدركاوات التي قدمنا ذكرها.
وبنى على بابها أماكن لكتاب الدرج «1» وكتاب الجيش.
قلت «2» : وهذه القاعة هي القاعة العظمى الموجودة الآن وهي محكمة البنيان. واسعة الأرجاء. كثيرة المخادع. وبها إيوان كبير. وبصدره وجانبيه مخادع، وقد كان قد أشرفت هذه القاعة في أيامنا على الانهدام فأمر السلطان الظاهر خشقدم لمتوليها بإصلاح هذه القاعة فأصلحت وبيضت وزخرفت.
وهذه القاعة مفروشة من الرخام الملون المحكم التركيب وبها فوارة يأتي إليها الماء من الساتورة الحلوة إلى مقلب في إيوانها الصغير محكم من الرخام الملون جدده...... «3» ثم يغوص الماء في أسفل هذا المقلب ويخرج من الفوارة التي في وسط هذه القاعة. ولهذه القاعة دهليز طويل جدا وبوابة عظيمة.
وإلى جانب هذه القاعة قاعة لطيفة مفروشة من الرخام الملون المحكم التركيب. ولها بابان أحدهما يدخل من جانب القاعة العظمى. والآخر يدخل دهليزها. وسيأتي من عمرها..
وبهذه القاعة العظمى من جهة الشرق قاعة ثالثة لطيفة. ولها أيضا بابان يخرج منه إلى عند حمام القلعة الآن وباب في جانب القاعة العظمى.
ولو استوفينا وصف هذه القلعة لأطلنا. وفي الجملة ما رؤي مثلها....... «1»
ولما تزوج في سنة تسع وستمائة بضيفة خاتون ابنة عمه الملك العادل التي (104) ف حكمت في حلب بعد وفاته. وأسكنها بها وقعت نار عقب العرس فاحترقت وجميع ما كان فيها من الفرش والمصاغ والآلات والأواني. واحترق معها الزردخاناة. وكان الحريق في حادي عشر جمادى الأولى من سنة تسع. ثم جدد عمارتها وسماها «دار الشخوص» لكثرة ما كان منها في زخرفتها وسعتها أربعون ذراعا في مثلها.
وفي أيام العزيز ولده وقعت من القلعة عشرة أبراج مع أبدانها وذلك في سنة اثنين وثلاثين وستمائة. ووافق ذلك زمن البرد، وكان تقدير ما وقع خمسمائة ذراع وهو المكان المجاور لدار العدل، ووقع نصف الجسر الذي بناه الملك الظاهر فاهتم الأتابك شهاب الدين طفربك بعمارتها فجمع الصناع واستشارهم فأشاروا أن يبني من أسفل الخندق على الجبل ويصعد بالبناء فإنها متى لم تبن على ما وصفناه وقع ما بنى (94 ظ) م عاجلا وطرأ فيه ما طرأ الآن. وإن قصدها عدو لم يمنعه. فرأى «2» الأتابك أن ذلك يحتاج إلى مال كثير ومدة طويلة فعدل عن الرأي. وقطع أشجار الزيتون والتوت وترك الأساس على التراب وبنى.
ولهذا لما نزلتها التتر لم يتمكنوا من أخذها إلا من هذا المكان لتمكن النقابين منه.
وفي سنة ثمان وعشرين بنى فيها العزيز دارا إلى جانب الزر دخاناه. يستغرق وصفها الأطناب، ويقصر عنه الإسهاب. مساحتها ثلاثون ذراعا في مثلها. ولما
تسلم التتر القلعة في تاسع شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وستمائة عمدوا إلى خراب سورها، وأحرقوا ما كان بها من الذخائر والزردخاناه والمجانيق. ولما هزم الملك المظفر التتر على عين جالوت وهرب من كان منهم في حلب ثم عادوا إليها مرة ثانية بعد قتل المظفر فرأوا في القلعة برجا قد بنى للحمام بأمر الملك المظفر قطز فأنكروا وأخربوا القلعة خرابا شنيعا وما فيها من الدور والخزائن. ولم يبقوا فيها مكانا للسكنى وذلك في المحرم سنة تسع وخمسين انتهى.
وقال «1» بعض المؤرخين: وفي دولة العزيز جدد طغربك دارا فيها للسكنى فظهر في الأساس صورة أسد من حجر أسود فأزالوه عن موضعه فسقط بعد ذلك الجانب القبلي من أسوار القلعة وانهدم من جسرها قطعة كبيرة. ولما حفر العزيز أساس الدار المذكورة وذلك في سنة اثنين وثلاثين وستمائة ظهر لهم مطمورة مطبقة وفيها رجل في رجليه لبنة حديد. فلا أشك أنه:
[القاضي أحمد بن أبي أسامة] :
أحمد بن محمد بن عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد. بن بهلول بن أبي أسامة أحد كبراء حلب. وهو الذي قبض عليه أسد الدولة صالح بن مرداس ودفنه حيا بالقلعة وهذا الرجل ولي قضاء حلب وتمكن في أيام سديد الدولة ثعبان بن محمد وموصوف والي القلعة فكانا يرجعان إلى رأيه. فلما حضر نواب صالح كان (105 و) ف ابن أبي أسامة في القلعة فتسلمها نواب صالح. وقتلوا موصوفا وابن أبي أسامة دفنوه حيا (!) وذلك سنة خمس عشرة وأربعمائة.
وقال بعض الناس في ذلك:
وأد القضاء أشد من
…
وأد البنات عمى وغيا
أدفنت قاضي المسلمين
…
بقلعة حلب الشهباء حيا
واعلم «1» أنه قد تقدم أن هذه القلعة حصينة، مباركة ببركة الخليل عليه الصلاة والسلام. وبركة الخضر عليه السلام ومقامه «2» بها. وما رامها أحد بسوء إلا أهلكه الله بعد ذلك. ولم تؤخذ فيما استحضر بقتال ولا خربت في جدال. وها أنا أذكر لك ما يبين هذا:
أما الصحابة- رضي الله عنهم فأخذوها أبالحيلة، وصعود الرجال على أكتاف الرجال ليلا، وكانت أسوارها غير حصينة كما تقدم.
وأما فتح القلعي فقد عصى فيها على مولاه مرتضى الدولة بن لولو ثم سلمها إلى نواب الحاكم
وقد عصى فيها عزيز الدولة فاتك على الحاكم فسلمها أيضا. وقتل بالمركز وكان قصره الذي تنسب إليه خانكاه القصر المتقدم ذكرها متصلا بالقلعة، والحمام المعروف بحمام القصر إلى جانبه تحصينا لها فصار الخندق موضعه، ولما جاء الملك الظاهر هدم الحمام وجعلها مطبخا له. (95 و) م
ولما قتل عزيز الدولة صار الظاهر وولده المستنصر ج يوليان واليا بالقلعة وواليا
بالمدينة؛ خوفا أن يتفق ما اتفق من عزيز الدولة.
وأما أبو المكارم مسلم بن قريش فقد غارت الساتورة فسلموها له إذ ذاك عطشا.
وسنذكر طرفا من أخبار حصاره لها «1» :
لما حاصرها غلت الأسعار بحلب فعول على الرحيل عنها «2» . وقرب «3» أبو الحسن بن «4» منقذ من سور القلعة أحد أمرائه فطلع إليه صديق له من أهل الأدب.
فقال له ابن منقذ كيف أنتم. فقال: طول حب. خوفا من تفسير الكلمة. فعاد بن منقذ وهو يقلب هذا الكلام فصح له أنه قصد بكلامه أنه قد ضعفوا. فأوجس أنها كلمتان وأن قوله طول: يريد مدا. وحب بير. فقال: مدابير والله. فاعلم مسلما بهذه النكتة فقويت نفسه حتى ملكها.
وتقدم الكلام مستوفيا في ملوكها.
وأما هولاكو فإنه أخذها بالأمان ثم خربها.
وبقيت نحو ثلاث وثلاثين سنة كذلك حتى شرع في عمارتها قرا سنقر المنصوري بأمر الملك المنصور. وفي سنة تسعين وستمائة كملت عمارتها.
وقال ابن حبيب: وكتب عليها اسم السلطان الأشرف خليل بن المنصور (105 ظ) ف بماء الذهب فإنه تولى السلطنة في هذه السنة.
وأما غازان فامتنعت عنه كما سيأتي.
وامتنعت عن منطاش أيضا.
وأما تيمور فأخذها بالأمان، ثم خربها جماعته كما تقدم في فصل النواب. وأخذ منها من حواصلها ما أبهره كما اعترف به تيمور أنه لم يجد في حصن قط ما وجد فيها. ودامت على ذلك خرابا حتى انتدب لعمارتها جكم وهو الذي ادعى السلطنة بحلب. وقتل على يدي عثمان بن طرغلي في سنة تسع وثمانمائة كما تقدم، وأخرب عدة أماكن بحلب من الترب والمدارس لعمارتها. وعمل بنفسه.
واستعمل قضاة البلد وعمر البرج المطل على سوق الخيل، وكذلك البرج المطل على باب الأربعين.
وبنى قصرا على البرجين المطلين على باب القلعة. وهذا «1» القصر عظيم واسع جدا.
مفروش بالرخام وله مناظر من جهاته المطلة على البلد. وله بوابة عظيمة. واتجاهها ايوان واسع برسم مصالح خدمة السلطان إذا حضر إلى حلب ونزل بهذا القصر، وقيل أنه لم ير مثل هذا القصر في حصون المسلمين.
والمكحلة التي على جدران البرجين. والدكارة من فعل الأمير ناصر الدين بن سلار نائب برقوق بالقلعة.
وقد حاصرها جماعة منهم:
- ابن قصروه فامتنعت.
- وكذلك تغري ورمش كافل حلب في سنة اثنين وأربعين- حصار ايلبغا- ورمى عليها بمكحلة عظيمة. فأثر برميها في البرج المطل على سوق الخيل ونقب عليها، ونزل في النقب بنفسه، فرأى ما يهوله. فرجع. ودام في حصارها بمشاة من الأكراد وزحف عليها
ليلة العاشر من رمضان من جميع جوانبها ونزلوا إلى الخندق ظنا منهم أن يلقوا الجسر الذي لها ففتح أهل القلعة باشارة نقيبها الأمير شهاب الدين طاقات من أعلى الجسر، ورموا عليهم بقدور من الكلس فخرجوا. وكانت المكحلة إذا ألقيت بالنار يقول شخص مجدوب كان تحت القلعة:«بطال. بطال» ؛ وتقدم «1» شيء من أخبار تغري ورمش في زاويته.
وبالجملة لم يأخذها أحد إلا بالأمان كما في فصل الملوك.
وقد نقل إلى هذه القلعة المؤيد أخشابا من دمشق من الجوز. وسقف القصر ببعضه أ. وأحدث الكوات التي في ظلمة الدركاة. وبعضها باق الآن.
وقد عمر فيها باك في أيام الأشرف برجا مثمنا شرقي بابها. وعمل له شباكا من النحاس الأصفر فرد في بابه.
ثم خرب من سورها مكان من جهة الغرب فعمر في أيام الظاهر جقمق (95 ظ) م وأصلح في التسفيح ما كان بالقرب من جسرها وفي أيامه.
وقد كان على خندقها حائط قدر قامة يمنع الناس من الوقوع فيه، سبب بنائه أن مغربيا حضر إلى حلب. وأخذ شخصا سقاء من أهل باحسيتا وأنزله إلى الخناقية وغور الماء فوجدا مطلبا فأخذ المغربي تبرا وقال للسقاء خذ فامتنع. وقال: هذا صار لي.
فذهب المغربي بعد أن أعطى للسقاء شيئا من الذهب كأقراص الخبز (106 و) ف فنصب السقاء الدلاء على هذا المكان لينزع الماء فاستفاق الناس عليه وأحضروه إلى
حاكم حلب. فذكر له ما اتفق مع المغربي. فأخذ الحاكم منه الذهب وعمر به الحائط المذكور.
/ فصل «1» /:
ذكر ما يضرب فيها «2» من النوبات:
أما النوبة التي تضرب عند ثلث الليل الأخير فهذا شيء أحدثته ضيفة خاتون أم العزيز لأجل قيام الليل. فإنها كانت تقوم ذلك الوقت للصلاة. وما كان أحد يستطيع ايقاظها.
وأما التي تضرب بعد العشا فللإعلام بانقضاء صلاة العشاء. ودق الطبل مرة بعد ذلك إلى ثلث الليل ثم يضرب مرتين، ثم ثلاثة فأصل ذلك أنه كان بالقلعة جرس كالتنور العظيم معلق على برج من أبراجها التي من غريبها كانت الحراس تحركه ثلاث دفعات في الليل: دفعة في أوله لانقطاع الرجل عن السعي. وأخرى في وسطه للبديل. وأخرى في آخره للاعلام بالفجر.
وعلق هذا الجرس في سنة ست وتسعين وأربعمائة. والسبب في تعليقه ما حكاه منتخب الدين يحيى بن أبي طي النجار الحلبي في تاريخه: أن الفرنج لما ملكوا أنطاكية في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة طمعوا في بلاد حلب فخرجوا إليها وعاثوا في بلادها وملكوا معرة النعمان. وقتلوا من فيها. فخافهم الملك رضوان بن تاج الدولة تتش لعجزه عن دفعهم فاضطر إلى مصالحتهم فاقترحوا عليه أشياء من جملتها أن يحمل إليهم في كل سنة قطيعة من مال وخيل وأن يعلق بقلعة حلب هذا الجرس ويضع صليبا على
منارة المسجد الجامع فأجابهم إلى ذلك فأنكر عليه القاضي أبو الحسن بن الخشاب وكان بيده زمام البلد وضع الصليب على منارة الجامع، وقبّح ذلك. فراجع الفرنج في أمر الصليب إلى أن أذنوا له في وضعه على الكنيسة العظمى التي بنتها هيلانة. فلم يزل بها إلى أن حاصرت الفرنج حلب سنة ثمان عشرة وخمسمائة ونبشوا ما حولها من القبور فأخذ القاضي ابن الخشاب الكنائس كما تقدم ورمى الصليب.
وأما الجرس فإنه لم يزل معلقا إلى أن ورد حلب الشيخ الصالح أبو عبد الله بن حسان المعري فسمع حركة الجرس وهو مجتاز تحت القلعة فالتفت إلى من كان معه وقال، ما هذا الذي قد سمعت من المنكر في بلدكم (!) هذا شعار الفرنج. فقيل له: هذه عادة البلد من قديم الزمان. فازداد إنكاره وجعل اصبعيه في أذنيه. وقعد في الأرض، وقال: الله أكبر الله أكبر. وإذا بوجبة عظيمة قد وقعت في البلد فانجلت عن وقوع الجرس. إلى الخندق. وكسره وذلك في سنة سبع وثمانين (106 ظ) ف وخمسمائة.
فجدد بعد ذلك، وعلق مرة ثانية فانقطع لوقته، وانكسر، وبطل من ذلك اليوم.
[محمد بن حسان الزاهد المغربي]
قال كمال الدين في ترجمة هذا الرجل: محمد بن حسان بن محمد أبو عبد (96 و) م الله وأبو بكر بن المغربي، الزاهد. رجل فاضل، مقرئ، محدث. ولي من أولياء الله تعالى قدم حلب، ونزل بدار الضيافة، بالقرب من تحت القلعة، وكان من الموسرين المتمولين ببلاد المغرب، فترك ذلك؟؟؟ بيعه، وخرج على قدم التجريد، وحج إلى بيت الله الحرام، ثم قدم حلب، ورحل منها إلى جبل لبنان، وساح فيه، وقيل إنه مات فيه، ولم يذكر وقت وفاته. انتهى.
ثم اتخذ هذا الضرب في القلاع عادة
وأما الضرب الذي يضرب وقت اصفرار الشمس فسببه أن الخليل عليه الصلاة والسلام كان يتخذ للفقراء طعاما يجمعهم ذاك الوقت لأكله «1» .
وبقية ما يضرب فيها من الأوقات فهو من اصطلاح الملوك.
خاتمة «2» :
أما مساجدها فقد تقدم الكلام عليها.
وأما بيعها فسيأتي.
وقد هرب من هذه القلعة الأمير هبة تدلى في الحبال. وكتب الأديب الكاتب عمر بن إسماعيل الفارقي إلى الناصر بن العزيز يعتذر عن ذلك.
عذري عن القلعة الشهباء أوضحه
…
لربها زاد ربي في سعادته
رأت تكرر اطلاق الهبات بها
…
فأطلقت هبة منها كعادته
وقد هرب «3» من حبسها سالم بن بدران ومعه طاعة. وتدلى بجبال...... «4»
وقد ألقى نفسه منها نهارا في وقعة تغرى ورمش (فتيان) وسبب ذلك أن خطط نائب السلطنة أحسّ بأن طاعة من أهل القلعة واطئوا تغرى ورمش على تسليمها إليه وأخذوا منه ذهبا، منهم من تسلم الذهب بالبلد، ومنهم من أخرج إليه الذهب في
علب اللبن وممن كان منهم الدبسي أ، وعثمان القلاب بالساتورة وغيرهما. فلما أحس بذلك طلبهم من أبراج القلعة متفرقين وقتلهم، أحس فتيان المذكور بذلك فألقى نفسه من أعلى القلعة، وخرج من النقب الذي نقبه تغري ورمش. وجاء إلى تغري ورمش وأعلمه بما اتفق. فخلع عليه. وأشهره في البلد وأما عثمان فإنهم ألقوه في المنجنيق. انتهى.
وسورها مساحته ألف وخمسمائة وخمسة وعشرون ذراعا.
وعدد أبراجها تسعة وأربعون برجا.
وأبدانها ثمان وأربعون بدنة؛ هذا ما كانت عليه قديما «1» وللسري الرفاء قصيدة يمدح سيف الدولة بها:
وشاهقة يحمي الحمام سهولها
…
وتمنع أسباب المنايا وعورها «2»
إذا سترت غر السحاب وقد سرت
…
جوانبها خلت السحاب ستورها
مقيم تمر الطير دون مقامه
…
فليس ترى عيناه إلا ظهورها «3»
وقال الخالديين من قصيدة يمدحا سيف الدولة ويهنئانه بفتح حلب ويصفا القلعة:
وقلعة عانق العيوق مسافلها
…
وجاز منطقة الجوزاء عاليها
لا تعرف القطر إذ كان الغمام لها
…
أرضا توطأ قطريه مواشيها «4»
إذا الغمامة راحت خاض مساكنها
…
حياضها قبل أن تهمي عزاليها
على ذرى شامخ وعرق امتلأت
…
كبرا به وهو مملوء بها تيها
له عقاب عقاب الجو حائمة
…
من دونها فهي تخفى في خوافيها
ردت مكايد أملاك مكايدها
…
وقصرت بدواهيهم دواهيها
أوطأت همتك العلياء هامتها
…
لما جعلت العوالي من مراقيها
وقال الفقيه الوزير أبو الحسن على بن ظافر المعروف بابن أبي المنصور يصف قلعة حلب من قصيدة مدح بها الظاهر غازي:
وفسيحة الأرجاء سامية الذرى
…
قلبت حسيرا عن علاها الناظرا
كادت لفرط سموها وعلوها
…
تستوقف الفلك المحيط الدائر
وردت قواطنها المجرة منهلا
…
ورعت سوابقها النجوم أزاهر
شماء تسخر بالزمان وطالما
…
بشواهق البنيان كان الساخرا
ويظل صرف الدهر منها خائفا
…
وجلا فما شيء لديها حاضرا «1»
ويشوق حسن روائها مع أنها
…
أفنت بصحتها الزمان الغابرا «2»
فلأجلها قلب الزمان قد انثنى
…
قلقا وطرف الجو أمسى ساهرا «3»
غلابة غلب الملوك فطالما
…
قهرت من اغتصب المماليك قاهرا
غنيت بجود مليكها وعلت به
…
حتى قد امتطت الغمام الماطرا
فترى وتسمع للغمام ببرقه
…
والرعد لمعا تحتها وزماجرا
ذكر «1» دار العدل
سبب بنائها أولا أن نور الدين لما طال مقامه بدمشق وأقام بها أمراؤه وفيهم أسد الدين شيركوه أكبر أمرائه. وكان الأمراء قد اقتنوا الأملاك وتعدى كل منهم على مجاوره «2» في قرية أو غيرها فكثرت الشكاوى إلى القاضي كمال الدين فأنصف بعضهم من بعض ولم يقد- على الإنصاف من شيركوه فأنهى الحال إلى نور الدين فأمر ببناء دار العدل. فلما سمع شيركوه ذلك أحضر نوابه وقال: اعلموا أن نور الدين ما بنى هذه الدار الا بسببي وحدي إلا فمن هو الذي يمتنع على القاضي كمال الدين والله لئن أحضرت إلى دار العدل بسبب واحد منكم لأصلبنه. فامضوا إلى من كان بينكم وبينه منازعة فأعطوه، وأرضوه بأي شيء ممكن، ولو أتى ذلك على بيع ما بيدي. فقالوا إن الناس إذا علموا ذلك ألحوا في الطلب.
فقال لهم: خروج أملاكي عن يدي أسهل عليّ من أن يظن نور الدين أني ظالم أو يساوى بيني وبين آحاد العالم في الحكومة. فخرجوا من عنده وفعلوا ما أمرهم به، وأرضوا خصماهم، وأشهدوا عليهم. فلما فرغت دار العدل جلس نور الدين فيها لفصل الخصومات والمحاكمات وكان يجلس في الأسبوع يومين وعنده القاضي والفقهاء وبقى ذلك مدة فلم يحضر إليه أحد يشتكي من أسد الدين. فقال: نور الدين للقاضي ما جاءنا أحد يشتكي من أسد الدين فعرفه القاضي الحال فسجد نور الدين شكرا لله تعالى. وقال (107 ظ) ف الحمد لله الذي أصحابنا ينصفون من أنفسهم قبل حضورهم عندنا. وكان إنما يعينه على ذلك صدقه. وحسن نيته. انتهى.
ثم سلك هذه السنة السلطان الملك «1» الظاهر غازي فبنى سورا على حلب وفتح له بابا من جهة القبلة اتجاه باب العراق. وبابا من جهة الشرق والشمال على حافة الخندق، كما سيأتي في سورها. وكان إذا ركب يخرج منهما،
ومن دار العدل بحلب لجلوسه العام فيهما بين السورين: السور العتيق الذي فيه الباب الصغير وفيه الفصيل الذي بناه نور الدين. وبين السور الذي جدده.
ومكتوب على بابها: أنشأ هذه الدار اقبال الظاهري العزيزي الناصري بتولي مملوكه ايدغدي صنعة المطوع. انتهى.
ولم تزل «2» الملوك تجدد في هذه الدار سيما بعد فتنة تمر. فاينال الصصلاني وسع المقعد المعروف بالشباك.
ويشبك جدد البحرة.
وتغرى ورمش عمّر السقف الذي قدام الشباك، ورخم الأرض تحته وجدد المكان الذي يجلس فيه المباشرون.
وقرقماش بنى قبة بأربعة أواوين فوق سطحها.
وقانباي البهلوان بنى قبة على الزدخانة. وفرع من ذلك في سنة خمسين وثمانمائة.
وجلبان جدد المطبخ «3» .
أوتقدم في الجوامع مسجد السيدة. وجامع الناصري. ومن بناه. وكل نائب ينعزل من حلب تتركها أعوانه كالخربة فيأتي من بعده يصلحها ب. (97 و) م وبهذه الدار حمام لأجل حريم الملوك. وقاعة الحريم سقط منها مكان على جوارى جانم أخي الأشرف- كافل حلب- فمات منهم من مات فجدده المذكور.
ومن الغرائب أن البلدي كافل حلب وقع من اصطبله بها حجر على فرس له فمات الفرس فكتب السلطان إليه يخفض عنه في ذلك فشق عليه ذلك فقيل له: لأي شيء شق عليك. فقال فرس في اصطبلي تموت فما يخفى عليّ السلطان فكيف أحطامي. وهذه الدار قديما كانت تعرف بابن مجلى وهو الأمير نور الدين علي بن عمر بن مجلى، نائب حلب عن السعيد بن الظاهر لأنه جددها بعد أن خربت. ورأيت قطعة من توقيعه انشاء تاج الدين أحمد ابن سعيد بن الأثير الحلبي:
«ولما كان الأمير نور الدين ممن أثرته الدول، واستخلصته لأنفسها الملوك الأول، وأشير إليه في الحل والعقد، وثبت خلاص اخلاصه على النقد وامتاز بنفسه وسلفه، وانحاز إلى فئة من عفافه وصلفه، وأرسل الجياد إلى الجهاد مطلقة الأعنة، وأبات المناوئين من كيدهم على وخز الأسنة. تعين علينا أن نفرده بكفالة المملكة الحلبية ونيابتها، ونعول على هممه المتمكنة في أصالتها واصابتها فليصرف الأحوال (108 و) ف على أهل المصارف ويساو في الحق بين الباد والعاكف. ويتخذ العدل جنة وللرفق
سنة. ويأمر من عنده من الجند باكمال العدد والعدد. والتأهب إلى ما يدعون إليه من الخدمة التي لا تنتهي إلى آمد، ويحفظ من في وديعته من الرعايا، ويعمر البلاد التي هي أول الوصايا، ويعلم أنه موقوف ومسئول. ومجازي حقيقه لا مجازا بما يفعل ويقول أ.
......... «1»