الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما أتى نهر الساجور قلت له
…
ماذا التأخر من حين إلى حين
فقال أخرني ربي ليجعلني
…
من بعض معروف سيف الدين أرغون
وقال أبو محمد بن حبيب:
قد أضحت الشهباء تثنى على
…
أرغون في صبح وديجور
من نهر الساجور أجرى بها
…
للناس بحرا غير مسجور
انتهى.
وكان سودي قد أجراه كما رأيته في ذيل على تاريخ صاحب حماة وذلك سنة ثلاث عشرة وسبعمائة قبل أرغون وأنفق عليه أموالا كثيرة. انتهى.
وفي بعض التواريخ في شعبان سنة ثلاث عشرة تكامل حفر النهر الذي عمله سودي طوله من نهر الساجور إلى نهر قويق أربعون ألف ذراع في عرض ذراعين وعمق ذراعين، وغرم عليه ثلاث مائة ألف درهم.
واعلم أن نهر الساجور أصله من عين تاب يجتمع من عيون ببلد عين تاب ويجري إلى قرية التفاح، ويجتمع عليه عيون أخر من بلد تل باشر، ثم ينتهي إلى (113 و) فالفرات، ويصب يه. وله ذكر في الفتوح ونزله أبو عبيدة حين ففتح منبج انتهى. (101 ظ) م.
غريبة:
كان سيف الدولة بن حمدان بنى له قصرا بالحلبة. وساق قويقا. وأدخله في قصره. وكان قد رأى في منامه كأن حية قد تطوقت على داره فعظم ذلك عليه، فقال له بعض المعبرين: الحية في النوم ماء؛ فأدار نهر قويق حول قصره. ثم إن الروم فتحوا حلب.
واستولوا على داره كما تقدم في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة. وخربت الدار، وعاد النهر إلى حاله «1» . انتهى.
وفي سنة تسع وستين وسبعمائة طفا «2» نهر حلب وزاد، وتكرم بماء ذهبه الأحمر
وجاد، وارتفع وعلا، وملأ الرعب قلوب الملأ، وقلع الغراس النابتة، ومما آثار الأشجار الثابتة. وجار على الجار برفعه وحطه. وهدم كثيرا من البيوت المبنية على شطه، وأهلك عدة من المواشي، واستطال معرضا عن لوم العاذل والواشي، ووصل إلى أماكن لم يصل إليها فيما مضى من الأزمان، ثم سكن بعد الحركة ولان، بعد الشدة والزيادة لا بد لها من نقصان.
وقال ابن حبيب:
لما طفا نهر قويق ولم
…
يأت بسيب بل بسير غزير
قالت الأشجار من حوله
…
مهلا لقد زدت علينا كثير
وفي سنة اثنين وثلاثين وثمانمائة في شهر جمادى الأولى زاد هذا النهر زيادة كثيرة، وخربت بيوتا بالقصيلة ظاهر حلب، وعلا الماء على الأشجار، وصل الماء إلى أسفل التلة التي خارج باب الفرج وذلك عقب الثلج الكثير الذي وقع بحلب ومعاملاتها. ودام أياما بجامعها كالتلال؛ وفي ذلك يقول الأديب الأريب الفاضل عماد الدين إسماعيل ابن الزيرتاج الشافعي تغمده الله تعالى برحمته- وستأتي ترجمته في الذيل «1» -: الحمد لله الذي أجرى الماء بقدرته وأوقف عقول أوليائه على بدائع حكمه، أحمده على ما منحنا به من فائض نعمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من أخلص في نيته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من بريته. صلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه، والتابعين لسنته، وبعد فلما طغى الماء وزاد بظاهر مدينة وأكثر فيها الفساد، وحمل بجيوشه يجوس خلال تلك الديار، وهلك من
أهلها من استمر على مقاومة التتار، وخرق جيوبها بخارق العادة ونودي على بيوتها بالخراب فلم تكن تحمل الزيادة، وفوض بالهدم تلك الأماكن وعرض (113 ظ) ف بالجزم على تحريك الساكن، ورفع من أبوابها ما كان مبنيا على الفتح، وأزال شكل محاسنها بمحو كل رسم، وهبوط كل سطح، ودار حول كل دار فالتقى الماء على أمر قد قدر، وانحدر نحو بساتينها ولم يقلع عن قلع أشجارها وهو كما قيل السيل المنحدر، واقتحم تلك البيوت يقلعها بعروضه وأوجب قلبها إذ سيق «1» القضاء وتقوس قوس الهلاك بقروضه، فكم قصر حاز عليه المد إلى الغاية، وبحث عن (107 ظ) م إدراك نهايته فلم يحفظ له نهاية. كم عامر رخم فعام فيها، فأعلن الهدم سرائرها، وأظهر خافيها، وهلك من الرجال والنساء والأطفال عدة، وكابد من تلك الأموال والأحوال كل شدة، وساقهم الحين إلى موارد الهلكة واعنف في سوقهم، وأصبحوا وتلك المياه من تحتهم. وخر عليهم السقف من فوقهم واختطفتهم أيدي المنية وهي تجري بهم في موج كالجبال، وأحاطت بهم البلية، واتسع الخرق وضاق المجال، ودخلت عليهم الأمواج من كل باب، وهي نوح بعد فوح، وكم والد رام خلاص ولده فحال بينهما الموج، ولحقت أرواحهم بذي الفضل والامتنان، إذ غلق عنهم باب الفرج وفتح لهم باب الجنان:
عليهم سفح جوشن بات يبكي
…
لما لا قوه من نكد وضر
وزاد بكاؤه والنوح حتى
…
رأيت عيونه بالفيض تجري
واستمال ذلك السيل قلب كل جدار فقوى إليه ميله، وبالغ في ذلك حتى ما بلغ العرم سيله، فكأن بقية الطوفان طافت بتلك الأرض وسعت لتقابل مبرم ذلك
البنيان بالنقض، وبلغ السّيل الزبى «1» ، وأسكن لقية المنازل برونق تلك الربا، وهلك من المتاع كل حقير وجليل، وقرى فيها بنحو الإمالة قل متاع الدنيا قليل، إلى أن منّ الله تعالى وأخمد من ذلك الطوفان ما كان بالقلوب من حر الجمر، وزال ببركة الله تعالى الغيظ وغيض الماء، وقضي الأمر «2» . فالحكم لله العلي الكبير له التصرف في ملكه. انتهى.
وفي سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة أصلح هذا النهر جلبان كافل حلب وقيل له ما قيل لأرغون فلم يلتفت إلى ذلك، وانفق عليه مالا كثيرا جمعه من أرباب الأملاك.
وهذا النهر تغزل فيه الشعراء لخفته وعذوبة مائه، وطيب تربته، وقد بلغني أن أرضه مرخمة بالرخام الأسود. واللينوفر ينبت فيه.
ورأيت في تاريخ بدر الدين العيني «3» ما لفظه أن نهر قويق ماؤه موصوف بالرقة والخفة، وقيل أن أوله وخيم فإذا امتد طاب (114 و) ف.
وسمعت والدي يقول: ما بين النهرين أخف منه، ولقد جيء بماء النيل ووزن به فإذا هو كخفته.
ومما قال الشعراء في اللينوفر:
يألف المياه طمعا في دوام
…
الحياة صفوة السقام.
وللشعراء في مدحه:
غرام فمنه كأنه ودروع الماء تشمله
…
تحت الشعاع أكاليل الطواويس
ومن أحسن ما وصف به الشعراء هذا النهر قول أحمد بن محمد الصنوبرى «1» في القافية:
قويق له عهد لدينا وميثاق
…
وهذي العهود والمواثيق أطواق
نفى الخوف أنا لا غريق ترى له
…
فنحن على أمن وذا الأمن أرزاق
ونزهه ألا سفينة تمطي مطاه
…
لها وخد عليه وإعناق
وأن ليس تعتاق التّماسيح شربه
…
إذا اعتاق شرب النيل منهن معتاق
ولا فيه سلّور ولو كان لم أكن
…
أرى أنّه إلا حميم وغسّاق
بلى يعلن التسبيح في جنباته
…
علاجم بالتسبيح تذكر حذاق «2»
أقامت به الحيتان شوقا ولم تزل
…
تقام على شطّيه للطير أسواق «3»
وسربل بالأرحاء مثنى وموحدا
…
كما سربلت غصنا من البان أوراق
وفاضت عيون من نواحيه ذرّف
…
ولما تعاونها جفون وآماق
هو الماء إن يوصف بكنه صفاته
…
فللماء إغضاء لديه وإطراق
ففي اللون بلور وفي اللمع لؤلؤ
…
وفي الطيّب قنديد وفي النفع درياق
إذا عبثت أيدي النسيم بوجهه
…
وقد لاح وجه منه أبيه براق
فطورا عليه منه درع خفيفة
…
وطورا عليه جوشن منه رقراق
ولم يعده فر متشوق
…
بأرؤس تبر والزبر جد أعناق
له ورق يعلو على الماء مطبق
…
كأطباق مدهون يليهن أطباق
وقد عابه قوم وكلّهم له
…
على ما تعاطوه من العيب عشّاق
وقالوا أليس الصّيف يبلى لباسه
…
فقلت الفتى في الصيف يصفه طاق
يهاب قويق أن يملّ فإنما
…
يقيم زمانا ثم يمضي فيشتاق
وما الصّبح إلا آئب ثم غائب
…
تواريه آفاق وتبديه آفاق
ولا البدر إلا زائد ثم ناقص
…
له في تمام الشّهر حبس وإطلاق
ولو لم تطاول غيبة الورد لم تتق
…
إليه قلوب تائقات وأحداق
ولو دام في الحبّ الوصال ولم يكن
…
فراق ولا هجر لما اشتاق مشتاق
وفضل الغنى لا يستبين لذي الغنى
…
إذا لم يبين ذلك الفضل إملاق
قويق سيل الغيث يأتي وينقضي
…
ويأتي انسياقا تاره ثم ينساق «1»
/ (114 ظ) ف وقال:
للصنوبري أيضا فيه وقد مدّ «2» :
اليوم يا هاشمي يوم
…
لباسه الطل والضباب
عيد في عيدنا قويق
…
وخلقت وجهه السحاب
ما لون الزعفران ما قد
…
لون من مائه التراب
تذهب أمواجه كخيل
…
شقر لها وسطه ذهاب
فبادر الشرب قبل فوت
…
قد برد السماء والشراب
وقال أيضا «3» :
رياض قويق لا تزال مروضة
…
يجاور فيها أحمر اللون أبيضه
يعارضنا كافوره كل شارق
…
إذا ما الصبا مرت به متعرضه
لدى (العوجان) المستفادة عنده
…
مغان على حث الكؤوس محرصه «1»
إذا ما طفا النيلوفر الغ فوقه
…
مفتحة أجفانه أو مغمضة
حسبت نجوما مذهبات تتابعت
…
فرادى ومثنى في سماء مفضضه
وقال الشيخ أبو النصر محمد بن محمد بن إبراهيم الحلبي «2» :
ما بردى عندي ولا دجلة
…
ولا مجاري النّيل في مصر «3»
أحسن مرأى من قويق إذا
…
أقبل في المد والجزر
يا لهفتا منه على جرعة
…
تبل منّي غلّه الصّدر «4»
وقال الصنوبري «5» :
أما قويق فارتدى بمعصفر
…
شرق بحمرته الغداة بياضه
فكأنما فيما اكتسى من صبغه
…
نفضت شقائقها عليه رياضه
ولغيره «6» :
قويق إذا شم ريح الشتا
…
أظهر تيها وكبرا عجيبا
وناسب دجلة والنيل
…
والفرات بهاء وحسنا وطيبا
وإن أقبل الصيف أبصرته
…
ذليلا حقيرا حزينا كئيبا
إذا ما الضفادع نادينه
…
قويق قويق أبى أن يجيبا
فيأوين منه بقايا كسين
…
من طحلب الصيف ثوبا قشيبا
وتمشي الجرادة فيه فلا
…
تكاد قوائمها أن تغيبا
وقال الصنوبري:
قويق إذا شم ريح الشتاء
…
تشم الخلافة من جيبه «1»
وفي وغد من عتبه
…
فليس ملوما على عيبه
وقال أبو القاسم الحسين بن علي المغربي: (103 و) م
أما قويق فلا عدته مزينة
…
من خدرها برز الغمام الصيب
(115 و) ف
نهر لا بناء الصبابة معشق
…
فيه وللصاد الملوح مشرب
وقال الصنوبري «2» :
قويق على الصّفراء ركّب جسمه
…
رباه بهذا شهّد وحدائقه
إذا جدّجدّ الصّيف غادر جسمه
…
ضئيلا ولكنّ الشتاء يوافقه
يريد أن أصحاب الأمزجة الصفراوية تنحل أجسامهم في الصيف ويوافقهم الشتاء ويريد أن قويقا يقل ماؤه في الصيف حتى يبقى حول المدينة كالساقية وربما انقطع بعد السنين بالكلية «3» . انتهى.
وقال أيضا:
لله يوما مد في صدره
…
قويق مقصور جناحيه
مصندلا يلثم ماء الحياة
…
منه لمخضر عتذاريه
وقد وصفه الشعراء كثيرا لكنا اقتصرنا على ما ذكرناه لعلمنا أن الصنوبري لا يشق غباره في وصف حلب. ولا فيها أحد عداه. ولا يبلغ العشر من مداه.
خاتمة: كان أبو الطيب المتنبي مع الشريف أبي إبراهيم على سيف قويق وهو يسايره ويحادثه ويناشده فمر على رجل معه قصبتان بينهما شبكة وهو يضعها في الماء ويرفعها فقل أن تخرج وما فيها شيء من دق السمك فوقفا ينظران إليه. فقال الشريف
للمتنبي: يا أبا الطيب قل في هذا شيئا. فقال سمعا وطاعة. ثم التفت الشريف إلى غلمانه يحدثهم حتى لا يشغل أبا الطيب عما يفكر فيه. ولبث ساعة يمكن أن يعمل فيها الثلاث والخمسة. ثم سأل المتنبي عما فعله فقال: والله ما خطر ما أرتضيه.
فقال له الشريف: بل أنا خطر ببالي، وأنشده على لسان الصياد:
وخناجر من فضة
…
تستل من سيف صقيل
باكرتها بمفاضة
…
زغف وخطى طويل
فلما سمعها المتنبي استحسنها، وأثنى على فضل الشريف وأدبه. واستنشده شيئا فأنشده- كما اتفق- يصف فرسا أدهم أغر:
يا رب ليل كماني الشوق خيفته
…
فجئته فوق ليل وجهه فلق
موله الطرف نحو الحسن يرقبه
…
كأنه ديدبان مسه فرق
يطل تسمع..... في شكيمته
…
إذا استمر به في سيره العنق «1»
(103 ظ) م
لأبي الحسن بن علي بن عنبر الحلوى»
:
لئن سمحت أيدي الليالي برحلة
…
إلى حلب حلّ الحيا عندها الحبا
شكرت لما أولت يدا غربة النّوى
…
زماني بها شكر المجازى على الحبا «3»
وقابلت مغناه وقبّلت مبسما
…
يحيى فيحي عنده مبسم الصبا «4» (115 ظ) ف
فأهلا وسهلا بالشمال تؤمّه
…
وسقيا ورعيا للجنوب وللصّبا «5»
وقال المهذب عيسى بن «6» سعدان «7» :
عهدي بها في رواق الصّبح لامعة
…
تلوّى ظفائر ذاك الفاصم الرّجل
وقولها وشعاع الشمس منخرط
…
حييت يا جبل السماق من جبل
يا حبّذا التّلعات الخضر من حلب
…
وحبّذا طلل بالسّفح من طلل
يا ساكنى البلد الأقصى عسى نفس
…
من سفح جوشن يطفى لاعج الغلل
طال المقام فوا شوقي إلى طلل
…
بين الأحصّ وبين الحصحص الرّمل
ماذا يريد الهوى منى وقد علقت
…
إني أنا الارقم بن الأرقم الدّغل
وقال الخطيب أبو عبد الله محمد بن حرب وهو بالبيرة يتشوق إلى حلب من أبيات «1» :
يقر لعيني أن أرواح بجوشن
…
وماء قويق تحته متسربا
لقد طفت في الآفاق شرقا ومغربا
…
وقلبت طرفي بينها متقلبا
فلم أر كالشهباء في الأرض منزلا
…
لا كقويق في المشارب مشربا
جعلت استعار الوحد لي بعد بعدكم
…
شعارا ومجرى مذهب الحب مذهبا «2»
لعل زمانا قد قضى بفراقنا
…
يرينا قريبا شملنا متقربا «3»
وقال أبو نصر محمد بن خضر الحلبي «4» :
يا حلبا حييت من مصر
…
وجاد مغناك حيا القطر
أصبحت في جلّق حيران من
…
وجد إلى مربعك النضر «5»
ومنها:
والعين من شوق إلى العين
…
والفيض غدت فائضة تجري
كم فيك من يوم ومن ليلة
…
مرّ لنا من عزر الدّهر
ما بين بطياس وحيلان والجوسق
…
والميدان والجسر «1»
وروض ذاك الجوهري الذي
…
أرواحه أذكى من العطر
وزهره الأحمر ناضر
…
الياقوت والأصفر كالتّبر «2»
والنّور في أجياد أغصانه
…
منظم أبهى من الدّر
منازل لا زال خلف الحيا
…
على رباها دائم السدر
تا لله لا زلت لها ذاكرا
…
ما عشت في سريّ وفي جهر
وكيف ينساها فتى صيغ من
…
تربتها الطّيبة النشر «3»
وكل يوم مر في غيرها
…
فغير محسوب من العمر
إن حنّ لي قلب إلى غيرها
…
فلا غرو وحن الطّير للوكر «4»
يا ليت شعري هل أرها وهل
…
يسمح بالقرب بها دهري (116 و) ف (104 ظ) م
وقال موفق الدين أبو القاسم بن أبي الحديد «5» :
سلام على الحي الذي دون جوشن
…
سلام يرث الدّهر وهو جديد
يضوع بمسراه البلاد كأنّما
…
ثراها من الكافور وهو صعيد
فلي أبدا شوق إليه مبرح
…
ولي كل يوم أنة ونشيد
وكيف أداوي بالعراق محبة
…
شآمية إن الدواء بعيد «6»
وقال نور الدين علي الغرناطي «7» :
حادي العيس كم تنيخ المطايا
…
سق فروحي من بعدهم في سياق
حلبا إنها مقر غرامي
…
ومرامي وقبلة الأشواق
لا خلا جوشن وبطياس والسّعديّ
…
من كلّ وابل غيداق «1»
كم بها مرتعا لطرف وقلب
…
فيه يسقى المنى بكأس دهاق
وفجر الصّبا بشط قويق
…
لا عدته حدائق الأحداق
وقال «2» :
وشاهقة يحمي الحمام سهولها
…
وتمنع أسباب المنايا وعورها
إذا سترت غرّ السحاب وقد سرت
…
جوانبها خلت السّحاب ستورها
مقيم تمير الطير دون مقامه
…
فليس ترى عيناها إلا ظهورها «3»
وللخالديين من قصيدة مدحا بها سيف الدولة ويهنئانه لفتح حلب في صفة القلعة «4» :
وقلعة عانق العيّوق سافلها
…
وجاز منطقة الجوزاء عاليها
لا تعرف القطر إذ كان الغمام لها
…
أرضا توطأ قطريه مواشيها
إذا الغمامة راحت خاض ساكنها
…
حياضها قبل أن تهمى عزاليها «5»
على ذرى شامخ وعر قد امتلأت
…
كبرا به وهو مملوء بها تيها
له عقاب عقاب الجو حائمة
…
من دونها فهي تخفى في خوافيها
ردّت مكايد أملاك مكايدها
…
وقصّرت بدواهيهم دواهيها
أوطأت همّتك العلياء هامتها
…
لما جعلت العوالي من مراقيها
وقال الفقيه الوزير أبو الحسن علي بن ظافر المعروف بابن أبي المنصور يصف قلعة حلب من قصيدة مدح بها الملك الظاهر غازي «6» :
وفسيحة الأرجاء سامية الذرى
…
قلبت حسيرا عن علاها الناظرا
كادت لفرط سموّها وعلوها
…
تستوقف الفلك المحيط الدائرا
وردت قواطنها المجرة منهلا
…
ورعت سوابقها النجوم أزاهرا (104) م
شماء تسخر بالزمان وطالما
…
بشواهق البنيان كان الساخرا
ويظل صرف الدهر منها خائفا
…
وجلا فما يمسي لديها حاضرا (116 ظ) ف
ويشوق حسن رواتها مع أنها
…
أفنت بصحتها الزمان الغابرا
فلأجلها قلب الزمان قد انثنى
…
قلقا وطرف الجو أمسى ساهرا
غلّابة غلب الملوك فطالما
…
قهرت من اغتصب الممالك قاهرا
غنيت بجود مليكها وعلت به
…
حتى امتطت الغمام الماطرا
فترى وتسمع للغمام ببرقه
…
والرعد لمعا تحتها وزماجرا
وأنشدني الشيخ الإمام بهاء الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر بن النحاس الحلبي لنفسه يتشوق حلب «1» :
سقى حلبا سحب من الدّمع لم تزل
…
تسح إذا شحّ الغمام غمائما «2»
وحيّا الحيا قيعانها وآكامها
…
وأخرج فيها للرّبيع كمائما
بلاد بها قضيّت لهوي وصبوتي
…
وصاحبت فيها العيش جذلان ناعما
وله أيضا «3» :
سقى زمانا تقضى في ربا حلب
…
من السّحاب ملثّ المزن هطّأ أال
ولا عدا ربعها غيث يراوحه
…
يحثّه من حداة الرّعداء جال
منازل لم أزل ألهو بمربعها
…
نعمت فيها فلا حالت بها الحال «4»
أصبو إليها ولا أصغى للأئمة
…
مالذة العيش إلا القيل والقال «5»