الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فداء من العاشق] :
وفي سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة اتفق أن شابا من أبناء دمشق جميل الصورة عدى على إنسان كان يحبه، فقتله، فحمل إلى الوالي: فلما سأله، أنكر فعرّاه للضرب فتقدم إنسان كان يعشق دلك الشاب، وقال: أنا قتلته، فلا تظلموه.
فكتب الوالي عليه محضرا بإقراره بالقتل. وأطلق الشاب.
وكان ايتمش «1» نائب دمشق إذ ذاك، فلما حكيت له القصة، اطلع على باطنها فتوقف في قتله، وأمر بحبسه.
فلما حضر أرغون الكاملي «2» من حلب عوضا عن ايتمش فكان أول شيء حكم به من الدما [ء] قتل العاشق بمقتضى المحضر. انتهى.
[الخليفة الهادي وجاريته غادر] : وقال عبد الحق في المعاقبه مما ابتلى الله به الهادي «3» من المحبة وعاقبه به أنه كان مغرى بجارية له تسمى غادرا. وكانت من أحسن الناس وجها.
وأطيبهن غناء. اشتراها بعشرة آلاف دينار. فبينما هو يشرب مع ندمائه فكر ساعة، وتغير
لونه، وقطع الشراب، فقيل له: ما بال أمير المؤمنين.
فقال: وقع في فكري أني أموت، وأن أخي هارون «1» يلي الخلافة، ويتزوج غادر «2» امضوا فأتوني برأسه.
ثم رجع عن ذلك، وأمر بإحضاره، وحكما له ما خطر بباله، فجعل هارون يترفق له، فلم يقنع بذلك.
وقال: احلف لي بكل ما أحلفك به، أنني إذا متّ لاتتزوج بها.
فرضي بذلك وحلف له أيمانا عظيمة.
ثم قام ودخل إلى الجارية وحلفها أيضا على مثل ذلك.
فلم يلبث بعدها شهرا حتى مات، وولي هارون «3» الخلافة، وطلب الجارية، فقالت:
يا أمير المؤمنين كيف نصنع في الأيمان؟
قال: «قد كفرت عني وعنك» .
ثم تزوج بها، ووقعت من قلبه موقعا عظيما، وافتتن بها أعظم من أخيه الهادي، حتى كانت تسكر وتنام في حجره فلا يتحرك، ولا ينقلب حتى تنتبه، فبينما هي في بعض الليالي في حجره إذ انتبهت فزعة مرعوبة.
فقال لها: ما بالك؟.
قالت: «رأيت أخاك الهادي في النوم. وأنشدني:
أخلفت وعدي بعدما
…
جاورت سكان المقابر
ونسيتني «1» وحلفت لي
…
أيمانك الزور الفوا [جر]«2»
ونكحت غادر «3» أخي
…
صدق الذي سماك غادر «4»
لايهنك الإلف «5» الجديد
…
ولا تدر عنك الدوائر
ولحقتني قبل الصباح
…
وصرت حيث عدوت صابر (4 و) /
قالت: ثم ولى عني. وكأن الأبيات مكتوبة في قلبي. فما نسيت منها كلمة.
فقال لها: «هذه أضغاث أحلام من الشيطان» .
فقالت: «كلا والله يا أمير المؤمنين» .
ثم اضطربت بين يديه. وماتت في تلك الساعة. فلا تسأل عن حال هارون ومالقي بعدها.
[النحوي والغلام] :
وفي سنة ثلاثين وخمسمائه «6» توفي عبد الودود بن عبد الملك أبو الحسن النحوي من أهل
…
«7» كان أديبا، شاعرا. فاضلا، قدم بغداد وأقام بها مدة وكان يحب صبيا وضيء الوجه بحلب، فكان ذلك الصبي إذا غاضبه يمضي إلى رجل آخر يخدمه مثل ما يخدم عبد الودود ويعاشره فإذا رأى عبد الودود ذلك لا يملك صبره، يستعين بكل طريق في رضاه، فغضب مرة، ومضى إلى ذلك الرجل وكان عطارا فمر عبد الودود بسوق العطر فوجد الصبي جالسا على دكان العطار فلم يتمالك أن خرّ مغشيا عليه في وسط الطريق وسقطت
عمامته عن رأسه. وباد [ر]«1» الصبي ورفعه من الطريق إلى دكان حتى أفاق ففتح عينه ورأى ما حلّ به فقام، وأنشد «2» :
لست أرضى لك يا قلب بأن ترضى «3» بذلي «4» هذه إن شئت أن تسلوا طريق السلو «5» ثم هجره بعد ذلك، وسلاه، ولم يعد إليه بعدها. انتهى.
[الأعجمي وفتى من القاهرة] :
وأخبرني من أثق به عن شخص كبير بالقاهرة من أرباب الوظائف أنه أخبر عن نفسه أن شخصا تيّم به من الأعاجم، وأنه لازمه، وصار يتعرض له في الطرقات وأنه أخبر أباه بذلك. فقال له: قل لهذا الرجل أتحبني. فإن قال: نعم. فقل له: أتأتمر بأمري. فإن قال: نعم. قل له: إني آمرك أن تخرج من القاهرة. فقال له ذلك: فخرج في الحال من القاهرة ولم يرجع إليها.
[غرام ابن نجم الكيلاني بجارية الناصر] :
ورأيت في تاريخ شيخنا الحافظ [ا] بن حجر «6» قال: «في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة وفيها توفي آخر من علمناه مات عشقا. وهو غياث الدين محمد بن علي بن نجم الكيلاني كان أبوه من أعيان التجار، فطلب العلم واشترى له أبوه الكتب النفيسة، فمهر واشتهر بالفضل في مدة قليلة، فعلق بجارية من جواري الناصر «7» اسمها سمرا فتزوج بها، وهام بها وأتلف عليها ماله وروحه، وأفرط في حبها. وأفرطت في بغضه، حتى قيل إنها سقته سما فتعلل مدة، ولم تزل به حتى فارقها فزال عقله.
ولما حضرته الوفاة عادته واستحلته فحاللها من شدة المحبة. وكانت قد ألزمته بطلاق زوجته بنت عمه فطلقها لأجلها. ومن شعره فيها قصيدة. منها:
سلو [ا] سمرا عن حزبي وحزني
…
وعن جفن حكى هطال مزن «1»
سلوها هل عراها ما عراني
…
من الجن الهواتف بعد جن «2»
سلوا هل هزت الأوتار بعدي
…
وهل غنت كما كانت تغني
سأشكوها إلى مولى حليم
…
ليغفر في الهوى عنها وعني «3»
وتزوجت بعده عاميا فأحبته، وأبغضها- انتهى.
قلت: وأذكر في ذلك قصة بريرة «4» مع زوجها مغيث «5» . وقال صلى الله عليه وسلم.
للناس: «ألا تعجبوا من حبه لها. وبغضها له» . وكان يدور خلفها في سكك المدينة يبكي.
وقصتها مذكورة في كتب الصحابة رضي الله عنهم. انتهى أ (4 ظ) .