الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نيابه الحكم بها سنة سبع عشرة فوليها بعد خروجه شرف الدين أبو بكر بن أبي بكر الرازي.
ولم يزل مدرسا بها إلى أن توفي سنة ست وعشرين وخمسمائة فوليها بعده نجم الدين أحمد بن شمس الدين محمد بن يوسف وتقدم ذكره. ولم يزل بها مدرسا إلى أن مات قريبا من فتنة التتر.
هذه المدرسة كانت بالحاضر ملاصقة للبلدقية الشافعية- المتقدم ذكرها- وقد اندثرت هذه المدرسة- ولم يبق لها أثر. وأخذت حجارتها في عمارة السور في دولة المؤيد. وحمى شيخنا البلدقية الشافعية. ولم يمكنهم من نقضها. وقد تقدم اسم بانيها.
وأول من درس بها رشيد الدين المعروف بتكملة.
ثم رحل عنها إلى دنيسر «1» فوليها بعده شمس الدين محمد بن مصطفى المارداني. ولم يكن من ماردين وإنما هو من خلاط «2» .
ثم خرج عنها إلى الروم فوليها شرف الدين عمر بن العفيف شيخ خانقاه ابن المقدم وعليه انقرضت الدولة.
«مدرسة النقيب» :
هذه المدرسة في أعالي جبل جوشن متاخمة لدار المعز. وهي غاية في العمارة يقال لها
تاج حلب. وهي كثيرة المساكن والمنافع. وهي منتزه حلب. وفيها بئر ماء يستقى منه من صحنها ومن درجها. ومن أعلاها. ولها صف خلاوى في أعلاها وقدامهم رواق، وبه قناطر مطل على قويق. وحلب وبساتينها ولها قاعتان، إحداهما عن يمين هذه الخلاوى والأخرى عن يساره وبها عدة قاعات غير هاتين بحيث إن الداخل إليها يرى العجب من كثرة مساكنها بأعلاها وأسفلها. وهي غاية في الارتفاع. وكان بأعلاها قصر أخذت أحجاره. وكان قد أنشأها مشهدا (64 ظ) ف ثم صيرها مدرسة وقبليتها في غاية الجودة إذ قبوها يتحير الناظر إليه من حسن (63 ظ) م التركيب. ولما عمر السور في أيام المؤيد راموا أخذ حجارتها فمنعها الله من النقض لإخلاص نية بانيها. ومحبته الشيخين رضي الله عنهما. ووقف عليها وقفا. ودرس واقفها فيها سنة أربع وخمسين وستمائة.
[النقيب أبو الفتح المرتضى بن أحمد] :
وهذا النقيب هو: الإمام الشريف المرتضى بن أحمد بن محمد بن جعفر بن زيد بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام الشهيد الحسين بن الإمام الشهيد علي بن أبي طالب، أبو الفتح.
وبخط الصاحب أبو الفتوح نقيب العلويين بحلب وابن نقيبهم: تولى نقابة الطالبيين بحلب بعد موت أخيه. وبقي على ذلك مدة. ثم عزله الظاهر غازي بسبب أنه أخذ الخراج واستدركت عليه فيه. وولى النقابة شمس الدين أبا علي بن زهرة ثم إن أتابك طغرل ولاه الحسبة «1» بحلب في أيام العزيز محمد. ودام على ذلك مدة. إلى
أن مات أبو علي بن زهرة فولاه نقابة الطالبين. واستمر فيها. وولي بعد ذلك في دولة الناصر يوسف نقابة العباسيين مضافة إلى نقابة العلويين وهو شهير الترجمة. كثير المناقب والمفاخر سيء الاعتقاد.
[أبو القاسم بن الحسين بن العود الأسدي] :
ومن الغريب أن أبا القاسم بن الحسين بن العود نجيب الدين الأسدي. الفقيه على مذهب الشيعة. كان قد بلغ من العمر ستا وتسعين سنة. وتوفي بقرية جزين «1» في نصف شعبان سنة تسع وسبعين وستمائة. ولما كان بحلب كان يكثر الإتيان إلى الشريف عز الدين النقيب- المتقدم ذكره- فاسترسل معه ابن العود يوما فذكر أبا بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم بما نبأ عنه سمع المرتضى فأمر به فجر من بين يديه. وأركبه حمارا مقلوبا. وطيف به شوراع حلب وأسواقها وهو يضرب بالدرة. فعظم محل المرتضى عند الناس. وتحققوا ما كان ينطوي عليه من حب الصحابة رضي الله عنهم. وهذا سبب انتقال ابن العود من حلب «2» .
قلت: والمرتضى من نسل أبي بكر أيضا من جهة الأم. وسيأتي بقية الكلام على نسبته إلى أبي بكر في ترجمة للأشراف.
وحيث ذكرنا ابن العود نذكر شيئا من أحواله: قال العلامة قطب: وعمل في هذه الواقعة وأنا بحلب في الكتاب بعد الخمسين وستمائة. وكان استؤذن فيها يوسف الظاهري فتوقف خوف الفتنة وأمضاها المرتضى وفعلها بيده فلم يجسر أحد (65 و) ف من الشيعة أن يعارضه في ذلك.
وابن العود المذكور كان من الحلة «1» . وهو عندهم إمام يقتدى به في مذهبهم وفيه مشاركة في علوم شتى. وحسن عشرة، ومحاضرة بالأشعار والتواريخ والحكايات والنوادر.
ولما توفي- إلى لعنة الله- رثاه الجمال إبراهيم العاملي فقال:
عرّس بجزّين يا مستبعد النجف
…
ففضل من حلّها يا صاح غير خفي
نور ترى في ثراها فاستنار به
…
وأصبح الترب منها معدن الشرف
(64 و) م
فلا تلومون إن خفتم على كبدي
…
صبرا ولو أنها ذابت من اللهف
لمثل يومك كان الدمع مدّخرا
…
بالله يا مقلتي سحّي ولا تقفي
لا تحسبن جود دمعي بالبكاء سرفا
…
بل شحّ عيني محسوب من السرف
وهي أكثر من هذه الأبيات.
ولما بلغت هذه الأبيات جمال الدين محمد بن يحيى بن مبارك الحمصي؛ وهو من أكابر أهل مذهبهم فقال رادا على ناظمها:
أرى تجاوز حد الكفر والسخف
…
من قاس مقبرة ابن العود بالنجف «2»
ما راقب الله أن يرمى بصاعقة
…
من السماوات أو يهوى بمنخسف
وأعجب لجزّين ما ساخت بساكنها
…
بجاهل لعظيم الزور مقترف
وقد تحيرت فيما فاه من سفه
…
ومن ضلال وإلحاد ومن سرف
ومنها:
ما أنت إلا كمن قاس منطقة البيت
…
المحرّم ذي الأستار بالكنف
ولا أقول كمن قاست جهالته
…
الدّر الثمين بمكسور من الخزف
أو من يقيس الجبال الشامخات بمنحط
…
الحطيم وعرف المسك بالجيف
ومن يقيس النجوم الزاهرات إذا
…
سمت إلى أوجها والسعد بالخزف
ولم أوفّك ما استوجبت من قدع
…
ولست أجمع سوء الكيل والحشف
وما أردت بهذا الغض من رجل
…
بمثله خلف من غابر السلف
ما كان هجوي له إلا ليقلع عن
…
تكفير أهل الهوى والدين والصلف
وإن عتبت عليه وهو يسمعني
…
لقد بكيت عليه وهو في الجذف
ومنها:
فإن حملتم على ما قلته غرضي
…
لقد لجأتم من الحسنى إلى كنف
وإن ظننتم بي السوء فلست إذا
…
رضيت حيدرة «1» الهادي بذى أسف
قلت: اختلف في مكان قبر علي رضي الله عنه.
وقد قال سفيان الثوري: «أعز الخلق خمسة أنفس: عالم زاهد، وفقيه صوفي، وغني متواضع، وفقير شاكر وشريف سني (65 ظ) ف «2» » .
رجع: توفي الشريف النقيب المتقدم ذكره فجأة بحلب ليلة الخميس سادس عشر شوال سنة ثلاث وخمسين وستمائة. وترك ثلاثة أيام حتى تيقنوا موته. ثم دفن بمدرسته المذكورة في جانب قبليتها؛ ومولده بحلب في سنة تسع وسبعين وخمسمائة.
ومن شعره في الإمام المستعصم بالله:
إمام لنا يهدي إلى منهج الهدى
…
ويوضح من أدياننا كل مشكل
إذا عجزت أفهامنا عن صفاته
…
عدلنا إلى آي الكتاب المنزل
ومن نظمه: