الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعلم وفقك الله، وبصّرك بعيوب نفسك أنّا ترجمنا بعض الخلفا [ء] والملوك هنا ليعتبر الناظر في تراجمهم، ويعلم أنه لا بقا [ء] له في الدنيا. وأنه «1» لا دواء للموت؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:«ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء إلا الموت؛ وفي رواية إلا الهرم» . ونستفتح هذا الفصل بمواعظ.
ويقال: لا يدرك البقاء إلا بالدوا [ء] . والشقي من جمع لغيره وضنّ على نفسه بخيره.
ويقال: مدة العمر قليلة، وصحة النفس مستحيلة.
ومن لم يعتبر بالأيام ولم ينزجر بالملام لكن «2» يثور.
قال الأول: بيت:
إذا قسى القلب لم تنفعه موعظة
…
كالأرض إن سبخت لم ينفع المطر.
منهم:
الملك الظاهر غازي بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب
«3»
مدفون بالمدرسة السلطانية «4» تحت قلعتها؛ وهو:
أبو الفتح، وأبو منصور. كان مهيبا، حازما، كثير الاطلاع على أحوال رعيته واختبار الملوك، عالي الهمة، حسن التدبير، باسط العدل، محبا للعلماء، مجيزا
للفقراء، أعطاه والده حلب في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة بعد عمه العادل «1» . توفي بقلعة حلب ليلة الثلاث [و] العشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وستمائة، ودفن بالقلعة.
ثم بنى الطواشي تغربك أتابك «2» ولده العزيز مدرسة تحت القلعة، وعمر فيها تربة ونقله إليها.
ومولده بالقاهرة في نصف رمضان سنة ثمان وستين وخمسمائة. وهي السنة الثانية من استقلال أبيه بالمملكة بالديار المصرية.
ومن شعره في مملوكه ايبك الجمدار/ (5 و) ف:
أنا مالك مملوك ظبي أغيد
…
ومن العجائب مالك مملوك
وأنا الغني وإنني من وصله
…
بين البرية معدم صعلوك
ولكم سفكت دما بسيفي عنوة
…
ودمي بسيف لحاظه مسفوك
نقلته من ديوان الصبابة.
قال الذهبي، قال الحلي الشاعر يوما للظاهر في المنادمة وهو يعبث به وزاد عليه. فقال:
أنظم؟ يتهدده بالهجاء!. فقال: السلطان: أنثر، وأشار إلى السيف! انتهى.
توفي طغربك المذكور سنة إحدى وثلاثين وستمائه.
ثم قام بالأمر بعد الملك الظاهر غازي ولده العزيز غياث الدين أبو المظفر محمد «1» ومولده يوم الخميس خامس ذي الحجة سنة عشر وستمائه بقلعة حلب.
وتوفي بها يوم الأربعاء رابع عشر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وستمائه ودفن بالقلعة «2» .
وترتب بعده صلاح الدين «3» يوسف بن الملك العزيز.
وقام بتدبير دولته: الأمير شمس الدين لؤلؤ الأميني «4» ، وعز الدين بن مجلى «5» والوزير جمال الدين القفطي «6» ، والطواشي جمال الدولة إقبال الخاتوني «7» . والأمر كله راجع إلى ضيفة خاتون «8» .
وذكر في تاريخ الإسلام «9» ترجمة لصلاح الدين: منها: كان يذبح في مطبخه
كل يوم أربعمائة رأس سوى الدجاج والطيور والأجدية.
قال: وقيل أن قتله عقب وقعة عين جالوت في الخامس والعشرين من شوال سنة ثمان وخمسين وستمائه «1» . انتهى.
واتسعت مملكته وملك دمشق والبلاد الشامية يوم الأحد سابع ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وستمائه «2» .
ومولده بقلعة حلب في رمضان سنة سبع وعشرين وستمائه. وقصده التتار وملكوا دمشق. فخرج منها في صفر سنة ثمان وخمسين في الثالث والعشرين من شوال «3» .
وتوفي الصالح شهاب الدين أحمد- صاحب عين تاب- بن الظاهر غازي في شعبان سنة إحدى وخمسين وستمائه.
وكانت ولادته في صفر سنة ستمائه بحلب.
ومات بعين تاب، وإنما قدم العزيز وهو الأصغر لأن أمه ضيفة خاتون بنت العادل ابن أيوب. فقدموه في الملك لأجل جده، وأخواله، والصالح أمه جارية «4» .
واعلم أنني اقتصرت وذكرت في ترجمة السلطان صلاح الدين ما ذكره في تاريخ الإسلام «5» إشارة إلى أن الواقف على هذا التاريخ ينظر كيف كان الملوك وكيف آل الحال.
وقد روينا بالسند إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: «ذهب الناس وبقي
النّسناس «1» » . قيل: وما النسناس؟. قال: الذين يشبهون الناس. وليسوا بالناس.
يعجبني قول بعضهم:
قف بالديار وناد في صحرائها
…
فعسى يجيب الحي عن أبنائها.
لا والذي حجت قريش بيته
…
مستقبلين الركن من بطحائها.
ما أبصرت عيني خيام قبيلة
…
إلا ذكرت أحبتي بفنائها.
أما الخيام فإنها كخيامهم
…
وأرى نساء الحي غير نسائها.
وأما السلطان المذكور فلسان الحال يقول في ترجمته:
عجبا إذا لاقى شريف ركابه أرضا
…
ولم يخضر يابس عودها.
وإذا تلألأ من أشعة وجهه
…
نور بدا للأفق سعد سعودها.
فينبغي للواقف على هذه الترجمة أن يلزم البيوت حتى يموت. وينشد:
صبرت عن اللذات حتى تولت «2»
…
فألزمت نفسي هجرها وتولت.
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى
…
فإن طعمت تاقت وإلا تسلت.
وأما أنا فأقول كما «3» قال الصّنعاني:
تسربلت سربال القناعة والرضى
…
صبيا فكانا في الكهولة ديدني
وقد كان ينهاني أبي حف بالرضى «4»
…
وباليمن أن أوتي يدي من يديّ دني
وأقول:
دعوني ونفسي في عنائي فإنني
…
جعلت غنائي في حياتي ديدني.
لا عظم من قطع اليدين على الفتى
…
ضيعة بر نالها من يدي دني.