الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر نهرها
اعلم أن هذا النهر خفيف الماء، وشربه يورث البخل، وكان بعض الملوك إذا كان بحلب يقول: لا تطلبوا مني نفقة فإني بحلب. وأهل حلب لا يشربون منه إنما يشربون من قناتها. والنيل يورث عدم الغيرة. والدجلة الخلفاء لا تشرب منه لأنه يورث لينا في الحركات.
وروى ابن العديم في تاريخه بسنده إلى سعيد بن إسحاق أن إلقاء الأقلام في كفالة مريم عليها السلام كان بهذا النهر «1» .
وهذا النهر له مخرجان وبين حلب وبينهما أربعة وعشرون ميلا. أحدهما في قرية يقال لها «2» «الحسينية» بالقرب من عزاز. يخرج الماء من عين كبيرة فتجري في نهر، ويخرج بين جبلين حتى تقع في الوطأة التي قبلي الجبل الممتد من بلد عزاز شرقا وغربا.
والمخرج الآخر يجتمع من عيون ماء من سنياب «3» ومن قرى حولها كلها من بلد الراوندان فتجتمع مياه الأعين، وتجرى في نهر يخرج من فم فج سنياب فيقع في الوطأة المذكورة «4» . ويجتمع النهران فيصيران نهرا واحدا في بلد عزاز ونهر قويق (112 و) ف.
ثم يخرج إلى دابق. ويمر بمدينة حلب. وتمده عيون قبل وصوله إليها. وكذلك بعد أن يتجاوزها. وتمده العين المباركة وتدور به الأرحى. وأول هذه الأرحا قرية «مالد «1» » من شمالي حلب. ويسقى في طريقه مواضع كثيرة حتى ينتهي إلى قنسرين. ثم يمر إلى المطخ فيفيض في الأجم.
وحكى جماعة أن نهر قويق يفيض في المطخ، ويخرج إلى بحيرة أفاميا. وبعض الناس يقول أن سمك البحرة يحيض فيحمر ماؤها، فاستدلوا بذلك على ما ذكروه والمسافة بين مفيضه وأفامية مقدار أربعة عشر ميلا «2» . وقال أبو زيد البلخي «3» في تاريخه: ويخرج نهر حلب من حدود دابق دون حلب بثمانية عشر ميلا، ويغيض في أجمة أسفل حلب. وقال ابن حوقل النصيي «4» فيما وقفت عليه فيه: ولها- يعني حلب- واد يعرف بأبي الحسن قويق، وشرب أهلها منه. وفيه قليل طفس.
وذكر الحسن بن أحمد المهلبي «5» في كتاب: «المسالك والممالك «6» » الذي صنعه للعزيز الفاطمي لما ذكر حلب قال: وشرب أهلها من نهر على باب المدينة يعرف بقويق،
وتكنيه أهل الخلاعة: «أبا الحسن» :
وقال أبو الحسين بن المنادى «1» في كتابه المسمى «بالحافظ «2» » فخرج قويق نهر حلب من قرية تدعى سنياب على سبعة أميال من دابق يمر إلى حلب ثمانية عشر ميلا ثم إلى مدينة قنسرين اثنى عشر ميلا ثم إلى مرج الأحمر اثنى عشر ميلا. ثم يفيض في الأجمة فمن مخرجه إلى مفيضه اثنان وأربعون. ورأيت في كلام ابن الجوزي كذلك.
والمرج الأحمر هذا هو المعروف الآن بمرج «تل السلطان «3» » ، وإنما عرف بتل السلطان لأن السلطان ألب أرسلان السلجوقي خيم به مرة فنسب إليه. انتهى.
وفي سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة وصل نهر الساجور إلى حلب وسلط على قويق فكثر ماؤه، وطال بقاؤه واجراره. وكان بإشارة ارغون الدوادار.
ورأيت بخط بدر الدين الناسخ شيخ والدي في صفر وصل إلى حلب نهر الساجور، وسلط على نهرها قويق فعمت فوائده، وطابت موارده، وزاد بعد النقصان، وتبسم الزهر من حوله، ومالت إليه الأغصان وكان يسقم في المصيف، ويبرأ في أواخر الخريف. كما وصفه الصنوبري كأنه أراد قوله «4» (100) م:
قويق على الصفراء راكب متنه
…
رباه بهذا سهد وحدائقه «5»
إذا جدجد الصيف أبصرت جسمه
…
ضئيلا ولكن الشتاء يوافقه «6»
ورأيت في تاريخ الصفدي ما لفظه الأمير سيف الدين الدوادار الناصري إلى أن قال:
سمع البخاري من الحجار بقراءة الشيخ أثير الدين وكتبه بخطه في مجلد (112 ظ) ف في الليل على ضوء القناديل. وكان له معرفة بعلم الميقات «1» : واجتهد في حلب على سياق نهر الساجور. وبذل فيه أموالا يتحقق بها أنه عند الله مأجور. وما زال إلى أن أدخله حلب.
وساق به إليها كل خير وجلب. إلى أن قال: وهو الذي كمل سياقة نهر الساجور إلى حلب بعد ما كان ساقه سودي، ولم يتفق وصوله ويوم دخوله خرج لتلقيه هو والأمراء وأهل البلد مشاة، وشعارهم التكبير والتهليل وحمد الله تعالى. ولم يمكن أحد من المغاني والمطربين من الخروج معهم، وكان يوما مشهودا واحكم عمله وسياقته في الجبال والسهول. واتفق في طريقه واديان وجبلان فبنى على كل واحد- الواديين- جسرا يعبر الماء عليه. وأما الجبلان فكان الأول منها سهلا نقب في مدة يسيرة، والآخر كان صخرا أصم وطول الحفر في هذا الجبل ثلاث مائة وستون ذراعا. وأعمق موضع فيه من الجباب طوله ستة عشر ذراعا وبعضه محفور على هيئة الخندق بعضه جباب مقفرة وكان من هذا القدر نحو عشرين ذراعا لا يمكن حفره إلا بعد حرقه بالنار. وانتهى عمل هذا الجبل في ثمانية أشهر. وكان بعد هذا الجبل سهل فظهر بالحفر فيه حجارة مدورة لا يمكن نبشها إلا بالمشقة. وقيل له: يا خوند بالله لا تتعرض لهذا فإنه ما تعرض له أحد إلا ومات. فقال: أنا أكون فداء المسلمين فيه، وجعل مشده «2» شخصا من مماليكه اسمه أرغون فاتفق ما جرى. انتهى.
وفي أجرائه في أيام أرغون «3» يقول شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن ريان: