الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذا الدرب مسجد
…
«1» طغرل بني في أيام العزيز بتولي عبد المجيد بن الحسن ابن العجمي في سنة سبع وعشر وستمائة. ويعرف هذا المسجد قبل فتنة تمر بمسجد النحاة؛ نسبة إلى الشيخين الإمامين أبي جعفر شهاب الدين أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني الأندلسي الغرناطي المالكي ورفيقه شمس الدين أبي عبد الله محمد بن (89 ظ) م أحمد بن علي بن جابر الهواري الأندلسي المالكي الأعمى المعروفين بالأعمى والبصير، ولهما النظم الفائق، والمؤلفات الحسنة. وقد كتب الشيخ أبو جعفر نسخة من البخاري في ثلاثين مجلدا، وكذا نسخة من صحيح مسلم، وبعض هذين الكتابين موجود بحلب. وكان جيد الخط. انتهى.
ترافقا من البلاد. ثم قدما القاهرة. ولما رحل من غرناطة أنشد:
ولما وقفنا للوداع وقد بدت
…
قباب ربا نجد على ذلك الوادي
نظرت فألفيت السبيكة فضة
…
لحسن بياض الزهر في ذلك النادي
فلما كستها الشمس عاد لجينها
…
لنا ذهبا فاعجب لاكسيرها البادي
وله:
تجنّت فجنّت في الهوى كل عاقل
…
رآها وأحوال المحب جنون
وما وعدت إلا عدت في مطالها
…
كذلك وعد الغانيات يكون
وله:
محاجر دمعي قد محاهن ما جرى
…
من الدمع لما قيل قد رحل الركب
تناقض حالي قد شجاني فراقهم
…
فمن أضلعي نار ومن أدمعي سكب
وله:
مهلا فما شيم الوفا معاره
…
لمن ابتغى من نيلها أوطارا
رتب المعالي لاتنال بحيلة
…
يوما ولو جهد الفتى أوطارا
وله:
لا تأتمنه على القلوب
…
فمنه أصل غرامها
فلحاظه هن التي
…
رمت الورى بسهامها
وله:
لما عدا في الناس عقرب صدغها
…
كفّت أذاه عن الورى بالبرقع
والصبح تحت خمارها متستر
…
عنا متى شاءت نقول له اطلع
وله:
منازل ليلى إن خلت فلطالما
…
بها عمرت في القلب مني منازل
وسائل شوقي كل يوم يزورها
…
وما ضيّعت عند الكرام الوسائل
(84 ظ) م وله:
ناولته وردة فاحمر من خجل
…
وقال وجهي يغنيني عن الزهر
الخدّ ورد وعيني نرجس وعلى
…
خدي عذار كريحان على نهر
وله: (92 و) ف
صيرتني في هواك اليوم مشتهرا
…
لاقيس ليلى ولاغيلان في الأول
زعمت أن غرامي فيك مكتسب
…
لا والذي خلق الإنسان من عجل
انتهى.
ولما قدما القاهرة اجتمعا بالشيخ أبي حيان. ثم قدما دمشق وحلب، ورحلا إلى ماردين. ثم رجعا إلى حلب، ثم حجا من حلب مرارا. وجاورا أ. وقبل موتهما افترقا بالقلوب لأن أبا عبد الله تزوج بالبيرة وأقام. وقدم أبو جعفر حلب.
وبيت أبي عبد الله بالبيرة معروف على شاطئ الفرات «1» .
وتوفي أبو جعفر بحلب يوم السبت منتصف رمضان سنة تسع وسبعين وسبعمائة ودفن بمقابر الصالحين. وكانت جنازته مشهودة. ورثاه رفيقه الشيخ أبو عبد الله بقصيدة طنّانة:
لقد عزّ مفقود وجلّ مصاب
…
فللخد من حمر الدموع خضاب
مصاب لعمري مأصبت بمثله
…
ولا أنا فيما بعد ذلك أصاب
فإن أبك لم أعتب وإن أرى صابرا
…
فليس على الصبر الجميل عتاب
بكيت ولكن لم أجد ذلك نافعا
…
ولا فيه إلا أن يضيع ثواب
فأبت لحسن الصبر وهو أجل ما
…
إليه إذا جل المصاب يأب «2»
لعمرك ما الدنيا بدار إقامة
…
فللناس عنها رحلة وذهاب
إذا ما رأيت الدار ملأى فإنه
…
سينعق فيها بالفراق غراب
ومن صحب الأيام كرت خطوبها
…
عليه وكرّات الخطوب غراب
وكيف خلاص المرء منها وخلفه
…
خيول الردى يجرين وهي عراب
لئن جمعتنا والجماعة رحمة
…
فقد فرقتنا والفراق عذاب
تشاب بسم الموت والمرء غافل
…
موارد منها للحياة عذاب
وما العسل الصافي شيء وإن حلا
…
إذا كان بالسم القتول يشاب
يهول كمثل البحر إن هب عاصف
…
فيهرم من أهوالها ويشاب
تفر الورى حتى إذا أطمعتهم
…
فطالوا إلى نيل المراد وطابوا
رمتهم بأنواع الخطوب فلم تكن
…
لتسمع شكوى أو يجاب جواب
يعدون من عز النفوس اكتسابها
…
وما هو إلا ذلة وتباب
(70 ظ) م
وما مثل الدنيا وطلاب مثلها
…
سوى جيف من حولهن كلاب
فتبا لها مذ جرّدت سيف غدرها
…
لقتل الورى وما جف منه ذباب أ
فكم قتلت من ذي جلال ولم يقل
…
كأن نفوس العالمين ذباب ب
لقد راع قلبي من تقلب دهره
…
أمور قضت أن الحياة سراب
حوادث لم تتركن بي غير أدمع
…
يشاب طعام لي بها وشراب
أرى الناس يمضي واحدا بعد واحد
…
ولم أرهم بعد الترحل آبوا
(92 ظ) ف
وهم كحباب الماء يعلو فينطفئ
…
ولا طمع في أن يدوم حباب
يذيب «1» الثرى من ليس يحصون كثرة
…
كهول وشيب قد مضوا وشباب
تفقدت أترابي فألفيت كلهم
…
تضمنهم بطن التراب فغابوا
فماذا انتظاري أن فيهم لأسوة
…
فلم يبق إلا أن تحث ركاب
ولكن أرجي أن أعيش لعلني
…
ييسر لي قبل الممات متاب
وكان يهون الموت لو ترك الفتى
…
ولم يكن في يوم الحساب عقاب
ولكننا نجزى ونسأل في غد
…
ونقطع من دون الخلاص عقاب
فلا يتمني الموت شخص لشدة
…
ينال بها من دهره ويصاب
إذا مات فات الأمر وانقطع الرجا
…
ولم يبق إلا موقف وحساب
وما دام حيا قد يوفق للتقى
…
فيفعل فعلا صالحا فيثاب «2»
عجبت لهذا الدهر يفنى خياره
…
وهم فيه زين أن ذا لعجاب
لقد أخذ الموت اللباب فلم يدع
…
سوى القشر لا يلفى لديه لباب
فأي شهاب غاب عنا فلم يكن
…
ليخلفه في الخافقين شهاب
فو الله ما يأتي الزمان بمثله
…
وإن زعموا إتيانه فكذاب
فكم عطف الحسنى على مثلها وكم
…
حوى منه تأكيد البيان جواب
ومن نعته هذا فلا بدل له
…
ولو طلبوا إلا بدال منه لخابوا
هو العلم الفرد المنادي لكشف ماله
…
عن عقول الباحثين غياب
فإن ضم منا للقلوب محبة
…
فقد أنصفوا في ضمه وأصابوا
سلوني على المرء الخبير سقطتم
…
فأحواله في الصالحين عجاب
(85 ظ) م
أبا جعفر ما زلت والله سالكا
…
سبيل رجال أخلصوا وأنابوا
عطفت على كتب الحديث وضبطه
…
فولى مشيب فيهما وشباب
وكنت إذا أديته قارئا له
…
تكاد القلوب القاسيات تذاب
فتطرب أهل الحي حتى كأنما
…
غذا القوم من ثغر الكؤوس رضاب
فما للبخاري بعد موتك قارئ
…
ولو علموا عظم المقام لهابوا
وكم مدع في العلم أدركه الغنى
…
وما ثم من علم لديه يصاب
مرارا أمام المصطفى قد قرأته
…
بأفصح نطق لم يفته صواب
تخاطبه في قبره وهو سامع
…
وأنت بإجزال الثواب تجاب
وفي حجر إسماعيل أيضا قرأته
…
وقد شرعت للدار عين حراب
فتسمع أصوات الرجال إذا التقوا
…
كما تزأر الآساد وهي غضاب
«1»
وأنت مديم للقراءة لا الحشا
…
يراع ولا منك الفؤاد يراب «2»
ومن كان في البيت المحرم قارئا
…
حديث رسول الله كيف يهاب
(93 و) ف
وفي ذاك ما زلنا جميعا كأننا
…
حسامان ضم الصفحتين قراب
نلازم تحقيق العلوم وجمعها
…
وليس نرى إلا بحيث نتاب
فنسهر حتى يقضي الليل عمره
…
ويكشف عن وجه الصباح نقاب
وكنا كندماني جذيمة لم يكن
…
يعض علينا للتفرق ناب
فلم ندر إلا والتفرق واقع
…
وقد سد من دون التواصل باب
كأن لم يكن منا اجتماع ولم نبت
…
ومن بيننا للكشف منه كتاب
وأي اجتماع بعد ما حكم الردى
…
وحال من النوب المهيل حجاب «1»
ولكن نرجى أن يكون لنا غدا
…
بجنة عدن مجمع ومآب
أبا جعفر قد كنت أكرم صاحب
…
إذا عد من أهل الوفاء صحاب
لقد كنت..... سمح النفس خلوا عن الأذى
…
حميد السرى لا شيء فيك يعاب «2»
ولو أن مابي من فراقك بالحصى
…
لذاب فكيف القلب ليس يذاب
بموتك مات العلم والحلم والتقى
…
فأصبح ربع الفضل وهو خراب
وأصبحت الطلاب بعدك لا يرى
…
لهم طمع في أن ينال طلاب
(86 و) م
فمن للمعاني الغر بعدك عند ما
…
ترى وهي للذهن السليم صعاب
ومن لفنون العلم يجمع شملها
…
إذا اختلفت سبل لها وشعاب
ومن لكلام الحق في وجه مبطل
…
ولو أنه قد عز منه جناب
لمثلك تبكي العين من متوكل
…
عليه من الحمد الجميل ثياب
أبا جعفر ما مات من عاش ذكره
…
وذكرك باق لم ينله ذهاب
فو الله لا أنساك حتى يضمني
…
كمثلك في بطن الضريح تراب «3»
سبقت وإنا لا حقون فكلنا
…
سنمضي مضاء ليس منه إياب
ولا بد أن يستوفي المرء عمره
…
ويفرغ زاد خصّه وشراب
وتقديم أقوام وتأخير غيرهم
…
يفاوت أعمار لهن كتاب
لقد أوحشت من بعدك الأرض كلها
…
كأن البلاد العامرات يباب
فآنسك المولى كما كنت مؤنسي
…
وذو البر مجزي به ومثاب
سقى الله ذاك القبر صيّب رحمة
…
يخالطها من ذي الجلال ثواب انتهى [1]
وأما الشيخ أبو عبد الله فإنه توفي بالبيرة سنة ثمانين وسبعمائة ولهما رحلة في مجلد.
والبديعية [2] وشرحها.
[1]- القصيدة وردت أيضا في (م*)
[2]
- ذكرها أبو ذر في القسم المكرر (م*) وهي:
دع الدار وارحل للذي جاء بالبشرى
…
وبع دارك الدنيا من الله بالأخرى
دعينا إلى دار النبوة عزمة
…
فقمنا ولم نترك لأنفسنا عذرا «1»
ولما تجاوزنا الفرات وقد غدى
…
سناء الشمس يلقى فوق قصبها تبرا
وقفنا لتوديع الأحبة وقفة
…
طوت بتها كشحا على كبد حرا
فسرنا وولى القوم عنا وودعوا
…
وأيدي النوى ينثرن أدمعنا نثرا «2»
صبرنا وقلنا إنما الخير في الذي
…
قصدنا ولولا ذاك لم نستطع صبرا (127)
وحانت إلى نحو الفرات التفاتة
…
وما امتنعت عيني فرددتها أخرا
وقلت دعوا بحر الفرات وأسرعوا
…
فسوف نرى من جود خير الورى بحرا
فبتنا بنهر الجوز «3» والناس قد رأوا
…
هناك هلال الصوم واستقبلوا الشهرا
_________
وكان على الساجور بعد مبيتنا
…
فلله ما أبهى وأبهجه نهرا «1»
وبالباب بتنا والله بعد فاتح
…
بمت قد قصدنا باب نعمته الكبرى
فنمت بها كي نكسر النوم ساعة
…
وسرنا بعزم لانطيق له كسرا
على حلب الشهباء ولي لنا الدجى
…
بأديمه إذا شهب الصبح تذكرا
فلما نضى عنا الظلام نقابه
…
كما نضى الجلباب عن كاعب عذرا
رأينا التي قد أكمل الله حسنها
…
وما خالف الأخبار عن وصفها الخبرا
كفى الماء فيها والهواء يقيهما
…
من الطيب ما لعينين العليل به تبرا
وما أنا أسلو عن كريم أرنا بها
…
أولئك قوم لست أنسى لهم شكرا
أقمنا بها مقدار ما هي......
…
وقمنا لقصد عنده يحمد المسرى «2»
وقد مر شهر الصوم إلا بقية
…
إذا زدتها يوما فقد كملتها عشرا
وثالث يوم من حماة بدت لنا
…
حدائق أرخى الحسن من فوقها سترا
ترى النهر يجري كالمجرة وسطها
…
فتحسب غصن الزهر من حوله زهرا
فبات عليها الركب ثم مضوا ضحا
…
وبالرستن استوفى ومن جنيه اسرا
فصبح حمصا والمطى على ونا
…
فقلت أريحوا لا يكن أمركم عسرا
وثاني يوم قد حثثنا ركابنا
…
ونحن بجاه المصطفى لا نرى ذعرا
ومن بركات المصطفى كان يومنا
…
بقارة «3» صحوا لا شتاء ولا وقرا
إلى أن نزلنا من دمشق لبلدة
…
غدت جنة الدنيا فأكرم بها قطرا
وذلك يوم العيد والدهر كله
…
لساكنها عيد فيا حسنه دهرا
ولكنها أرض الغنى وداره
…
ولا عيش فيها للذي يجد الفقرا
قضينا بها الآمال ثم استحثنا
…
إلى المصطفى شوق حشى في الحشى جمرا
فسرنا وشهر الفطر قد مر ثلثه
…
إلى من أرانا شرعة الصوم والفطرا
_________
فودعت الركبان ثم تابعوا
…
رحيلا وقالوا إن موعدنا بالزورا
ولما أتى حوران....... جوها
…
وأصبح لحلق الوجه قد أظهر البشرى «1»
فما كان إلا أن ركبنا تيمنا
…
إذ الجو يبكي فوقنا بعد ما افترا
فأقبلت الأمطار من كل جانب
…
علينا وعاد البر من حينه بحرا
إلى أن نزلنا من محجة جانبا
…
ولم نستطع نخطو ذراعا ولا شبرا «2»
فقلنا لأجل المصطفى هان كل ذا
…
وبالله أجرا سوف يعطى به أجرا
نزلنا وقلنا سوف يرحم ربنا
…
ويجعل بعد العسر في أمرنا يسرا
وثاني يوم بيض الجو وجهه
…
وأبدى لنا البشرى وجاء بما سرا
فأصبح وجه الأرض خف ماؤه
…
فقمنا بأيدي العيس نلطمه جهرا
وفي ازرع باتوا وأسروا يصبحوا
…
بدير حليف ثم أمسوا على بصرى «3»
فأول بشر أن رأينا بربعها
…
معاهد من سرنا له نقطع القفرا
إليها انتهى عند الولادة نوره
…
كذاك إليها سير فافهم السرا
ومن أجل هذا آنس الله ربعها
…
فكل أخي تيم رآها فقد سرا
وبعد رحيل الركب عنا بساعة
…
بدير بحيرا عند تيماء قد مرا «4»
هناك وافى ركب مكة مقبلا
…
ومنهم أجل الخلق كلهم قدرا
وكان بحيرا ناظرا فوق ديره
…
فأبصره والسحب تمنعه الحرا
وشاهد أزواج الفلا سجدت له
…
وكل هشيم مسه مسة اخضرا
فأكرم مثواهم وأحسن في القرى
…
وباركهم من قبل ذا عنده يقرا
وإذ باشر الآيات بشر عمه
…
وقد عمه نصحا وأوسعه برا
_________
وأعلمه هذا النبي الذي يرى
…
وكان لدى أشياعه عالما حبرا
فلما وقفنا ذاكرين لعهده
…
إلى أن سقينا الأرض من دمعنا قطرا
رحلنا وفي سفل البنية خيموا
…
وقد شاب...... الدجى وقضى العمر «1»
وبعد أداء الفرض ساروا فأصبحوا
…
بزيزي وما زالت ركابهم تترا «2»
أقعمنا ثلاثا نجتبي كل نعمة
…
فقمنا على عزم وجدبنا المسرا
وفي ثالث جئنا الحسى وخامسا
…
معانا وأياما مكثنا بها قرا «3»
وقمنا وقام الناس من كل حازم
…
رمى بنفسه في البيد واستهل الأمرا «4»
وثاني يوم أصبح الركب نازلا
…
بذات الصفا فاستقبل البلد القفرا
فمدوا علي أرجائها وتقدموا
…
لزاخر بحر يجعلون اسمه يسرا
تلاطم أمواج السراب به وما
…
ترى الفلك إلا الخيل والنجب الضمرا
وأضحت فجاج البر فينا عواملا
…
فترفعنا طورا وتخفضنا أخرى
ولم يبق إلا الحبر من كل داخل
…
وأصبح به السير لا يقبل القصرا
وثالث يوم من معان ورودنا
…
على ذات حج فارتوا وسروا ظهرا
وعند ابتداء الشمس ذاك وحبذا
…
شهورا يا خير الأنام بها يرا
وفي ثالث لاحت تبوك لنا ضحى
…
وقد لبست من حلها حللا خضرا 125
وردنا بها الماء المبارك كيف لا
…
وذلك مما سيد الخلق قد أجرا
أتى عينها والماء كالدمع قد غدا
…
يبص فلما
…
فيها جرت بحرا «5»
أقاموا ليلتين على رضى
…
وفي سحر أمت مطيهم الصحرا
_________
وجازوا على وادي الأخيضر ثانيا
…
وقد قطعوا من بدئه مسلكا وعرا
وجاءوا إلى (الصامي) عشية ثالث
…
ورووا وساروا إذ بدى الأفق مفترا «1»
وباتوا على (ماء المعظم) بعد ذا
…
وما أحد منهم إلى الماء مضطرا
وبعد على ماء الحبيب مبيتهم
…
فرووا وساروا قبل أن يبصروا الفجرا
وفي ثمر الروم انجلى الصبح ضاحكا
…
لنا فلقطنا من حمى أرضه درا
وفي صبح ثاني مبرك الناقة.....
…
وفي ظهر ذاك اليوم قد وردوا الحجرا «2»
وجاءوا العلا بعد الغروب فأكثروا
…
لربهم شكرا وللمصطفى ذكرا
وطابوا بتخليص المفازة أنفسا
…
وأن لهم أن يبصروا ذلك البدرا
أقاموا ثلاثا فاستراحوا وأودعوا
…
وساروا على عزم وقد جنفوا الظهرا
وثاني يوم أودوا الشعب عليهم
…
فيا طيب ذاك الماء لو لم يكن بذرا
ومن بعد في (وادي هدبة) خيموا
…
على مورد لابد منه وإن ضرا
وسرنا ووجه الصبح أبيض باسم
…
فلاقت من السوداء احمالنا سرا
فسالت دما فيها جفان مطينا
…
على الصخر كالخنساء حين بكت صخرا
وجازوا على (وادي العظام) فلم يروا
…
بجاه رسول الله خيما ولا ضرا
وكان بقرب (الفحلتين) مبيتهم
…
وإذ رحلوا صلوا ورآهما الفجرا
وبتنا لدى (وادي القرى) يأنس القري
…
وينبق من أرض الحجاز به عطرا
و (بالسد) أوردنا صباحا ولم يزل
…
نديم السرى حتى نزلنا على (البترا)
فبتنا نناجي النفس كيف لقاؤه
…
ولم يبق سوى الذنب وجها ولا عذرا
نسايس من أجل الخطايا ونرتجي
…
إذا ما ذكرنا ذلك الكرم الوفرا
وقد أسهر الشوق الشديد عيوننا
…
فلا أحد إلا ومقلته سهرا
فقمنا فصبحنا (المدينة) بكرة
…
فلله من يوم صبيحته غرا
_________
صعدنا على أعلى (الثنية) فانجلت
…
لنا من (بصيد النخل) في حلة خضرا «1»
وقد جال بين الشرق والغرب نوره
…
وغاب ضياء الشمس فيه فما بدى
نضينا أكف القصد إذ رفعت لنا
…
وذيل الصبا فوق الحدائق قد جرى
وحن جميع الركب حتى مطيهم
…
فكم أنفس تفنى وكم أدمع تجرى
ونادى منادي القوم هذا ضريحه
…
هنيئا لمن أسرى هنا ينقذ الأسرى (126)
فلما سمعناه رمينا نفوسنا
…
عن العيس برا للذي علم البرا
إذا أبصر المشتاق بر ديارهم
…
وسار على ظهر المطى فما برا
ولما رأينا النور من حجرات من
…
تميز بالفرقان واختص بالإسرى
شددنا عقود العزم منا لتوبة
…
تعود لنا من غافر الذنب بالبشرى
وقد أفلح السارون واقترب الرضى
…
وقيل ادخلوا في كهف رحمة الكبرا
دخلنا فسلمنا وقمنا تجاهه
…
قيام كسير القلب ينتظر الجبرا
وملنا إلى الصديق نهدي تحية
…
وتشكر في الإسلام أفعاله الغرا
وقمنا لدى الفاروق صاحبه الرضى
…
نسلم بالحسنى ونحسن في الذكرى
ولدنا بتابوت الرسالة بعد ذا
…
وقلنا أسانا يا إله الورى غفرا
وفي الروضة العليا قصدنا لربنا
…
صلاة جعلناها لأنفسنا ذخرا
وما بين قبر للرسول ومنبر
…
لثمنا ثرا من أم ساكنه أثرا
هناك عدت من جنة الخلد روضة
…
ستجعل من نار الجحيم لنا سترا
وزرنا الأولى حلو البقيع وحسبنا
…
به قبة العباس غوث من اضطرا
بها الحسن الأرضى قيل وأمه
…
وقد قيل بل في بيته تابوت قبرا
وقبة عثمان الصبور على الأذى
…
على بنتي المختار قد أسبل السترا «2»
وزرنا الإمام الحبر مالكا الرضا
…
فلم نر قبر أقبل ذا قد حوى بحرا
وحمزة زرنا سيد الشهداء كم
…
أنال الهدى نصرا فحاز به البشرا
_________
وزرنا قباء ثم المساجد كلها
…
وبير أريس قد قصدنا به الظهرا «1»
ومن بير حاء شربنا تبركا
…
ومن كل بئر مس من مائها قطرا «2»
ولما فرغنا من زيارة كل ما
…
يؤمل في نقل الخطى نحوه أجرا
رحلنا إلى أم القرى نعمل السرى
…
عسى سورة الإخلاص في حجنا نقرا
ولما وصلنا ذا الحليفة بعد ما
…
مضت ساعة والركب أجمع قد سرا
قضوا أربا من غسلهم وركوعهم
…
ومن سنن المختار قد تبعوا الأثرا
وبعد نضو لبس المخيط وأحرموا
…
وقد أعلنوا لبيك واجتنبوا الجهرا
فباتوا على (تربان) وارتحلوا ضحى
…
فكنا على الرّوحاء واليوم قد مرا «3»
فجزنا على وادي الغزالة والثرى
…
نشم لخير الخلق من طيه نشرا «4»
هنالك جاءته الغزالة تشتكي
…
وقد صادها من صاد ما قد لاذ ذعرا
فنادته لي بالشعب خشف على ظما
…
وقد صادني هذا ولا أملك الصبرا
فقلبي كسير موجع لفراقه
…
وأنت كريم لم تزل تجبر الكسرا «5»
فسرّحها من بعد عهد فأسرعت
…
رجوعا ولم تستطع خلافا ولا عذرا
وبالقرب للصفراء باتوا فأصبحوا
…
عليها فذرت سحب خيراتها درا
ومدت لهم جناتها الخضر ظلها
…
فما أنصفوها حين يدعونها الصفرا
_________
وما زال بين الماء والظل سيرهم
…
إلى أن تولى يومهم وأتوا بدرا «1»
وبالعدوة الدنيا نزلنا بحيث قد
…
أقام رسول الله ينتظر النصرا
بحيث حمى الله الهدى بنبيه
…
وأصحابه الأخيار حتى محا الكفرا (127)
يصارع أهل البغي قبل آراهم
…
وكان كذاك الأمر إذ عظم الأمرا
رمى بالحصى في أوجه الجمع رمية
…
خفر أشد القوم بأسا وما قرا «2»
وناول عودا في القتال حذيفة
…
فعادله سيفا يبيد العدى قهرا
وأقبل جبريل الأمين بحبه
…
فلما رأى الشيطان ما قد رأى فرا
فبتنا بتلك الأرض نلمح نوره
…
وثوب الدجى في لبة الأفق قد زرا
فلما تعرى الصبح عن ثوب ليله
…
دخلنا وعقد الشهب يبدي لنا نثرا
إلى أن قطعنا رمل عالج الذي
…
يظل القطا في قطع كثبانه حيرا
وفي (بطن خيت) قد نزلنا وفي الدجى
…
سرورا وحرف العيس قد كتبت سطرا «3»
فبتنا على (ودان) ثم (بدابغ)
…
فلاح هلال الشهر للناس وافتراء «4»
وسرنا فبتنا بالبيادر واغتدوا
…
فجازوا على (ذات السويق) بنا ظهرا
وجاؤوا (خليصا) فارتووا وتعجلوا
…
إلى بلد تقل الخطايا به ندرا «5»
فباتوا على ظهر (المدرج) واغتدوا
…
(بعسفان) ثم (المنحنا) نزلوا عصرا «6»
وما صحوا إلا أبا عروة الذي
…
ترى العين من (صانه) كلما سرا «7»
_________
وبعد زوال الشمس ساروا وشوقهم
…
يحثهم مذ شب وسط الحشى جمرا
فباتوا على أدنى المساجد منهم
…
وقد نشقوا من طيب أم القرى عطرا
وفي حرم الله اغتدوا (وبذي طوى)
…
قد اغتسلوا كي يتبعوا السنة الغرا
وإذ صعدوا فوق (الثنية) أشرفوا
…
على حرة الدنيا لمن فهم السرا
ولما دنوا من كعبة الله أبصروا
…
بدائع حسن تخجل الكاعب البكرا
فمالوا إلى الركن الشريف وقبلوا
…
كما قبل المشتاق من كاعب ثغرا
وطافوا وحتما بالمقام تركعوا
…
وفازوا بأمن بعدما دخلوا الحجرا
وبلزم البيت المكرم لازموا
…
وإذ علقوا بالستر كان لهم سترا
وقاموا لدى الميزاب يدعون ربهم
…
وفوق الصفا والوا لربهم الذكرا
إلى أن وفوا السعي سبعا إذا انتهوا
…
لمروتهم كروا لنحو الصفا كرا
ومن زمزم العذب المذاق تضلعوا
…
فما صدروا إلا وقد شفوا الصدرا
وما ماؤه إلا لما قد شربته
…
فسل عنه ما شئت من نعم تترا
طعام لمحتاج وماء لذي ظماء
…
وبر لذي سقم فكم آلم أبرا
فكان جميل العفو فيها قراهم
…
ومن حل في دار القرى لا يقرا
ويوم نزلنا في منى صحت المنى
…
فبتنا على إحسانه نحمد الدهرا 128
وفي عرفات قد عرفنا لربنا
…
مواهب فضل ليس يحصى لها شكرا
وفي موقف المختار بالصخرات قد
…
وقفنا بحيث الترب قد فاخر التبرا
وبعد زوال الشمس حتى غروبها
…
لربهم قاموا ينادونه جهرا
فلو كنت في ذاك المقام تراهم
…
حفاة عراة مثل ما يردوا الحشرا
وقد تركوا أبناءهم وديارهم
…
وجاؤوه شعثا قصد رحمته غبرا
وقد خشعت أصواتهم وقلوبهم
…
وأبدوا لذي العرش التذلل والفقرا
وضجت هناك الأرض من دعواتهم
…
وأبدوا بكاء هم أن يبكي الصخرا
فهبت عليهم رحمة الله هبة
…
فما منعت قصدا ولا تركت وزرا
وعمت عليهم نعمة الله عندما
…
توارى محيا الشمس واستقبلوا الغفرا
_________
وبالمشعر المبرور بتنا فلم نزل
…
نديم بته التعظيم لله والذكرا
وبعد صلاة الصبح سرنا إلى منى
…
فلما قصدنا الرمي والحلق والنحرا
....... الحج والبعض قائل
…
لبعض هنيئا إن حجك قد برا «1»
بعدها فأكملنا المناسك في منى
…
ووجه الليالي قد أضاء لنا بشرا
فلما اعتمرنا ودع الركب راجلا
…
وذا آئب يبغي الشام وذا مصرا
وما تقتضي أشواقهم أن يفارقوا
…
ولكن قضى رب الورى ذلك الأمرا
وما هي إلا حكمة الله كلما
…
قضوا حجهم حنوا لأوطانهم طرا
وتا الله لا أنسى بمكة عيشنا
…
فيا حبذا لو كنت أقضي به العمرا
نشاهد ذاك الستر والليل مسبل
…
فننتظر حسنا لا نطيق له حصرا
وقد رفعت ما بيننا الستر وانجلت
…
وقالت لكم وصلي ولا تبتغوا هجرا
فطاف بها العشاق من كل جانب
…
فكلهم من وصلها قد قضى نذرا
وقد دهشوا من حسن ما شهدا فهم
…
من الوجد في سكر وما شربوا خمرا
وما كان في رق الخطايا تكرمت
…
عليه بحسن العفو حتى انثنى حرا
إذا طفت في تلك الديار كأنني
…
أرى المصطفى فيها وأباه الزهرا
ديار ذوي العلياء من آل هاشم
…
فكم وهبوا والجو قد أمسك القطرا
وكم أطعموا وفد الحجيج وكم سقوا
…
وكم ستروا عيبا وكم كفوا ضرا
تهلل من بشر السماح وجوههم
…
لأضيافهم والأرض عابسة غبرا
وما سدلوا إلا على الصون أزرهم
…
وما ضيعوا من شد يوما بهم أزرا
وما حل امرؤ منهم يد جوده
…
عن السائل المحتاج قد عقدوا الأمرا
هم المطعمون الوحش في كل شاهق
…
هم المانعون الجار من كل ماضرا 129
أناس رسول الله صفوة مجدهم
…
فإن فاخروا من ذا يساويهم فخرا
به شرف الله الأباطح من منى
…
ومكة واستدعى إلى قصدها الضمرا
ومن شعر أبي عبد الله «1» :
إني سئمت من الزمان لطولما
…
قد صدعن حسن الوفاء رجاله
ومن النوادر في زمانك أن ترى
…
خلّا حمدت وداده وخلاله
قلت: ولا أعلم بعدهما قدم حلب من المغاربة مثلها.
[العلامة محمد بن محمد الحكمي الأندلسي] : وقد قدم حلب شيخنا العلامة المحقق ذو الفنون شمس الدين محمد أبو عبد الله محمد بن محمد بن يحيى ابن محمد بن (93 ظ) ف عيسى الحكمي الأندلسي. مولده كما أخبرني به سنة ست وثمانمائة. قرأ النحو على الشيخ أبي بكر بن قاسم الأندلسي والفقه على الشيخ محمد بن محمد بن سراج الأندلسي، والمعاني والبيان على العلامة ابن مرزوق، وأصول الفقه عليه وعلى غيره. وكذلك المنطق على الشيخ عبد الرحمن بن الباز القسطنطيني، والقرآن على شيخ الإسلام أبي عبد الله محمد المنتوري- بكسر الميم- وهي بلدة بالأندلس، والفلسفة على الشيخ عمر القلشاني، والطب على الكرماني، واللغة على عدد: منهم ابن فتوح، والحساب على أبي عبد الله محمد الصناع الغرناطي، والتاريخ على شيخ الإسلام أبي قاسم العبدوسي. رحل من بلده إلى مصر لطلب الرواية، فقرأ على شيخنا شيخ الإسلام ابن حجر فأعجبه وصار يميل إليه، ويعظمه. ويثني عليه. فسعى له في قضاء حماة بغير نول فقدم إلى حماة. وسار سيرة حسنة بحرمة وافرة، وأقرأ جماعة من أولاد الحمويين ثم رحل إلى حلب للأخذ عن والدي فنزل بالشرفية (86 ظ) م في بيتي يوم الخميس سادس عشر من شوال سنة تسع وثلاثين وثمانمائة فقرأ على والدي أشياء. وسمع بقراءتي على والدي أشياء. وقرأت عليه قطعة من صحيح البخاري وسمعت من فوائده نقلا عن أبي القاسم العقياني في قوله صلى الله عليه وسلم:«لاردها الله عليك» قال: معناه لا تفعل. «ردها الله عليك» . وسمعته يقول عن أبي القاسم.
المذكور في حديث الخضر وموسى كذب عدو الله. قال: أي شيطانه الحامل له على هذه المقالة. وغير ذلك. انتهى.
وكان مغربيا ريض الأخلاق. كريما. وكتب لي إجازة صدرها بقوله:
«أما بعد حمد الله مجير السائلين، ومجيب الراغبين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أفضل من أجاز فأجاد. وأقرت محاسنه كل راض. وروت عين مكارمه كل صاد وعلى آله وصحبه السالكين مجاز الفضل على الحقيقة المالكين لدرج المعالي الجليلة والمعاني الرقيقة.
ومنها ما أنشده بسنده إلى يحيى بن معين:
المال ينفذ حله وحرامه
…
يوما ويبقى في غد آثامه
ليس التقي بمن يمير بأهله
…
حتى يطيب شرابه وطعامه
ويطيب ما يحوي وتكسب كفه
…
ويكون في حسن الحديث كلامه
نطق النبي لنا به عن ربه
…
فعلى النبي صلاته وسلامه
وبسنده إلى المعري التاجر:
تأمل أبدر التم أحسن أم بدري
…
وقس نظرا عطفيه بالغصن النضر
وقل ما تشاء عن لحظه ورضابه
…
وحدث فكل معدن السحر والخمر
ودع ذكر أخبار العذيب وبارق
…
وصف عن عذيب الريق أو بارق الثغر (94 و) ف
وكن مستضيئا بالهدى من جبينه
…
إذا ضل هادي الفكر في ظلمة الشعر
ومن إنشاده:
جزى الله إخوان الخيانة أنهم
…
كفونا مؤنات البقاء على العهد
فلو قد وفوا كنا أسارى لعهدهم
…
تراوج ما بين النسيئة والنقد
ومن إنشاده بسنده إلى سلطان المغرب ملك إفريقية:
مالي عليك سوى الدموع معين
…
إن كنت تغدر في الهوى وتخون
من منجدي غير الدموع وأنها
…
لمغيثة مهما استغاث حزين