الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إمام ومؤذن وحصر ومصابيح. وغير ذلك. وعزم على أن يسوق إلى بركتها الماء من القناة كعادتها. فما طالت مدته. وسيأتي ما اتفق له. انتهى.
وقال ابن الوردي في ترجمة [ا] بن شداد: وعمر بحلب دار حديث ومدرسة متلاصقتين. وجعل تربته بينهما. فقال الناس: هذه تربة بين روضتين. ورجا أن يشمله بركة العلم ميتا كما شمله حيا. وأن يكون في قبره من سماع الحديث والفقه بين الري والريا: (47 و) ف
ربما أنعش المحبّ عيان
…
من بعيد أو زورة من خيال
أو حديث وأن أريد سواه
…
فسماع الحديث نوع وصال
انتهى.
ومن وقفها: كفر سلوان من عمل عزاز، وحصة بالسوق الذي أنشأه دقماق، ويباع الزموط قبلي الحبالين. (48 و) م
«المدرسة السلطانية» :
هذه المدرسة تعرف قديما بالظاهرية، وهي [ا] تجاه باب القلعة. وهي مشتركة بين الطائفتين الشافعية والحنفية؛ كان الملك الظاهر قد أسسها وتوفي ولم يتمها. وبقيت مدة بعد وفاته. حتى شرع طغربك أتابك العزيز فعمرها وكملها سنة عشرين وستمائة؛ قاله ابن شداد «1» وتقدم في ترجمة الظاهر شيء فانظره.
وهذه المدرسة مبنية بالحجارة الهرقلية المحكمة، ومحرابها من أعاجيب الدنيا في جودة التركيب وحسن الرخام. وأراد تيمور أخذه فقيل له: إنه إذا أزيل لا يتركب على حاله الأول. فأبقاه. وهي كثيرة الخلاوي للفقهاء وبركتها ينزل إليها بدرج.
ولما عصى تغرى برمش وخرج عن طاعة الظاهر أجلس جماعة من مماليكه داخل هذه المدرسة يرمون على القلعة بالنشاب فرمى عليهم أهل القلعة بالمكحلة «1» . فأثرت أحجار المكحلة بحائط المدرسة. انتهى.
وأول من درس بها وافتتحت به القاضي بهاء الدين بن شداد- المتقدم ذكره- فذكر فيها الدرس يوما واحدا يوم السبت ثامن من عشر شعبان من السنة المذكورة.
ووليّ نظرها فولاها القاضي زين الدين أبا محمد عبد الله الأسدي «2» ، قاضي القضاة بحلب، فلم يزل مدرسا بها إلى أن توفي سنة خمس وثلاثين وستمائة وكان يدرس بها المذهبين فوليها بعده ولده القاضي كمال الدين أبو بكر ابن أحمد ولم يزل مدرسا بها إلى استيلا [ء] التتر على حلب. وكان أيضا يدرس المذهبين الشافعية والحنيفة.
ولم تزل الدروس تقام بها كغيرها من المدارس حتى أن بعض القضاة بحلب كان مدرسا بها فحصل من وقفها شعير فأكله ولم يعط للفقهاء فشكو [ا] للشيخ أبي جلنك ذلك فقال: في غد لا يحضر أحد منكم معه الدرس. وأنا أحضر فاتفق أنه بكرة النهار حضر المدرس ولم يحضر معه أحد. وحضر الشيخ أبو جلنك فقال له: أين الفقها [ء] . فقال راحوا إلى الدثار «3» . فقال: وماذا يصنعون؟. قال: يرعون. قال:
لأي شيء. قال: بلغهم أن سيدنا أكل شعيرهم. فقال القاضي: إنما أبيع ليصرف عليهم ثمنه. فأحضرهم من الدثار فأحضرهم الشيخ أبو جلنك. فأصرف عليهم معلومهم.
وحيث ذكرنا أبا جلنك نذكر شيئا من ترجمته:
[أبو جلنك الشاعر] :
قال الصلاح: أبو جلنك «1» الشاعر المشهور بالعشرة والخلطة التي تركته (97 ظ) ف بدوه «2» ، وجردت قشره. وكان فيه همة، وعنده شجاعة. ولديه في الإقدام في المعارك أجزل بضاعة. نزل قلعة حلب للإغارة. والتتار يتوقد من شرهم كل شرارة. فوقع في فرسه منهم عقرة، وفتق جنبه وبقره. فبقى على ضخامته راجلا، وأمسك عاجلا.
وجاؤوا به مقدم التتار فسأله عن عسكر.
فرفع شأنهم، وأعلى في الفروسية مكانهم. فغاظه ذلك منه. وضرب عنقه في الحال وشمّر للارتحال.
وقال ابن حبيب: أبو جلنك هو الشيخ الشاعر شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن أبي بكر بن مسعود. فاضل في العلوم الأدبية، مجيد في نظم الشعر، وحل العربية. كثير المزاح والنوادر، يشار إليه في المحافل والمحاضر. غير أنه معتن بالهجا [ء] . توفي سنة سبع مائة بظاهر حلب مقتولا بسيف التتار. (48 ظ) م
ومن نظم أبي جلنك:
وقالوا في الهجاء عليك إثم
…
وليس الإثم إلا في المديح
لأني في المديح أقول زورا
…
وعند الهجو أنطق بالصحيح
ولما كان بحماه التزم لبعض الأكابر من أهلها يهجو صاحب حماه في وجهه فعمل أبياتا. وأنشده إياها. وهي:
أشكو إلى الله حماتي وما
…
يعلم ما ألقاه منها سواها
عجوز سوء لو رأت ثروة
…
طارت إليها بجناحي قطاة
تقول للبنت الطمي خده
…
ولا تكافيه وسبي أباه
والله لا أفلحت ما عمرت
…
قل لي متى أفلح صاحب حماه
فلما سمعها السلطان فهم ما أراد، وعفى عنه.
ومن شعره:
وللمدارس أموال مضيعة
…
سريعة النهب بين الكاس والساق
لجاهل أو لذي جاه يمر بها
…
أو أمرد ناعم الخدين والساق
فلا يقوم لذي علم بها أود
…
بالله ما سجعت ساق على ساق
وثم أشيا [ء] لا أستطيع ذكرها
…
لو قلتها قامت الدنيا على ساق
ومن شعره:
أتى جمال الدين يختال في
…
ثوب من المفتخر المعدني
فقلت نعم الثوب هذا الذي
…
يلبس لولا أنه مع دني
وله في الفحم:
أتى بقضبان مسك ثم قابلها
…
بوجهه فغدت كالمضعف الجوري
لما رأت حسن خديه وحمرتها
…
تبرقعت خجلا منه بكافور
وحكي عن أبي جلنك أنه كتب رقعة إلى بعض القضاة قيل أنه ابن الزملكاني يسأله فيها شيئا. فدفع له برطلين خبز. فتوجه إلى بستان يرتاض فيه (48 و) ف
فقيل له: إنه بستان القاضي المذكور. فكتب على بابه:
لله بستان حللنا دوحه
…
في جنة قد فتحت أبوابها.
والبان تحسبه سنانيرا رأت
…
قاضي القضاة فنفشت أذنابها
وفي مفتاح السرور في أشعار أبي جلنك: وكتب على بستان القاضي ابن خلكان فذكر البيتين «1»
قيل إن الشيخ بدر الدين ابن مالك أملى عليها كراسة في البديع.
ومن شعره:
أرى النرجس الغصن الجنى مشمرا
…
على سوقه في خدمة الورد قائم
وقد ذل حتى لف فوق رؤسه
…
عمائم فيها لليهود عمائم
ومن شعر أبي جلنك في: «اقطع» .
وبي أقطع «2» ما زال يسخو بماله
…
ومن فضله مارد في الناس سائل
تناهت يداه فاستطال عطاؤها
…
وعند التناهي يقصر المتطاول
(49 و) م وفي كلام الصلاح الصفدي: أنشدني بعض الأصحاب وزعم أنه للشيخ شمس الدين ابن الصايغ:
يا عروضيا له فطن
…
بحرها بالفكر يضطرب
ايما اسم وضعه وتد
…
وهوان صحفته سبب
ويرى في الوزن فاصله
…
ساكنا تحريكه عجب
أي جبل، والجبال أوتادا وزن فاصلة صغرى فهو ثلاث متحركات وبعدها ساكن. انتهى.
وكتب عليه شخص الصحيح لأبي جلنك. انتهى.
وقرأت بخط الشيخ شمس الدين ابن الركن قال عن الشيخ شمس الدين الخابوري أنه قال: كنت أكثر من ذكر الشيخ يعنى أبا بكر بن قوام عند الفقها [ء] بالمدرسة
السلطانية بحلب. فقالوا نحب أن نزوره معك، ونسأله «1» عن أشياء من فقه وتفسير وغيرهما. فعزمنا على زيارته إلى بالس. فبينما نحن عازمون إذ جاء بعض الفقراء فقال الشيخ: يدعوك. فقلت له: أين هو. فقال في زاوية الشيخ أبي الفتح الكناني. وكان من أصحابه. فخرجت أنا وجماعة من الفقهاء فقلت جاؤوا ليزوروا الشيخ ويسلموا عليه. فقال: قد حدث أمر عجيب. قلت وأي شيء حدث؟ قال: ألجم الشيخ كل واحد منهم بلجام. وقد يمثل سره سبعا. وهو ينظر في وجه كل واحد منهم، فلما طال نبأ المجلس لم يجسر أحد منا أن يتكلم قال لهم الشيخ: لم لا تتكلمون؟
لم لا تسألون. فلم يجسر أحد أن يتكلم. فقال الشيخ للذي على يمينه: فسألتك كذا والجواب عنها كذا. فما زال حتى أتى على آخرهم. فقاموا بأجمعهم. واستغفروا الله، وتابوا.
واعلم أن هذه المدرسة قبل محنة تمر لما كان والدي يشتغل بالعلم كانت (49 و) ف روضة الأدباء ودوحة العلماء كان أولاد حبيب الثلاثة وهم: محمد «2» والحسن «3»
والحسين «1» يترددون إليها، ويسكنون بها، وينظمون. وينثرون ويحدثون، ويأتي إليهم الناس أفواجا للأخذ عنهم. وتراجم الثلاثة في تاريخ والدي. وشعرهم كثير مشهور.
وكان يسكن هناك القصاص الفاضل قص مصحفا بنقطه وإعرابه وجعل بين كل ورقتين ورقة سودا [ء] ليظهر القص.
ودرس بها الشيخ شرف الدين الأنصاري وغيره من القضاة.
ورزقها متوافر دار على أهلها؛ أخبرني والدي قال: كنت عند الشيخ شرف الدين الأنصاري فجاءه شرف الدين الداديخي فدفع إليه أربعمائة درهم بذلك النقد، وقال: هذا نصيبك من هذه المدرسة. فقال: أنت خير من غيرك، ثم خرج. فقال الأنصاري لوالدي:
انظر كيف حالي مع الفقها [ء] أدفع إليه هذا المقدار ولا يقول: كثّر الله خيرك (!) ولم تزل المدرسة على ذلك إلى محنة تمر فصارت كما قال الشاعر:
وتنكرت صفة العزيز فلم يكن
…
ذاك العزيز ولا التقي ذاك التقي
ودرس بها شيخنا بعد فتنة تمر عند ولايته القضا [ء] . وأخذها عنه التاج الكركي.
وكذلك العصرونية لينكف عن طلب القضا [ء] . ثم عادتا إليه. ودرس بها بعد شيخنا جماعة، منهم:
العلامة السيد الحسيني- قاضي حلب- وضبط متحصلها من جهاتها في سنتين. ومن جهاتها (عين دقنا)«2» من بلد اعزاز و «قمرى» «3» و «القيسية» وحصة