الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المدارس الشافعية]
«المدرسة الزجاجية الشافعية» :
سميت باسم السوق الذي هي فيه «1» . وكان هناك معمل للزجاج. جاء إلى المعمل شخص ليلا ولمب منه أن يأووه وهو في زي الفقراء ففعلوا فتركهم حتى ناموا وأخذ شيئا من الزجاج ووضع عليه شيئا كان معه ثم جعل ذلك في المعمل فلما أصبح الصبح فارقهم وذهب. فدخل أهل المعمل فوجدوا في المعمل فصوصا من أنواع الجواهر.
ولما حفر أساس الفرن الموجود الآن [ا] تجاه الحمام وجدوا آثار المعمل المذكور.
وهذه المدرسة أول مدرسة بنيت بحلب «2» وكانت قديما تدعى بالشرفية (43 ظ) م باسم بانيها العلامة شرف الدين عبد الرحمن بن العجمي «3» . وترجمته مذكورة مع أقاربه، كذا أخبرنا شيخنا ابن الضياء بذلك.
ورأيت في تاريخ ابن خلكان أنها من بناء أبي الربيع سليمان بن عبد الجبار بن أرتق صاحب حلب «4» .
ورأيت في كلام الصاحب في زبدة الحلب. وجدد بدر الدولة المدرسة التي بالزجاجين بحلب المعروفة ببني العجمي بإشارة أبي طالب بن العجمي. وذكر لي أنه عزم أن يقفها على الفرق الأربع. ونقل آلتها من كنيسة داثرة كانت بالطحانين بحلب. انتهى.
وبدر الدولة هو سليمان المذكور.
ووجدت في تاريخ الإسلام ما يشهد أنها من بناء عبد الرحمن بن العجمي المتقدم ذكره لأنه قال في ترجمته: وبنى بحلب مدرسة مليحة. ووقف عليها؛ وفي كلام ابن السبكي في ترجمته أيضا: وبنى بحلب مدرسة تعرف به. ورأيت في الروضتين «1» قال: في سنة ثلاث وستين وخمسمائة أن الشهيد شتى بقلعة حلب ومعه الأسد والصلاح ونزل العماد بمدرسة ابن العجمي. وإذا نظرت إلى تاريخ مولد صاحب الشرفية التي بالقرب من باب الجامع الشرقي علمت أنها لم تكن موجودة إذ ذاك؛ وقال ابن عساكر «2» أن المرادي «3» قدم حلب ودرس بمدرسة ابن العجمي؛ والمرادي لما قدم لم تكن الشرفية موجودة. انتهى. (41 ظ) م.
قال بعض المؤرخين «4» : ولما بنى سليمان الزجاجية كان كلما بنى شيئا أخربته
الشيعة ليلا فأحضر الشريف زهرة بن علي وأمره أن يباشر البناء بنفسه. فباشر ذلك فلما كملت فوض أمرها تدريسا ونظرا «1» إلى عبد الرحمن بن العجمي.
وهذه المدرسة كانت عظيمة كبيرة ولها ايوان من أعاجيب الدنيا. ولها قبلية عجيبة.
وشمالية. وأرضها مفروشة «2» بالرخام الأبيض والأسود. ولها أعمدة أخذ تغرى برمش- كافل حلب- من أعمدتها بدلالة ابن الحصوني مباشرة فجعلها أحجارا للمكحلة التي عملها ليرمي بها على القلعة فلم ينجح بذلك.
وفي رازها مكتوب بالكوفي: «كملت عمارتها في سنة سبع عشرة وخمسمائة» .
قال ابن شداد: «وابتدئ بعمارتها سنة ست عشرة» «3» .
وحائطها الشمالي اندثر غالبه وجدّد بعد ذلك. والبقية التي فيه «4» من الكتابة هي من العمارة القديمة. ولها باب صغير إلى جانب الباب الكبير. يدخل منه المدرس وبها كانت القسيمية. وقد تقدم الكلام عليها وعلى وقفها.
ووقف صاحب الزجاجية عليها قرية كارس «5» وكانت الجمعة تقام بهذه القرية. ولم تزل هذه المدرسة قائمة الشعار وعامرة إلى محنة تمر فانهدم غالبها وبقي ايوانها. وسيأتي في الحوادث متى خرب.
وقد غير أساسها الإمام علاء الدين علي بن الشيباني، وزعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام. وأمره بعمارتها. وأحضر كافل حلب. ووقفه عليها ثم أنه
شرع في حفر الأساس. ثم أمسك عن عمارتها. ولما قدم ابن الضيا [ء] إلى حلب بعد فتنة تمر أشار عليه والدي بعمارتها شيئا فشيئا فلم يقبل. ثم ندم عند الموت. ولقد حصل من رائع وقفها شيء فدفعه إلى دوادار كافل حلب قرقماش. ولم يلتمس منه شيئا. والآن المدرسة خراب. والضيعة عامرة.
أخبرني والدي- رحمه الله أن شخصا نزل بها فمرض فأحسن أهلها الوقوف. في خدمته، فلما عوفي استعار لقنا ليغسل ثيابه ثم أنهم فقدوه واللقن فظنوا به سوءا فدخلوا إلى القبلية فوجدوا اللقن ذهبا.
ولم يزل شرف الدين المذكور مدرسا بها إلى أن توفي.
وتولى التدريس بعده حفيداه مجد الدين طاهر بن نصر الله بن جهبل. وأخوه زين الدين أبو الحسين عبد الكريم. وقيل عبد الملك. وكانا من العلما [ء] المتميزين والفضلا [ء] المبرزين. ولم يزالا مدرسين بها إلى أن أخرجهما منها الملك الناصر صلاح الدين.
ووليّ فيها الشيخ كمال الدين عمر بن أبي صالح عبد الرحيم بن الشيخ شرف الدين أبي طالب. وكان حافظا لكتاب (المهذب)«1» . ولم يزل بها مدرسا إلى أن توفي يوم الأربعاء قبل الظهر حادى عشر رجب سنة اثنين وأربعين وستمائة.
ثم ولي بعده عماد الدين محمد ولم يزل مدرسا بها إلى أن توفي يوم الاثنين ثالث عشر شعبان سنة تسع وأربعين وستمائة. وكان مولده ليلة الخميس ثالث (42 و) ف عشر شهر رمضان سنة إحدى عشرة وستمائة.
ثم ولي بعده أخوه محي الدين عبد الله ولم يزل مدرسا بها إلى أن توفي في أواخر ذي القعدة سنة خمس وخمسين وستمائة. وكان مولده رابع المحرم سنة تسع وستمائة.
ثم وليها بعده ولده بهاء الدين أحمد ولم يزل بها مدرسا إلى أن كانت فتنة التتر أبحلب سنة ثمان وخمسين وستمائة. فخرج عنها. انتهى.
وقد رأيت بخط أبي «1» المعالي بن عشائر «2» ما ملخصه:
[طاهر بن جهبل المعروف بالمجد] :
طاهر بن نصر الله بن جهبل بن نصير بن خباب بن نصير بن عمرو بن عصمة بن هريرة بن قريط بن عبد الله بن أبي بكر عبيد (كذا) بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن أبو محمد الحلبي المعروف بالمجد؛ كان من كبار الفقهاء الشافعية بحلب. كان عنده ديانة. ولي التدريس بالزجاجية. واتصل إلى قطب الدين النيسابوري. وفوض إليه تدريس النورية المعروفة بالتغري. فدرّس بها إلى أن جرت له حالة مع النائب في القضا [ء] بحلب أبي البركات محمد بن منصور الشهر زوري أوجبت ضيق صدره. فسار من حلب. وأقام بالقدس وولي التدريس بها بالمدرسة الناصرية. وكان سمع الحديث بحلب من كمال الدين عمر بن حمويه وأبي بكر الحنبلي.
وكان سبب رحيله من حلب أن الضيا [ء] بن الشهر زوري رجمت داره أياما فاتهم بذلك صدر الدين أبا الفتح بن مجد الدين طاهر. وشكا إلى السلطان الملك
الظاهر تكرر ذلك منه. فاستدعاه السلطان ليلة من الليالي إلى القلعة فصعد فالتقاه حسام «1» الدين محمود شحنة حلب فأجلسه في دهليز القلعة إلى أن مضى الربع من الليل فصعدت رقعة من الضيا [ء] بن الشهرزوري يشكو «2» فيها صدر الدين ويقول بأننا في هذه الساعة رجمنا. فاستدعا السلطان حسام الدين الشحنة ولمب منه احضار الصور. فقال: يا مولاي والله إنه قاعد عندي من أول الليل فأمر بإنزاله إلى منزل أبيه. فقال له أبوه: يا بني (ما بقى) يمكننا القعود بحلب. فأصبحا. وسافرا. ثم بدا له في الطريق فردّ ابنه ليأتيه بأهله. وما يحتاج إليه. وكان قد آذاه عمر بن العجمي. ولمب مشاركته في الزجاجية. فجاء إليّ وقال: نخرج إلى الشيخ علي الفاسي. فخرجت معه فذكر عامله عمر بن العجي. وقال أنه قد رشا جماعة.
وأنه «3» استعان علي (44 و) م بذلك. وأنا أستعين عليه برفع الأيدي في الأسحار.
وكتب الدولعي «4» إلى الناصر صلاح الدين بسبب الكمال عمر بن العجمي شفاعة يذكر فيها حال الزجاجية. وأن المجد بن جهبل هو ابن بنت جد الكمال ابن العجمي. وعنه تلقى «5» تدريس المدرسة.
وأن من جملة ما درس بها:
الحافظ المرادي- شيخ الدولعي- وأقام بها إلى أن مات.
قال: وكان قبل المرادي بها شيخ متصوف يدعى: «الظهير» .
وكان قبل الظهير الإمام عبد الله القصري وكان ممن صحب الغزالي «1» (42 ظ) ف وإلكيا «2» وأسعد «3» .
قال الدولعي: وبعد موت شيخنا المرادي استدعى السلطان نور الدين لشيخنا شرف الدين مكانه- يعني ابن أبي عصرون- وابتنى «4» له المدرسة التي هي الآن تحت يد ولده، ووصل إلى حلب وما كملت، فاستعاد له مدرسة جد هذا الكمال ابن العجمي وكان جده إذ ذاك مجاورا بيت الله الحرام، فقدم، ومنع شرف الدين عن مدرسته. ومنعه دخولها، والأخذ من وقفها بعد ما سئل أن يصبر عليه حتى تنجز مدرسته فما فعل. وما اعترض نور الدين ولا مجد الدين بل مكناه من أمر مدرسته.
واستناب لها فقيها يقال له البرهان.
فلما درج بالوفاة استنابوا هذا المجد بن جهبل ولدهم.
ولما توفي جد الكمال بن العجمي عهد قبل وفاته إلى ولده أبي صالح شهاب الدين بالعهد الشرعي والإسناد الشرعي. وكان جاريا في المدرسة ومالها والمدرس على قاعدة والده من غير معارض.
إلى أن حضرته الوفاة فعهد إلى ابن عمه القطب. فجرى «1» فيها على سنن ابن عمه.
ومن العجب أن يذكر الغير أن الوقف عليها من وقف أتابك وجد هذا الكمال على أكمل سعادة عمرّ هذه المدرسة قبل أن يلي أتابك حلب بدهر وجرت بسبب ذلك شدائد. وأخذ منه مصادرة من أجلها مرتين بسعي الوشاة خمسة وعشرين ألف دينار على ما حكاه للخادم من هو عنده صدوق وكان وحيدا في حلب مع شدة شوكتهم في ذلك الوقت وتمكنهم من الدول وأحرقوا عمارة المدرسة مرتين إلى أن ملك أتابك حلب فاستعان عليهم بأن توصل إلى أن أذن له أن ينقل قسيم الدولة أقسنقر إلى مدرسته كفّا لأيدي «2» الحلبيين واستظهارا عليهم، فأذن له في ذلك لأن أتابك نقل أباه إليها. وبناها. ووقف عليها. وفحوى الشفاعة لمب النظر في هذه المدرسة للكمال عمر بن العجمي. وليس فيها تصريح ولا تلويح بطلب التدريس له. انتهى.
وهذه المكاتبة التي كتبها الدولعي قال ابن عشائر أخرجها إليّ بعض أحفاد كمال الدين عمر المذكور فنقلت منها هذا. والله تعالى أعلم.
انتهى ما رأيته بخط أبي المعالي عمر بن عشائر في بعض مجاميعه ومختاراته من تاريخ الصاحب كمال الدين ابن العديم.
ووقع في تاريخ ابن منقذ «3» أن زنكي عمر هذه المدرسة، ووقف عليها ضيعتين وليس كذلك؛ فانظر ما تقدم. (24 ظ) م