الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض مزايا الشافعي
فمثل الشافعي من حسد، وإلى ستر معالمه قصد {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} (1) ويظهر بفضله من كل حق مستوره، وكيف لا يغيظ من حاز الكمال، بما جمع الله تعالى له من الخلال، اللواتي لا ينكرها إلا ظاهر الجهل، أو خارج عن حد التكليف لذهاب العقل.
- منها: جزيل حظه من الأدب، وجلالة (2) محتده في النسب، الذي ساوى به في الحكم بني عبد المطلب.
ثم لما كان عليه من قوة الدين، وحسن الطريقة عند الموافقين والمخالفين.
وحفظه لكتاب ربه، ومعرفته بواجبه وندبه، وتصرفه في سائر أنواع علمه، مما يعجز غيره عن بلوغ فهمه.
- وفقهه بالسنن المنقولة، وبصره بالصحاح منها والمعلولة. وكلامه في الأصول، وحكم المرسل والموصول، وتمييز وجوه النصوص، وذكر العموم والخصوص، وهذا ما لم يدرك الكلام فيه، أبو حنيفة ولا غيره من متقدميه.
تلك المكارم لا قعبان من لبن
…
شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
ثم تركه التقليد لأهل البلدة. وإيثاره (3) ما ظهر دليله وثبتت به الحجة.
(1) سورة التوبة الآية 32
(2)
في الأصل: خلاله بالخاء المعجمة الفوقية:
(3)
في الأصل " والإيثارة "، إلا أن إشارة ضرب على (لا) واضحة.
- مع اتخاذه اليد العظيمة، وتقليده المنن الجسيمة، كافة أهل الآثار، ونقلة الأحاديث والأخبار، بتوقيفه إياهم على معاني السنن وتنبيههم، وقذفه بالحق على باطل (1) أهل الرأي وتمويههم، فنشلهم الله تعالى به (2) بعد أن كانوا خاملين، وظهرت كلمتهم على من سواهم من ساير المخالفين، ودمغوهم بواضحات الدلايل والبراهين، حتى ظلت أعناقهم لها خاضعين.
ثناء الأئمة على الشافعي
أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي قال: سمعت الخضر بن داود يقول: سمعت الحسن بن محمد الزعفراني يقول: قال محمد بن الحسن: إن تكلم أصحاب الحديث يوما فبلسان الشافعي (3) - يعني لما وضع كتبه -.
قرأت على محمد بن أحمد بن يعقوب عن محمد بن نعيم النيسابوري قال: سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب يقول: سمعت الحسن بن محمد الزعفراني يقول: كان أصحاب الحديث رقودا حتى جاء الشافعي فأيقظهم (4) فتيقظوا.
- حدثني أبو رجاء هبة الله بن محمد بن علي الشيرازي في مجلس أبي الحسين بن بشران ثنا عبد الرحمن بن عمر التميمي بن راشد الدينوري ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن القاضي ثنا الفضل بن
(1) في الأصل " على الباطل أهل الرأي ".
(2)
لفظة " به " موجودة بين السطرين وكتب عليها " صح " وهي بنفس الخط. لذا أثبتناها.
(3)
حلية الأولياء 9: 91 وتوالي التأسيس ص 55 ولا يوجد في الحلية (أبو بكر).
(4)
توالي التأسيس ص 59 ووفيات الأعيان 3: 306.
زياد قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما أحد مس بيده محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في رقبته منة.
- فهذا قول سيد أصحاب الحديث وأهله، ومن لا يختلف العلماء في ورعه وفضله، ويحق له ذلك، وقد كان أحد تلاميذ الشافعي ومن أعيان أصحابه، وأكثر الناس ملازمة له، وأشدهم حرصا على سماع كتبه، وأحضهم للخلق على حفظ علمه، ومن شكره للشافعي قال هذا القول، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجل
ففي بعض ما ذكرنا من معالم الشافعي ما يوجب الحسد والكذب عليه.
- وما الذي يضره ويقدح فيه، من جهل عدو ومناوئيه (1)، مع تولي رب العالمين لنصرته، وإرادته في السابق إظهار كلمته.
أبى الله إلا رفعه وعلوه
…
وليس لما يعليه ذو العرش واضع
وما يتعدى الحاسد فعله، ولا يضر كيده إلا نفسه.
- أنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري قال: أنا أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى بن المرزباني ثنا عبد الله بن محمد بن أبي سعيد البزاز قال: أنا أحمد بن أبي طاهر قال حدثني حبيب بن أوس قال: قال رجل لابنه: يا بني إياك والحسد، فإنه يتبين فيك، ولا يتبين في عدوك. ولو أن رعاع التبع، وأسرى حبالة الطمع (2)، شغلتهم عيوبهم، وأهمتهم ذنوبهم، وأعينوا من الله بالتوفيق وحسن البصيرة، لأسقط أهل العلم عن أنفسهم مؤنا كثيرة، من تكلفهم إزالة أكاذيبهم، وكشفهم (3) شبه زخارفهم وأعاجيبهم، لكن لم يرد الله بهم خيرا فخذلهم، وعن دفع (4) الحق بالباطل الذي لا ينفعهم شغلهم، ونحن نعوذ بالله من غضبه وخذلانه، ونسأله التوفيق لما يؤدي إلى رحمته ورضوانه.
أخبرني بكر بن أبي الطيب الحرجرائي ثنا محمد بن أحمد المفيد ثنا عبد الصمد بن محمد قال: سمعت أبا تراب النخشبي يقول: إذا ألف القلب الإعراض عن الله صحبه الوقيعة في أولياء الله.
أنبأنا عبد العزيز (5) بن أبي الحسن القرميسيني ثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كثير ثنا الفيض بن إسحاق قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: تكلمت فيما لا يعنيك فشغلك عما يعنيك، ولو شغلك ما يعنيك
(1) في الأصل: مناويه.
(2)
في الأصل طمس في الكلمات من إصابة ماء. وأسرى: جمع أسير ويجمع على أسارى.
(3)
في الأصل تخرق في الموضعين، والذي ذكرته هو ما ملت إليه مع غلبة الظن.
(4)
في الأصل تخرق في الموضعين، والذي ذكرته هو ما ملت إليه مع غلبة الظن.
(5)
غير واضحة في الأصل.
تركت ما لا يعنيك.
- ولن يخلي الله عز وجل كل عصر، آنف بعد سالف إلى آخر الدهر، من دافع للكذب بالصدق، ودامغ للباطل بالحق، يجاهد في الله بفعاله، ويحتسب ما عند الله بمقاله، متيقنا أن مذهبه القويم، وسبيله هو السبيل المستقيم، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1).
- أنبأنا أبو بكر أحمد بن غالب الفقيه ثنا محمد بن العباس الخزاز ثنا أبو عبيد بن حربويه ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ثنا يزيد بن هارون قال أنبأنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال ناس من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك (2)» - أنبأنا أبو نعيم الحافظ ثنا سليمان بن أحمد الطبراني ثنا أسلم بن سهل الواسطي ثنا تميم بن المنتصر قال: لما حدث يزيد بن هارون بحديث شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال يزيد: إن لم يكونوا أهل الحديث والأثر فلا أدري " من هم "(3).
- أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح المقري بأصبهان قال: أنبأ أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان ثنا إسحاق بن أحمد الفارسي ثنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ثنا ابن أبي أويس ثنا ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن أبي الزبير قال: سمعت جابرا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) سورة الأنفال الآية 42
(2)
أخرجه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث ص 25، 26، بلفظ قريب. وأخرجه أحمد في المسند 3: 436، 5: 34، 5: 35 والترمذي في كتاب الفتن باب ما جاء في الشام (4: 485) وابن ماجه في المقدمة باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1: 4) والحاكم في المعرفة ص 2.
(3)
في الأصل منهم.
(1) الحديث أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب نزول عيسى بن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وفي كتاب الإمارة باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق من رواية جابر أيضا، والخطيب في شرف أصحاب الحديث ص 27، وأحمد في المسند (3: 345) (3: 384)، وأبو يعلى أيضا. والحديث رواه أبو هريرة عند أحمد (2: 321) (2: 340)(2: 379) وابن ماجه في المقدمة باب اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم (1: 5) والبزار ورجاله رجال الصحيح غير زهير بن محمد وهو ثقة (مجمع الزوائد 7: 288) والطبراني في الأوسط (مجمع 7: 288). ومعاوية بن أبي سفيان عند البخاري في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى (إنما قولنا لشيء إذا أردناه) وفي المناقب باب حدثنا محمد بن المثنى. وفي كتاب الاعتصام باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق. وعند أحمد في المسند (4: 93)(4: 97)(4: 99)(4: 101) وعند مسلم في كتاب الإمارة باب قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق (6: 53). وابن ماجه في المقدمة باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1: 5) وفي الحلية (5: 158). وجبير بن نفير عند أحمد في المسند (4: 104). والمغيرة بن شعبة عند البخاري في كتاب الاعتصام باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق. وفي كتاب التوحيد باب قول الله تعالى (إنما قولنا لشيء إذا أردناه) وفي المناقب باب حدثنا محمد بن المثنى، وعند أحمد في المسند (4: 244) (4: 248)(4: 252) وعند مسلم في كتاب الإمارة باب قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق)(6: 53) والدارمي في كتاب الجهاد باب لا تزال طائفة من هذه الأمة يقاتلون على الحق 2: 132. وعقبة بن عامر عند مسلم في كتاب الإمارة باب قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق (6: 54). وسعد بن أبي وقاص عند مسلم في الكتاب والباب السابقين (6: 54) بلفظ: أهل المغرب. وفي الحلية 3: 96 وقال: حديث ثابت مشهور. وعمر بن الخطاب عند الدارمي في كتاب الجهاد باب لا تزال طائفة من هذه الأمة يقاتلون على الحق (2: 133) والطبراني في الكبير والصغير، ورجال الكبير رجال الصحيح (مجمع 7: 288). وزيد بن أرقم عند أحمد في المسند (4: 369) والبزار والطبراني (مجمع 7: 287). وعمران بن حصين عند أبي داود في كتاب الجهاد باب في دوام الجهاد رقم 2484 وعند أحمد في المسند (4: 429)(4: 434)(4: 437) وشرف أصحاب الحديث ص 26، والمحدث الفاصل ص 177. وجابر بن سمرة عند مسلم في كتاب الإمارة باب قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، وعند أحمد في المسند (5: 92) (5: 94، 98، 103، 105، 106، 108)، ورجاله رجال الصحيح (المجمع 7: 287). وأبو أمامة عند أحمد في المسند (5: 269) والطبراني ورجاله ثقات (المجمع 7: 288). وثوبان عند مسلم في كتاب الإمارة باب قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق. والترمذي في كتاب الفتن باب ما جاء في الأئمة المضلين وقال: وهذا حديث حسن صحيح. وأبي داود في كتاب الفتن باب ذكر الفتن رقم 4252 وابن ماجه في المقدمة باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1: 5) وفي كتاب الفتن باب ما يكون من الفتن (2: 1304) وعند أحمد في المسند (5: 278)(5: 279) وفي الحلية (2: 289). ومرة البهزي رواه الطبراني (مجمع الزوائد 7: 288). ورواه كذلك عبد الله بن حوالة وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو. كما قال الترمذي: وفي الباب عن عبد الله بن حوالة. . . عند ذكره لحديث معاوية بن قرة عن أبيه في كتاب الفتن باب ما جاء في الشام (4: 485) وسلمة بن نفيل (الفتح 13: 293).
قال أبو عبد الله البخاري: يعني أهل الحديث - كل طائفة وإن كانت تتأول أن هذا الحديث وارد فيها، دون غيرها ممن خالفها، فإنها لا تنكر أن أشد الناس نظرا في حال المنقول، واهتماما بأمور الأسانيد المؤدية عن الرسول صلى الله عليه وسلم أصحاب الحديث لأنهم العالمون بأسماء الرجال، وأهل العناية بالبحث عن الأحوال،
وذووا المعرفة بالجرح والتعديل، والحافظون طرق الصحيح والمعلول، اجتهدوا في تعلم ذلك وضبطه، وأتعبوا أنفسهم في سماعه وحفظه، وفنيت فيه أعمارهم، وبعدت فيه أسفارهم، واستقربوا له الشقة البعيدة، وهونوا لأجله المشقة الشديدة، حتى علموا - بتوفيق الله لهم - صحيح الآثار، ومنكر الروايات والأخبار، وعرفوا أهل النقل، من مجروح وعدل، ومتقن وحافظ، وصدوق وصالح، ولين وضعيف، وساقط، ومتروك، فنزلوا الرواة منازلهم، وميزوا أحوالهم ومراتبهم، ودونوا من الأحاديث صحيحها، ونبهوا على باطلها وموضوعها، (البخاري لم يلتزم إخراج ما صحح عنده ولا عن كل ثقة) وكان من أحسنهم مذهبا فيما ألفه، وأصحهم اختيارا لما صنفه، محمد بن إسماعيل البخاري هذب ما - في جامعه - جمعه، ولم يأل عن الحق فيما أودعه، غير أنه عدل عن كثير من الأصول، إيثارا للإيجاز وكراهة للتطويل، وإن كان قد عني عن المتروك بأمثاله، ودل على ما هو من شرطه بأشكاله، ولم يكن قصده - والله أعلم - استيعاب طرق الأحاديث كلها، ما صح إسناده، وإنما جعل كتابه أصلا يؤتم به، ومثالا يستضاء بمجموعه، ويرد ما شذ عنه إلى الاعتبار بما هو فيه.
سبب تأليف البخاري للصحيح
ويدل على ذلك ما أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني قال أنبأنا عبد الله بن عدي الحافظ قال: سمعت الحسن بن الحسين البخاري (1) يقول: سمعت إبراهيم بن معقل (2) يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت " من الصحاح لحال الطوال ".
- وأنبأنا أبو سعد أيضا قال أنبأنا عبد الله بن عدي (3) قال: حدثني محمد بن أحمد القومسي قال: سمعت محمد بن حمدويه يقول: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح (4).
(1) هو البزار.
(2)
هو النسفي.
(3)
في تاريخ بغداد زيادة " الحافظ ".
(4)
هدي الساري 487 وشروط الأئمة الخمسة 48 وتاريخ بغداد 2: 25.
وجامع البخاري إنما يشتمل على ألوف يسيرة من الأصول.
- وأحسبه أراد بقوله: أحفظ مائة ألف حديث صحيح: طرق الأخبار من المرفوعة والموقوفة وأقوال التابعين ومن بعدهم، جعل كل طريق منها حديثا، لا أنه أراد الأصول حسب.
وأي ذلك كان مراده، فقد بين أن في الصحاح ما لم يشتمل عليه كتابه، ولم يحوه جامعه.
وكمثل ما فعل في الأحاديث فعل في الرجال، فإن كتاب التاريخ الذي صنفه تشتمل أسماء الرجال المذكورة فيه على ألوف كثيرة في العدد، وأخرج في صحيحه عن بعض المذكورين في تاريخه.
- وسبيل من ترك الإخراج عنه سبيل ما ترك من الأصول.