الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الله بن عبد الله الزائد
(1)
رسالة المسجد (2)
إن المؤذن ينادي في كل يوم وليلة خمس مرات في شتى بقاع الدنيا في وقت معين: " الله أكبر " يرددها أكثر من أي جملة أخرى ويعيدها عند نهاية الآذان.
ليذكر كل كبير أنه صغير بين يدي الله، عبد له فيتخلص من نزوة النفس. ونشوة الحياة. وسكر النفوذ.
وكما يتذكر الكبراء هذا المعنى يتذكر الضعفاء كبرياء الله، وأنه أكبر من كل كبير، فتحيا آمالهم، وتقوى نفوسهم، وتهتز قلوبهم.
إذ الأكبر ليس هذا المتسلط ولا ذاك الغاشم. وإنما هو الرحمن الرحيم.
ثم يتبع هذا، الإقرار والخضوع بشهادة التوحيد وشهادة أن محمدا رسول الله، وأصوات المؤذنين في القرى والمدن تغطي ما بين المساجد. والمشروع لسامع المؤذن أن يقول مثله في ذلك، فيكون المسلمون في جميع الدنيا يجددون إسلامهم كل يوم وليلة خمس مرات بنداء واحد ودعاء واحد، تنبع منه عقيدة واحدة.
…
(1) د. عبد الله بن عبد الله الزائد: وكيل المعهد العالي للقضاء، بالرياض
(2)
تقدم المجلة ملخصا وافيا لها
رسالة المسجد
إذا أردنا للمسجد أن يؤدي رسالته فلننظر إلى المثل الكامل والأسوة الحسنة، إن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المثال الذي ينبغي أن نطمح إليه لكي يؤدي المسجد رسالته على الوجه المرضي، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان إمامه وهو المثال الكامل والأسوة الحسنة للمؤمنين. وحتى تمكن المحاكاة ليتم الإقتداء، لا بد من إبراز الصورة من جميع جوانبها عن بنائه المتواضع وموقعه المناسب وإمامه.
ومن إمامه؟ إنه الرجل الأول في المجتمع والإنسان الكامل.
وأين كان يسكن؟ إنه بجوار المسجد. ثم التعليم للخير الذي كان مستمرا في أكثر الأوقات. ومن المسجد كان يعلن الجهاد وتدبر السرايا والغزوات، وكان صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه فيسأل عن المتخلف فإن كان مصابا عزاه. وإن كان فقيرا واساه. وإن كان مريضا عاده. كان المسجد في الصدر الأول مركز القيادة ومجمع الأخيار والكبراء تجتمع فيه القلوب على الإيمان، والأبدان على العبادة، والعمل لصالح الفرد والجماعة، ولمنزلته هذه كان أول ما يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر يبدأ بالمسجد فيصلي فيه.
وما زال المسجد يحتفظ بالصدارة حتى تخلى عن تولي الإمامة والخطابة فيه الحكام والأمراء ووكل ذلك إلى من يستطيع القول ولا يستطيع الفعل. فقلت أهميته في قيادة الأمة وضعف تأثيره إذ صار مكان عبادة ودراسة وفتيا.
واليوم وقد استيقظ بعض المسلمين من سبات عميق فبهت كثير منهم بما رأى حوله. والبعض الآخر وهم القليل أدركوا أن دليل الطريق إلى النجاة من كل عثرة هو كتاب الله وسنة رسوله فأقبلوا عليهما حفظا وفهما وعملا وتعليما، فاستبان لهم الحق ووجب عليهم رد الحائرين إليه.
إن المؤذن ينادي في كل يوم وليلة خمس مرات في شتى بقاع الدنيا في وقت معين " الله أكبر " يرددها أكثر من أي جملة أخرى ويعيدها عند نهاية الآذان ليذكر كل كبير أنه صغير بين يدي الله، عبد له فيتخلص من نزوة النفس. ونشوة الحياة. وسكرة النفوذ. وكما يتذكر الكبراء هذا المعنى يتذكر الضعفاء كبرياء الله وأنه أكبر من كل كبير، فتحيا آمالهم، وتقوى نفوسهم، وتهتز قلوبهم. إذ الأكبر ليس هذا المتسلط ولا ذاك الغاشم. وإنما هو الرحمن الرحيم. ثم يتبع هذا، الإقرار والخضوع بشهادة التوحيد وشهادة أن محمدا رسول الله. وأصوات المؤذنين في القرى والمدن تغطي ما بين المساجد. والمشروع لسامع المؤذن أن يقول مثله في ذلك، فيكون المسلمون في جميع الدنيا يجددون إسلامهم كل يوم وليلة خمس مرات، بنداء واحد ودعاء واحد تنبع منه عقيدة واحدة.
…
ثم إنهم في صلاتهم يستقبلون قبلة واحدة، كل أهل حي يضمهم بناء واحد يتبعون إماما واحدا لا يختلفون عليه ويسبقونه، يسددونه بالتنبيه والفتح عليه متى احتاج إلى ذلك. ومتى خالف الإمام في أمر أساسي في الصلاة وتيقن المأموم ذلك ونبهه ولم يستجب لزم المأموم اتباع الحق ومتابعة الإمام حينما يمكنه ذلك. هذا المنهج في العبادة هو المنهج في الحياة للمسلمين «اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي (1)» ويقول عليه الصلاة والسلام:«لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (2)» .
هذا الاجتماع الأخوي لكل أهل حي، المتكرر في اليوم، المقتضي للألفة والتعاون والنصرة، به يعرف المختلف وسبب تخلفه فإن كان لعارض حضر في الوقت الآخر وإن استمر بحث عن السبب، فإن كان كسلا وتهاونا فلا يترك فريسة للشيطان يستحوذ عليه وينفرد به كما ينفرد الذئب بالقاصية من الغنم، بل يزار ويعالج أمره برفق ولين وحكمة حتى يرد إلى بيت الله مع عباد الله.
وإن كان المرض أقعده سعى له في العلاج بما يناسب حاله، وإن كان الفقر جمع له ما يعينه ونظر فيما يستطيعه من عمل وبذلت الأسباب لتشغيله، إن تحقيق معنى قوله صلى الله عليه وسلم «مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (3)» . تحقيق هذا المعنى لا يتم على الوجه الأكمل إلا إذا أديت الصلاة في المسجد مع الجماعة. لأنك قد ترى جارك في الصباح ولا تراه في المساء، ولن تطرق عليه بابه كل يوم خمس مرات لتطمئن عليه،
(1) صحيح البخاري الأحكام (7142)، سنن ابن ماجه الجهاد (2860)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 114).
(2)
صحيح مسلم الإمارة (1840)، سنن النسائي البيعة (4205)، سنن أبو داود الجهاد (2625).
(3)
صحيح البخاري الأدب (6011)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2586)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 270).
ولو فعلت ذلك لكنت عليه أثقل من حديث مكرور أو جاهل مغرور، ولو وقع ذلك فرضا لكنتما فردين من أمة. وحتى لا تنفصم عرى المودة والإخاء بين أهل البلدة شرع الله صلاة الجمعة، فقد يعرض لهم ما يستدعي جهودهم مجتمعين أو يحتاج إلى تحذيرهم وتنبيههم أجمعين من شبهة مضلة أو حادثة مطلة تحتاج في دفعها إلى تعاون الجماعة ليتم لهم تحقيق قوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (1)
وهكذا تكون اجتماعات المسلمين على العبادة إصلاحا للدنيا والآخرة بدءا بجماعة الحي وانتهاء بجماعة المسلمين في الحج الأكبر.
إن أداء المسجد رسالته أمنية لا بد لها من وسيلة فما الوسيلة لذلك؟
إن الوسيلة إلى تلكم الغاية هي الإمام المؤمن الذي يرى الإسلام عقيدة وعملا فيكون عنده الحماس للدعوة والحرص عليها. إن مثل هذا لا يقل نفعا عن الأستاذ في الجامعة، والقائد الحصيف في المعركة.
…
وحيث إن معرفة الداء أول الشفاء فإن مما يحول بين المسجد وأداء رسالته ما يلي:
1 -
ما يقام في كثير من المساجد من البدع والشركيات كدعاء الموتى والتوسل بهم وخرافات الصوفية المنحرفة ومشائخ الطرق.
2 -
ضعف مستوى الأئمة والمؤذنين.
3 -
عزوف القادرين على تحمل المسئولية في المسجد عن الإمامة بحجة أنه يربطهم عن الكثير من حوائجهم وأشغالهم.
4 -
إقفار المساجد من حلق التعليم.
5 -
تباعد المساجد في الأحياء الأمر الذي يثبط البعض عن حضور الجماعة.
6 -
إقبال الناس على المادة وتسابقهم إليها واستكثارهم دقائق ينتظرون بها صلاة أو درسا.
(1) سورة المائدة الآية 2