الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس بمعقول بعد هذا الفيض من المعاني والقوة التي أخذت على بني تميم كل سبيل أن يثبتوا في ميدان المفاخرة، وقد قرأ الأقرع بن حابس في وجوه قومه الاقتناع بل الاستسلام فقال: وأبي إن هذا الرجل لمؤتى له، لخطيبه أخطب من خطيبنا، وشاعره أشعر من شاعرنا، وأصواتهم أعلى من أصواتنا ولم يكد يقضي بما قضى حتى خشعت الرؤوس أمام قوة السماء وتأييدها فأعلنوا إسلامهم.
ومن عجب أن يرسل حسان ذلك الشعر ارتجالا في موقف التحدي والمفاخرة أمام أرباب البيان وما أعد لهذا الوقف أو ليس يدل هذا على شاعرية دامغة يؤيدها روح القدس؟
* * *
الغزوات والسرايا في شعر حسان
غزا المسلمون ثلاثين غزوة قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا غزوة مؤتة فلم يشهدها، وورد ذكر بعض الغزوات في القرآن، وسجل التاريخ تلك الغزوات في أمانة علمية صادقة، وكان حسان الشاعر المصور لتلك المعارك والشاعر المؤرخ في بعضها حين راح يسرد سرد المؤرخين ما كان من أحداث، وإذا ما راعه موقف بطولة صوره، وإذا ما شاهد فرارا وانكسارا أو جبنا أرسل خواطره وراءه ليقدم للزمن صورته، وقد تغريه مواقف الأهل بالفخر فيشدو ويفتخر، وقد تناول شعر حسان الغزوات والسرايا وكشف عما كان فيها من بطولات وربما أرسل في الغزوة الواحدة أكثر من قصيدة كبدر فقد تناولها في سبع قصائد، ولم يعن حسان كثيرا بتصوير رحى المعارك بل كان مؤرخا في أكثرها أكثر منه شاعرا، ولعل الحقائق التاريخية شغلته عن الاسترسال في الخيال وإبداع الصور وهذه أبيات من قصيدة قالها في غزوة بدر يقول:
بنو الأوس الغطارف آزرتها
…
بنو النجار في الدين الصليب
فغادرنا أبا جهل صريعا وعتبة قد تركنا بالجبوب وشيبة قد تركنا في رجال ذوي حسب إذا نسبوا نسيب يناديهم رسول الله لما قذفناهم كباكب في القليب ألم تجدوا حديثي كان حقا وأمر الله يأخذ بالقلوب فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا صدقت وكنت ذا رأي مصيب
الغطارف: جمع غطريف: السيد، الدين الصليب: المتين، الجبوب: الأرض الغليظة، الكباكب: جمع كبكبة الجماعة من الناس، القليب: البئر.