الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن رسالة المسجد تخريج أبطال يعتصمون بالكتاب والسنة {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (1) تخرج علماء حكماء يعملون بعمل الأنبياء، وقد خرج الرسول الأعظم هؤلاء العباقرة الأبطال الذين زينت الدنيا أعمالهم.
فلا توجد جامعة من جامعات الدنيا اليوم تكفل تخريج هذه النماذج من البشرية رغم أننا وصلنا إلى أرقى تقدم حضاري لم تشهد البشرية له نظيرا ولا مثيلا، مما دل على أن المادة. . والمادة فقط. . لا يمكن أن توصل إلى أهداف رسالة الإنسانية بل لا بد لهذه الجامعة أن تتلقح بخريجي المسجد، وعند ذلك نجد في ساحة المجتمع المثقف الحقيقي الذي جمع بالإضافة إلى دراسته وتجاربه العلمية ثقافة روحية وأخلاقا فاضلة.
(1) سورة آل عمران الآية 101
وضع هذا المسجد
ولم تعد كثير من المساجد وقتنا الحاضر تقوم بمهمتها الرئيسية والأساسية التي أنشئت وبنيت من أجلها فلم تبن المساجد من أجل العبادة فقط، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا (1)» وإنما مهمة المسجد أن يكون مدرسة ومعهدا ومعملا لتخريج القادة والدعاة، والذين بمقدورهم أن يأخذوا على عاتقهم إصلاح المجتمع وجعله صالحا يرضى عنه الله ورسوله.
فلقد حيل في عصرنا الحاضر بين المسجد وبين أهدافه هذه، فلم يعد يقوم بالدور الرائد في توجيه وتوعية الناس؛ وذلك لأن المسجد لم يعد يضم بين جنباته معظم أصحاب الفكر وكبار القوم ومن بيدهم مقاليد الأمور، لأن هؤلاء الطبقة من المجتمع باتوا في معزل عن المسجد، لأن واجباتهم اليومية وأعمالهم الحيوية، ومصالحهم المادية قد سيطرت على تفكيرهم.
ولعل من الإنصاف أن نقول: أن من استطاع الجمع بين واقع العمل المزدحم بالمسئوليات وبين الواجب الديني الملقى على عاتقه، أي من استطاع الجمع بين أمر الدين وأمر الدنيا هم قلة وليسوا بكثر، بل هم من الندرة بمكان، وهذا النادر يدفعنا للتفكير والتنهيج لدراسة الحلول الزمنية المقتضية لحل مثل هذه الأزمة ألا وهي إعادة المسجد لعالميته ورسالته في نشر هداية القرآن ودعوة الإسلام ألا وهي: العمل على استدراك عودة القوى العملاقة الاقتصادية وسواها القادرة على النهوض بأعباء المسجد وضرورياته ولوازمه، وترك ما هو ضروري للأجيال الصاعدة في ميدان الاقتداء والاهتداء، وما هو حري بالالتزام على أقل شئون الافتراض بدل غيبة هذه القوى، أو ما جرى عليه البعض من اللامبالاة.
(1) رواه البخاري.
ولو قيل ألا فيذهب المعلم الناصح الحامل لرسالة المسجد إلى هؤلاء ولينصحهم في عقر دارهم، فلو قدر لهذا الناصح الدخول مثلا على منحه الاقتصاد قوة القفز العالي لأرقى قمم الثروة المصرفية أو العمل الصناعي الضخم الفخم لرأيت ذهاب هذا المصلح ضائعا إلى حد كبير. ذلك أن المهام الحيوية ذات الأوزان الثقيلة التي يباشرها هذا الثري لم تعطه الوقت الكافي، فانظر إلى واقعه، إلى جانبه المستشارون حولهم المكاتب والآلات الحاسبة، إلى يمين مكتبه وشماله أجراس الهاتف، وحاجبه يناديه لتلبية التكلس (1) ويتعاكس مردود هذه القوى حتى يقول الناظر بحق: هذا الغريق في الثروة ما العمل؟. . ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، أيكون لهذا قلوب تنازعتها الأعمال، أم هو يحمل فوق طاقته فليس عنده من الزمن في نظره ما يجلس به مع هذا المعلم، فضلا عن تثاقله في الذهاب إلى المسجد، فضلا عن التفرغ للتخطيط والتنهيج والتفكير بحاجات المسجد، فهو في عمل رتيب ليل نهار قد أخذ عليه العمل ساحات تفكيره، ونهب قواه واستولى عليه أخطبوط الفتنة بالمال والثروة، فهو غني بماله فقير بمشاريع الخير.
ولئن سلم البعض من هذا الأخطبوط، ولكن لم يسلم الكثير والكثير. . . فمن الذي ينزل إلى المسجد ويرى ضرورة تزويد المسجد بالطاقات الاقتصادية البناءة، لنجعل المسجد محور النشاط ومركز التوجيه الفكري والإعلامي لتأدية رسالته على الصعيدين المحلي والعالمي.
من منا أيها السادة لا يرى الضرورة الملحة بتقدير هذا الهدي النبوي «نعما بالمال الصالح للرجل الصالح (2)» من منا لا يرى ضرورة تنفيذ هذا البيان النبوي الرائع المعجز إذ يقول صلوات الله وسلامه عليه «لا بد للمؤمن في آخر الزمان من الدرهم والدينار يقوم بهما أمر دينه» .
من الذي سيعير جناحه الاقتصادي لرجل المسجد ولرسالة المسجد حي يلتقي الداعي إلى الله مع أفراد المجتمع بالدواء والبلسم الشافي على مراحل وئيدة ومناهج بعيدة عن الشدة والغلظة طبق المناهج التي هدانا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مراحل الدعوة المختلفة فنجت الأمة العربية بفضلها بعد أن كانت على شفا جرف هار وبلغت السبق وخلفت وراءها كل سابق في القديم أو الحديث.
لقد ضاق وقت هذا الثري عن ولده وأهله وخويصة نفسه، فرأيت البيت مهيض الجناح، مكسور الخاطر، مهضوم الحقوق، حتى لتكاد صحة هذا الاقتصادي تشكو إلى بارئها ضعف صاحب هذا المال عن مراعاة قواعد الصحة والسلوك في تأمين بعض الوقت لراحته، والإفراج عن نفسه بعض الوقت أيضا لاسترداد قوته فعلى ضوء هذا القلم الإحصائي لمسيرة وقته ومسار عمله أتراه هذا حاملا لرسالة المسجد؟. . .
(1) Telex
(2)
رواه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في المستدرك، وابن سدر والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان - عن عمرو بن العاص والحديث بمجموعه يا عمرو إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله ويسلمك، وأرغب لك في المال رغبة صالحة، يا عمرو نعما بالمال الصالح للرجل الصالح.