الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (1){وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (2){رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (3){رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (4)
* * *
(1) سورة البقرة الآية 126
(2)
سورة البقرة الآية 127
(3)
سورة البقرة الآية 128
(4)
سورة البقرة الآية 129
أم موسى
(1)
ومع الأصداء الأخيرة الحلوة لهذا الترتيل. . نصعد معا إلى جبل آخر من جبال النور. . لنعانق أبعاد ملحمة أبطالها. . أم. . . ونبي. . وشخوص أشتات متباينة من البشر المتباينين. نحن مع موسى وأمه. . مع الأمومة البطلة الفدائية، التي صممت على أن تهدي الحياة ربيعها الأخضر متمثلا في بشر رسول. . فعاشت من خلال هذا العمل العملاق. . صورة حية وامضة لكل ما في الأمومة من نداوة الحب. . وخصب العاطفة. . وإثراء الوجدان. . وبسالة الإصرار. . نحن مع موسى وأمه إذن من خلال ما يحدثنا به القرآن (2). وما أصدق حديثه وأعذبه وما أخلد آياته وأروعها. . والقرآن هنا لا يحدثنا عن والد موسى (3). . وإنما يخص بالذكر أمه. . لأنها كانت بطلة الموقف. . وحاملة عبئه. . والمناضلة بعواطفها الأصلية عن وليدها الأثير. .
وتبدأ القصة بداية راعبة. . وشاحبة. . تبدأ برؤيا يراها فرعون. . تؤرق ليله، وترتق نهاره. . وتتركه في خضم متلاطم من الهواجس السافكة. . والوساوس الخانقة، والرؤى الشرهاء فيجمع في ذهول كهنته وسحرته، وكل المعبرين والمنجمين. . ويسألهم تأويل رؤياه. . فيقولون: يولد في بني إسرائيل غلام يسلبك الملك، ويغلبك على سلطانك، ويخرجك وقومك من أرضك، ويبدل دينك وقد أظلك زمانه الذي يولد فيه! ".
وهنا يجن جنون فرعون. . وينفجر في حناياه طوفان من الغضب العارم. . فيأمر في لوثة حمقاء بقتل كل غلام وليد، حتى لا يعانق الحياة هذا البازغ المنتظر الرهيب!
(1) المراجع السابقة. . وقصص الأنبياء للإمام الثعلبي.
(2)
ملحوظة: يلاحظ أنه ينسب إلى القرآن أشياء ليست فيه وإنما وردت في الآثار.
(3)
ملحوظة: يلاحظ أنه ينسب إلى القرآن أشياء ليست فيه وإنما وردت في الآثار.
وبين هذه السحب المتراكمة المخيفة ولد موسى الكليم. . ويا له من ميلاد مفزع. . ذلك الذي يجيء عبر أنهار من دماء سبعين ألف شهيد وليد. . وكأنما أفزع أمه أن يولد لها غلام. . لأنها تعلم مصيره المحتوم. . ونهايته الأكيدة. . إلا أنها بحافز الحب الخلاق الذي يفرش دروبها المؤمنة. . تخبئ وليدها وراء أهداب العين. . وخلف أحناء الضلوع. . ولكن. . إلى متى يا أم موسى؟ وتصيخ في أمومة حادية معذبة. . فإذا بوحي هادئ منغوم يتردد في خلدها المرهف: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} (1) وتفعل الأم ما أمر به الله. . وتلقي وليدها. . في النيل. .! وكأنما جاشت نفسها حسرات بعد أن رأت الأمواج الغاضبة تتدافع في جنون حاملة تابوت وليدها الغض، تتأرجح به يمنة ويسرة. . وتغوص به مرة، وتطفو به أخرى.
فهمست وهي تتراجع قافلة إلى دارها في ذهول: أليس كان في قتله راحة أندى من أن أطوح به هكذا في ضباب الضياع؟. . وكادت تتهالك من الأسى. . {لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (2)
* * *
ويمضي الموج. . أو يمضي التابوت بالموج. . ليرسو أمام قصر الطاغية. . ويلمحه الجواري إلى جانب الشاطئ يترجرج. . ويتأرجح. . فيلتقطنه. . ويذهبن به إلى آسية امرأة فرعون وتفتح آسية التابوت. . وتعانق صباحها ابتسامة " طفلة " بيضاء ترسم على أعماقها الجديبة صورة الأمل المرتجى. . وبراعم الحب الظامئ اللهيف! وتذهب به إلى فرعون في لهفة ظمأى مستوهبة إياه. . قائلة في ارتعاش أنثوي صارخ: فرعون. . {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} (3) وتتنزى انتفاضة الغضب في عيني الطاغية. . مصرا على أن يعانق الطفل مصير آلاف من الأطفال سبقوه. . ولكن آسية اللهيفة ما تزال به - تهدهد ثورته - وتتسرب من نوافذ العاطفة إلى قلبه الصلد. . حتى يتلاشى أو ينهار. . ويأمر فرعون أن يستبقى الغلام. .
(1) سورة طه الآية 39
(2)
سورة القصص الآية 10
(3)
سورة القصص الآية 9
ولكن. . ما بالنا قد تركنا أمه هناك؟. . لنرجع إليها على وشك. . فإنها ما زالت لهيفة عبرى. . تتحس أخباره ولا صدى. . وتقتفي آثاره ولا شبح. . إنها ما زالت كالطائر المجروح، الذي فقد أفراخه الصغار!. . إنها ما زالت تلوب ظامئة حول أبعاد رحلته تريد أن تعرف ما مصيره. . تهتف بأخته مريم:(قصيه). . وتمضي الفتاة جانب النهر. . تتسمع حتى خففات الصدور، وهمسات الجفون، حتى تقف أخيرا على طرف من الخيط الذاهب هناك. . في قصر فرعون. . إن شقيقها الطفل وراء هذه الجدران. . إنه مصر بكل ما في طفولته البريئة من تشامخ عنيد ألهمه الله إياه ألا يقرب من هذه الأثداء المأجورة ثديا واحدا يرضعه. . .
وحين ترى الفتاة اللهفانة جارية من جواري القصر. . تدنو منها في جلد محاذر مشبوب وتهمس في أذنها: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} (1) فترقص ابتسامة جذلى في عيني الجارية، وتقول: أجل. . أجل. . من هؤلاء يا أختاه؟ وتمضي بها عجلانة إلى سيدتها آسية، فتسر الفتاة إليها - في حذر - بخبر المرضع التي ليست سوى أم الوليد. . وحين يؤتى إلى أمه الوالهة. . تتطلع إليه في تشوف مبهور. . وتضمه في جذل خائف إلى صدرها الحاني. . فيرضع الطفل حتى يروى. . بين ذهول الجواري وتوثب مريم في حذر بهيج.
وتستدعي ربة القصر أمه إلى قصرها. . تريد أن ترضع الغلام هناك. . فتتأبى هذه وتتمنع حتى تنزل السيدة على إرادتها. . على إرادة الإصرار في موقف الأم. . التي ما زالت تحيا وراء ستار المرضع الحانية الرؤوم. . .
وحين تشارف هذه المرحلة. . نتسمع من بعيد. . وعن كثب إلى قول الحق سبحانه: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (2){وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (3){وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (4){وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (5){فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} (6){وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} (7){وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (8){وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} (9){وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} (10){فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (11){وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (12)
* * *
(1) سورة القصص الآية 12
(2)
سورة القصص الآية 4
(3)
سورة القصص الآية 5
(4)
سورة القصص الآية 6
(5)
سورة القصص الآية 7
(6)
سورة القصص الآية 8
(7)
سورة القصص الآية 9
(8)
سورة القصص الآية 10
(9)
سورة القصص الآية 11
(10)
سورة القصص الآية 12
(11)
سورة القصص الآية 13
(12)
سورة القصص الآية 14