الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا -
المذهب الحنفي
التمييز بين حالتين:
يجب التمييز في المذهب الحنفي بين حالتين:
(أ) حالة فيها الشرط الفاسد يفسد العقد.
(ب) وحالة فيها الشرط الفاسد يلغو دون أن يفسد العقد، فيسقط الشرط ويبقى العقد.
1 -
شرط فاسد يفسد العقد
النصوص
جاء في المبسوط (جزء 13 ص 15 - ص18): " وإن كان شرطا لا يقتضيه العقد وليس فيه عرف ظاهر، فإن كان فيه منفعة لأحد المتعاقدين فالبيع فاسد؛ لأن الشرط باطل في نفسه والمنتفع به غير راض بدونه، فتمكن المطالبة بينهما بهذا الشرط، فلهذا فسد به البيع. وكذلك إن كان فيه منفعة للمعقود عليه، وذلك نحو ما بينا أنه إذا اشترى عبدا على أنه لا يبيعه، فإن العبد يعجبه ألا تتناوله الأيدي، وتمام العقد بالمعقود عليه حتى لو زعم أنه حر كان البيع باطلا، فاشتراط منفعته كاشتراط منفعة أحد المتعاقدين. . . قال: إذا اشترى عبدا على أنه يعتقه فالبيع فاسد، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أن البيع جائز بهذا الشرط، وهو قول الشافعي، لحديث بريرة رضي الله عنها فإنها جاءت إلى عائشة رضي الله عنها تستعينها في المكاتبة، قالت إن شئت عددتها لأهلك وأعتقك، فرضيت بذلك، فاشترتها وأعتقتها، وإنما اشترتها بشرط العتق وقد أجاز ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لها. . ولأن العتق في المبيع قبض. . والقبض من أحكام العقد، فاشتراطه في العقد يلائم العقد ولا يفسده، وحجتنا في ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط، ولأن في هذا الشرط منفعة للمعقود عليه والعقد لا يقتضيه فيفسد به العقد كما لو شرط ألا يبيع. يوضحه أنه لو شرطه في الجارية أن يستولدها أو في العبد أن يدبره كان العقد فاسدا فإذا كان اشتراط حق العتق لها يفسد البيع فاشتراط حقيقة العتق أولى، ودعواه أن هذا الشرط يلائم العقد لا معنى له فإن البيع موجب للملك والعتق مبطل له، فكيف يكون بينهما ملاءمة؟ ثم هذا الشرط يمنع استدامة الملك فيكون ضد ما هو المقصود بالعقد. وبيع العبد نسمة لا يكون بشرط العتق، بل يكون ذلك وعدا من المشتري، ثم البيع بعقد مطلقا وهو تأويل حديث عائشة رضي الله عنها فإنها اشترت بريرة رضي الله عنهما مطلقا ووعدت لها أن تعتقها لترضى هي بذلك، فإن بيع المكاتبة لا يجوز بغير رضاها. . .
وإذا اشتراه على أن يقرض له قرضا أو يهب له هبة أو يتصدق عليه صدقة أو على أن يبيعه بكذا وكذا من الثمن، فالبيع في جميع ذلك فاسد، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف وعن بيعتين في بيعة. . وإن اشترى شيئا وشرط على البائع أن يحمله إلى منزله أو يطحن الحنطة أو يخيط الثوب فهو فاسد؛ لأن فيه منفعة لأحد المتعاقدين والعقد لا يقتضيه؛ لأنه إن كان بعض البدل بمقابلة العمل المشروط عليه فهو إجارة مشروطة في العقد، وإن لم يكن بمقابلته شيء من البدل فهو إعارة مشروطة في البيع وهو مفسد للعقد، وكذلك لو اشترى دارا على أن يسكنها البائع شهرا، فهذه إعارة مشروطة في البيع وهو مفسد للعقد، أو هذا شرط أجل في العين والعين لا تقبل الأجل ".
وجاء في البدائع (جزء 5 ص 169 - ص 173): " ومنها شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة للبائع أو للمشتري أو للمبيع إن كان من بني آدم كالرقيق، وليس بملائم للعقد، ولا مما جرى به التعامل بين الناس، ونحو ما إذا باع دارا على أن يسكنها البائع شهرا ثم يسلمها إليه، أو أرضا على أن يزرعها سنة، أو دابة على أن يركبها شهرا، أو ثوبا على أن يلبسه أسبوعا أو على أن يقرضه المشتري قرضا، أو على أن يهب له هبة، أو يزوج ابنته منه، أو يبيع منه بكذا، ونحو ذلك، أو اشترى ثوبا على أن يخيطه البائع قميصا، أو حنطة على أن يطحنها، أو ثمرة على أن يجذها، أو ربطة قائمة على الأرض على أن يجذها، أو شيئا له حمل ومؤونة على أن يحمله البائع إلى منزله، ونحو ذلك، فالبيع في هذا كله فاسد؛ لأنه زيادة منفعة مشروطة في البيع تكون ربا؛ لأنها زيادة لا يقابلها عوض في عقد البيع وهو تفسير الربا، والبيع الذي فيه الربا فاسد؛ أو فيه شبهة الربا، وأنها مفسدة للبيع كحقيقة الربا. وكذا لو باع جارية على أن يدبرها المشتري أو على أن يستولدها، فالبيع فاسد؛ لأنه شرط فيه منفعة للمبيع وأنه مفسد، وكذا لو باعها بشرط أن يعتقها المشتري، فالبيع فاسد في ظاهر الرواية عن أصحابنا، وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهما أنه جائز، وبه أخذ الشافعي رحمه الله. . وكذا لو باع عبدا أو جارية بشرط ألا يبيعه وألا يهبه وألا يخرجه من ملكه، فالبيع فاسد؛ لأن هذا شرط ينتفع به العبد والجارية بالصيانة عن تداول الأيدي فيكون مفسدا للبيع. . ولو اشترى شيئا بشرط أن يوفيه في منزله، فهذا لا يخلو إما أن يكون المشتري والبائع بمنزلهما في المصر وإما أن يكون أحدهما في المصر والآخر خارج المصر، فإن كان كلاهما في المصر، فالبيع بهذا الشرط جائز عند أبي حنيفة وأبي يوسف استحسانا، إلا إذا كان في تصحيح الشرط تحقيق الربا، كما إذا تبايعا حنطة بحنطة وشرط أحدهما على صاحبه الإيفاء في منزله. وعند محمد: البيع بهذا الشرط فاسد وهو القياس؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة للمشتري فأشبه ما إذا اشترى بشرط الحمل إلى منزله أو بشرط الإيفاء في منزله وأحدهما في المصر والآخر خارج المصر. ولهما أن الناس تعاملوا البيع بهذا الشرط إذا كان المشتري في المصر، فتركنا القياس لتعامل الناس ولا تعامل فيها إذا لم يكونا في المصر، ولا في شرط الحمل إلى المنزل فعملنا بالقياس فيه. . وأما بيع الثمر على الشجر بعد ظهوره، وبيع الزرع في الأرض. . إن اشترى بشرط الترك فالعقد فاسد بالإجماع؛ لأنه شرط لا
يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين، ولا يلائم العقد، ولا جرى به التعامل بين الناس، ومثل هذا الشرط مفسد للبيع لما ذكرنا؛ لأنه لا يتمكن من الترك إلا بإعارة الشجرة والأرض وهما ملك البائع، فصار بشرط الترك شارطا الإعارة، فكان شرطه صفقة في صفقة وأنه منهي عنه.
ونستعرض استخلاصا من النصوص المتقدمة، مسائل ثلاثا.
(1)
الصور المختلفة للشرط الفاسد الذي يفسد العقد.
(2)
الأسباب التي دعت المذهب إلى القول بفساد الشرط والعقد في هذه الصور.
(3)
العقود التي يكون فيها الشرط الفاسد مفسدا للعقد.
* * *
الصور المختلفة للشرط الفاسد الذي يفسد العقد
يمكن القول بوجه عام أن الشرط الفاسد الذي يفسد العقد هو الذي فيه منفعة لها صاحب يطالب بها، وهذه المنفعة إما أن تكون للمبيع إذا كان رقيقا، أو للبائع، أو للمشتري، أو لأجنبي غير المتعاقدين.
فمثل المنفعة التي تكون للمبيع إذا كان رقيقا: أن يشتري عبدا على ألا يبيعه أو يهبه أو يخرجه من ملكه بحال، أو على أن يبيعه من فلان دون غيره، أو على ألا يخرجه من بلد معين، أو على أن يدبره أو يكاتبه، أو على أن يعتقه على خلاف بين المذاهب. أو يشتري أمة على أن يستولدها. ففي هذه الأمثلة نرى الرقيق المبيع قد صارت له منفعة بعقد البيع يستوفيها من المشتري، فمن مصلحة الرقيق ألا يباع أو يخرج من ملك المشتري حتى لا تتداوله الأيدي أو في القليل ألا يباع إلا إلى شخص بالذات فيتحدد بذلك مجال التعامل فيه، أو أن يبقى في بلد معين له في الاستقرار فيه مصلحة، ومن مصلحته أن يدبر أو يكاتب. أو يستولد إذا كان أمة، فهذا هو طريقه إلى العتق. ومن مصلحته بالأولى أن يشترط البائع عتقه.
والمنفعة التي تكون للبائع إما أن تكون منفعة تتعلق بالمبيع ذاته أو منفعة مستقلة عن المبيع، فمثل المنفعة التي تتعلق بالمبيع أن يبيع عبدا ويشترط على المشتري أن يبقى في خدمته وقتا من الزمن. أو يبيع دارا ويشترط أن يسكنها شهرا، أو يبيع أرضا ويشترط أن يزرعها سنة، أو يبيع دابة ويشترط أن يركبها إلى مكان معين، أو يبيع ثوبا ويشترط أن يلبسه أسبوعا، ونرى في هذه الأمثلة أن البيع يتضمن إجارة أو إعارة، فيتضمن إجارة إن كان للشرط مقابل من الثمن، فإن لم يكن له مقابل فالبيع يتضمن إعارة.
ومثل المنفعة المستقلة عن المبيع أن يشترط البائع على المشتري أن يقرضه قرضا، أو أن يهب له هبة، أو أن يتصدق عليه بصدقة، أو أن يشتري
منه شيئا آخر، أو أن يبيع له كما اشترى منه، أو أن يزوج منه ابنته، ونرى في هذه الأمثلة أن عقد البيع قد تضمن عقدا آخر. قرضا أو هبة أو صدقة أو بيعا أو زواجا.
والمنفعة التي تكون للمشتري تكون هي أيضا إما منفعة تتعلق بالبيع ذاته أو منفعة مستقلة عن المبيع.
فمثل المنفعة التي تتعلق بالمبيع أن يشتري حنطة ويشترط على البائع أن يطحنها أو ثوبا ويشترط على البائع أن يخيطه، أو محصولا ويشترط على البائع أن يحصده، أو يشترط أن يتركه في الأرض حتى ينضج، أو ربطة قائمة على الأرض ويشترط على البائع أن يجذها، أو يشتري ما له حمل ومؤونة ويشترط على البائع أن يحمل المبيع إلى منزله.
وفي هذه الأمثلة نرى البيع قد اقترن بعقد آخر، هو في أغلبها إجارة عمل البائع. وهو إعارة الأرض أو إجارتها في شرط ترك المحصول في الأرض حتى ينضج. ومثل المنفعة المستقلة عن المبيع أن يشترط المشتري على البائع أن يقرضه قرضا، أو يهب له هبة، أو أن يتصدق عليه بصدقة، أو أن يبيع له شيئا آخر، أو أن يشتري منه كما باع له، أو أن يتزوج ابنته، وهذه هي نفس الأمثلة التي أوردناها في منفعة البائع المستقلة عن المبيع، وإنما جعلناها هنا لمصلحة المشتري لا لمصلحة البائع.
وقد تكون المنفعة لأجنبي غير المتعاقدين، كما إذا باع ساحة على أن يبني المشتري فيها مسجدا، أو باع طعاما على أن يتصدق به المشتري، أو باع دارا واشترط على المشتري أن يهبها لفلان أو يبيعها منه بكذا من الثمن. ويلاحظ أن هذه الصورة في الفقه الإسلامي تعدل في الفقه الغربي صورة الاشتراط لمصلحة الغير، ولما كان الشرط فاسدا في هذه الحالة فقد أقفل باب الاشتراط لمصلحة الغير في الفقه الحنفي.
* * *
2 -
الأسباب التي دعت المذهب إلى القول بفساد الشرط والعقد في هذه الصور
وقد رأينا النصوص الفقهية المتقدمة تعلل فساد الشرط والعقد في هذه الصور بعلتين مختلفتين:
العلة الأولى: أن الشرط، يتضمن منفعة تجوز المطالبة بها، يكون زيادة منفعة مشروطة في عقد البيع، وهي زيادة لا يقابلها عوض، فهي ربا أو فيها شبهة الربا، والمبيع الذي فيه الربا أو شبهة الربا فاسد.
العلة الثانية: أن الشرط لا يقتضيه العقد حتى يصح قياسا، ولا هو ملائم للعقد أو يجري به التعامل حتى يصح استحسانا، وقد تضمن منفعة تجوز المطالبة بها، فصار في ذاته عقد آخر - إجارة أو إعارة أو بيعا أو قرضا أو هبة أو غير ذلك - تضمنه عقد البيع. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط، وعن بيع وسلف، وعن بيعتين في بيعة واحدة، وعن صفقتين في صفقة واحدة. . ومهما يكن من شأن صحة بعض هذه الأحاديث، فقد أخذ بها المذهب الحنفي، وقد رأينا صاحب المبسوط يقول في هذا المعنى: إن الشرط فيه منفعة لأحد المتعاقدين والعقد لا يقتضيه؛ لأنه إن كان بعض البدل بمقابلة العمل المشروط عليه فهو إجارة مشروطة في العقد، وإن لم يكن بمقابلته شيء من البدل فهو إعارة مشروطة في البيع، وهو مفسد للعقد. . لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف وعن بيعتين في بيعة، ورأينا صاحب البدائع يقول:" إن اشترى بشرط الترك فالعقد فاسد بالإجماع؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين ولا يلائم العقد ولا جرى به التعامل بين الناس، ومثل هذا الشرط مفسد للبيع لما ذكرنا، ولأنه لا يتمكن من الترك إلا بإعارة الشجرة والأرض وهما ملك البائع، فصار بشرط الترك شارطا الإعارة، فكان شرطه صفقة في صفقة وأنه منهي عنه ".
ورأينا صاحب فتح القدير يقول: " وكذلك لو باع عبدا على أن يستخدمه البائع شهرا أو دارا على أن يسكنها، أو على أن يقرضه المشتري دراهم، فهو فاسد؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين وقد ورد في عين بعضها نهي خاص وهو نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف. أي قرض، ثم خص شرطي الاستخدام والسكنى بوجه معنوي، فقال: ولأنه لو كان الخدمة والسكنى يقابلهما شيء من الثمن بأن يعتبر المسمى ثمنا بإزاء المبيع وبإزاء أجرة الخدمة والسكنى يكون إجارة في بيع، ولو كان لا يقابلهما يكون إعارة في بيع، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة ".