الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد مضى المسجد والساجد كل يؤدي دوره في نشر الخير وحماية الحق حتى أطلت الدنيا بمفاتنها ومباهجها، وظهر خلاف واضح بين السلطان والقرآن، وبدأ المسجد يفتقد الساجد والرائد، ورويدا رويدا تحولت المنابر إلى غير وجهتها تبعا للسلطان، وبدأت الشقة تزداد اتساعا بين المسجد والساجد حتى انحازت المنابر للسلطة والسلطان، ورويدا رويدا أصبحت المنابر واحدة من أجهزة الدولة، وظل الحال هكذا إلى يومنا هذا؛ حيث اندثرت ملامح الهدى ومعالمه في المسجد أو كادت في كثير من بلاد المسلمين.
إن تلك الوثنيات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي صنعها اليهود لتمزيق شمل المسلمين وإبعادهم عن دينهم ممثلة في الشيوعية والاشتراكية والقومية والبعثية والوجودية والفرعونية والقاديانية المندحرة المنتحرة تلعب دورا مرعبا في أوساط الشباب. والمسجد والساجدون في إغفاءة تشبه الموت أو هي الموت عينه.
إحياء رسالة المسجد
إن قضية المسجد هي فرع قضية الساجد: ونعني بالساجد المسلم، فآل الأمر إلى أن هذا الجمع الحاشد المبارك يبعث قضيتين:
أولاهما: تتسع فتشمل الساجد عقيدة وسلوكا حاضرا ومستقبلا.
والثانية: قضية المسجد: وهي تعني البحث عن أحسن الوسائل وأفضلها لكي يقوم بدور فعال في صياغة المؤمن وفق عقيدته وشرائعه. ولنقصر الحديث الآن على الساجد؛ لأنه محور القضية وموضوع المؤتمرين.
الساجد:
إن الحديث عن الساجد لا بد أن يثير عددا من التساؤلات:
كم نسبة الساجدين في المسجد من مجموع أهل القبلة؟ بل كم نسبة الذين يسجدون فقط؟ بغض النظر عن صلتهم وارتباطهم بالمسجد.
ثم إن افترضنا أن نسبة الساجدين فعلا 50 %، ونسبة الذين يرتادون المسجد تساوي 5 %، فإن أسئلة أخرى تبرز من جديد: ما هو موقف المؤتمر من الذين لا يسجدون ونسبتهم 45 %؟
وسؤال آخر ما موقف المؤتمر من الذين يسجدون خارج المسجد؟ هل ننقل المسجد إليهم في مدارسهم
وأنديتهم وملاعبهم وأسواقهم؟
إذا فنسبة الذين يرتادون المسجد ضئيلة جدا 5 % هل يمكن أن تستقطب كل اهتمامات المؤتمر علما بأنها هي الأحسن حالا ومآلا «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان» وإذا شاء المؤتمر أن يقتصر على بحث أمر الساجد والمسجد فقط، فإن النسبة الساحقة تبقى خارج نطاق اهتمامهم، وهذا ما يتنافى مع شمولية الفكر الإسلامي.
أيها الإخوة. . .
إن مسئولية الدعوة والبلاغ بكل تبعاتها تقع على صنفين من الناس:
الشطر الأول منها يقع على عاتق علماء الشريعة الإسلامية {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (1)
والقيام بشطر هذه المسئولية يقتضي تنظيما عالميا نشير إلى تفاصيله فيما بعد.
والشطر الثاني من هذه المسئولية يقع على ولاة أمور المسلمين، وعلى الأخص دولة الإيمان ومملكة الإسلام (المملكة العربية السعودية) وعليها أن تضطلع بالدور القيادي للحكومات الإسلامية في هذا الأمر لأسباب متعددة منها: أنها مؤهلة فكريا وماديا لتولي القيادة الروحية للعالم الإسلامي نحو غاياته الكبرى، ولأنها ما زالت تستمسك بالقرآن في الوقت الذي تفرقت فيه السبل بآخرين، ومنها: أن الله أكرمها بخدمة الحرمين الشريفين منطلق دعوتهم. . . ومنها: أن المملكة قد مرت بتجربة مريرة حينما هبت رياح التغيير وعصفت بكثير من القيم الإسلامية في مواقع متعددة من بلدان العالم الإسلامي، فظلت هي الشامخة الصامدة محتفظة ومعتزة بكيانها الإسلامي، وظل فقيد الإسلام فيصل بن عبد العزيز - طيب الله ثراه - يصارع الأنواء ويغالبها، وفي مهب هذه الزوابع استطاع بعون الله أن يرسي قواعد التضامن الإسلامي جامعة المسلمين التي ظلت حلما يراود قلوب المسلمين وعقولهم منذ سقوط الخلافة الإسلامية، ولم تسقط الراية بوفاة فقيد الإسلام ولن تسقط، فقد استلمها إمام المسلمين خالد بن عبد العزيز بحزم المؤمنين وصدقهم، وإنا لنأمل أن يحقق الله به آمال المسلمين، ويرأب به صدعهم، ويلم به شعثهم.
(1) سورة يوسف الآية 108
لقد رأينا في الأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي الأخير تسعا وأربعين علما إسلاميا يخفق على واجهة دار المؤتمر وهو أمر يدعو على العجب والطرب، فإذا أضفنا إلى ذلك المؤسسات المتخصصة في شئون الدعوة: الجامعة الإسلامية، إدارة البحوث العلمية والإفتاء، رابطة العالم الإسلامي، التي نجتمع الآن تحت سقفها، كان عنوان صدق لما نقول.
* * *
أيها الإخوة المؤتمرون:
إن ذكر هذه الخصائص للمملكة العربية السعودية لا يعني الإنقاص لأي دولة إسلامية أخرى، وإنما يعني أنها مؤهلة للقيام بدور قيادي فعال، خصوصا والدول الإسلامية تشاطرها المسئولية في المؤتمر الإسلامي والبنك الإسلامي وصندوق التنمية الإسلامي، وانطلاقا من هذا المفهوم فإني باسم مؤتمر القرآن الكريم بالسودان ودعما للجهود المخلصة التي يقوم بها هذا المؤتمر وإسهاما في مسئولية البلاغ أقترح الآتي:
1 -
رفع التماس لإمام المسلمين خالد بن عبد العزيز كي يتبنى هو شخصيا بالتضامن مع الدول الإسلامية مشروعا يدعو لنشر الدعوة الإسلامية بصفة عامة لكافة الناس، ونشر الفكر الإسلامي المشرق بين المسلمين بصفة خاصة، على أن يكون مؤتمر رسالة المسجد واحدا من أجهزتها.
2 -
بما أن العناصر الأساسية لنشر الدعوة الإسلامية ممثلة في:
أ- القرآن: هدى وضياء، والسنة: شرحا وبيانا.
ب- المسجد: منطلقا للدعوة وصانعا للدعاة.
ج- علماء الشريعة الإسلامية: دعاة وهداة.
أقترح تكوين اتحاد عالمي لهم ينظم شئون الدعوة استجابة لأمر الله {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (1) وحماية لاتحاداتهم الإقليمية من التسلط سيما وأن حقوق الاتحادات والنقابات الفئوية أصبحت تجد حماية دولية.
3 -
العناية البالغة من الدول الإسلامية بأمر القرآن عناية تجعل من القارئ شخصية إسلامية متكاملة للقيام بدوره على أحسن الوجوه وأفضلها.
(1) سورة المائدة الآية 2
4.
إمامة المسجد: يجب أن لا توكل إلا لأكبر أهل العلم والإيمان حتى يكون له أثره في بناء الفرد المسلم والمجتمع المسلم، وترد للمسجد هيبته ويوضع في مصاف الأكاديميات، كما كان للجامع الأزهر، سابقا على أن تكون للإمام الحماية من التسلط، وحتى يستطيع أن يجهر بكلمة الحق دون رهبة أو خشية.
5.
توجيه نداء لكل الحكومات الإسلامية بأن نتعاون مع الاتحادات الإقليمية لاتحاد العلماء المرتقب وتتيح له فرصة الاستفادة من أجهزة الإعلام بالقدر الذي يمكنه من أداء رسالته.
6.
تكوين أمانة عامة لمؤتمر إحياء رسالة المسجد يكون مقرها مكة المكرمة، ولتكون على صلة بالمؤسسات الإسلامية العالمية للتنسيق معها.
7.
توجيه نداء لاتحاد الجامعات الإسلامية بأن توظف فترة الإجازة الرسمية لصالح الدعوة أسوة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وذلك بابتعاث أساتذتها لنشر الدعوة في الأقطار المختلفة، على أن يتم ذلك بتنسيق بينها.
8.
رفع صوت شكر لإمام المسلمين خالد بن عبد العزيز لرعايته لهذا المؤتمر.
9.
تسجيل صوت شكر لرابطة العالم الإسلامي، لاهتمامها بأمور المسلمين ودعوتها لعقد هذا المؤتمر.
والله الموفق. . .
* * *