الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سليمان دنيا
(1)
رسالة المسجد في الماضي والحاضر
لقد تخرجت في الأزهر وعملت به أستاذا زمانا طويلا، وعاصرت أنواعا من التغيرات والنظم التي تواردت عليه، وعملت أستاذا بجامعة القرويين بالمغرب ثلاث سنوات ومثلها في جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان.
وقد تأكدت من خلال هذه التجربة الطويلة أن منشأ ضعف طلاب الجامعة الدينية الذي نشكو آثاره، داخل المسجد وخارج المسجد، هو البرامج الدراسية، التي هي خليط غير متسق من عناصر شتى، وما يتصل بها من دراسات في مذكرات موضوعة على عجل، استغني بها عن المراجع الأصلية، فانقطعت صلة الطلاب بهذه المراجع، وأصبحوا عاجزين عن الاستفادة منها، وامتحانات يعوزها الجدية والدقة والضبط.
(1) الدكتور سليمان دنيا من علماء الأزهر.
كان المسجد أيام السلف الصالح، مكان النشاط الديني والفكري، كانت تعقد فيه حلقات الدروس، وكان العلماء يلتقون فيه بطلابهم، وبالجمهور؛ ليعطوا كلا منهم ما هو بحاجة إليه.
وكان العلماء يفعلون ذلك في الغالب، حسبة لوجه الله، فكان عملهم خالصا لوجهه، وكان الناس يمنحونهم ثقتهم التامة، فيأخذون عنهم ما يقولون، ويقتدون بهم فيما يفعلون، لذلك تبوأ المسلمون في هذا العهد مكانتهم اللائقة بهم كمسلمين عرفوا الطريق الصحيح إلى الله، فسلكوه فرضي الله عنهم وأيدهم بنصر من عنده.
لكنا إذا نظرنا إلى المسجد الآن وجدنا به إماما ومأمومين، ولم نجد حلقات الدروس التي ما كانت تتوقف في وقت من ليل أو نهار. ومعنى ذلك أن المسجد لم يعد يصنع الإمام، بل تصنعه له الجامعة التي أريد لها أن تقوم بدور المسجد في التدريس والبحث والتأليف.
ولكن الجامعة التي خلفت المسجد لم تلبث أن وجدت نفسها محاطة بجامعات أخرى، أوجدتها الرغبة في التعرف على أسرار الكون ونظامه.
ولا شك أنه لا تعارض بين هذه الجامعات التي تقوم بدور التعمق في فهم أسرار الكون ونظامه للانتفاع بخيراته وتوقي أخطاره، وبين الجامعات الدينية التي تتعرف على خالق الكون وواضع نظامه، من خلال رسالاته إلى رسله وأنبيائه، التي تعلم في هذا المجال ما لا يستطيع العقل البشري أن يستقل بإدراكه بانفراده.
نعم. . . لا تعارض بين هذه الجامعات وتلك، فلكل مهمتها، والمهمتان متآخيتان متعاونتان، ما دامت الوسائل سليمة والمقاصد مستقيمة.
لكن هذا ليس يعني أن نخلط بينهما، أو في تعبير أدق، ذلك ليس يعني أن تطمع الجامعة الدينية أن تدخل في نطاق نشاطها موضوعات مما هو من اختصاص الجامعات الدنيوية، لا تقوى على الاضطلاع بها مع علوم الدين طاقة أبنائها. فإن نتيجة ذلك أن لا يحسن الطلاب العلم بهذا ولا العلم بذلك، كما هو الحال الآن.
وفي مثل هذه الظروف القلقة غير المستقرة التي تعيشها الجامعات الدينية الآن، يتخرج الإمام، وكما فقدت الجامعات الدينية كثيرا من خصائص المسجد، فقد الإمام كثيرا من خصائص من كان يتخرج من المسجد. وكان من نتيجة ذلك أننا وجدنا أنفسنا بخصوص المسجد والإمام أمام مشكلة تتطلب الحل.
وإذا قصرنا أنفسنا على النظر في المسجد والإمام، لم نجد الحل السريع ولا الحل الصحيح، لأن نظرتنا يجب أن تتسع فتشمل الجامعة التي فيها يتخرج الإمام.
لقد تخرجت في الأزهر وعملت به أستاذا زمانا طويلا، وعاصرت أنواعا من التغييرات والنظم التي تواردت عليه، وعرفت الفرق بين نظام ونظام، وعملت أستاذا بجامعة القرويين بالمغرب ثلاث سنوات، ومثلها في جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان.
وقد تأكدت من خلال هذه التجربة الطويلة، أن منشأ ضعف طلاب الجامعة الدينية الذي نشكو آثاره، داخل المسجد وخارج المسجد، هو البرامج الدراسية، التي هي خلط غير متسق من عناصر شتى، وما يتصل بها من دراسات في مذكرات موضوعة على عجل، استغني بها عن المراجع الأصلية، فانقطعت صلة الطلاب بهذه المراجع، وأصبحوا عاجزين عن الاستفادة منها، وامتحانات يعوزها الجدية والدقة والضبط.
وأضرب هنا مثلا واحدا بسيطا من أمثلة عدة للخلط في البرامج، إنه قد أصبح من المتعارف عليه في الجامعات الدينية، أن يدرس الطلاب لغة أو أكثر من اللغات الأجنبية كالإنجليزية والفرنسية، وتعطى هذه اللغة من الوقت بعض ما كان مخصصا للغة العربية من قبل، فيضيق الوقت والجهد عن استيعابها جميعا وتكون النتيجة أن لا يحسن الطالب لا هذه ولا تلك، فانحط مستوى الطلاب في اللغة العربية إلى حد يؤذن بقرب ضياعها، إن لم نتدارك الأمر بسرعة وحزم.
إني أؤمن بأنه لا يضير طالب الجامعة الدينية أن يجهل اللغة الأجنبية ما دام سيعهد إليه بعمل لا يتوقف نجاحه فيه على العلم بها، ويضيره كل الضير أن يكون ضعيفا في اللغة العربية التي هي قوام حياته كطالب وعالم وباحث ومؤلف، في مجال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وكتب الأئمة وعلماء هذه الأمة.
إن نسبة ضئيلة من المتخرجين هي التي تباشر العمل في مجال يتطلب العلم بلغة أجنبية، فينبغي أن يقتصر تعليم اللغة الأجنبية على هذه النسبة. أما أن يفرض تعليمها على الجميع، من سيكون بحاجة إليها، ومن لا يكون، مع أداء ذلك إلى الجهل باللغة العربية، أداء إذا استمر أفضى إلى زوالها وطمس معالمها، وفي زوال اللغة العربية وطمس معالمها زوال الدين وطمس معالمه، وذلك هو الكارثة التي نسأل الله أن يقينا شرها.
والمغزى الأساسي من هذه الكلمات هو الإشارة إلى علاقة المسجد بالجامعة، وأن محاولة إصلاحه منفصلا عنها محاولة صعبة قد لا تأتي بالنتيجة المرجوة.
وما أظنني هنا بحاجة إلى أن أذكر ما قرره بعض ذوي البصر بالأحداث الجارية في العالم الإسلامي، مع أن الخلط في برامج الجامعات الدينية بهذه الصورة المشوهة، التي أدت إلى إضعاف ملكة الطلاب الدينية سياسة أجنبية، نجد لها أعوانا داخل البلاد الإسلامية، يهيئون الفرصة لتطبيقها وتنفيذها.
لقد آن الأوان إلى أن يتواصى المسلمون بالعودة ببرامج الجامعات الدينية، إلى الأصل الذي تخرج عليه علماء يشار إليهم بالبنان، ملئوا الدنيا بآثارهم الطيبة، علما وعملا، وإنا في هذه الظروف الحرجة التي يحياها العالم الإسلامي، لفي أشد الحاجة إلى كثير من أمثالهم ليأخذوا بيد الأمة الإسلامية إلى طريق الفلاح والرشاد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . .