الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن المعنويات العالية هي العقيدة الراسخة، والدين الإسلامي لا يقتصر على رفع المعنويات فقط، بل أمر بالإعداد المادي أيضا.
***
المسجد والعسكرية
في المسجد يتلقى المؤمنون تعاليم الدين الحنيف، وفي المسجد يقوى الإيمان ويشتد، فما هو أثر المسجد في العسكرية؟
إن أثر المسجد في العسكرية هو أثر الإسلام فيها، إذ المسجد ليس بأحجاره وجدرانه، بل بالعلماء العاملين الذين يحافظون على كرامة العلماء. وحث الإسلام على الطاعة، والطاعة هي الضبط والنظام:{وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (1).
وأشاع الإسلام معاني الخلق الكريم، ومنه الصبر الجميل {ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (2). وقال تعالى:{اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} (3).
وغرس الإسلام روح الشجاعة، والإقدام:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} (4){وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (5).
والتولي يوم الزحف من الكبائر، كما نص على ذلك حديث رسول الله - عليه أفضل الصلاة والسلام -. وأمر الإسلام بالثبات في ساحة القتال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} (6).
ودعا الإسلام إلى الجهاد بالأموال والأنفس لإعلاء كلمة الله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (7).
(1) سورة البقرة الآية 285
(2)
سورة النحل الآية 110
(3)
سورة آل عمران الآية 200
(4)
سورة الأنفال الآية 15
(5)
سورة الأنفال الآية 16
(6)
سورة الأنفال الآية 45
(7)
سورة الحجرات الآية 15
- وقال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (1).
- وانظر تفسير هذه الآية الكريمة في (الكشاف) للزمخشري، لتجد أن المسلمين سبقوا العالم إلى مفهوم الحرب الإجماعية التي تنص على: إعداد الأمة بكل طاقاتها المادية والمعنوية للحرب، بينما زعم المشير لورندروف بعد الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) في كتابه (الأمة في الحرب) بأنه أول من فكر في الحرب الإجماعية.
- وبين الإسلام أن المصلحة العليا للمسلمين، لا بد أن تكون لها الأسبقة على كل شيء في الدنيا {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (2).
- وجعل الإسلام مقام الشهداء من أعظم القمامات {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} (3) وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} (4) وقال تعالى: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (5).
- كما أن الإسلام يصاول الحرب النفسية التي تستهدف القضاء على الطاقات المعنوية للإنسان ليستسلم للأعداء.
- ولعل أهم أهداف الحرب النفسية هي التخويف من الموت والفقر ومن القوة الضاربة للمنتصر، ومحاولة جعل النصر حاسما، والدعوة إلى الاستسلام وبث الإشاعات والأراجيف، وإشاعة الاستعمار الفكري بالغزو الحضاري، وإشاعة اليأس والقنوط.
- المؤمن حقا لا يخشى الموت {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} (6) وقال تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} (7) وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (8).
(1) سورة التوبة الآية 41
(2)
سورة التوبة الآية 24
(3)
سورة النساء الآية 69
(4)
سورة البقرة الآية 154
(5)
سورة النساء الآية 74
(6)
سورة يونس الآية 49
(7)
سورة الأعراف الآية 34
(8)
سورة آل عمران الآية 145
وقال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} (1).
وقال تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ} (2).
وما أصدق قولة خالد بن الوليد رضي الله عنه: ما في جسمي شبر إلا وفيه طعنة رمح أو سيف، وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء.
- والمؤمن حقا لا يخاف الفقر، لأنه يعتقد اعتقادا جازما بأن الأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى:{وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (3).
وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (4){وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (5).
وقال تعالى: {فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (6).
- والمؤمن حقا لا يخشى قوات العدو الضاربة، فما انتصر المسلمون في أيام الرسول القائد - عليه أفضل الصلاة والسلام -، وفي أيام الفتح الإسلامي العظيم بعدة أو عدد، بل كان انتصارهم انتصار عقيدة لا مراء، قال تعالى:{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (7) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} (8).
- والمؤمن حقا لا يقر بانتصار أحد عليه ما دام في حماية عقيدته، لذلك فإن انتصار العدو في معركة ما قد يدوم ساعة، ولكنه لا يدوم إلى قيام الساعة {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (9).
- والمؤمن حقا لا يستسلم بعد هزيمته، لأنه يعلم بأن بعد العسر يسرا وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (10) وقال تعالى:{وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (11).
(1) سورة النساء الآية 78
(2)
سورة آل عمران الآية 154
(3)
سورة البقرة الآية 212
(4)
سورة الطلاق الآية 2
(5)
سورة الطلاق الآية 3
(6)
سورة الأنفال الآية 26
(7)
سورة البقرة الآية 249
(8)
سورة الأنفال الآية 65
(9)
سورة آل عمران الآية 140
(10)
سورة المنافقون الآية 8
(11)
سورة يونس الآية 65
- والمؤمن حقا لا يصدق الإشاعات والأراجيف {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (1).
وقال تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} (2). وقال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (3).
- والمؤمن حقا يقاوم الاستعمار الفكري ويصاول الغزو الحضاري، لأن له من مقومات دينه وتراث حضارته، ما يصونه من تيارات المبادئ الوافدة التي تذيب شخصيته وتمحو آثاره من الوجود.
- والمؤمن حقا لا يقنط أبدا ولا ييأس من نصر الله ورحمته {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (4) وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} (5) وقال تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} (6) وقال تعالى: {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} (7).
ولكن القول بأن الإسلام يؤجج الحوافز المعنوية في المقاتل لا يغني عن كل قول.
- والواقع هو أن في الإسلام حوافز (مادية) لا تقل أهمية عن الحوافز المعنوية تعمل عملها جنبا لجنب لترصين الحوافز (المعنوية)، فالإسلام دائما (مادة) و (معنويات).
ومن أهم الحوافز المادية، عدم الاستهانة بالعدو أولا، والإعداد الحربي تدريبا وتسليحا وتنظيما وتجهيزا وقيادة ثانيا.
- لا يخاف الموت، ولا يخشى الفقر، ولا يهاب قوة في الأرض، يسالم ولا يستسلم، ولا تضعف عزيمته الأراجيف والإشاعات، لا يستكين للاستعمار الفكري، ويقاوم الغزو الحضاري، ولا يقنط أبدا ولا ييأس من رحمة الله.
- هذا المسلم الحق، يقظ أشد ما تكون اليقظة، حذر أعظم ما يكون الحذر، يتأهب لعدوه ويعد العدة للقائه، ولا يستهين به في السلم والحرب.
(1) سورة الحجرات الآية 6
(2)
سورة الأحزاب الآية 60
(3)
سورة النساء الآية 83
(4)
سورة الزمر الآية 53
(5)
سورة الحجر الآية 56
(6)
سورة الروم الآية 36
(7)
سورة فصلت الآية 49
وهذا ما يفسر سر انتصار المسلمين الأولين؛ لأن شعارهم كان {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} (1) النصر أو الشهادة.
- ولأن المسلمين كانوا يحرصون على الموت حرص غيرهم على الحياة الذين {قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (2){فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (3).
وأشهد أنني لم أقرأ، حتى في كتب التعبية وسوق الجيش، الصادرة في القرن العشرين، أوضح تعبيرا وأدق تعريفا وأكثر شمولا، مما جاء في القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة تعريفا للمجاهد الصلب المقاتل الرهيب.
بل لا يقتصر معناها على المجاهد المثالي وحده، بل يشمل تعريف المعنويات العالية أيضا، تلك هي عظمة القرآن الكريم حتى في المجالات العسكرية ولكن يا ليت قومي يعلمون.
إن دور المسجد لا يقتصر على غرس هذه المثل العليا العسكرية في عقل المسلم الحق ونفسه، بل إن روح المسجد الذي يتسم بذكر الله يجعل القلوب تطمئن والنفوس تهدأ اتجاها إلى العمل الصالح خدمة للإسلام.
كما أن صلاة الجماعة تدريب عملي على الضبط والربط والنظام.
لقد بدأت منذ ظهور الإسلام الصلاة العامة، ثم قامت صلاة الجماعة التي أداها المسلمون وراء إمام واحد. وهذه الإمامة يقوم بها رجل واحد يؤم المصلين جميعا، ينفذون ما ينفذ تماما، يقوم بها رجل مطهر يؤمن أصحابه بصدقه، هي تطبيق للقيادة في إصدار أوامرها وتنفيذها من الجنود.
ومن يرى المسلمين وهم مجتمعون صفوفا للصلاة يؤدون ركعاتها وسجداتها في تناسق مدهش وفي نظام ووقار لا يمكن أن يغفل ما لهذه الصلاة المنظمة من قيمة تربوية عسكرية في نفوس المسلمين.
…
- إن العرب والأعراب أباة لا يخضعون لمشيئة خارجية، ولكنهم كانوا يفتقرون إلى الشعور التام بالطاعة والنظام، فكانت لهذه الصلاة أهمية بالغة في (إيقاظ) روح
(1) سورة التوبة الآية 52
(2)
سورة آل عمران الآية 173
(3)
سورة آل عمران الآية 174