الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توقف الفتح: أن المسلمين في إحدى غزواتهم البحرية لجزيرة من جزر البحر الأبيض المتوسط غلوا، فنهاهم قائدهم وأنذرهم، إلا أنهم لم ينتهوا وأعرضوا عن النذر، فلما أبحرت بواخرهم عائدة بهم إلى قواعدهم في شمال أفريقية، بعث الله عليهم ريحا عاتية أغرقتهم مع ما حملوه من سحت حرام، لم ينج منهم غير قائدهم الذي سلم لأمانته، فأخبر عن مصير الذين يغلون في الغنائم، خلافا لتعاليم القرآن الكريم والسنة المطهرة وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يسلمون الغنائم كاملة لقادتهم، حتى الإبرة والمخيط.
ومنذ توقف الفتح الإسلامي العظيم، لأن المسلمين غيروا ما بأنفسهم، حتى اليوم، جرت معارك دفاعية انتصر فيها المسلمون؛ لأن قادتهم خافوا الله فوهبهم النصر، يكفي أن أذكر من القادة المنتصرين: قاضي القضاة أسديرة الفرات فاتح صقلية وصلاح الدين الأيوبي الذي استعاد القدس من الصليبيين، وقطز قاهر التتار ومحمد الفاتح فاتح القسطنطينية.
إن كل القادة الذين نجحوا في صد المعتدين أو أضافوا فتحا جديدا على الفتوحات الإسلامية، كانوا متدينين إلى أبعد الحدود، وكانوا أمثلة شخصية لرجالهم في التدين والاستقامة والعمل الصالح.
وخبا نور المسجد بعد تفسخ المسلمين، ولكن بقي شيء من نوره يشع قليلا، كالذي يعالج سكرات الموت، حتى غزا أعداء المسلمين بلاد المسلمين في أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي، فأجهز الاستعمار على بقية النور في محاولة طمسه إلى الأبد.
ولكن الله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
***
التربية الاستعمارية
كان هدف الاستعمار القضاء على القرآن الكريم عقيدة وشريعة ولغة، فقد خطط " لويس الثالث " ملك فرنسا الذي أسره المصريون (بالمنصورة) وهو أسير، وكان مجمل تخطيطه القضاء على القرآن الكريم عقيدة وتشريعا ولغة.
وكانت الأسباب الموجبة لتخطيطه: أن المسلمين لا يستعبدون أبدا، ما داموا متمسكين بهذا القرآن.
وشبت ثورات عارمة في الهند على الإمبراطورية البريطانية، وكان المؤجج الأول لأوار تلك الثورات
هو التمسك بالدين الحنيف.
وضاق غلادستون رئيس وزراء بريطانيا حينذاك ذرعا، فوقف خطيبا يكاد يتميز من الغيظ حقدا على الإسلام والمسلمين، فقال:(لا يستقر للاستعمار قرار ما دام هذا القرآن يتلى صباح مساء بين المسلمين، فيجب أن نمزقه لنثبت أقدامنا في البلاد الإسلامية).
ومزق الله الإمبراطورية البريطانية، وحفظ الله القرآن الكريم، وصدق الله العظيم:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1)
ولكن، هل أخفق الاستعمار في تحقيق أهدافه كلها؟
الحق أنه لم يخفق كل الإخفاق، بل حقق بعض أهدافه في بذر الشكوك بجدوى القرآن عقيدة وشريعة ولغة.
لقد بذل قصارى جهده في بذر هذه الشكوك تمكينا للاستعمار في ديار المسلمين وتمهيدا لخلق دولة إسرائيل.
وبذلت الصهيونية العالمية قصارى جهدها دعما للاستعمار خدمة لمطامعها التوسعية الاستيطانية وتحقيقا لحلمها من النيل إلى الفرات.
…
في سنة 1897 ميلادية، عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة (بازل) بسويسرا تحت رئاسة هرتزل نبي الصهيونية، كما يسميه الصهاينة ومن لف لفهم، وكان من مقررات هذا المؤتمر: إحياء التوراة عقيدة ولغة.
ورصدت الصهيونية العالمية لتحقيق هذا الهدف ملايين الجنيهات الذهبية كما ذكر هرتزل في مذكراته، لإحياء الدين اليهودي وغرسه في نفوس اليهود وعقولهم معا، ولإحياء اللغة العبرية الميتة.
في هذا الوقت بالذات وبتأثير المال الصهيوني، ظهرت أصوات ناشزة مريبة في الغرب، تشكك في القرآن لغة وعقيدة وتشريعا، ولكن هذه الأصوات قوبلت بالرفض المطلق من العرب والمسلمين.
وفي سنة 1917 الميلادية صدر وعد بلفور الذي عزز الأطماع الصهيونية وبعث آمالها، فاشتدت عزائم الصهيونية والاستعمار لتحقيق أهدافها في التشكيك بجدوى القرآن الكريم لغة وعقيدة وتشريعا.
(1) سورة الحجر الآية 9
في هذا الوقت بالذات، ظهرت أصوات عربية ناشزة، تدعو إلى العامية تارة، وتدعو إلى كتابة العربية بالأحرف اللاتينية، ليصبح هذا القرآن مهجورا ولتصبح اللغة العربية التي تربط العرب من المحيط إلى الخليج بإخوانهم المسلمين من الخليج إلى المحيط، لغة المقابر والكهوف، كما عبر عنها أحد المريبين من العرب المسلمين ومن العرب غير المسلمين أيضا مع الأسف الشديد.
وأتساءل والأسى يذيب قلبي: هل كانت صدفة من الصدف، أن تطرح فكرة بعث التوراة لغة وعقيدة بإماتة القرآن لغة وعقيدة وتشريعا؟
الذين يدعون بأن الصدفة عملت عملها، لا بد أن يكونوا قد ألغوا عقولهم والذين يصدقون هذا الادعاء لا بد أن يكونوا من المغرر بهم كل التغرير، أو من الجهلاء كل الجهل أو من العملاء كل العمالة.
إن وراء إماتة القرآن الكريم لغة وعقيدة وتشريعا، الاستعمار أولا، ووسيلتهم بذلك نفوذهم وعملاؤهم، والصهيونية العالمية ثانيا، ووسيلتها في ذلك الماسونية والمال الصهيوني والدعاية الصهيونية، فلا تعجبوا بعد ذلك أن يصبح " سلامة موسى " من قادة الفكر العربي، وأن يمسي الذي شارك في افتتاح الجامعة العبرية في القدس سنة 1939 عميد الأدب العربي.
لقد اكتشفت أن الذين دعوا إلى اللغة العامية وإلى كتابة العربية بالحروف اللاتينية من الماسون، وأن الذي رفع ذكرهم بين الناس هم الماسون والاستعمار.
ودليلي على ذلك هو وجود أسمائهم في معجم المحافل الماسونية في الشرق وهو كتاب مطبوع في بيروت.
إن أصابع الماسونية وراء هؤلاء الأمعات الخونة الذين لم يدخلوا في حياتهم مسجدا ولم يؤدوا صلاة فيه أبدا.
ولعل أطرف مناقشة جرت بين المرحوم الشيخ عبد العزيز البشري والأستاذ عبد العزيز فهمي الذي تولى كبر الدعوة إلى كتابة العربية بالأحرف اللاتينية، فخلد في مصر بإطلاق اسمه على أكبر شارع في مصر الجديدة بالقاهرة وبالمترو الذي ينطلق من ساحة التحرير في القاهرة إلى نهاية شارع المنتزه بمصر الجديدة.
قال الشيخ عبد العزيز البشري لعبد العزيز فهمي: لماذا تريد أن تكتب العربية بالأحرف اللاتينية؟ قال عبد العزيز فهمي: أريد أن أعممها، فقال البشري - عليه رحمة الله -: إنك تريد أن تبرنطها ولا تريد أن تعممها، هكذا يخلد العرب المريبين، أما المخلصون فلهم الله.
وأذكر بهذه المناسبة أنني شهدت جنازة المرحوم الشيخ محيي الدين عبد الحميد، ومن الأقدار العجيبة أن أحد الفنانين مات في نفس اليوم الذي مات فيه الشيخ محيي الدين. كان سرادق الميتين متجاورين، وكان في سرادق الشيخ عشرات، وفي سرادق الفنان آلاف.
وشيع جنازة الشيخ إلى مثواه الأخير عدد قليل من الناس، وشيع جنازة الفنان أكثر من عشرة آلاف. ويومها سالت من عيني دمعات، وما خفي في نفسي كان أعظم. . . .
- قلت لنفسي: إن هذا الشيخ كان أكبر محقق للتراث العربي الإسلامي وخدم العربية والإسلام خدمة باقية، أما الفنان فقد عمل ثلاثين سنة على إفساد الأخلاق وتشجيع التخنث والانحلال.
أهكذا يجازي العرب بخاصة والمسلمون بعامة من يخدم العربية والإسلام ومن يحارب الأمة في أخلاقها.
وا أسفاه على العرب والمسلمين!!
- ولكن إلى متى يبقى العرب والمسلمون بهذه الحال؟ إلى متى يبقون في غفلتهم التي تجعل الحليم حيرانا؟
إن أكثر الذين تلقوا العلم في الغرب، أشرف عليهم مستشرقون يهود أو جواسيس.
وقد نزل أكثرهم إلى مستوى الخادمات أخلاقيا، ولا أزيد.
وكانت رسائل أكثرهم هدما لمبادئ الدين الحنيف وتاريخه.
وقد نال بعضهم شهاداتهم برسائل منها: التناقض في القرآن الكريم، وسفورزا اليهودي.
إني أتمنى أن يستيقظ العرب والمسلمون، وحينذاك ستتغير مفاهيمهم وإلا فاقرأ السلام على العرب والمسلمين.
- وعاد هؤلاء المستغربون من العرب والمسلمين، لينفثوا سمومهم في المعاهد والجامعات، كل مصادرهم وثقافتهم أجنبية، وكل عملهم ترجمة أفكار الأجانب من مصادرهم، لأنهم لا أسس ثقافية لديهم من المصادر العربية الإسلامية، فلا عجب أن يدعي أحدهم: أن الفتح الإسلامي كان لأسباب اقتصادية. . . كان العرب قبل الإسلام أغنياء، فأصبحوا بعد الإسلام فقراء.
هكذا تكون الثقافة وإلا فلا!
- لا عجب أن ينهار التعليم في المعاهد والجامعات، وأن يتنكر أكثر المتخرجين فيها لمبادئ الدين الحنيف، لاعتقادهم بأن هذا التنكر (تقدمية) وأن التمسك بالدين (رجعية).
ولا عجب أن يغمز أكثر المتخرجين العربية والإسلام بمناسبة وبغير مناسبة.
ولا عجب أن يدرس هؤلاء القضايا العربية والإسلامية، بأفكار معادية للعربية والإسلام.
إني أطالب بوضع حد حاسم لهذا الانهيار، بحيث أصبحنا نتقدم إلى الوراء.
التربية العسكرية الاستعمارية
لست بحاجة إلى أن أنوه بأهمية العسكريين ضباط وضباط صف وجنود ومراتب أخرى، لأن بيدهم القوة الضاربة، وصلاحهم صلاح للأمة، وفسادهم فساد لبلادهم.
لذلك ركز الاستعمار وساعدت الأيدي الخفية من ماسونية وصهيونية على العسكريين بخاصة، وعملت على تربيتهم تربية فاسدة.
كانت الكليات العسكرية وكليات الأركان العربية الإسلامية تدرس تاريخ حرب المستعمرين، وتدرس تاريخ القادة الذين استعمروا بلاد العرب والمسلمين بأسلوب يجعل الطلاب يؤمنون بتفوق المستعمرين، وبضرورة الاقتداء بهم منهاجا وتصرفا.
وكان الطلاب العسكريون يتخرجون ضباطا وهم يعرفون عن (الجنرال مود) و (الجنرال اللنبي) أكثر مما يعرفونه عن الرسول القائد - عليه أفضل الصلاة والسلام - وعن خالد بن الوليد.
وكان أكثرهم لا يعرفون عن قادة الفتح الإسلامي شيئا مذكورا، ومن المذهل أن نسأل الضابط العربي المسلم عن اسم القائد العربي المسلم الذي فتح مدينته ونشر فيها العربية لغة والإسلام دينا، فلا يعرف هذا الضابط لهذا السؤال جوابا.
كما يدرس في الكليات العسكرية وكليات الأركان، الفكر الغربي للسائرين بفلك الغرب، والفكر الشرقي للسائرين بالفلك الشرقي، من الناحيتين التعبوية (التكتيكية) والسوقية (الاستراتيجية)، وقد تكون الأفكار الشرقية الغربية هذه لا تلائم الطبيعة العربية والإسلامية، وقد تكون على طرفي نقيض من هذه الطبيعة.
أما الفكر العسكري العربي والإسلامي فغائب عن تلك الكليات.
أما التدريب العسكري فهو تدريب شرقي أو غربي، ولا دخل للتدريب النابع من فكرنا وطبيعتنا في تدريب الطلاب العرب والمسلمين.
وما يقال عن التنظيم والتسليح، يقال عن التدريب العسكري.
كل هذا التعليم والتدريب، يدرس بلغة عربية ركيكة، تشيع فيها المصطلحات الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والتركية، وحتى الروسية أيضا، تأكيدا للاستعمار الفكري البغيض.