الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
العقود التي يكون فيها الشرط الفاسد مفسدا للعقد
والظاهر من نصوص فتح القدير التي قدمناها أن الشرط الفاسد لا يفسد العقد إلا إذا كان مبادلة مال بمال، كالبيع والإجارة والقسمة والصلح عن دعوى المال (1) وقد ورد في المادة 323 من مرشد الحيران:" كل ما كان مبادلة مال بمال، كالبيع والشراء والإيجار والاستئجار والمزارعة والمساقاة والقسمة والصلح عن مال، لا يصح اقترانه بالشرط الفاسد ولا تعليقه به، بل تفسد إذا اقترنت أو علقت به. . ومثل ذلك إجارة هذه العقود فإنها تفسد باقترانها بالشرط الفاسد وبتعليقها به ".
أما ما كان مبادلة مال بغير مال كالنكاح والخلع على مال، أو كان من التبرعات كالهبة والقرض، أو من التقييدات كعزل الوكيل والحجر على الصبي من التجارة، أو من الإسقاطات المحضة كالطلاق والعتاق وتسليم الشفعة بعد وجوبها، أو من الإطلاقات كالإذن للصبي بالتجارة وكذلك الإقالة والرهن والكفالة والحوالة والوكالة والإيصاء والوصية، ففي هذه التصرفات كلها إذا اقترن العقد بالشرط الفاسد، صح العقد ولغي الشرط (انظر المواد 324 - 326 من مرشد الحيران). .
ويتضح مما تقدم أن الشرط الفاسد إذا اقترن بعقد هو مبادلة مال بمال تغلغل في صلبه فأفسده معه. والسبب في ذلك أن الشرط لما كان فاسدا فقد سقط، ولما كان العاقد قد رضي بمبادلة مال بمال المتعاقد الآخر على هذا الشرط - وقد فات عليه - فيكون غير راض بالمبادلة، فيفسد العقد. وفي هذا يقول صاحب المبسوط:" لأن الشرط باطل في نفسه، والمنتفع به غير راض ". وهذا السبب لا يقوم في التصرفات الأخرى، ومن ثم يسقط الشرط؛ لأنه فاسد. ولكن يبقى العقد على صحته.
* * *
(1) اكتفي فيما تقدم عما في فتح القدير بما نقل عن المبسوط والبدائع لاشتمالهما عليه.
شرط فاسد يسقط ويبقى العقد
النصوص
جاء في البدائع (جزء 5 ص 170): " إذا باع ثوبا على ألا يبيعه المشتري أو لا يهبه، أو دابة على ألا يبيعها أو يهبها، أو طعاما على ألا يأكله ولا يبيعه، ذكر في المزارعة ما يدل على جواز البيع، فإنه قال: لو شرط
أحد المزارعين في الزراعة على ألا يبيع الآخر نصيبه ولا يهبه فالمزارعة جائزة والشرط باطل، وهكذا روى الحسن في المجرد عن أبي حنيفة رحمه الله.
وفي الإملاء عن أبي يوسف أن البيع بهذا الشرط فاسد. ووجهه أنه شرط لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ولا جرى به التعارف بين الناس، فيكون مفسدا كما في سائر الشرائط المفسدة، والصحيح ما ذكر في المزارعة؛ لأن هذا شرط لا منفعة فيه لأحد فلا يوجب الفساد، وهذا لأن فساد البيع في مثل هذه الشروط لتضمنها الربا وذلك بزيادة منفعة مشروطة في العقد لا يقابلها عوض. ولم يوجد في هذا الشرط؛ لأنه لا منفعة فيه لأحد، إلا أنه شرط فاسد في نفسه لكنه لا يؤثر في العقد، فالعقد جائز والشرط باطل، ولو باع ثوبا على أن يحرقه المشتري، أو دارا على أن يخربها، فالبيع جائز والشرط باطل؛ لأن شرط المضرة لا يؤثر في البيع على ما ذكرنا.
وجاء في فتح القدير (جزء 5 ص 215 - ص 216): " أما لو كان المبيع ثوبا أو حيوانا غير آدمي، فقد خرج الجواز مما ذكرنا في المزارعة من أن أحد المزارعين إذا شرط في المزارعة ألا يبيع الآخر نصيبه أو يهبه أن المزارعة جائزة والشرط باطل؛ لأنه ليس لأحد العاملين فيه منفعة - وكذا ذكر الحسن في المجرد. قال المصنف: وهو الظاهر من المذهب؛ لأنه إذا لم يكن من أهل الاستحقاق انعدمت المطالبة والمنازعة، فلا يؤدي إلى الربا، وما أبطل الشرط الذي فيه المنفعة للبيع إلا لأنه يؤدي إليه؛ لأنه زيادة عارية عن العوض في عقد البيع وهو معنى الربا.
* * *
شرط لا منفعة فيه لأحد وهو شرط فاسد فيسقط
يتبين مما قدمنا من النصوص أن هناك شرطا لا يقتضيه العقد ولا هو يلائم مقتضى العقد ولم يجر به التعامل، وهو مع ذلك لا منفعة فيه لأحد.
ومن الأمثلة على هذا الشرط التي وردت في النصوص: يبيع ثوبا أو دابة أو حيوانا غير الرقيق ويشترط على المشتري ألا يبيع أو لا يهب ما اشتراه: يشترط أحد المزارعين على المزارع الآخر ألا يبيع أو لا يهب نصيبه من المزارعة، يبيع طعاما ويشترط على المشتري ألا يأكله ولا يبيعه، يبيع ثوبا ويشترط على المشتري أن يحرقه، يبيع دارا ويشترط المشتري أن يخربها.
ففي هذه الأمثلة يذهب الفقه الحنفي إلى أن الشرط المقترن بعقد البيع لا منفعة لأحد، ولما كان هذا الشرط لا يقتضيه العقد، ولا هو يلائم مقتضى العقد، ولم يجر به التعامل، فليس ثمة ما يبرر تصحيحه، ومن ثم كان فاسدا فيسقط. . ولكن العقد يبقى صحيحا.
على أن هذا الشرط الفاسد الذي لا منفعة فيه لأحد، لما لم يكن له مطالب لانعدام منفعته -والمطالبة إنما تتوجه بالمنفعة- فهو شرط لم يتمكن في صلب العقد حتى يسري فساده إلى العقد، ومن ثم يبقى العقد صحيحا بالرغم من سقوط الشرط، فالشرط من حيث إنه فاسد يسقط ومن حيث إنه لا منفعة فيه لأحد يستبقى العقد صحيحا. وهذا هو الظاهر في المذهب الحنفي.
ويذكر المذهب لهذا الحكم علتين:
العلة الأولى: أن الشرط الذي يفسد العقد إنما أفسده لأن فيه زيادة منفعة مشروطة في العقد لا يقابلها عوض إذ هو شرط فيه منفعة على النحو الذي بيناه، فكان في ذلك ربا أو شبهة الربا. والربا وشبهته يفسدان العقود. أما الشرط الذي نحن بصدده فليس فيه منفعة لأحد ولا مطالب له، فلم يوجد فيه معنى الزيادة التي يقابلها عوض، فانعدمت فيه شبهة الربا، فلم يعد هناك مبرر لفساد العقد، فيبقى العقد صحيحا، مع سقوط الشرط لفساده.
العلة الثانية: أن الشرط الذي يفسد العقد إنما أفسده من جهة أخرى؛ لأن فيه منفعة لها مطالب، فكان صفقة في صفقة أو عقدا تضمنه عقد آخر، وهذا لا يجوز، أما الشرط الذي لا منفعة فيه لأحد وليس له مطالب، فهو ليس بصفقة أو عقد، فلم يتضمن البيع باقترانه به صفقة في صفقة أو عقدا في عقد، فارتفع سبب الفساد عن البيع، فبقي على صحته، مع سقوط الشرط لفساده.