المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما يجب لصحة الشرط الذي يلائم العقد - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌التمسك بالإسلام حقاهوسبب النصر والنجاة في الآخرة

- ‌على طريق الجسد الواحدإلىمركز اليابسة على الأرض مكة المكرمة

- ‌وفي سبيل الله

- ‌ المراد بسبيل الله في القرآن

- ‌معنى سبيل الله إذا قرن بالإنفاق

- ‌سبيل الله في آية مصارف الزكاة

- ‌الشرط الجزائي

- ‌المراد بالشرط الجزائي والداعي إليه

- ‌ ما للشرط الجزائي من صور مختلفة

- ‌ ما يندرج تحته الشرط الجزائي من أنواع الشروط التي تشترط في عقود المعاملات

- ‌ضوابط الشروط المقترنة بالعقد

- ‌الشرط الذي يلائم العقد

- ‌ما يجب لصحة الشرط الذي يلائم العقد

- ‌الشرط الذي يجري به التعامل

- ‌الشرط الفاسد

- ‌ المذهب الحنفي

- ‌ العقود التي يكون فيها الشرط الفاسد مفسدا للعقد

- ‌ تأصيل المذهب الحنفي وتطور الفقه الإسلامي

- ‌السبب في تحريم تعدد الصفقة - وحدة العقد

- ‌تطور الفقه الإسلامي في الشروط المقترنة بالعقد

- ‌ تطور الفقه الإسلامي في المذهب الحنفي

- ‌تطور الفقه الإسلامي في المذهب الشافعي

- ‌ تطور الفقه الإسلامي في المذهب المالكي

- ‌تقدير مذهب مالك

- ‌ المذهب الحنبلي

- ‌الشرط الصحيح في مذهب الحنابلة

- ‌استكمال المذهب الحنبلي بأقوال ابن تيمية

- ‌مقارنة بين المذاهب الأربعة في تصحيح الشروط المقترنة بالعقد

- ‌مقارنة إجمالية:

- ‌مقارنة تفصيلية

- ‌ملخص قرار الهيئة

- ‌من زوايا الدعوة إلى الله

- ‌النبوةدراسة من القرآن الكريم

- ‌الفرق بين النبي والرسول

- ‌نهج القرآن في تحديد كل من النبي والرسول

- ‌شبهات وشعاراتحولتطبيق الشريعة

- ‌تحول العبادات إلى عاداتوأثره في حياة المسلمين

- ‌مفهوم العبادة في الإسلام

- ‌تحول مفهوم العبادة

- ‌أمثلة على هذا التحول

- ‌سبب هذا التحول

- ‌خطر هذا التحول على الحياة الإسلامية

- ‌أحمد بن حنبل

- ‌ مرضه ووفاته

- ‌من مراجع البحث

- ‌حسان بن ثابت

- ‌صدق شاعريته

- ‌بين حسان وشعراء قريش بعد إسلامهم

- ‌من مدائحه في الغساسنة

- ‌شعر حسان في الإسلام

- ‌من شعر حسان المرتجل في الوفود

- ‌الغزوات والسرايا في شعر حسان

- ‌حول فرار الحارث بن هشام يوم بدر

- ‌على ماء بدر

- ‌يوم أحد

- ‌حسان يتحدث عن غزوة الخندق

- ‌فخره في الجاهلية

- ‌تفاخره في شعره الإسلامي

- ‌حسان الثائر لكرامة الأنصار

- ‌الهجاء في شعر حسان

- ‌المراثي في شعر حسان

- ‌شعر حسان سجل للأنساب

- ‌شعر حسان الإسلامي

- ‌الأمومة والطفولة في الإسلام

- ‌الأمومة في القرآن

- ‌أم إسماعيل

- ‌أم موسى

- ‌أم المسيح

- ‌الحسبة والنظام الإداري

- ‌ النظام الإداري الإسلامي؟ وقيام الأفراد به:

- ‌أهمية الحسبة في النظام الإسلامي

- ‌النظم الحديثة والحسبة

- ‌الوضع في الإسلام

- ‌الحديث عن لو

- ‌إسقاط الكرة الأرضية بالنسبة لمكة المكرمة وتعيين اتجاه القبلة

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولتعيين الاتجاه بين مكانين على سطح الكرة الأرضية

- ‌الفصل الثانيحساب البيانات المطلوبة من المثلث

- ‌الفصل الثالثحساب المسافات والانحرفات اللازمة لإسقاط الخريطة المطلوبة

- ‌الفصل الرابعإعادة إسقاط خريطة العالم بالنسبة للاتجاهات الصحيحة للصلاة

- ‌أول سماعه للحديث

- ‌رحلاته في طلب الحديث

- ‌نيته عند شربه ماء زمزم

- ‌إبطاله لكتاب مزور كتبه اليهود

- ‌خروج الخطيب إلى دمشق وهجره بغداد

- ‌رجوعه إلى بغداد

- ‌مرضه ووصيته ووفاته

- ‌علومه

- ‌بعض مناقبه وأخلاقه

- ‌بعض صفاته

- ‌شيوخه

- ‌تلاميذه

- ‌مصنفاته

- ‌ثناء العلماء عليه

- ‌ تراجم رجال سند هذه الرسالة

- ‌ ابن الطراح

- ‌ست الكتبة

- ‌محمد بن علي المظفر بن القاسم

- ‌إسماعيل ابن أبي اليسر التنوخي

- ‌ ابن جعوان

- ‌ علي بن المظفر النشبي

- ‌وصف المخطوطة وعملي في الكتاب

- ‌سند المخطوطة إلى المؤلف

- ‌بعض مزايا الشافعي

- ‌فصلسبب ترك البخاري إخراج الحديث عن طريق الشافعي

- ‌مصادر التحقيق والمقدمة

- ‌مؤتمرات

- ‌لجنة رسالة المسجد

- ‌لجنة إعداد الأئمة

- ‌لجنة إدارة المسجد

- ‌لجنة التمويل

- ‌لجنة التخطيط الهندسي

- ‌لجنة خطبة الجمعة

- ‌لجنة المسجد الأقصى

- ‌عبد الله بن عبد الله الزائد

- ‌محمود شيت خطاب

- ‌الرسالة العسكرية للمسجدالثكنة الأولى

- ‌التربية الاستعمارية

- ‌تعريب المصطلحات

- ‌الدين والعسكرية هل هما على طرفي نقيض

- ‌أثر المسجد في العسكريين

- ‌النصر مسئولية الشعب كله لا الجيش وحده

- ‌المسجد والعسكرية

- ‌مقترحات

- ‌رسالة المساجد في صدر الإسلام

- ‌ بناء مسجد قباء:

- ‌ بناء المسجد النبوي:

- ‌ بناء المساجد في الأسفار والغزو:

- ‌ منزلة المساجد في الإسلام:

- ‌وظيفة المسجد في صدر الإسلام

- ‌أمر المساجد والقائمين عليها اليوم

- ‌الوسائل لتحقيق رسالة المسجد اليوم

- ‌محمد المجذوب

- ‌رسالة المسجد قديما وحديثا

- ‌جامعات شعبية

- ‌بين أمس واليوم

- ‌التطور المدمر

- ‌لنبدأ من هنا

- ‌المسجد الذي نريده

- ‌المراكز الإسلامية

- ‌طموح مشكور يرجى تحقيقه

- ‌رسالة المسجد عبر التاريخ

- ‌أبو بكر القادري

- ‌أحمد شلبي

- ‌رسالة المسجد في العالم عبر التاريخ

- ‌رسالة المسجد في الماضي والحاضر

- ‌ضياء الدين بابا خانوف

- ‌سليمان دنيا

- ‌طفيل محمد

- ‌المسجد ومكانته في الإسلام

- ‌محمد حسين يوسف

- ‌رسالة المساجد في عصور ازدهارها

- ‌أوضاع المساجد في العالم في العصر الحاضر

- ‌المسجد محور للنشاط ومركز للتوجيه الروحي والفكري للأمة

- ‌ إعداد الأئمة ومساعديهم ورفع كفاياتهم ومكانتهم

- ‌التخطيط لبناء المسجد ومرفقاته

- ‌محمد حسين الذهبي

- ‌رسالة المسجد في العالم عبر التاريخ

- ‌رسالة المسجد في عصور ازدهارها

- ‌أوضاع المساجد في العالم في العصر الحاضر

- ‌عبد الرءوف حامد التكينة

- ‌رسالة المسجد

- ‌إحياء رسالة المسجد

- ‌محمد بشير الباني

- ‌المسجد المعاصر

- ‌وضع هذا المسجد

- ‌الحلول لهذه الأزمة

- ‌التوصيات

- ‌أولا: فيما يتعلق بموضوع رسالة المسجد

- ‌ثانيا: فيما يتعلق بموضوع إعداد الأئمة والخطباء والدعاة

- ‌ثالثا: فيما يتصل بموضوع خطبة الجمعة

- ‌رابعا: فيما يتصل بموضوع:الإشراف على المسجد

- ‌خامسا: فيما يتعلق بموضوع المجلس الأعلى العالمي للمساجد

- ‌الاختصاصات

- ‌تكوين المجلس

- ‌سادسا: فيما يتعلق بموضوع تمويل المساجد

- ‌نفقات المساجد ورسالتها

- ‌سابعا: فيما يتصل بموضوع التخطيط الهندسي للمساجد

- ‌ثامنا: فيما يتعلق بموضوع المسجد الأقصى

- ‌تاسعا: توصيات عامة

- ‌كتب من التراث

- ‌نظام الأسرة عند ابن تيمية

- ‌كتب أجنبية

- ‌كيف صرت مسلما

- ‌المسلمون في أمريكا

- ‌المؤتمر الدولي للمسكرات والمخدرات

- ‌ حجر الأساس للجامعة الإسلامية لغرب أفريقيا

الفصل: ‌ما يجب لصحة الشرط الذي يلائم العقد

برهن غير المعين ولو أعلى قيمة منه، أو لم يتكفل المعين بأن امتنع أو مات قبله وإن أقام المشتري ضامنا غيره ثقة، فللبائع الخيار، ولا يجبر من شرط عليه ذلك على القيام بالمشروط لزوال الضرر بالفسخ، ويتخير أيضا فيما إذا لم يقبضه الرهن لهلاكه أو غيره. اهـ

وجاء في الشرح الكبير للمقنع (جزء 4 ص 48): " الثاني شرط من مصلحة العقد، كاشتراط صفة في الثمن كتأجيله أو الرهن أو الضمين أو الشهادة. أو صفة في المبيع مقصودة نحو كون العبد كاتبا أو خطيبا أو صانعا أو مسلما، أو الأمة بكرا أو الدابة هملاجة أو الفهد صيودا، فهو شرط صحيح يلزم الوفاء به. فإن لم يف به فللمشتري الفسخ والرجوع بالثمن. اهـ

* * *

ص: 101

‌ما يجب لصحة الشرط الذي يلائم العقد

الأمثلة التي وردت في النصوص المتقدمة عن الشرط الذي يلائم العقد هي: (1) شرط أخذ الرهن بالثمن (2) شرط أخذ الكفيل بالثمن (3) شرط الحوالة بالثمن. وكلها شروط تلائم العقد، فهي وإن كان العقد لا يقتضيها، إلا أنها لا تتعارض معه ولا تتنافى مع أحكامه، بل هي من مصلحة العقد، وتتعلق بها مصلحة العاقدين. والمذهب الحنفي يقتصر - كما رأينا - على القول بأن الشرط يلائم العقد، أما المذاهب الأخرى فالتعبير فيها أقل تحفظا. تقول المالكية: الشرط الذي لا يقتضيه العقد ولا ينافيه وهو من مصلحته. وتقول أيضا: لأن ذلك كله مما يعود على البيع بمصلحة ولا معارض له من جهة الشرع. وتقول الشافعية: شرط لا يقتضيه العقد ولكن فيه مصلحة وتدعو الحاجة إليه. وتقول الحنابلة: شرط من مصلحة العقد وتتعلق به مصلحة العاقدين.

على أن هذه المذاهب تختلف عندما تقرر ما يجب لصحة الشرط الذي يلائم العقد، فأضيقها في ذلك هو المذهب الحنفي، وأوسعها هو المذهب المالكي.

ففي المذهب الحنفي إذا كان الرهن الذي يتوثق الثمن به مجهولا، أو كان الكفيل مجهولا، أو كان غير حاضر في المجلس، أو كان حاضرا ولم يقبل الكفالة، فإن الشرط يكون فاسدا ويفسد معه البيع. أما في الرهن فلأن جواز هذا الشرط، مع أن القياس يأباه - لكونه ملائما للعقد - مقررا لمقتضاه معنى لحصول معنى التوثق والتأكد للثمن، ولا يحصل ذلك إلا بالتسليم وأنه لا يتحقق في المجهول. وأما في الكفيل فلأن الجواز على مخالفة القياس ثبت لمعنى التوثيق وتوكيد الثمن لما فيه من تقرير موجب العقد.

فإذا كان الكفيل غائبا أو حاضرا ولم يقبل، لم تصح الكفالة، فلم يحصل معنى التوثيق، فبقي الحكم على

ص: 101

ما يقتضيه القياس. وكذا إذا كان الكفيل مجهولا فالبيع فاسد؛ لأن كفالة المجهول لا تصح. فلا بد إذن لصحة الشرط الملائم للعقد أن يكون تاما نافذ الأثر وقت العقد، فيقبل الكفالة بالثمن، ويسلم المشتري الرهن للبائع، وذلك كله قبل انفضاض مجلس العقد، على أنه يجوز أن يكون الرهن - لا الكفيل - غائبا عن المجلس ما دام معلوما إذا كان عينا معينة، أو ما دام يمكن ضبطه بالوصف إذا كان شيئا غير معين إلا بالنوع، ففي هذه الحالة يصح شرط الرهن ويصح معه العقد، ويجب على المشتري تسليم الرهن أو قيمته إلى البائع بعد العقد، وإلا كان البائع بالخيار - إذا لم ينقد الثمن - بين فسخ العقد أو إبقائه. ولكن لا يجبر المشتري على تسليم الرهن، خلافا لقول زفر إذ يذهب إلى أن الرهن إذا شرط في العقد فقد صار حقا من حقوقه ويجبر المشتري على تنفيذه، والفرق بين الكفالة والرهن في هذا الصدد، إذ يشترط حضور الكفيل وقبوله الكفالة ولا يشترط حضور الرهن على ما بينا، ويوضحه صاحب فتح القدير إذ يقول:" لأن وجوب الثمن في ذمة الكفيل يضاف إلى البيع فيصير الكفيل كالمشتري، فلا بد من حضور العقد، بخلاف الرهن لا تشترط حضرته، لكن ما لم يسلم للبائع لا يثبت فيه حكم الرهن وإن انعقد عقد الرهن بذلك الكلام، فإن سلم معنى العقد على ما عقدا، وإن امتنع عن تسليمه لا يجبر عندنا، بل يؤمر بدفع الثمن، فإن لم يدفع الرهن ولا الثمن خير البائع في الفسخ ".

والظاهر من النصوص أن الشافعية والحنابلة كالحنفية في وجوب تعيين المرهون وتعيين الكفيل بالذات، فلا يكفي وصف الكفيل بموسر ثقة. ولكن يبدو أن الشافعية والحنابلة لا يتشددون تشدد الحنفية في وجوب أن يكون الكفيل حاضرا في مجلس العقد، وأن يقبل الكفالة قبل انفضاض المجلس، فيكفي أن يكون كل من الرهن والكفيل معينا معلوما على الوجه الذي قدمناه، فإن لم يسلم المشتري الرهن للبائع قبل العقد، أو لم يقبل الكفيل الكفالة أو مات قبل القبول، خير البائع إذا لم ينقده المشتري الثمن.

ويقول الرملي في هذا الصدد: فإن لم يرهن المشتري ما شرط عليه رهنه وإن أتى برهن غير معين ولو أعلى قيمة منه. أو لم يتكفل المعين بأن امتنع أو مات قبله وإن أقام المشتري ضامنا غيره ثقة، فللبائع الخيار. . ولا يجبر من شرط عليه ذاك على القيام بالمشروط لزوال الضرر بالفسخ، ويتخير أيضا فيما إذا لم يقبضه الرهن لهلاكه أو غيره.

أما المذهب المالكي فهو - كما قدمنا - أوسع المذاهب في هذه المسألة، فعنده يصح الشرط حتى لو لم يكن الرهن أو الكفيل معينا. ويقول الحطاب:" وإن بعته على حميل لم تسمياه ورهن لم تصفاه، جاز " ليس هذا فحسب، بل أيضا إذا عين الرهن بعد العقد وامتنع المشتري عن تسليمه، أجبر على ذلك، ولا يقتصر الأمر على إعطاء البائع حق الفسخ إذا لم ينقد الثمن. وإذا لم يعين الرهن أجبر المشتري على أن يعطي الصنف المعتاد: ثيابا أو حليا أو دارا أو نحو ذلك، ولا يجبر البائع على قبول ما في حفظه مشقة وكلفة، كالعبيد والدواب. ويقول الحطاب أيضا في ذلك: " وإن سميتما الرهن أجبر على أن يدفعه إليك إن امتنع، وليس هذا من الرهن الذي لم يقبض. . والبيع على رهن غير معين جائز، وعلى الغريم أن يعطيك الصنف المعتاد، والعادة في الخواص أن ترهن ما يغاب عليه كالثياب والحلي، وما لا يغاب عليه كالدور وما أشبهها. وليس العادة العبيد والدواب، وليس على المرتهن قبول ذلك وإن كان مصدقا في تلفه؛ لأن في حفظه مشقة وكلفة. . والذي نقله ابن المواز عن أشهب

ص: 102

ونقله اللخمي وابن راشد أنه يجبر على دفع رهن يكون فيه الثقة باعتبار ذلك الدين. . وهو المذهب. "

ونرى من ذلك أن المذهب الحنفي لا يكتفي في صحة الشرط بمجرد التزام المشتري بتقديم رهن أو كفيل، بل يجب أن يكون عقد الرهن أو عقد الكفالة قد انعقد مع انعقاد البيع. وتكتفي الشافعية والحنابلة بمجرد التزام المشتري بتقديم رهن أو كفيل على أن يكون الرهن أو الكفيل معينا وقت العقد. أما المالكية فيكتفون هم أيضا بمجرد التزام المشتري بتقديم رهن أو كفيل. . ويزيدون على ذلك أنهم لا يشترطون أن يكون الرهن أو الكفيل معينا وقت العقد، ثم إنهم في الرهن يجبرون المشتري على تسليمه إذا كان معينا، أو على تسليم الصنف المعتاد إذا كان غير معين.

* * *

بقي شرط الحوالة، ونلاحظ أن كتب الحنفية قد تضاربت في صحة هذا الشرط. فقد جاء في البدائع كما رأينا:" ولو شرط المشتري على البائع أن يحيله بالثمن على غريم من غرمائه، أو على أن يضمن الثمن لغريم من غرماء البائع، فالبيع فاسد؛ لأن شرط الحوالة والضمان شرط لا يقتضيه العقد، والشرط الذي لا يقتضيه العقد مفسد في الأصل إلا إذا كان فيه تقرير موجب العقد وتأكيده، والحوالة إبراء عن الثمن وإسقاط له فلم يكن ملائما للعقد بخلاف الكفالة والرهن ". والفرض أن يرد الشرط في عقد البيع قاضيا بحوالة الثمن الذي في ذمة المشتري حوالة دين إلى ذمة شخص آخر قد يكون مدينا للمشتري (غريما من غرمائه) فيصبح هذا المدين وقد تحمل الدين بالثمن نحو البائع، وتبرأ ذمة المشتري من الثمن. هذا الشرط لا يقتضيه العقد، ثم هو يلائم العقد؛ لأن الحوالة إبراء لذمة المشتري من الثمن كما يقول صاحب البدائع، ولكن إذا كانت الحوالة إبراء عن الثمن وإسقاط له من وجه، فهي من وجه آخر تقرير لوجوب الثمن وتأكيد له. فإن الإبراء لا يكون إلا عن شيء واجب. هذا إلى أن الحوالة ليست إبراء فحسب، إذ هي إبراء لذمة المحيل - إبراء غير كامل - وشغل لذمة المحال عليه، وفي هذا أيضا تقرير لوجوب الثمن وتأكيد له. ولا يختلف الأمر إذا ضمن المشتري الثمن لغريم من غرماء البائع أي لدائن من دائنيه، ولو كان ذلك عن طريق حوالة الدين الذي في ذمة البائع لدائنه إلى ذمة المشتري، فإن المشتري بقبوله هذه الحوالة إنما تؤكد وجوب الثمن في ذمته وبدلا من أن يدفعه للبائع يكون واجبا عليه أن يدفعه لدائن البائع. فالشرط كما نرى ملائم لمقتضى عقد البيع كل الملاءمة، ويعدل في ذلك شرط الرهن وشرط الكفالة. من أجل ذلك نرجح الأخذ بما جاء في فتح القدير من أن " شرط الحوالة كالكفالة " وبما جاء في المبسوط من أن " شرط الحوالة في هذا كشرط الكفالة " لأنه لا ينافي وجود أصل الثمن في ذمة المشتري، فإن الحوالة تحويل، ولا يكون ذلك إلا بعد وجود الثمن في ذمة المشتري، بخلاف ما لو شرط وجوب الثمن ابتداء على غير المشتري بالعقد فإن ذلك ينافي موجب العقد فكان مفسدا للعقد.

ص: 103

الشرط الذي يلائم العقد يصح استثناؤه على سبيل الاستحسان عند الحنفية ويصح أصلا في المذاهب الأخرى

لم تجز الحنفية الشرط الذي يلائم العقد إلا استثناء على سبيل الاستحسان، ملحقين إياه في المعنى بالشرط الذي يقتضيه العقد. وإلا فإن الشرط، ولو لاءم العقد ما دام العقد لا يقتضيه لا يجوز على مقتضى القياس عند الحنفية، فإن فيه زيادة منفعة لا يقتضيها العقد، فيكون عقدا في عقد، وهذا لا يجوز، وإنما صح هذا الشرط على سبيل الاستحسان كما قدمنا؛ لأنه مقرر لحكم العقد من حيث المعنى، مؤكد إياه، فاشتراط الرهن أو الكفالة بالثمن يؤكد وجوب استيفاء الثمن، واستيفاء الثمن ملائم للعقد، ومثل هذا الاشتراط يكون بمثابة اشتراط صفة الجودة في الثمن.

جاء في المبسوط (جزء 13 ص 19): وإن شرط أن يرهنه المبتاع هذا بعينه، ففي القياس: العقد فاسد لما بينا أنه شرط عقد في عقد، وفي الاستحسان: يجوز هذا العقد؛ لأن المقصود بالرهن الاستيفاء، فإن موجبه ثبوت يد الاستيفاء، وشرط استيفاء الثمن ملائم للعقد، ثم الرهن بالثمن للتوثق، فاشتراط ما يتوثق به كاشتراط صفة الجودة في الثمن، وقد رأينا صاحب البدائع يقول في هذا المعنى:" وكذلك الشرط الذي لا يقتضيه العقد، لكنه ملائم للعقد " لا يوجب فساد العقد أيضا؛ لأنه مقرر لحكم العقد من حيث المعنى مؤكد إياه. . فيلحق بالشرط الذي هو من مقتضيات العقد، وذلك نحو ما إذا باع على أن يعطيه المشتري بالثمن رهنا فإن كان معلوما فالبيع جائز استحسانا، والقياس ألا يجوز الشرط الذي يخالف مقتضى العقد مفسد في الأصل، وشرط الرهن والكفالة مما يخالف مقتضى العقد فكان مفسدا، إلا أننا استحسنا الجواز؛ لأن هذا الشرط لو كان مخالفا مقتضى العقد صورة فهو موافق له معنى؛ لأن الرهن بالثمن شرع توثيقا للثمن، وكذا الكفالة، فإن حق البائع يتأكد بالرهن والكفالة، فكان كل واحد منهما مقررا لمقتضى العقد معنى، فأشبه اشتراط صفة الجودة في الثمن وأنه لا يوجب فساد العقد، فكذا هذا.

أما في المذهب الشافعي، فالظاهر أن الشرط الذي يلائم العقد يصح أصلا لا استثناء، بخلاف المذهب الحنفي فالشرط فيه لا يصح إلا على سبيل الاستثناء كما قدمنا.

وأما المذهبان المالكي والحنبلي فيبدو أنهما يجيزان الشرط الملائم للعقد على اعتبار أن هذا الشرط إذا كان العقد لا يقتضيه فإنه لا ينافي مقتضى العقد وهو من مصلحته، وما لا ينافي مقتضى العقد - وإن كان العقد لا يقتضيه -

ص: 104