الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذلك.
سادسا: أن المشهور في عرف الشرع أن النبي أعم من الرسول، فإنه من أوحى إليه وأمر بالتبليغ
بدراستنا لهذه الآراء نجد أنها جميعا لا تقدم لنا الفرق الكافي بين لفظي النبي والرسول، بل إن بعضها يتهافت في نفسه عند أول طعن، كالرأي الثالث الذي نقضه الإمام الألوسي، وإذا كان أهم هذه الآراء وأشهرها وهو الرأي السادس، فإننا بدراسته نجد أنه لا يحدد الفرق بين النبي والرسول تحديدا بينا فهو يخلط بينهما، يجعل النبي نبيا إذا لم يؤمر بالتبليغ، ويجعله رسولا إذا أمر بالتبليغ، مما لا يجعلنا نرى هناك فرقا واضحا بينهما، ونشارك في ذلك الرأي الإمام الألوسي بقوله تعقيبا على هذا الرأي:
(ولا يصح إرادة ذلك؛ لأنه إذا قوبل العام بالخاص يراد بالعام ما عدا الخاص، فمتى أريد بالنبي ما عدا الرسول، كان المراد به من لم يؤمر بالتبليغ، وحيث تعلق به الإرسال صار مأمورا بالتبليغ، فيكون رسولا فلم يبق في الآية بعد تعلق الإرسال رسول ونبي مقابل له)(1).
* * *
(1) روح المعاني للإمام الألوسي جـ 17 ص 173.
نهج القرآن في تحديد كل من النبي والرسول
أولا: أنه ليس من الضروري أن يأتي الرسول بشريعة جديدة، وهذا نأخذه من قوله سبحانه وتعالى عن يوسف عليه السلام:{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} (1).
وقوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} (2){وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (3).
فإن يوسف عليه السلام كان يسير على شريعة إبراهيم عليه السلام، وداود وسليمان عليهما السلام كانا يسيران على شريعة التوراة، ومع ذلك كانوا من الرسل.
ثانيا: أن الأنبياء يأتيهم وحي من الله سبحانه وتعالى فيبلغونه للمؤمنين، مع وجود شريعة يعمل بها،
(1) سورة غافر الآية 34
(2)
سورة النساء الآية 163
(3)
سورة النساء الآية 164
وهذا يكون كالفهم لها، ولكنه فهم موحى به من قبل الله سبحانه وتعالى، وهؤلاء كأنبياء بني إسرائيل، ونرى ذلك كما في قول الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا} (1).
فهم يطلبون وحيا من الله يخبرهم بملك يقاتلون تحت قيادته.
ثالثا: عند قراءتنا لقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} (2) نجد أنه إرسال يشمل النبي والرسول، إذن فهناك إشراك في جزء من الرسالة للنبي، ويعلق على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} (3) وقوله: {مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} (4) فذكر إرسالا يعم النوعين، وقد خص أحدهما بأنه رسول، فإن هذا هو الرسول المطلق، الذي أمر بتبليغ رسالته إلى من خالف الله كنوح، وقد ثبت في الصحيح أنه أول رسول بعث إلى أهل الأرض، وقد كان قبله أنبياء كشيث وإدريس، وقبلهما آدم كان نبيا مكلما.
قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام، فأولئك الأنبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه، ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم؛ لكونهم مؤمنين بهم، كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلغه العلماء عن الرسول. اهـ) (5).
ومن هنا، وبناء على ما ذكرناه استنادا إلى كتاب الله تعالى، فإننا نرتضي رأي الإمام ابن تيمية فهو الذي يسير مع المنهج القرآني حيث يقول:(النبي هو الذي ينبئه الله، وهو ينبئ بما أنبأه الله به، فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول، أما إذا كان يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول)(6).
(1) سورة البقرة الآية 246
(2)
سورة الحج الآية 52
(3)
سورة الحج الآية 52
(4)
سورة الحج الآية 52
(5)
كتاب النبوات للإمام ابن تيمية ص 173.
(6)
كتاب النبوات للإمام ابن تيمية ص 172.
ونحن نضيف إلى هذا الرأي: أن مهمة النبي تتناول التبليغ عن الله عز وجل في أمور تتعلق بمصلحة المؤمنين، والفصل في قضاياهم العامة كما قال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ} (1).
كما تتناول الإشراف على سياسة الدولة وتولية المناصب من لدن الله عز وجل، كما قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (2).
وكذلك تتناول التشريع في مسائل جزئية فيها صبغة التشريع المؤقت، كما قال تعالى على لسان ذلك النبي:{إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} (3).
أما مهمة الرسول فهي شاملة لكل التشريعات القديمة أو الجديدة، على أن تخصيص الرسول بإنزال كتاب جديد عليه قضية لم يقم عليها دليل، ونحن نؤمن بأن جميع الأنبياء والرسل لا بد أن يكون معهم كتاب يكون دستورا للشريعة التي يحكمون بها.
(1) سورة المائدة الآية 44
(2)
سورة البقرة الآية 246
(3)
سورة البقرة الآية 249
(4)
سورة البقرة الآية 213
الدكتور: منيع عبد الحليم محمود
تاريخ الميلاد: 14 يناير 1945 بالزيتون - القاهرة - مصر.
العمل: مدرس التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر.
التخصيص: التفسير وعلوم القرآن.
المؤهلات:
- حاصل على الشهادة العالية من كلية أصول الدين جامعة الأزهر وكان ترتيبه الأول على قسم التفسير والحديث.
- حاصل على درجة الماجستير من كلية أصول الدين جامعة الأزهر في التفسير.
- حاصل على درجة الدكتوراه من كلية أصول الدين جامعة الأزهر بمرتبة الشرف الأولى في التفسير، وقررت لجنة المناقشة التوصية بطبع رسالته وتبادلها مع الجامعات الأخرى عام 1974.
المؤلفات: قام الدكتور منيع بتأليف وتحقيق العديد من الكتب منها: وكان خلقه القرآن، دراسات في السيرة النبوية، الأخلاق المتبولية، أبو الأنبياء، دراسة من القرآن الكريم، الألوهية النبوة الأخلاق، دراسة من سورة الفرقان.
وله الكثير من البحوث والمقالات منها: الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم، الإمام القاسمي ومنهجه في التفسير، الإمام البغوي ومنهجه في التفسير، الإمام سفيان الثوري ومنهجه في التفسير، الإمام الطبري ومنهجه في التفسير، الإمام ابن كثير ومنهجه في التفسير. هذا غير الأحاديث الإذاعية.
سافر إلى كثير من البلاد منها: المغرب، حيث حضر الدروس الحسنية - وبومباي بالهند، حيث حضر الحلقة الدولية للدراسات العربية الإسلامية - ومكة، حيث حضر مؤتمر رسالة المسجد.
العنوان: جمهورية مصر العربية - القاهرة - الزيتون - شارع العزيز بالله - منزل رقم 54.
من كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري في القضاء
بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس. سلام عليك. أما بعد.
فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك وانفذ إذا تبين لك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك البينة على من ادعى واليمين من على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا، ولا يمنعك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع على الحق، فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل