الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمود شيت خطاب
الرسالة العسكرية للمسجد
الثكنة الأولى
" قبل معركة اليرموك الحاسمة بين المسلمين والروم التي دارت رحاها سنة ثلاث عشرة من الهجرة " 634 م ".
قال رجل من المسلمين لخالد بن الوليد: ما أكثر الروم وأقل المسلمين.
فقال خالد: ما أقل الروم وأكثر المسلمين إنما تكثر الجنود بالنصر، وتقل بالخذلان ".
…
" لقد أحصيت عدد القادة الفاتحين، فكانوا " 256 " قائدا عربيا مسلما منهم " 216 " من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، و " 40 " من التابعين - عليهم رضوان الله -
وكل القادة المنتصرين بعد الفتح الإسلامي كانوا متدينين غاية التدين. . . فمن أين جاء المستعمرون بفرية التناقض بين التدين والعسكرية؟! ".
…
لا حدود لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم دروسا وعبرا، فهو الأسوة الحسنة للمسلمين في كل زمان ومكان، يتعلم منها من يتعلم ما يفيده في حاضره ومستقبله، وقد صدرت كتب وبحوث ودراسات في العربية وغيرها، كتبها مسلمون وغير مسلمين في السيرة المطهرة لم تصدر عشر معشارها عن شخصية أخرى منذ خلق الله الإنسان حتى اليوم، وستصدر أضعافها في المستقبل القريب والبعيد بحول الله. وقد أجرت هيئة تابعة للأمم المتحدة خاصة بالعلوم والآداب والفنون إحصائية عن الكتب والبحوث والمؤلفات التي نشرت عن الشخصيات العالمية، فتفوق ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما صدر عن الشخصيات الأخرى فواقا بعيدا.
وقد أمعنت النظر في حياته المباركة، فوجدتها تتلخص في التوحيد والجهاد.
لقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم في مكة منذ مبعثه حتى هجرته من أجل الجهاد، وحد الأفكار بالتوحيد، ووحد الصفوف بالتوحيد، ووحد الأهداف بالتوحيد.
وجاهد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة منذ هجرته إليها حتى التحق بالرفيق الأعلى من أجل التوحيد. ففرض الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا.
كانت همته بناء الرجال، وكان سبيله التوحيد من أجل الجهاد، والجهاد من أجل التوحيد، وبالتوحيد أشاع الانسجام الفكري بين العرب، وهذا الانسجام جعل التعاون بينهم ممكنا، فوحد لأول مرة في التاريخ شبه الجزيرة العربية تحت لواء الإسلام، توحيدا لم يستطعه أحد غيره قبل الإسلام وبعده، فكان فضل الله عليه وعلى أصحابه عظيما.
وحين هاجر - عليه أفضل الصلاة والسلام - إلى المدينة، شرع ببناء المسجد وعمل مع أصحابه في تشييده، فكان هذا المسجد الثكنة الأولى في الإسلام.
فقد كان عليه الصلاة والسلام، يحشد أصحابه في المسجد، ويحرضهم على الثبات في القتال، وتنطلق الغزوات والسرايا من المسجد، ويجتمع أصحابه حين يداهمهم الخطر في المسجد، ويعود المنتصرون من الغزوات والسرايا إلى المسجد، وتضمد جروح المصابين في المسجد.
والفرق بين الغزوات والسرايا معروف. . . الغزوات هي التي قادها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه،
والسرايا هي التي تولى قيادتها قادة النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرج الشيخان واللفظ لمسلم عن أنس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة رضي الله عنه يجري في عنقه السيف وهو يقول: " لم تراعوا لم تراعوا (1)» .
سبق عليه الصلاة والسلام جماعة الاستطلاع إلى الصوت، وكان الصحابة في المسجد عليهم السلام جاهزين لتنفيذ أوامر الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام.
لقد كان المسجد في أيام النبي صلى الله عليه وسلم مثابة للمجاهدين والمثابة هي مكان اجتماع القائد بجنوده، وكان المنادي يهتف: الصلاة جامعة حين يتهدد المسلمين خطر من الأخطار، فيتقاطر المجاهدون زرافات ووحدانا إلى المسجد عليهم السلاح، ليقاوموا الخطر ويقضوا على مصدره تنفيذا لخطة قائد واحد، تحقيقا لهدف واحد، هو الدفاع عن الإسلام حتى تكون كلمة الله هي العليا.
ولست بحاجة أن أثبت قابلية النبي صلى الله عليه وسلم القيادية: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (2) ولكن الفضل ما شهدت به الأعداء.
كتب المشير اللورد مونتكومري في آخر كتاب ألفه صدر سنة 1385 هـ (1965م) بعنوان: السبيل إلى القيادة، ما نصه (محمد أعظم قائد في التاريخ).
ولست أعتز بهذه الشهادة ولا قيمة لها في نظري، ولكنني ذكرتها خاصة للذين لا تطربهم مغنية الحي، عبيد الاستعمار الفكري البغيض.
…
وبقي للمسجد مكانته السامية مثابة للمجاهدين في أيام الفتح الإسلامي منذ بدأ الفتح الإسلامي العظيم سنة إحدى عشرة من الهجرة حتى توقف سنة أربع وتسعين من الهجرة، فامتدت دولة الإسلام من حدود الصين شرقا إلى قلب فرنسا غربا، ومن سيبيريا شمالا إلى المحيط جنوبا، وكان سبب
(1) صحيح البخاري الأدب (6033)، صحيح مسلم الفضائل (2307)، سنن الترمذي الجهاد (1687)، سنن أبو داود الأدب (4988)، سنن ابن ماجه الجهاد (2772)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 147).
(2)
سورة الأنعام الآية 124