الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معارج الكمال، ويصل بها إلى كمال العبودية الحقة فيكون عبدا حقا وصدقا.
بدلا من هذا كله أصبحت هذه الشعائر التعبدية من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها. . . غايات في ذاتها، يحافظ عليها المرء دون أن تكون لها صلة بحياته، ويؤديها ثم ينطلق بعدها كما يريد دون أن يشعر بالتعارض والتناقض.
وأنى لمثل هذا أن يتفكر في حقائقها، وأن يستفيد من دروسها، ما دام ينظر إليها تلك النظرة، ويفهمها ذلك الفهم!!.
مثله في هذا مثل الطفل الصغير الذي يرى المدرسة قيدا لحريته، ولكنه يذهب إليها إرضاء لوالده أو خوفا من عقابه. . . فأنى له أن يستفيد من مدرسته، وهيهات أن يتخرج من المدرسة - ما دام على هذه الحال - عالما صالحا!!
إنه لن يستفيد منها حتى يعلم حقيقتها، وتتغير نظرته إليها.
* * *
خطر هذا التحول على الحياة الإسلامية
وبعد عرضنا لتحول مفهوم العبادة وتحليلنا لأسبابه، يمكننا أن نتلمس خطر هذا التحول في حياة المسلمين، ونجمله في جانبين أساسيين:
1 -
فقدان أثر هذه المدارس التربوية في النفوس.
2 -
ومن ثم: زهد الناس فيها، وضياعهم بتركها.
أما الجانب الأول: فيظهر جليا بقدر تفهم أثر تلك الشعائر التعبدية، والمدارس التربوية في نفوس الناس وحياتهم.
تصوروا بلدة كثر فيها بناء المدارس التعليمية، والمستشفيات الصحية حتى عمت كل حي وشارع. . . إلا أن الناس فيها أعرضوا عنها، واكتفوا بكثرتها وانتشارها، فلا أساتذة ولا طلاب في المدارس، ولا أطباء ولا مرضى في المستشفيات. . . فهل يمكن لهذه المؤسسات أن تؤدي وظيفتها في هذه المدينة، فتشيع بين أهلها العلم، وتقضي على الأمراض
والأسقام!!؟
وهل يغني هؤلاء القوم وجودها عندهم، وانتشارها بينهم؟!
فذلك مثل الشعائر التعبدية، والمدارس الدينية التربوية التي افتتحها الله لعباده، وبين حاجتهم إليها، ومجال الاستفادة منها فقال عن الصلاة:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (1). وقال عن الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (2) وقال: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (3) وقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه (4)» .
وقال عن الزكاة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (5). وقال عن الحج: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (6) وقال: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (7). إلى غير ذلك من نصوص عللت مشروعية العبادات والأعمال الشرعية وبينت أثرها في حياة الناس. . . فإذا باشر الناس هذه العبادات، وأدوا هذه الشعائر على أنها مجرد أوامر، دون تنبه لمقاصدها، وحرص على الاستفادة منها، فقدوا خيرها وآثارها في نفوسهم، وزهدوا من بعدهم فيها.
وأما الجانب الثاني: وهو زهد الناس فيها، وضياعهم بتركها، فيؤكده واقع المسلمين اليوم في أغلب بلدانهم، حيث ترى محافظة الكبار منهم على هذه الشعائر التعبدية محافظة عادة.
في الوقت الذي ترى فيه إعراض الشباب عنها، وزهدهم فيها، فالناس بين محافظين غافلين، وبين معرضين زاهدين. . . وأي شيء أخطر على حياة المسلمين من هذه الحال. . .!؟
(1) سورة العنكبوت الآية 45
(2)
سورة البقرة الآية 183
(3)
سورة البقرة الآية 184
(4)
رواه البخاري.
(5)
سورة التوبة الآية 103
(6)
سورة الحج الآية 28
(7)
سورة الحج الآية 37
إن السنة الكونية التي بينها الله عز وجل بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (1) والتي بينت لنا الداء، وكشفت لنا عن سبب هذا التحول الخطير، هي نفسها مع مثيلاتها من آيات الله توضح له الدواء، وتصف أساليب العلاج.
فكما تحول واقع المسلمين من حسن إلى سيئ تبعا لتغير مفهومهم لحقيقة وجودهم، وتقصيرهم في أداء وظيفتهم. . . فكذلك تكفل الآية لهم أن يغير الله ما بهم، ويعيدهم إلى ما كانوا عليه من خير إذا ما حققوا ذلك الشرط، وغيروا واقعهم السيئ الذي صاروا إليه، فأصلحوا مفاهيمهم، وقاموا بوظيفتهم حق القيام.
كل هذا يؤكده منطوق هذه الآية، فيشمل التغيير من أسفل إلى أعلى، كما شمل التغيير من أعلى إلى أسفل. . .
إلا أن هذا التغيير المطلوب ليس بالأمر السهل الهين، وإنما يحتاج إلى جهود عظيمة متواصلة. . . جهود خاصة يبذلها الدعاة والمربون، وجهود عامة يقوم بها عامة المسلمين. . .
فعلى الدعاة أولا أن يوضحوا للناس الحكمة من مشروعية هذه العبادات، وكيفية الاستفادة منها، وأن يلمسوا الناس واقعهم السيئ الذي هم في غفلة عنه، والذي سببه جهلهم بحقيقة هذه العبادات وغاياتها، وتحول مفهومهم لها.
وعلى الناس ثانيا أن يتفهموا هذه الحقائق، ويتنبهوا إلى الخطر المحدق بهم، ليؤدوا هذه الشعائر التعبدية عن وعي وفهم، وبخضوع وخشوع، لتؤتي ثمارها في نفوسهم.
ومن ثم تأتي رغبة الأجيال بها، ويقوى حرصهم عليها، إذا لمسوا آثارها في النفوس، وظهرت فوائدها للعيون. . .
وعندئذ تقل الحاجة إلى الكلام والإقناع؛ لأن الواقع العملي المتحرك أكبر مؤثر في النفوس، والصلاح المنبثق عن العبادة أول داع لها ومحبب فيها. . .
فلنسهم جميعا في توضيح هذه الحقائق للناس بالوسائل المختلفة، والأساليب المتنوعة، ولنكون من أنفسنا وأهلينا نماذج تطبيقية سليمة تكون الداعية الأولى للصلاح، والمصدق الأكبر لما ندعو إليه، وعندئذ نوفر
(1) سورة الرعد الآية 11
كثيرا من الجهود، ونجني أطيب الثمار، ونستعيد رضا الله ورحمته التي وعد بها عباده التائبين المؤمنين الحريصين على العمل الصالح فقال سبحانه:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (1){إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} (2).
ونحقق وعد الله لنا بقوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (3).
(1) سورة مريم الآية 59
(2)
سورة مريم الآية 60
(3)
سورة العنكبوت الآية 69
الدكتور: محمد أبو الفتح البيانوني
1 -
الاسم الكامل: محمد عبد الله أبو الفتح البيانوني.
2 -
التولد: عام 1359 هـ الموافق 1940 م في مدينة حلب شمال سورية.
3 -
التخصص العلمي: في أصول الفقه، ولقد حصل على شهادة " الدكتوراه " في أصول الفقه من الجامعة الأزهرية برسالة قدمها بعنوان " الحكم التكليفي في الشريعة الإسلامية " وذلك عام 1390 هـ.
4 -
العمل الحالي: عين مدرسا بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية منذ عام 1389 - 1390 هـ ولا يزال مدرسا فيها.
5 -
إنتاجه العلمي: صدر له كتاب عن الإمام " سفيان الثوري " - حياته العلمية والعملية - وله كتاب تحت الطبع بعنوان " دراسات في الاختلافات الفقهية " وأبحاث متفرقة لم تطبع بعد.
6 -
العنوان الدائم: سورية - حلب - الجبيلة، أو الرياض - كلية الشريعة.
عن بلال بن الحارثة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من الخير ما يعلم مبلغها يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من الشر ما يعلم مبلغها يكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه (1)»
(1) سنن الترمذي الزهد (2319)، سنن ابن ماجه الفتن (3969)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 469)، موطأ مالك الجامع (1848).