الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إعداد: إسماعيل راجي الفاروقي.
المسلمون في أمريكا
إن أهمية أمريكا للإسلام لا يمكن المبالغة فيها، فأمريكا أعظم قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية في العالم. وهي رأس الرمح للحضارة الغربية والمسيحية، كما أنها الأم المولدة لحركات العصر الحديث. لذلك لا تستطيع أية حركة إسلامية إغفالها، فإن كانت الحركة الإسلامية حقا، لا بد لها من أن تكون عالمية وأن تستهدف الأرض كلها. إذ لا بد لها من مواجهة أمريكا وتصفية الحساب معها.
ومن جهة أخرى فإن العالم الإسلامي يعتمد بالضرورة على أمريكا لمساعدته في التنمية. وقد مرت عشرات من السنين والعالم الإسلامي يقذف بآلاف من أبنائه للتعلم والدرس والتمرين في علوم الغرب وفنونه الحديثة. فالعالم الإسلامي إذا لا يرتبط بأمريكا من حيث هي قوة وكيان خارجي فحسب، بل من حيث إنها قوة داخلية تزدهر وتنمو.
فما هي رؤيا المسجد لأمريكا؟ وعلى أية أسس تعتمد؟.
حقا، إن أعظم فتح في التاريخ لهو الفتح الذي يدخل أمريكا في الإسلام. ولكن هل فتح مثل هذا ممكن؟.
هل يجوز لنا أن نأمل أن أمريكا، بكل ما لها من سلطة وديناميكية، بكل ما فيها من خبرات كانت بالفعل أم بالقوة، ستدخل يوما ما في الإسلام وتصبح ركنا من أركان الإسلام؟ هل يجوز لنا أن نتطلع إلى اليوم الذي يدخل فيه الشعب الأمريكي بمئات ملايينه في الإسلام فتصبح أمريكا دولة إسلامية وأرضا تعلو فيها كلمة الله وشعبا يجاهد في سبيل الله، ويسير في خطى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم؟.
نعم، بالتأكيد، هذه رؤيا ليست فقط مرغوبة بل هي ممكنة. بل ضرورية.
هذه الرؤيا ممكنة لأسباب ثلاثة:
أولا. إن المسيحية بفرعيها الكاثوليكي والبروتستنتي، تضمحل باستمرار منذ قرون. فنشأة العلمانية، والمادية، والعلوم الطبيعية والعقلانية، والحرية الشخصية، رافقها سقوط معاكس في المسيحية. ذلك أنها تؤمن بما يناقض هذه الحركات جميعا. فهي تؤمن بسلطة عرفية للكنيسة وبعلم لاهوت لا عقلاني، وباحتكار الحياة الدينية عن طريق القداس. وهي تتنكر للحياة والأرض بإيمانها بمملكة أخرى غير الأرض وخارج الزمان والمكان الذي نعرف، وهي المملكة التي تصبو إليها دون الدنيا. أما فصل المسيحية للروح عن المادة فقد أدى في العهد الحديث إلى ثورة العرب ضد الدين وانغماسه في طلب اللذة والسعادة المادية. وكذلك، أدى إصرار المسيحية الغالي على الخلاص الفردي والقيم الشخصية إلى حرية مبالغ فيها أصبحت فوضى وانعدامية. لهذه الأسباب، يرفض الإنسان الغربي أن يستمد وحيه من المسيحية. سواء فيما يتعلق بحياته الشخصية أو بحياته الاجتماعية، أو بحياة المجتمع ككل.
ثانيا. إن سعي الغرب للسيطرة على الطبيعة عن طريق العلوم أحرز أعظم المكاسب وحقق أبعد الأهداف. فقد أخذت هذه العلوم الإنسان إلى القمر، واستكشف ما وراء ذلك، وأشفت معظم الأمراض واستعمرت الأرض مستغلة قوى الطبيعة ومسخرة إياها لخدمة الإنسان. إلا أن جميع هذه المنجزات حصلت استنادا على التفريق والفصل النهائي بين " ما يكون " و " ما يجب أن يكون "، بين الظاهرة أو الواقعة من جهة، والقيمة من جهة أخرى. وهذا الفصل هو الذي حرر السعي العلمي من جميع القيود ولكنه أفلت منه زماما شيطانيا جديدا. وبالتالي، فسد المسعى وتحولت النعمة إلى نقمة، وتملك الإغلال الخلقي من كل سعي مادي.
فاليوم، الرجل الغربي ثائر ضد تغلبه على الطبيعة وقواها. وهو مثقل بشعوره بالإثم، لا يعرف أين يتجه؟ يوشك أن يستسلم لقدر لا يقوى على فهمه، ويعرف أنه لا شر يكن له إلا المآسي.
ثالثا إن عدم أخلاقية العلوم الطبيعية في الغرب، وإفلاس المسيحية كدين، حرما الرجل الغربي من تحقيق ذاته الروحية وإحلال السعادة في حياته، لهذا تراه يقدم على الأديان الأخرى الغريب منها، كالهندوكية والبوذية والصينية واليابانية والبدائية، والمعروف لديه كالمسيحية يرجع بها إلى تفهمات الأوائل البدائيين. كل هذا دون جدوى. لأن الإنسان الغربي متعلق بالأرض والحياة تعلقا لا ينفصم ولا يكل، بينما تقوم الحياة والأرض بخدعة وإفساد مساعيه. والمسيحية، تتنكر لمسعاه الدنيوي تماما كما تقضي الأديان الجديدة عليه وتحمله إثمها. فضميره ممزق وشخصيته مفصومة، لا ينفعه دينه ولا تدينه بل يزيدانه شقاء على شقاء.
هذه الأسباب الثلاثة تجعل استمرار الواقع الديني في الغرب أمرا مستحيلا، لا سيما أمريكا. وهذه الاستحالة هي نفسها إمكانية الدخول في دين الله.
فالإسلام قادر على حل مشكلة الإنسان الغربي. وهو قادر على نشله من الحرج الوجودي الذي يتخبط فيه، فالإسلام يبارك سعيه الدنيوي وتسخيره للطبيعة، ولكنه أيضا يتحكم بهذا السعي والتسخير وإخضاعه إياهما الزمات الأخلاق. ذلك أن الله سبحانه وتعالى هو الذي سخر الطبيعة وقواها للإنسان ومنحه أن ينتفع منها ما أراد وما استطاع سبيلا، وذلك أيضا أن الله الذي سخر وبارك المسعى هو مصدر الأخلاق والقيم، وهو الذي عرفنا بأوامره وإرادته عن طريقي الوحي والعقل. فالإسلام يستطيع أن يوحد شطري الشخصية الغربية وهو الذي يقدر على توجيه الإنسان الغربي لحياة السعي ولحياة التقوى وذلك بتوجيه الحياتين لله تعالى.
إلا أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يستطيع هذا، وهذا هو معنى ضرورة دخول أمريكا في الإسلام. لا يوجد دين ولا نعرف مذهبا سوى الإسلام يقوى على إعطاء الرجل الغربي كلا المادة والروح، كلا تسخير الطبيعة والانتفاع بالروح، كلا الدنيا والآخرة، كلا السعادتين.
حقا إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يقدر على إيقاف الاضمحلال والتدهور في أمريكا. وهو وحده يقوى على بعث روح جيدة فيها تحركها نحو الدنيا والأخلاق معا. . فالإسلام وحده يزكي أموالها وثرواتها وذلك بنقض العنصرية والاستغلال والاستعمار وتصفيتها، وذلك بضمها على خطوط الإنسانية تحت عالمية الإسلام.
أي كسب هذا وأي فتح للحق والأخلاق! أي تقدم في التاريخ البشري! وأي تحقيق لإرادة الله تعالى ووعده! دخول أمريكا في الإسلام!.
أو ليس إذا من مشيئة الله تعالى أن الأمر في أمريكا لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بعد أن قام المسلمون بزرع الإسلام في أمريكا؟ أو ليس من مشيئته تعالى أن يحصل هذا عندما وجد المسلمون بين أيهدهم المال الكافي لتزويد اكبر وأعظم موجة دعوة دينية في التاريخ؟.
ومع هذا فما نحن صانعوه تجاه تحقيق هذا الوعد التاريخي الهائل؟ ألا يحقق دخول أمريكا في الإسلام إعلاء كلمة الله في الدنيا؟ كي يكتب الله لنا نصرا أكيدا وفتحا مبينا، ما الذي نبذله من جهد ونقوم به من عمل؟.
إياكم والظن أن قضية الإسلام تحقق ببناء غرفة أو إضافة حائط لمسجد. إياكم والظن أن إعلاء كلمة الله تحقق بمنح مبلغ من مال لهذا المسجد أو تلك الجماعة. إن قضية الإسلام تحقق فقط بتحقيق رسالته، وتحقق رسالته فقط بالدعوة إليها، لكن الدعوة المطلوبة اليوم ليست دعوة العجزة، ولا دعوة الشعائر ولا دعوة التأخر بل هي دعوة الآلاف من الدكاترة في العلوم الإسلامية، دكاترة في لغات وتاريخ الأمم المدعوة، دكاترة في الأديان وعلوم النفس، دكاترة في ثقافات وعادات الأمم المدعوة. فأين نحن من هذه الآلاف من الدكاترة، هذه الآلاف من جنود الله يقيمون الإسلام في حياتهم كما أقامه صحابة النبي صلى الله عليه وسلم؟.
عبد العزيز صالح العناني (1).
تقارير
البرازيل
إن الحديث عن المسجد ورسالته حديث طويل ممتد من أعماق التاريخ البعيد إلى وقتنا الحاضر، ويظل بآفاقه وخصوبته ما بقي على الأرض إسلام ومسلمون حتى يرث الله الأرض ومن عليها. . وفي مثل هذا المقام بين أهل العلم والتخصص تكفي اللمحة الدالة كي نعبر منها إلى جوهر الموضوع وفائدته؟.
ويكفي المساجد تيها وفخارا أن ينسبها الحق تبارك وتعالى إليه فتكون أشرف البقاع بهذا النسب حيث يجعلها بيوته ويعتبر عمارها وزوارها والقائمين فيها وعليها ضيوفه المكرمين وعباده المقربين (2) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زواري فيها عمارها.
رواه أبو نعيم " الاتحافات السنية بالأحاديث القدسية " ص 32.
ويقفها على ذاته يذكر فيها اسمه ولا يشاركه فيها غيره {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3)
ولا عجب - بعد ذلك - أن تكون تلك النوعية المتجردة هي المنطلق لذوي الخير والراغبين فيه، الباحثين عن الحق يرجون وصله ورضاه.
(1) مبعوث رابطة العالم الإسلامي في البرازيل
(2)
انظر نصوص الحديث في الملحق بالأرقام التسلسلية
(3)
سورة الجن الآية 18
ولا غرابة - بعد ذلك - في أن يكون إنشاء ذلك الحقل التربوي هو العمل الأول الذي أسس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم دولته وبدأ فيه جولته وانطلاقته فور هجرته المباركة.
ومن خلال هذه الأهمية الهامة للمسجد نراه وقد أحيط بسياج عجيب من الرعاية التي تضفي عليه من الجلال والهيبة ما يجبر على إعظامه وتوقيره والتعاطف معه بأجمل المشاعر.
فهو يحس ويؤمن أن مجرد الاتجاه إلى هذا البيت الكريم يقتضيه أن يتطهر وأن يسكن ويتوقر، وأن مجرد السعي نحوه يحط من سيئاته ويكثر من حسناته ويرفع من درجاته، وأن مجرد الوقوف على أبوابه يتطلب منه المناجاة والدعوات، بل وتنظيم الخطوات في تقديم يمينه، فما أن يسعد بالدخول حتى يشرع في تحية مولاه بالخشوع والصلاة، ثم هو في صلاة ولو كان ينتظر الصلاة، وحسبه أن أصبح في وجود له حصانته وحرمته، فلا يجرؤ أحد أن يمر يبن يديه، ولا أن يرفع صوته بالتشويش عليه، بل تنقطع جميع المحادثات ولو كانت عادية إلا ما كان منها علما أو ذكرا أو خيرا من أمور تعبدية. ويكفي المؤمن شعورا أنه في مجال: عمارته دليل الإيمان وبرهان الفلاح والهدى، سواء في ذلك العمارة الإنشائية أو العمارة الاستعمالية بالتردد والعبادة والإفادة وفصل القول: إنه بهذا التعلق القلبي الزكي يصل إلى درجة وهي غاية الغايات، حين يسمع بشرى نبيه صلى الله عليه وسلم «ورجل قلبه معلق بالمساجد (1)» ضمن الأنواع السبعة النادرة التي يظلها الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
ومن خلال هذا الطهر والصفاء يتعرف الإنسان على نفسه، وفي هذا الإطار الروحي الكريم يتعرف على إخوانه المسلمين، بل وفي هذه الضيافة المباركة يتعرف على ربه. . وفي ظلال تلك السماوات يدرك المؤمن ما عليه من واجبات وماله من حقوق فينسجم في جميع أحواله مع نفسه ومجتمعه ودينه في وحدة متناسقة يتحقق فيها بوصف المؤمنين الذين {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (2).
وإذا توفر هذا الوعي الراشد في أفراد المجتمع وأدركوا بالتطبيق العملي أن " المسجد " محراب صلاة ولقاء بالله وعز ومناجاة وموضع ذكر وفكر ومكان علم وتعليم ودار اعتكاف وتربية وميدان جندية وقيادة وضبط ودقة وإحكام، وأنه دار إفتاء ومجلس شورى وصالة قضاء ينصف فيها المظلوم ويستوي لديها الحاكم والمحكوم، وأنه دار لقاء وتعارف وحب وإيثار وتعاطف. يربط الأواصر ويصلح الباطن والظاهر.
فماذا تبتغي المجتمعات من سعادة حين تدرك الحسنى وزيادة.
(1) صحيح البخاري الأذان (660)، صحيح مسلم الزكاة (1031)، سنن الترمذي الزهد (2391)، سنن النسائي آداب القضاة (5380)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 439)، موطأ مالك الجامع (1777).
(2)
سورة البقرة الآية 285
ما يجب أن يكون
هذا الذي عرضنا إثارة من أثارة ما يريده الله ورسوله للأمة القدوة خير أمة أخرجت للناس، وهو ما كانت عليه المساجد بالفعل في الصدر الأول حتى أشعت على العالمين الخير كله، وهو ما كان ينبغي أن تستمر عليه تلك التجارب المثمرة، ولسنا بحاجة إلى استعراض ما آلت إليه الأمور من فوارق ندت به الفروع عن أصولها شكلا وموضوعا. فتلك أمور توافقت منها الشكوى حيث عمت بها البلوى، ولله در الداعين لهذا الخير والإصلاح يرتقون به فتوق هذه الأمة، ويردونها إلى ماضيها المجيد وتجاربها الإيجابية الرائدة، وقد حالفهم التوفيق حيث يجمعون مسئولية المساجد من أطراف الأرض في رحاب المسجد الإمام بيت الله الحرام أول بيت وضع للناس هدى للعالمين، عسى أن تعمنا بركاته وخيراته والله الهادي إلى سواء السبيل.
ولعل فيما سبق لمسا إجماليا للأثر التاريخي والروحي والفكري من " رسالة المسجد ".
إعداد الأئمة
وهذا موضوع له خطره وأهميته، فإن القيادة غير المعدة ربما ضرت أكثر مما نفعت وكما يقال:" إن زلة العالم يزل بها عالم "، وحين يضعف الإعداد فما أكثر الزلل ورب زلة واحدة تفتح أبواب فتنة، وأرجو أن تسمح الفرصة بتقديم نموذج يتضح فيه مقصدي: فقد طالعتنا الصحافة بعجائب في الأشهر الماضية تتحدث عن الإسلام بألسنة بعض دعاته تجافي روح الإسلام وأصوله وأسلوبه وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وإن توفر حسن النية لا يعفي من المسئولية على طول المدى.
ذلك أن خلال موجات الحوار المتبادلة بين رجالات الدين المسلمين والمسيحيين قد عرض بعض دعاتنا موضوعا أسماه (توحيد الإسلام والمسيحية) في لقاء ضم أربعة منهم: عالمان مسلمان وقسان مسيحيان. ونافح فيه ودافع وكرر فكرة " التوحيد بين الديانتين " خلال حديثه خمس مرات فضلا عن العنوان والحوار البناء الذي يكشف عن جوهر الإسلام بالبيان لمن جهل بعض حقائقه أو خفيت عليه بعض حكمه وتشريعاته. والذي يدفع عنه بعض الشبهات التي ألصقها به خصومه يكون جميلا بل هو واجب المسلمين ومسئولية العلماء نحو الحقائق التي شرفهم الله بحمل أمانتها. الحوار الذي أجراه علماؤنا المجاهدون في الرياض وباريس والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي في جنيف، والمجلس الأوربي في ستراسبورغ حول حقوق الإنسان ومصادر التشريع وموقف الإسلام من العلم وقضية السلام العالمي وقضايا المرأة والأحوال الشخصية وأسلوبه في " وحدة الأسرة البشرية إلخ. . .
أما أن تتمتع القضايا الأم تحت عناوين مستحيلة يسمح الداعية فيها لنفسه أن يسوي بين القرآن والإنجيل كمرجع للبحث متناسيا الفروق الجوهرية كي نصل - على حد تعبيره - إلى " أن الديانتين واحدة في الأصل والمبدأ والغاية ".
ثم ينطلق من مطالبة القرآن لنا أن نؤمن بالرسالات السابقة ورسلها وكتبها إلى القول " فكل مسلم مسيحي وزيادة، وعليه فأي غضاضة على مسيحي العرب في هذا المشرق أن يكونوا مسلمين مسيحيين كما نحن مسلمون مسيحيون، إذ لا يخرج المسيحي لو أسلم عن مسيحيته الحقيقية أصلا ولا عن نصرانيته الحقة أبدا ".
ونحن بحمد الله مؤمنون بالرسل جميعا ولا نفرق بين أحد منهم، ولكننا لسنا مسيحيين لأننا آمنا بعيسى عليه السلام رسولا، ولسنا يهودا لأننا آمنا بموسى عليه السلام رسولا، فإن قضية الإيمان قضية تصديق، ارتباطها بالقلب وما اعتبرنا مسلمين إلا بالانقياد التطبيقي لما جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم من تشريع، وهذا مجاله الجوارح عملا وتركا تجاوبا مع الأمر والنهي، وهذا سبيل تباينت فيه الأديان {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} (1) 48 المائدة.
وكيف ينسى الداعية - مهما حسنت نيته - أن الشرائع ينسخ اللاحق منها السابق، وهذا نص كريم {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (2)
ثم كيف يوصف المسلمون بأنهم " مسلمون مسيحيون " وقد ناداهم ربهم في قالب المنة والتكريم {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (3) 3 المائدة.
ورب الأديان الذي أنزلها لم يعتمد في كتابه الخاتم سواه {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (4) 19 آل عمران. . . بل حسم الأمر غاية حيث يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (5) 85 آل عمران. . . ظن أخونا الداعية أنه بهذا يستميلهم أو ينال رضاهم، ونسي أن القضية مطروقة وقديمة وأن الله تبارك وتعالى خاطب سيد المرسلين بقوله:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (6) 120 البقرة. ثم ينادي داعيتنا الكريم باسم الإسلام " مسيحيي العرب في هذا الشرق " أن يتبعوا سيدا من قومهم وسلالة أجدادهم وآثارها جنسية وقومية ووطنية إلخ. وفاته أن معتنقي المسيحية في العالم أضعاف العرب وكذلك الحال في المسلمين، وفاته أن هذا الأسلوب يتجافى مع روح الإسلام الحقة ويخالف طبيعة رسالته العامة، وأن مهمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما حكاها القرآن الكريم {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (7) 9 الصف. . . وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أدى ذلك البلاغ وسجل القرآن له {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (8) 158 الأعراف.
(1) سورة المائدة الآية 48
(2)
سورة البقرة الآية 106
(3)
سورة المائدة الآية 3
(4)
سورة آل عمران الآية 19
(5)
سورة آل عمران الآية 85
(6)
سورة البقرة الآية 120
(7)
سورة الصف الآية 9
(8)
سورة الأعراف الآية 158
وأنه صلى الله عليه وسلم كان يعطي هذا الجانب (أعني عرض الدعوة وإبلاغها) أعظم الاهتمام والعناية في إطار من أربعة أضلاع تكون سياجا منيعا لحماية الحق وحفظ كيانه والاعتراف بفضله حتى من معارضيه.
الأول: (الحسنى) في ظلال {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1) 6 العنكبوت.
الثاني: (العدل والمساواة) في ظلال {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (2) 64 آل عمران. . . ولم يقل مسلمون مسيحيون.
الثالث: (رفض الهوى والمساومات) في ظلال {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (3) 15 الشورى.
الرابع: (الحسم الواضح) في ظلال {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (4) وإذا استدعى الأمر {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (5)
وبهذا المسلك الموقن سد رسول الله صلى الله عليه وسلم الثغرات دون أهل الهوى والغرض، لكن العرض الضعيف يطمع ويفتح أبواب الفتنة والحق، أقول لقد قرأت الحوار وطالعته كما طالعت بعض التعليقات حوله بشعور أليم وقلب أسيف لما أثار من فرص موهومة بدا فيها الباطل صاحب وجهة نظر، وجرأت أهله على الرفض الصريح بل وعلى الغمز أحيانا. . {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (6)
ومن أجل ذلك وأمثاله أركز كل التركيز على موضوع إعداد الداعية شكلا وموضوعا علما وسلوكا. . والله المستعان.
(1) سورة العنكبوت الآية 46
(2)
سورة آل عمران الآية 64
(3)
سورة الشورى الآية 15
(4)
سورة البقرة الآية 256
(5)
سورة الكافرون الآية 6
(6)
سورة الممتحنة الآية 5
مقترحات
1 -
طبع رسائل جيب متتابعة تعرض تاريخ المسجد هنا وهناك من لطائف وقصص ونوادر حتى تكون نماذج تحتذى في رفق.
2 -
الاستعانة في مجال الوسائل بالفيلم السينمائي لعرض أفلام تصاغ خصيصا في التربية الصالحة وشرح بعض الغزوات وبعض العبادات في مراحلها كمناسك الحج وتعليم الصلاة للصغار وتقديم بعض الصور الأخلاقية ومقاومة الانحراف والجريمة بإعداد وإخراج مناسب، وإذا نجح فسوف يخرج تلقائيا إلى مجالات خارج المسجد وربما تبناه الإعلام العام مثل التلفزيون فيغزو كل بيت وكل أسرة.
3 -
من الوسائل الناجحة التي لجأ إليها التبشير الأمريكي الاهتمام بالصحة بين الطبقات الكادحة وهو موضوع إنساني يستميل القلوب والمشاعر فلا بأس أن نفيد منه.
4 -
من وسائل إعداد الأئمة أن تسجل بعض الخطب الجيدة وتوزع عليهم أو يستمعوا إليها في ندوات تجمعهم حسب ظروفهم وإمكاناتهم.
5 -
أيضا جولات تدريبية لا بأس أن تنتهي بإجراء مسابقة بينهم في الموضوعات أو الكتب التي طرحت عليهم في التدريب مع شيء من التشجيع الأدبي والمادي للمتفوقين أو للجميع.
6 -
معسكرات عمل وتطبيق وممارسة يختلط فيها الأئمة ويتفاعلون. . إلخ.
7 -
أصبح من الضروري في المرافق الملحقة بالمسجد بعض وسائل الترفيه المفيد من مكتبات وندوات بل وبعض الملاعب بالقدر المتاح للشباب، وبعض المدارس أو الفصول الدراسية الملحقة، أيضا شيء من الجانب العلاجي كالمستوصفات أو المشافي حسب ظروف المكان والبيئة والطاقة.
8 -
ربط مصالح الناس بالمسجد كإجراء عقود الزواج وما شابه.
9 -
وجوب تحذير المسلمين من طغيان الاهتمام بالبنيان على الجانب الروحي من بناء الإنسان في مثل الحديث التالي: عن أبي قلابة. . قال أنس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيأتي على الناس زمان يتباهون في المساجد ثم لا يعمرونها إلا قليلا» رواه البخاري. . انظر نيل الأوطار ج 2 - 169 باختصار. هذا وبالله التوفيق.
صفحة فارغة
أنباء إسلامية دولية
استقبل معالي وزير الإعلام السعودي: الدكتور محمد عبده يماني في شهر صفر من عام 1369 هـ الماضي رواد الفضاء الأميركيين يرافقهم الدكتور فاروق الباز عالم الفضاء المصري، وقد وجه معاليه إليهم هذه الكلمة القيمة.
إننا في المملكة العربية السعودية نشعر بسعادة كبيرة لما وفق الله إليه من تحقيق هذه النتائج التي كان فيها الخير الكثير للإنسانية جمعاء، ولا شك أن النتائج التي جاءت لمشروعات الفضاء. . كان بها آثار إيجابية على الإنسانية بصورة عامة، ونحن أيضا نفخر بهذا العمل لأننا جزء منه. فلقد ساهم أجدادنا كما تعلمون في هذا العمل وكانوا حلقة من الحلقات الأساسية، التي ساهمت في وضع أول إنسان على القمر، فقد كان هناك اهتمام كبير بعلوم الفضاء في البلاد الإسلامية. . كان لنا مراصد في طليطلة، وسمرقند، وبغداد، ومناطق كثيرة من العالم الإسلامي وبدأت هذه الجهود كما تعلمون عبر عصور تاريخية، وساهموا في وضع أجزاء أساسية من علوم الفضاء وعلم الفلك، منهم: أبو الحسن عبد الرحمن الرازي، فقد رصد ما يزيد عن ألف نجم، وحدد أماكنها جميعا بالنسبة لمبادرة الاعتداليين، وعين أقدار النجوم بدقة، قبل أن يوجد الحاسب الإلكتروني، ولا تختلف حساباته، كما تعلمون، عن ما هو معتمد لديكم اليوم، وهو الذي ذكر سديم المرآة المسلسلة قبل موبوس بأكثر من ستة قرون، وهو الذي حدد دائرة البروج ومبادرة الاعتداليين بدرجة كل ستة وستين عاما، وهو أيضا من الذين تحدثوا عن النجوم
الخفية والنجوم الظاهرة، وهناك أيضا له مجموعة من الكتب. وأيضا هناك ابن النديم، وابن القفطي، وابن العبري، ومجموعة من علماء العرب. . أثنى على جهودهم علماء كثيرون - كتسارطون وشبلاب والأردغون، ومن أشهر مؤلفاته: كتاب الكواكب الثابتة - كتاب التذكرة - كتاب مطارح الشعاعات، أيضا هناك أبو قاسم الأندلسي المجريطي وكان مقيما في قرطبة. وكان متقدما في الفلك والرياضيات. والمجريطي رصد الكثير من الكواكب واهتم بأزياج الخوارزمي، كما وضع أوساط الكواكب لأول تاريخ الهجرة وجعل نقطة الابتداء هي منتصف النهار، واعترف له الكثيرون من علماء الغرب، وتعتبر الجداول المجريطية اليوم أساسا هاما في كثير من المؤلفات الفلكية المأخوذة عنها خصوصا في أوربا. ومن كتبه الهامة كتاب الأسطرلاب الذي تعلمونه. .
أيضا هناك العالم المسلم الغ بك محمد بن شاه، كان ذا نبوغ كبير في علم الفلك، وكان على صلة كبيرة بالعاملين في هذا الوسط، وقد اخترع بعض الآلات الفلكية الهامة وزود بها المراصد الشهيرة حيث انتفع بها الباحثون في تلك المراصد. وقد كان مرصده أعجوبة في ما يحتويه من أدوات والطريقة التي عمل بها داخليا. وقد وضع زيج السلطاني وقسمه إلى أقسامه الشهيرة. ولا شك أن مدرسة علم الفلك في بغداد التي يرجع تاريخها إلى ولاية العالم أبي جعفر المنصور، قد حققت مراصدها الكثير من النجاح، ورصدت دراسات مختلفة وهكذا نحس بأننا كما ذكرت لكم نفخر بعملكم لأننا نعتبر أنفسنا جزءا متمما لهذا العمل - بدأنا به ونفخر بما حققتموه اليوم لأن فيه خيرا للإنسانية.